بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
– شرح كتاب "زاد المستقنع في اختصار المقنع"
– (كتاب المناسك)
– الدّرس: العاشر
*** *** *** ***
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيّنا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين، أمَّا بعد، قال المصنفُ -رحمهُ اللهُ تعالى- في تتمّةِ كلامِه في بابِ الفديةِ:
(ويجبُ بوطءٍ في فرجٍ: في الحجِّ بدنةٌ، وفي العمرةِ شاةُ)
– الشيخ: الفديةُ يعني حسبَ ما تقدّمَ وما يأتيهِ أنَّها فديةُ الأذى، وهي الصريحةُ المنصوصةُ بالقرآنِ: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196] وتُسمّى عند الفقهاءِ فديةُ الأذى أخذًا من هذه الآيةِ. وهذه الفديةُ نصَّ القرآنُ على أنَّها تجبُ في حلقِ الرأسِ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ [البقرة:196] بعد قوله: وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ ولكنَّ الفقهاءَ قاسوا على حلقِ الشعرِ جملةً من المحظوراتِ وهي أربعٌ سوى حلقِ الرأسِ: لبسُ المخيطِ، والثاني: تغطيةُ الرأسِ، والثالثُ: الطيبُ، والرابعُ: تقليمُ الأظفارِ، فهذه الأربعُ قاسوها على حلقِ الشعرِ، ويُسمّونها فديةُ الأذى، وهي على التخييرِ كما تقدّمَ في الآية وفي حديثِ كعبِ ابنِ عجرةَ: "انسكْ شاةً أو أطعمْ ستّةَ مساكين، أو صمْ ثلاثةَ أيامٍ".
وتقدّمَ أيضًا الكلامُ في جزاءِ الصيدِ وهو كذلك فيه تخييرٌ: فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ}[المائدة:95] فيجبُ في قتلِ الصيدِ الجزاءُ وهو ذبحُ المثلِ، يعني الذي شبه الصيد، تقدّمَ أنَّ الصحابةَ باجتهادٍ عيّنوا مِثلًا لبعضِ أنواعِ الصيدِ ومنها الحمامةُ فقالوا: فيها شاةٌ، والنعامةُ بدنةً لأنَّها شبيهةٌ لها في بعضِ خلقتِها، فإن وُجدَ المثلُ وإلّا فكفّارةٌ وذلك أن يقوّمَ المثلُ بدراهمَ كما تقدّمَ ويشترى به طعامًا فيطعمُ لكلِّ مسكينٍ مُد، أو يصومُ عن كلِّ مُدٍّ يومًا أخذًا من قولِه تعالى: أَو كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا [المائدة:95] فجزاءُ الصيدِ أو قتلِ الصيدِ أحدُ ثلاثةِ أمورٍ: إمَّا ذبحُ المثلِ، أو تقويمُهُ بطعامٍ، أو صيامٌ، فهو مخيّرٌ بين ثلاثةٍ لأنَّ "أو" للتخييرِ.
وتقدّمَ أيضًا أنَّ ممّا أدخلَهُ الفقهاءُ أيضًا في بابِ الفديةِ: دمُ التمتّعِ والقرانِ وليسَ هذا بفديةٍ، بل هو نُسُكٌ، والتحقيقُ أنَّه دمُ شُكرانٍ لا دمُ جُبرانٍ، واللهُ قد نصَّ على حكمِهِ بقولِهِ: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ [البقرة:196] وأولُ ذلك من حينِ الإحرامِ بالعمرةِ على الصحيحِ. وتقدّمَ ما ذكرهُ المؤلفُ من أنَّ وقتَ صيامِ هذه الثلاثةِ يومُ السابعِ والثامنِ والتاسعِ، وفي هذا مناقشاتٌ نبّهَ عليها الشيخُ محمدٌ جزاهُ اللهُ خيرًا. والصحيحُ أنَّ وقتَها يبدأُ بوقتِ الإحرامِ بالعمرةِ، وآخرُ الأيامِ أيامُ التشريقِ، وجاءت الرخصةُ بأيامِ التشريقِ كما في حديثِ ابنِ عمرَ وعائشةَ رضي اللهُ عنهما: "لم يرخّصْ في أيامِ التشريقِ أن يُصمنَ إلّا لمن لم يجدِ الهديَ".
ومن المحظوراتِ ما لا فديةَ له كعقدِ النكاحِ، ويذكرُ المؤلفُ هنا فديةَ الوطءِ قبلَ التحلّلِ الأوّلِ، وتقدّمَ أنَّه أشدُّ المحظوراتِ، وأنَّه به يفسدُ الحجُّ دونَ سائرِ المحظوراتِ، فيقول أنَّه يجبُ فيه بدنةٌ، فمن وطءَ قبلَ التحلّلِ الأوّلِ ترتَّبَ على ذلك فسادُ حجّهِ ويجبُ عليه المضيُّ فيه، ويجبُ عليه هديٌ وهو بدنةٌ، وإن وطءَ في العمرةِ قبلَ التحلّلِ وجبت عليه شاةٌ؛ لأنَّ العمرةَ حجٌّ أصغر، لهذا فرّقَ الفقهاءُ بينهما، واعتمدوا في وجوبِ الفديةِ، فديةِ البدنةِ في وطءٍ على بعضِ الآثارِ التي وردتْ عن الصحابةِ رضي اللهُ عنهم.
– القارئ: (وإنْ طاوعتْهُ زوجتُه: لزمَاها)
– الشيخ: أي لزمتها البدنةُ في الوطءِ بالحجِّ، والشاةُ بالوطءِ في العمرةِ. "إن طاوعتْهُ": ومفهومُ ذلك إن لم تطاوعْهُ بل أكرهَها فلا يلزمُها شيءٌ، والصحيحُ أنَّه لا يفسدُ حجُّها أيضًا لأنَّها مكرهةٌ، وإن كان يُعفى عن التلفّظِ بالكفرِ بسببِ الإكراهِ، فكيفَ بالإكراهِ على الوطءِ، فالصحيحُ أنَّ المُكرهةَ لا يفسدُ حجُّها ولا يترتَّبُ على وطِئها شيءٌ من الأمور الأربعةِ من فسادِ الحجِّ والمضيِّ فيه والقضاءِ والهدي بالبدنةِ أو الشاةِ.
– القارئ: [فصل في أحكام الفدية]
(ومَنْ كَرَّرَ محظورًا من جنسٍ، ولم يفدِ: فدَى مرةً، بخلافِ: صيدٍ)
– الشيخ: "ومن كرَّرَ محظورًا ولم يفدِ": مثل أنَّه غطّى رأسَهُ ثمَّ غطّى رأسَهُ مرّةً أخرى فهو فِعلٌ واحدٌ، لكن لو غطّى رأسَهُ ثمَّ غطّاهُ في موضعٍ آخرَ ولم يفدِ عن المرّةِ الأولى فإنَّه تكفيهِ فديةٌ واحدةٌ لأنَّه محظورٌ من جنسٍ واحدٍ، أمَّا إذا كان المحظورُ من جنسين كمن غطّى رأسَهُ وتطيّبَ لزمتهُ فديتان.
"فدَى مرةً": لأنَّ الحرامَ لا تتكررُ عقوبتُهُ؛ كمن زنى ثمَّ زنى ثمَّ زنى فعليه حدٌّ واحدٌ، لكن لو أنَّه زنى فَحُدَّ ثمَّ زنى فيجبُ عليه مرَّةً أخرى.
"بخلافِ صيدٍ": فإنَّه إذا كرَّرَ صيدًا فقتلَ أرنبًا وقتلَ حمامةً وقتلَ ظبيًا؛ فإنَّه يتكررُ لأنَّه منوطٌ بالصيدِ فيتكرّرُ بتكرّرِ الصيدِ، لأنَّ جزاءَ الصيدِ ليسَ منوطًا بجنسِ الصيدِ بل معلَّقٌ بجنسِ المصيدِ، وهي كلمةٌ مجملةٌ وتفصيلُها أنَّ المقصودَ يتكرّرُ بتكرّرِ المصيدِ بحسبهِ، فيجبُ على قاتلِ الصيدِ جزاءٌ مثل ما قتلَ على اختلافِ أنواعِ ما قتلَ.
– القارئ: (ومن فعلَ محظورًا من أجناسٍ: فدَى لكلِّ مرةٍ، رفضَ إحرامَهُ، أَوْ لا)
– الشيخ: من فعلَ محظوراتٍ من أجناسٍ؛ غطّى رأسَهُ، وتطيّبَ، وحلقَ رأسَهُ، فيجبُ عليه على كلِّ محظورٍ فديةُ الأذى، فإذا تطيّبَ وغطّى رأسَهُ وجبتْ عليه فديتان من نوعِ فديةِ الأذى، أي أنَّه يجبُ عليه ذبحُ شاتين، أو صيامُ ستّةِ أيامٍ، أو يطعمُ اثنا عشرَ مسكينًا.
"رفضَ إحرامَهُ أو لا": يعني لو أنَّه ارتكبَ عددًا من المحظوراتِ وقال: أنا أريدُ أن ألغيَ الإحرامَ حتى تسقطَ عنه الفِدى، يقول: لا ينفعُهُ رفضُ الإحرامِ، لأنَّ المشهورَ من مذهبِ العلماءِ أنَّ الإحرامَ لا يُلغى بالرفضِ، فالصلاةُ مثلًا لو أنَّ شخصًا قال أبطلتُ الصلاةَ سواءً أكان يجوزُ له ذلك أم لا بطلت صلاتُهُ، وفي الصيامِ من نوى الإفطارِ أفطرَ كما تقدّمَ، لكنَّ الحجَّ والعمرةَ إذا دخلَ فيه لزمَه ألَّا يخرجَ منه إلَّا بإتمامِهِ عملًا بقولِهِ تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196]
ولهذا كما تقدّمَ قريبًا أنَّ من فسدَ حجُّهُ بالوطءِ لا يسقطُ عنه، بل يجبُ عليه المُضيُّ فيه، يمضي في فاسدِهِ، وهذا أحدُ الأحكامِ المترتّبةِ على الوطءِ، يجبُ عليه أربعةُ أمورٍ وهي: فسادُ الحجِّ، وجوبُ المُضيّ فيه، قضائُه من قابلٍ، الهديُ.
– القارئ: (ويسقطُ بنسيانٍ فديةُ: لُبسٍ، وطيبٍ، وتغطيةِ رأسٍ)
– الشيخ: فلو أنَّه تطيّبَ ناسيًا، أو غطّى رأسَهُ ناسيًا، أو لبسَ قميصًا ناسيًا فلا شيءَ عليه، هذا قولُهم، وهذا مناسبٌ لقولِه تعالى: رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا [البقرة:286] لكن عندهم لو حلقَ رأسَهُ ناسيًا أو قلّمَ ناسيًا فإنَّه لا تسقطُ عنه الفديةُ، يفرّقونَ يقولون: هذا إتلافٌ. والصحيحُ أنَّه لا فرقَ بين تقليمِ الأظفارِ، كيف وقد قاسوا المحظوراتِ الأربعة على حلقِ الشعرِ ثمَّ هنا يفرّقون، الصحيحُ أنَّها كلّها؛ من لبسَ، أو تطيّبَ، أو غطّى رأسَهُ، أو حلقَ شعرَه، أو قلّمَ أظفارَهُ ناسيًا: فلا شيءَ عليه.
– القارئ: (دون وطءٍ، وصيدٍ، وتقليمٍ، وحِلاقٍ)
– الشيخ: ثلاثةٌ تسقطُ بالنسيانِ، طيبٌ، ولبسُ المخيطِ، وتغطيةُ الرأسِ، وأربعٌ لا تسقطُ فديتُها أو كفارتُها بالنسيانِ: تقليمُ الأظفارِ، وحلقُ الشعرِ، والوطءُ، والصيدُ، وفيها خِلافاتٌ طويلةٌ وتفصيلاتٌ، والأظهرُ في الوطءِ وحلقِ الشعرِ وتقليمِ الأظفارِ أنَّه يُعفى فيها عن الناسي؛ لأنَّ الأدلةَ على سقوطِ الإثمِ وسقوطِ الكفّارةِ عامةٌ، رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا [البقرة:286] فالكفّارةُ نوعُ مؤاخذةٍ، وكذلك الصيدُ، لكنَّه فيه خلافٌ خاصٌّ يخصُّهُ، ولكن مع ذلك فقد قال سبحانَه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا [المائدة:95] نصٌّ صريحٌ، وعند جمهورِ العلماءِ: من قتلَ صيدًا ولو مخطئًا ولو ناسيًا، وعلى هذا مشى المؤلفُ.
– مداخلة: الجهلُ مثلُ النسيانِ؟
– الشيخ: الجهلُ اسمهُ الخطأُ.
– مداخلة: بالنسبةِ للتقليمِ والحلقِ ما هو القدرُ؟
– الشيخ: تقدّمَ هذا، يقولون: إذا قلّمَ ثلاثةَ أظفارٍ، وإن كان أقلَّ من ذلك يقولون: صدقةٌ بمُدٍّ أو قليلٍ من الطعامِ، وكلُّها اجتهاداتٌ ليسَ فيها نصوصٌ، لكن ما جاءَ فيه النصُّ نعتبرُهُ حكمًا قطعيًا، وما سواهُ موضعُ اجتهادٍ، فيكونُ العملُ فيه من قبيلِ الاحتياطِ، فمن جاءَ وقالَ حلقَ رأسَهُ متعمّدًا، نقولُ: خلص نفرضُ عليه ما دلَّ عليه الكتابُ والسنّةُ، ومن جاءَ وقال: قلّمتُ الأظفارَ، نقولُ له: ينبغي أن تفديَ، أحوطُ لك.
– القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
قولُه: "ويجبُ بوطءٍ في فرجٍ في الحجِّ بدنةٌ، وفي العمرةِ شاةٌ": مرادُهُ قبلَ التحلّلِ الأوّلِ في الحجّ.
وقولُه: "بوطءٍ": الباءُ للسببيةِ، والوطءُ: الجماعُ في الفرجِ، لا بين الفخذين، فيجبُ في الحجِّ بدنة إذا كان قبلَ التحلّلِ الأوّلِ، فإن لم يجدْ بدنةً، ووجدَ سبعَ شياهٍ أجزأَ، فإذا لم يجد شيئًا لا سبعَ شياهٍ ولا بدنةً، فإنّهم قالوا: يصومُ عشرةَ أيامٍ، وهذا قولٌ لا دليلَ عليه، فنقولُ: إذا لم يجد سقطَ عنه كسائرِ الواجباتِ. وفي العمرةِ شاةٌ حكمُها كفديةِ الأذى؛ لأنّها حجٌّ أصغرُ؛ ولأنَّ كلَّ ما أوجبَ شاةً من المحظوراتِ، ففيه فديةُ أذى سِوى الصيدِ، وأكثرُ المحظوراتِ فيها فديةُ أذى، والجماعُ بعدَ التحلّلِ الأوّلِ يوجبُ شاةً، ففديتُهُ فديةُ أذى، والمباشرةُ بدونِ إنزالٍ فيها فديةٌ، والإنزالُ على القولِ الصحيحِ فيه فديةُ أذى في الحجِّ والعمرةِ.
والذي صحَّتْ فيه الفديةُ ثلاثةُ أشياءٍ: الأولُ: حلقُ شعرِ الرأسِ. الثاني: جزاءُ الصيدِ. الثالثُ: الجماعُ، صحَّ عن الصحابةِ. والباقي ذُكرَ بالقياسِ، وذكرنا أنَّ بعضَ الأقيسةِ لا تصحُّ وحينئذٍ نذكرُ قاعدةً مهمةً جدًا، أولًا: أنَّه لا واجبَ إلَّا ما أوجبَ اللهُ ورسولُه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-.
ثانيًا: أنَّه لا يجوزُ استحلالُ أموالِ المعصومينَ إلَّا بدليلٍ، فلا نقولُ لهم: يجبُ أن تُخرجوا شيئًا من أموالِكم إلّا بدليلٍ.
– الشيخ: لكن في الفتوى تكونُ فتوى جازمةً، يجبُ عليك كذا وكذا جزمًا، وفي مسائلَ أخرى نقولُ: ينبغي كذا والأولى كذا والأحوطُ كذا. فمن جاءَنا يقولُ: أنا تطيّبتُ أو غطيّتُ رأسي متعمّدًا؟ نقولُ: ينبغي لك وهو أحوطُ أن تفديَ فديةَ الأذى، لكن إن جاءَ وقال: حلقتُ رأسي متعمّدًا؟ خلص نُفتيه بفتوى جازمةٍ لأنّنا نُفتيه بكتابِ اللهِ.
– القارئ: هذا هو الأصلُ، ولكن ذكرت أنَّه من بابِ التربيةِ والتوجيهِ ينبغي ألَّا تخرجَ عما كان عليه جمهورُ العلماءِ بالنسبةِ للإفتاءِ العامِّ.
– الشيخ: تجعلُ من هذا إرشادًا ونصيحةً وتوجيهًا إلى ما هو الأفضلُ والأحوطُ.
– مداخلة: حتى لو ترجّحَ عند طالبِ العلمِ مثلًا أنَّ القولَ الآخرَ هو الأرجحُ وإن لم يكن قولُ الجمهورِ مثلًا؟
– الشيخ: إذا ظهرَ لك الرُّجحانُ فلا تفتي بسواهُ، ثمَّ أحيانًا طالبُ العلمِ إذا لم يكن فيه أدلّةٌ معارضةٌ يهابُ خلافَ الجمهورِ، وهذه تكثرُ في مسألةِ الدماءِ لتركِ واجبٍ لأنَّ عمدةَ الجمهورِ هو أثرُ ابنُ عباسٍ، فليسَ قولُ ابن عباسٍ كآيةٍ من القرآنِ أو كحديثٍ، ومن أهلِ العلمِ من لا يرى وجوبَ هذه الدماءِ.
– مداخلة: ومن قال: إنَّ أثرَ ابنَ عباسٍ في حكمِ المرفوعِ؟
– الشيخ: محلُّ تردّدٍ، والشيخُ محمد ذكرَ هذه المسألةَ وتكلّمَ عنها.
– القارئُ: أمَّا بالنسبةِ للعلمِ كعلمٍ نظريٍّ، فلا بدَّ أن يبينَ الحقّ، وكذلك لو فرضَ أنَّ شخصًا معينًا استفتاكَ في مسألةٍ ترى فيها خلافَ ما يراهُ جمهورُ الفقهاءِ، فلا بأسَ أن تفتيهُ ما دمتَ تثقُ أنَّ الرجلَ عنده احترامٌ لشرعِ اللهِ، فهنا يُفرّقُ بين الفتوى العامةِ والفتوى الخاصّةِ، وبين العلمِ النظريِّ والعلمِ التربوي، وقد كان بعضُ أهلِ العلمِ يفتي في بعضِ المسائلِ سرًا كمسألةِ الطلاقِ الثلاثِ كجدِّ شيخِ الإسلامِ أبي البركات، وهذه طريقةُ العلماءِ الربانيين الذين يُربّونَ الناسَ حتى يلتزموا بشريعةِ اللهِ.
قولُه: "وإن طاوعتهُ زوجتُهُ لزمَها"، وفي نسخةٍ: "لزماها": أي وافقتْهُ على الجماعِ في الحجِّ، أو في العمرةِ لزماها، أي: البدنةُ في الحجِّ والشاةُ في العمرةِ، أو لزمها، أي: لزمها الحكمُ …
قولُه: "ومن فعلَ محظورًا من أجناسٍ فدى لكلِّ مرّةٍ": مثالُه: أن يلبسَ القميصَ، ويطيّبَ رأسَهُ، ويحلقَ، ويقلمَ، هذه أربعةُ أجناسٍ، فعليه أربعُ فدى، مع أنَّ مُوجَبها واحدٌ، وهو: ذبحُ شاةٍ، أو إطعامُ ستةِ مساكينَ لكلِّ مسكينٍ نصفُ صاعٍ، أو صيامُ ثلاثةِ أيامٍ، ومع ذلك نقول: عليه لكلِّ واحدٍ فديةٌ، وهذه المسألةُ: أولًا: معلومٌ أنَّ في إيجابِ الفديةِ في غيرِ ما وردَ به النصُّ نظر. ثانيًا: أنَّ القاعدةَ الشرعيةَ في هذا أنَّه إذا كان الموجَبُ واحدًا فلا يضرُّ اختلافُ الأجناسِ، ولذلك لو أحدثَ رجلٌ ببولٍ وغائطٍ وريحٍ وأكلِ لحمِ إبلٍ ومسِّ ذكرٍ لشهوةٍ، فهذه خمسةُ موجِباتٍ فهل نقولُ: توضأ خمسَ مرَّاتٍ؟ لا؛ لأّنَّ الموجَبَ واحدٌ، فالقاعدةُ: أنَّه إذا كان الموجَبُ واحدًا، فلا تتكررُ الكفارةُ أو الفديةُ، لكن لعلَّ الفقهاءَ ـ رحمهمُ اللهُ ـ قالوا: احترامًا للإحرامِ والنُّسُكِ وتعظيمًا لشعائرِ اللهِ نلزمُهُ عن كلِّ جنسٍ بكفارةٍ.
– الشيخ: المهمُّ أنَّه إذا استفتى شخصٌ وكان متعمّدًا ينكرُ عليه، يعني بقطعِ النظرِ عمّا يجبُ، فإنَّه يُنكرُ عليه وأنَّ هذا حرامٌ وعليكَ التوبةُ، والأحوطُ لك أن تفعلَ كذا وكذا من الفديةِ، لكن ينكرُ عليه قبل، فلا تكونُ المبادرةُ بأن تفعلَ كذا وكذا، أمَّا إذا كان ناسيًا أو مخطئًا فينبغي تنبيهُهُ على أنَّه لا شيءَ عليه، وإن كنَّا نقولُ الأفضلُ كذا.
– القارئُ: قولُه: "رفضَ إحرامَه أو لا": أي سواءٌ فعلَ المحظورَ بعدَ أن رفضَ الإحرامَ، ونوى الخروجَ أم لا، فلا تسقطُ الفديةُ.
– الشيخ: الشيخُ صرفَ قولَه: "رفضَ الإحرامَ أو لا": يعني سواءٌ رفضَهُ قبلَ فعلِ المحظورِ أو لم يرفض، وأنا ذكرتُ أنَّه سواءٌ رفضَ الإحرامَ يعني بعد أن فعلَ المحظورَ وأرادَ أن يتخلّصَ، والشيخُ ينبّه أنَّه لو فعلَه بعدَ رفضِ الإحرامِ، مثل من يُفسدُ صيامَهُ ليستحلَّ الوطءَ؛ فإنَّ هذا لا ينفعُهُ لأنَّه أرادَ بالفطرِ الاحتيالَ، وهكذا من رفضَ إحرامَهُ قبلَ المحظورِ فإنَّه يريدُ أن يتوصَّلَ برفضِهِ الإحرامَ إلى سقوطِ الفديةِ عنه إذا فعلَهُ، وهكذا لو أنَّه فعلَ المحظوراتِ ثمَّ رفضَ إحرامَهُ كذلك لا ينفعُ، لأنّنا علمنا أنَّ رفضَ الإحرامِ لا ينفعُ قدّمَ أم أخّرَ لأنَّ الإحرامَ ليسَ كسائرِ العباداتِ لا يلتغي بالرفضِ.
– القارئ: وأشارَ إليه المؤلفُ؛ لأنَّ بعضَ العلماءِ قال: إذا رفضَ إحرامَهُ ارتفضَ وحلَّ.
والصحيحُ ما قالَهُ المؤلفُ، وأنَّ الإنسانَ يبقى على إحرامِهِ ولو رفضَهُ، اللهمّ إلَّا أن يكونَ غيرُ مكلفٍ، كالصغيرِ، فإنَّ الصغيرَ إذا رفضَ إحرامَهُ حلَّ منه، لأنَّه ليسَ أهلًا للإيجابِ.
– الشيخ: هذه مسألةٌ مهمةٌ وهي مسألةُ الصبيانِ الذين لم يبلغوا، كثيرٌ ما يتفلّتونَ على أهليهم ولا يتحمّلونَ مشاقَّ الأنساكِ، فينبغي أن يوجّهونَ وتفعلَ بهم المناسكُ، ولكنّهم إذا تصلّبوا وتغلّبوا فلا شيءَ عليهم ولا على وليّهم.
– مداخلة: يجوزُ أن يحججَ الصغيرُ ويعتمرَ به، وينوي هذه العمرةَ أو الحجَّ لميّتٍ أو لكبيرٍ مثلًا؟
– الشيخ: ما يظهرُ لي، ليس للوليّ التصرّفُ في ثوابِ عملِ الصغيرِ.
القارئُ: وقولُه: "رفضَ إحرامَه أو لا": ظاهرُهُ أنَّه لا شيءَ عليه برفضِهِ، وأنَّ وجودَ هذا الرفضِ وعدمَهُ على حدٍّ سواءٍ، وهذا هو الصحيحُ، وقال بعضُ العلماءِ: يلزمُهُ لرفضِهِ دمٌ؛ لأنَّه يحرمُ عليه أن يخرجَ من النُّسُكِ بعدَ أن تلبَّسَ به، فإذا رفضَهُ وحاولَ الخروجَ، فهذا وقوعٌ في محظورٍ فيلزمُهُ الدمُ.
مسألةٌ: رجلٌ أحرمَ بالعمرةِ، ثمَّ رفضَ الإحرامَ، وفعلَ المحظورَ، هل يفدي أو لا؟ الجوابُ: يفدي؛ لأنَّ رفضَهُ للإحرامِ وقطعَهُ النيةَ لا أثرَ له، فيبقى حكمُ الإحرامِ في حقّهِ، إذ إنَّه لا يمكنُ الخروجُ من النُّسُكِ إلّا بواحدٍ من ثلاثةِ أمورٍ وهي: الأولُ: إتمامُ النُّسُكِ. الثاني: التحلّلُ إن شرطَ، ووجدَ الشرطَ. الثالثُ: الحصرُ.
مسألةٌ: رجلٌ صائمٌ فرفضَ صومَهُ وشربَ، نقولُ: بطلَ صومُهُ في رمضانَ وغيرِ رمضانَ، لكن في رمضانَ يلزمُهُ الإمساكُ فلا يحلُّ له أن يأكلَ ويشربَ؛ لأنَّه أفطرَ بغيرِ عذرٍ، وهذا ممّا اختصَّ به الحجُّ من بين سائرِ العباداتِ، فسائرُ العباداتِ إذا رفضَها خرجَ منها، أمَّا الحجُّ فلا.
قولُه: "ويسقطُ بنسيانٍ فديةُ لبسٍ وطيبٍ وتغطيةِ رأسٍ": المحظوراتُ تنقسمُ باعتبارِ سقوطِها بالعذرِ إلى قسمين: الأولُ: تسقطُ فديتُهُ بالعذرِ. الثاني: لا تسقطُ فديتُهُ بالعذرِ. يقولُ المؤلفُ: "ويسقطُ بنسيانٍ": ومثلُهُ الجهلُ والإكراهُ، أي: لو أنَّ الإنسانَ نسيَ فلبسَ ثوبًا وهو محرمٌ، فليسَ عليه شيءٌ، ولكن عليه متى ذكرَ أن يخلَعَهُ ويلبسَ الإزارَ والرّداءِ، وكذلك الطيبُ فلو تطيّبَ وهو محرمٌ ناسيًا فلا شيءَ عليه، لكن عليه إذا ذكرَ أن يُبادرَ بغسِلِه، وفي حالِ غسلِهِ إيَّاهُ لا شيءَ عليه، مع أنَّه سيباشرُهُ؛ لأنَّ هذه المباشرةُ للتخلّصِ منه لا لإقرارِهِ، والتحركُ في الشيءِ للتخلّصِ منه لا يُعتبرُ حرامًا، أرأيتَ لو أنَّ شخصًا غصبَ أرضًا وسكنَ فيها، ثمَّ جاءَهُ رجلٌ ووعظَهُ فخرجَ، فمدّةُ مشيهِ في هذه الأرضِ للخروجِ لا يؤاخذُ به؛ لأنَّه إنَّما تحركَ للتخلّصِ، لكن لو قامَ يتمشّى في الأرضِ مطمئنًا، فإنَّه يأثمُ بذلك؛ لأنّه لم يحاولِ التخلّصَ، ومثلُ ذلك استنجاءُ الرجلِ ومباشرتُه النجاسةَ بيدِهِ فإنَّه لا يُذمُّ عليه؛ لأنَّه إنَّما فعلَ ذلك للتخلّصِ منها، ومثلُهُ تغطيةُ الرأسِ إذا نسيَ ولبسَ قميصًا فإنَّه يخلعُهُ من أعلى وإن غطَّى رأسَهُ؛ لأنَّ هذه التغطيةَ عابرةٌ للتخلصِ من هذا اللباسِ، وقال بعضُ العلماءِ: يوسعُ الجيبَ وينزلُه من أسفلَ، لكنَّ الصحيحَ ما ذكرنا.
ولو غطَّى رأسَهُ ناسيًا وهو محرمٌ فلا شيءَ عليه، لكن متى ذكرَ وجبَ عليه كشفُهُ، ولو أنَّ إنسانًا وهو نائمٌ غطّى رأسَه فلا فديةَ عليه؛ لأنَّه مرفوعٌ عنه القلمُ، لكن متى استيقظَ وجبَ عليه كشفُهُ. والدليلُ على سقوطِ هذه الأشياءِ بالنسيانِ والجهلِ والإكراهِ ما يلي: أولًا: قولُهُ تعالى: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] فقال اللهُ: "قد فعلت". ثانيًا: قولُه تعالى: وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ [الأحزاب:5] ثالثًا: قولُه تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ [النحل:106] فالكفرُ إذا كان يَسقطُ مُوجَبُه بالإكراهِ، فما دونَهُ من بابِ أولى.
رابعًا: من السنّةِ قوله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "إنَّ اللهَ تعالى تجاوزَ عن أمتي الخطأَ والنسيانَ وما استكرهوا عليه". خامسًا: التعليلُ أنَّ هذا لم يتعمدِ المخالفةَ، فلا يُعدُّ عاصيًا، وإذا لم يكن عاصيًا لم يترتبْ عليه الإثمُ ولا الفديةُ.
قولُه: "دونَ وطءٍ": أي أنَّه لا تسقطُ الفديةُ إذا وطئَ ناسيًا، وكذلك إن وطئَ جاهلًا، أو وطئَ مكرهًا، وهذا وما بعدَهُ هو القسمُ الذي لا يسقطُ بالعذرِ. وتعليلُ ذلك أنَّه يبعدُ أن ينسى فيطأ، ولا سيَّما وأنَّ عليه لباسُ الإحرامِ، وإذا قُدِّرَ أنَّه نسيَ ذكَّرتْهُ زوجتُه. فيقالُ في الجوابِ على هذا: إنَّ النسيانَ وصفٌ مسقطٌ لحكمِ المحظورِ، وإذا كان كذلك فسواءٌ بَعُد أم لم يَبْعُد. وكذلك الجهلُ إذا جامعَ جاهلًا لزمَهُ ما يلزمُ العالمَ؛ لأنَّ الجماعَ يتضمنُ إتلافًا حيثُ تزولُ به البكارةُ، والإتلافُ يستوي فيه الجاهلُ والعالمُ، فيقالُ: الجوابُ عن هذا من وجهين: الأولُ: أنَّه لا يلزمُ أن يكونَ الجماعُ جماعَ بكرٍ، فإنَّه لا فرقَ بين البكرِ وغيرِها في تحريمِ الوطءِ في الإحرامِ. الثاني: أنَّ ضمانَ البكارةَ حقٌّ للآدميّ، قالوا: وإن كانت الموطوءةُ ثيبًا وجبَ المهرُ، والجوابُ: أنَّ المهرَ حقٌّ للموطوءةِ فهو حقُّ آدميّ، وأمَّا الجماعُ في الإحرامِ فهو حقٌّ للهِ تعالى وقد أسقَطَهُ عن عبادِهِ بالجهلِ، فكيفَ نلزمُ عبادَ اللهِ بما أسقَطَهُ اللهُ عنهم؟! وكذا الإكراهُ: فلو أُكرهَ الرّجلُ على أن يجامعَ زوجَتَهُ لم تسقطِ الفديةُ، فإذا كان قبلَ التحلّلِ الأوّلِ يلزمُهُ خمسةُ أحكامٍ: البدنةُ، والقضاءُ، وفسادُ النُّسُكِ، والمضيُّ فيه، والإثمُ.
– الشيخ: هذا يجري على قولِ أنَّ الزنا لا يُتصوّرُ فيه الإكراهُ، يقولون: الرجلُ لا يُتصوّرُ في حقّهِ الإكراهُ، ولا يحصلُ منه الجماعُ إلَّا بكذا وكذا.
– القارئُ: وعلَّلوا أنَّ الإكراهَ على الجماعِ لا يمكنُ؛ لأنَّه لا وطءَ إلَّا بانتشارٍ؛ ولا انتشارَ مع إكراهٍ، ولكنَّ هذا التعليلَ عليلٌ، لأنَّ من قال: لا انتشارَ مع الإكراهِ، فجوابُه بالمنعِ فلو أجبرتْهُ زوجتُهُ، وهي شابّةٌ، محبوبةٌ إليه وقالت: إمَّا أن تفعلَ، وإلَّا قتلتكَ، فهو بين أمرين، إمَّا أن يدعها ويمكن أن تنفذَ تهديدها، وإمَّا أن يجامعَ في هذه الحال، وإذا دنا منها مهما كان الأمرُ سوفَ ينتشرُ، فالقولُ بأنَّه لا جماعَ مع إكراهٍ غيرُ صحيحٍ.
– الشيخ: هذا راجعٌ إلى مسألةِ الزنا، وإمكانِ الإكراهِ وعدمِ الإكراهِ، مع أنَّ اللهَ قال، لكن الذي وردَ في القرآنِ في شأنِ المرأةِ: وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:33]
القارئُ: فالوطءُ بلا شكٍّ يمكنُ أن يكونَ مع الإكراهِ، ومع ذلك يقولون: لا تسقطُ الفديةُ فيه.
قولُه: "وصيد": يعني أنَّ قتلَ الصيدِ لا يُعذرُ فيه بالنسيانِ، وكذلك لا يعذرُ فيه بالجهلِ، ولا بالإكراهِ، قالوا: لأنَّه إتلافٌ، والإتلافُ يستوي فيه العمدُ وغيرُه. فنقولُ: ـ سبحانَ اللهِ ـ الحاكمُ في عبادِهِ وبينَ عبادِهِ يقول: وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة:95]
– الشيخ: متعمّدًا، كما قال في قتلِ المؤمنِ: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا [النساء:93] ففرقٌ في الآياتِ بين الخطأ والعمدِ، وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا [النساء:92] فهل هذا الوعيدُ يلحقُ من قتلَ مؤمنًا خطأً؟ لا.
القارئُ: ونحن نقولُ من قتلَهُ متعمدًا وغيرَ متعمدٍ، فجزاءٌ مثلُ ما قتلَ من النَّعمَ هذا لا يمكنُ!
و "متعمدًا": وصفٌ مناسبٌ للحكمِ، فوجبَ أن يكونَ معتبرًا؛ لأنَّ الأوصافَ التي عُلقتْ بها الأحكامُ إذا تبينَ مناسبتها لها صارت علَّةً موجبةً، يوجدُ الحكمُ بوجودِها وينتفي بانتفائِها، وإلَّا لم يكن للوصِف فائدةٌ، فالآيةُ نصٌّ في الموضوعِ مؤيَّدةٌ بقولِهِ تعالى: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]
– الشيخ: وأيضًا ممّا يؤكدُ قولَه "متعمّدًا" أنَّه بعدَ ذلك قال: أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ [المائدة:95] فعُلمَ أنَّ ما رتّبَ من الجزاءِ والكفّارةِ والصومِ مرتّبٌ على فعلٍ موجِبٍ للإثمِ لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ [المائدة:95] في الحقيقةِ الآيةُ من أوّلِها إلى آخرِها تدلُّ على أنَّ هذا الحكمَ مختصٌّ بمن يفعلُهُ عاصيًا متعمّدًا، كلمة {متعمّدًا} و {ليذوقَ وبالَ أمره} و{عفا اللهُ عمّا سلفَ} {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} كلُّها تؤكّدُ أنَّ الحكمَ بوجوبِ الجزاءِ وما بعدَهُ مختصٌّ بالمتعمّدِ.
– القارئُ: والجوابُ عن تعليلهم: أنَّ الإتلافَ الذي يستوي فيه العمدُ وغيرُه هو ما كان في حقِّ الآدميّ، أمّا ما كان في حقّ اللهِ ـ عزّ وجلَّ ـ الذي أسقَطَهُ تفضلًا منه وكرمًا، فإذا كان اللهُ قد أسقَطَهُ فكيفَ نُلزمُ العبادَ به؟
مثالُ النّسيانِ: محرمٌ رأى الصيدَ، وكان مشغوفًا بالصيدِ، فنسيَ فأخذَ البندقيةَ ورمى الصيدَ، فعلى المذهبِ عليه الفديةُ.
مثالُ الجهلِ: محرمٌ وقفَ بعرفةَ فسمعَ أنَّ الحجَّ عرفةُ، فلمَّا كان في صباحِ العيدِ قبلَ أن يرميَ وجدَ صيدًا من الطيورِ أو الظباءِ أو غيرِها فصادَهُ، فهذا جاهلٌ وعليه الجزاءُ على المذهبِ. مثالُ المكرهِ: محرمٌ عند سيّدِهِ، فقال له سيّدُهُ: انظر الصيدَ، فقال: أنا محرمٌ، قال: إمّا أن تفعلَ، وإمَّا أن أفعلَ بك كذا، فأكرهَهُ فصادَ؛ فعليه الجزاءُ على المذهبِ. والصحيحُ في هذهِ المسائلِ كلِّها أنَّه لا جزاءَ عليه.
قولُه: "وتقليمُ": أي أنَّ تقليمَ الأظفارِ لا يسقطُ بنسيانٍ، وكذلك لا بجهلٍ، ولا بإكراهٍ؛ والعلةُ أنَّ فيه إتلافًا، فيقالُ: ألستم تقولون: إنَّ تقليمَ الأظفارِ حرامٌ على المحرمِ؛ لأنَّه من بابِ الترفُّه، والطيّبُ واللباسُ ترفُّهٌ، ومع ذلك لا تعذرونَهُ بالجهلِ والنسيانِ والإكراهِ في التقليمِ، وتعذرونَه بذلك في اللباسِ.
– الشيخ: يعني أنَّهم قاسوا تقليمَ الأظفارِ على حلقِ الشعرِ، وقاسوا سائرَ المحظوراتِ الأربعةِ الباقيةِ على حلقِ الشعرِ بعلّةِ الترفّهِ، وعندَ الفديةِ لا، عذروا في بعضٍ وأوجبوا في بعضٍ.
القارئُ: والطيبِ، مع أنَّ الترفُّهَ بالطيبِ أقوى ترفهًا وقد سقطت فديتُهُ بالنسيانِ، فهذا من بابِ أولى. قالوا: هناك فرقٌ، والفرقُ أنَّ تقليمَ الأظفارِ فيه إتلافٌ، فيقالُ لهم: وهل هذا إتلافٌ مطلوبٌ؛ أو محظورٌ في غيرِ الإحرامِ؟ الجوابُ: هو مطلوبٌ، إذن لا قيمةَ له شرعًا، ولا عرفًا، ولا أحدٌ يجمعُ أظفارَهُ ليبيعها، بل تقليمُها إتلافٌ مشروعٌ لولا الإحرامِ.
قولُه: "وحلاقٍ": يعني أنَّ فديةَ الحلقِ لا تسقطُ بالنسيانِ وكذلك الجهلِ والإكراهِ؛ والعلةُ في ذلك هو أنَّه إتلافٌ، ولكن نقولُ: إنَّه إتلافُ ما لا قيمةَ له شرعًا ولا عُرفًا. فتبينّ بهذا ضعفُ هذا القولِ، أعني القولَ بأنَّ فديةَ الحلقِ وتقليمِ الأظفارِ وقتلِ الصيدِ لا تسقطُ بالنسيانِ والجهلِ والإكراهِ؛ لأنَّ أعظمَ الإتلافاتِ إتلافُ الصيدِ، ومع ذلك قيّدَ اللهُ ـ سبحانَه وتعالى ـ وجوبَ الجزاءِ فيه بالتعمّدِ. والرّاجحُ: أنَّ فاعلَ المحظوراتِ كلّها لا يخلو من ثلاثةِ أقسامٍ، والمرادُ هنا المحظوراتُ التي فيها فديةٌ، وأمَّا التي ليس فيها فديةٌ كعقدِ النكاحِ، فهذا لا يدخلُ في هذا التقسيمِ: الأولُ: أن يفعلَها بلا عذرٍ شرعيٍّ ولا حاجةٍ، فهذا آثمٌ، ويلزمُهُ ما يترتبُ على المحظورِ الذي فَعَلَهُ على حسبِ ما سبقَ بيانُه. الثاني: أن يفعَلَهُ لحاجةٍ مُتعمدًا، فعليه ما يترتّبُ على فعلِ ذلكَ المحظورِ، ولكن لا إثمَ عليه للحاجةِ.
– الشيخ: كما فعلَ كعبُ ابنُ عجرةَ، يعني حلقَ شعرَهُ متعمّدًا فلا إثمَ عليه، لكن عليه الفديةُ.
– القارئُ: ومنه حلقُ شعرِ الرأسِ لدفعِ الأذى كما نصَّ اللهُ عليه في القرآنِ، فقال تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196] ومثلُهُ أيضًا لو احتاجَ المحرمُ إلى لبسِ المخيطِ، لبردٍ شديدٍ فيلبسُ الفانيلةَ أو القميصَ، وعليه الفديةُ وهذا نادرٌ لكن ربّما يوجدُ.
– الشيخ: كأنَّ الشيخَ في هذه الجملةِ يعني مشى مع الفقهاءِ في وجوبِ الفديةِ في هذه المحظوراتِ، مع أنَّ الفديةَ إنما جاءت في حلقِ الرأسِ فقط، لم تأتِ الفديةُ في لبسِ المخيطِ ولا في تغطيةِ الرأسِ، لكنَّه يرى إن فعله، كأنَّه وافقَ على إلحاقِ الُّلبسِ، أو أنَّه في هذه العبارةِ يعني يكونُ قولُ الفقهاءِ يعني مقاربًا، لكن فعلَهُ لعذرٍ مُكرهًا من أجلِ شدّةِ البردِ، فيجعلُهُ من جنسِ ما قالَ اللهُ فيه: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ [البقرة:196] وهذا ليسَ بالنادرِ، فقد تأتي سنون بردٍ فيقعُ الناسُ في تغطيةِ الرأسِ.
– القارئُ: ومن الحاجةِ، حاجةُ الجنودِ إلى اللباسِ الرسميّ فهي حاجةٌ تتعلقُ بها مصالحُ الحجيجِ جميعًا؛ إذ لو عملَ الجنديُّ بدونَ اللباسِ الرسميّ لما أطاعَهُ الناسُ، وصارَ في الأمرِ فوضى، ولكن إذا كان عليه لباسُهُ الرسميُّ صارَ له هيبة، ولكن هل عليه الفديةُ أو لا؟ أي: أنَّ جوازَ اللباسِ، ليس عندنا فيه ـ إن شاءَ اللهُ ـ إشكالٌ لدعاءِ الحاجةِ أو الضرورةِ إلى ذلك ولكن هل عليه فديةٌ؟ الجوابُ: قد نقولُ لا فديةَ عليه؛ لأنَّه يشتغلُ بمصالحِ الحجيجِ، والنبيُّ ـ عليه الصلاةُ والسلامُ ـ أسقطَ المبيتَ عن الرعاةِ، والمبيتُ بمنى واجبٌ من واجباتِ الحجِّ وأسقطَهُ عنهم لمصلحةِ الحجاجِ، ورخصَ للعباسِ أنْ يبيتَ في مكةَ من أجلِ سقايةِ الحجاجِ، وسقايةُ الحجاجِ أدنى حاجةٍ من حفظِ الأمنِ وتنظيمِ الناسِ، فيحتملُ ألّا تجُب عليه الفديةُ، ولا سيّما أنَّ لبسَ المخيطِ، ليس فيه نصٌّ على وجوبِ الفديةِ فيه.
– الشيخ: الشيخُ استدركَ عبارتَه آنفةِ الذّكرِ.
القارئُ: فينبني عدمُ إلزامِهِ بالفديةِ على أمرين: الأولُ: عدمُ القطعِ في وجوبِ الفديةِ في لبسِ المخيطِ. الثاني: القياسُ على سقوطِ الواجبِ عمَّن يشتغلُ بمصلحةِ الحجّاجِ. لكن لو قلنا: يفدي احتياطًا لكانَ أحسن، والفديةُ سهلةٌ: إطعامُ ستةِ مساكينَ لكلِّ مسكينٍ نصفُ صاعٍ، أو صيامُ ثلاثةِ أيامٍ، أو ذبحُ شاةٍ.
– الشيخ: يعني هي ليست من الأحكامِ المقطوعِ بها، فينصحُ من حصلَ له ذلك بالفديةِ لأنَّ فيها احتياطٌ وزيادةُ أجرٍ.
القارئُ: القسمُ الثالثُ: أن يكونَ معذورًا بجهلٍ أو نسيانٍ أو إكراهٍ، فعلى المذهبِ التفريقُ بين المحظوراتِ، فبعضُها لا تسقطُ فديتُهُ بالنسيانِ والجهلِ والإكراهِ وهو ما كان إتلافًا، أو بمعنى الإتلافِ، وبعضُها تسقطُ وهو ما ليسَ كذلك وسبقَ تفصيلُ ذلك. والصحيحُ أنَّ جميعَها تسقطُ، وأنَّ المعذورَ بجهلٍ أو نسيانٍ أو إكراهٍ لا يترتبُ على فعلِهِ شيءٌ إطلاقًا، لا في الجماعِ، ولا في الصيدِ، ولا في التقليمِ، ولا في لبسِ المخيطِ، ولا في أيِّ شيءٍ، وذكرنا فيما سبقَ الدّليلَ من القرآنِ، والسنةِ، والنظرِ، وهكذا في جميعِ المحظوراتِ في العباداتِ، لا يترتبُ عليها الحكمُ، إذا كانت مع الجهلِ أو النسيانِ أو الإكراهِ؛ لعمومِ النصوصِ، ولأنَّ الجزاءَ، أو الفديةَ، أو الكفارةَ إنّما شُرعتْ لفداءِ النفسِ من المخالفةِ أو للتكفيرِ عن الذنبِ، والجاهلُ أو الناسي أو المكرهُ لم يتعمدْ المخالفةَ، ولهذا لو كان ذاكرًا أو عالمًا أو مختارًا لم يفعلْ.
فالشربُ في رمضانَ نسيانًا ليسَ فيه قضاء، والدليلُ حديثُ أبي هريرةَ ـ رضي اللهُ عنه ـ: "من نسيَ وهو صائمٌ فأكلَ، أو شربَ، فليتمَّ صومَهُ فإنّما أطعمَهُ اللهُ وسقاهُ"، فمن لم يتعمدْ المخالفةَ، فليسَ عاصيًا، ولا فديةَ عليه …
وأمَّا تركُ الواجباتِ فلا يسقطُ بالنسيانِ والجهلِ والإكراهِ متى أمكنَ تداركُهُ؛ لقولِ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "من نامَ عن صلاةٍ أو نسيها فليصلّها إذا ذكرَها"، فلم تسقطْ عنه بالنّسيانِ، ولأنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- لم يسقطِ الصلاةَ الحاضرةَ بالجهلِ كما في حديثِ المسيءِ في صلاتِه أمرَهُ بالإعادةِ مع أنَّه جاهلٌ، لأنَّه تركَ مأمورًا، والمأموراتُ أمورٌ إيجابيةٌ لا بدَّ أن تكونَ، والمنهياتُ أمورٌ عدميةٌ لا بدَّ ألَّا تكونَ. ثمَّ إنَّ المأموراتِ يمكنُ تدارُكُها بفعلِها، لكنَّ المنهياتِ مضت، لكن إذا كان في أثناءِ المنهيّ فيجبُ التداركُ بقطعِهِ، فإنْ قالَ قائلٌ: إنَّ قولَه تعالى: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا عامٌّ في تركِ المأمورِ وفعلِ المحظورِ، فالجوابُ: أنَّ الأمرَ كذلك، فتاركُ المأمورِ جاهلًا أو ناسيًا غيرُ مؤاخذٍ بالتركِ، لكنَّ عدمَ فعلِه إيَّاهُ يقتضي إلزامهُ به متى زالَ العذرُ إبراءً لذمَّتِه.
– الشيخ: وهذا يرجعُ إلى مسألةٍ أصوليةٍ، هل القضاءُ هو بالأمرِ الأوّلِ أم أنَّه بأمرٍ جديدٍ؟ هذا محلُّ اختلافٍ، ولا شكَّ أنَّ قضاءَ الصلاةِ ثبتَ فيه الأمرُ، فهو بأمرٍ جديدٍ: "من نامَ عن صلاةٍ أو نسيها فليصلّها إذا ذكرَها".
إذًا: قضاءُ الصلواتِ بأمرٍ جديدٍ، فمن يقولُ: إنَّ القضاءَ إنّما يثبُت بأمرٍ جديدٍ، نقولُ: الصلاةُ نعم فقد ثبتَ فيها أمرٌ جديدٌ.
الأسئلة:
س1: ما حكمُ من يسافرُ في نهارِ رمضانَ لكي تكونُ له رخصةٌ بالإفطارِ والجماعِ؟
ج: لا واللهِ لا يجوزُ، هذا احتيالٌ لإسقاطِ الواجبِ، وهو سفرُ إثمٍ ومعصيةٍ.
………………………………………..
س2: هل يلزمُ من رأى مُحرمًا نائمًا وقد غطَّ رأسَهُ، فهل يجبُ إيقاظُهُ وتنبيهُهُ؟
ج: إذا كان يعرفُ أنَّه غطّاهُ خطأً، ينبغي أن ينبّهَهُ، مثل من رأيتَهُ يأكلُ في رمضانَ فإنَّكَ تنبّهُهُ وتذكّرُهُ، لأنَّه فعلَ ما لا يحلُّ له لو كان ذاكرًا.
………………………………………..
س3: كيف نستقبلُ رمضانَ؟
ج: نستقبلُهُ بالعزمِ على صيامِهِ والطمعِ والرجاءِ في فضائِلِه، والعونِ على صيامِهِ وقيامِهِ، فنسألُ اللهَ أن يبلّغنا وإياكم إيّاهُ وأن يباركَ لنا ولكم فيه، وشرائعُ الإسلامِ هي نِعَمٌ من اللهِ، والحمدُ للهِ أن جعلنا مسلمين.
………………………………………..
س4: هل من السنّةِ الاسترسالُ في الأذانِ والحدرُ في الإقامةِ؟
ج: الترسُّلُ بمعنى التأني، هذا هو المعروفُ، وأن يحدرَ الإقامةَ؛ لأنَّ المقصودَ من الأذانِ هو إسماعُ البعيدِ، أمَّا الإقامةُ فالمرادُ منها إسماعُ القريبِ.
………………………………………..
س5: لديَّ مبلغُ مئةِ ريالٍ، حفظتُها في كتابٍ، وقد مضى عليها سنةٌ، فهل أزكّيها؟
ج: زكّها، وهذا أحوطُ لك، وإلَّا إذا كنتَ جاهلًا بها لو مضى عليها عشرُ سنواتٍ ثمَّ وجدتها يمكنُ أن نقولَ: لا زكاةَ فيها لأنَّكَ لا تعلمُ بها، فهي في حكمِ المعدومِ، والتزكيةُ أمرُها سهل.
………………………………………..
س6: ما صحةُ ما وردَ عن النبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أنَّ هناكَ دعوةٌ مستجابةٌ في يومِ الأربعاءِ بين الظهرِ والعصرِ؟
ج: الذي ظهرَ لي أنَّه لا يُشرعُ، تحرّي الدعاءَ يومَ الأربعاءِ بين الظهرِ والعصرِ، لا يُشرعُ ذلك؛ لأنَّ ما استدلّ عليه لا تظهرُ صحّةُ دلالتِهِ، وقد كتبتُ في ذلك فتوى، ولكم أن تُراجعوها في الموقع.
………………………………………..
س7: ما رأيكُم في تكرارِ الحجِّ مع ما يحصلُ فيه من الزحامِ واختلاطِ الرجالِ بالنساءِ؟
ج: بالنسبةِ للنساءِ إذا كُنَّ قد حججنَ الفريضةَ ينبغي ألَّا يحججنَ؛ لأنهنَّ ضعيفاتٌ ويحصلُ لهنَّ أذى في أبدانِهنَّ وأعراضِهنَّ بالزحامِ، وإن كان ولا بدَّ فلهنَّ العمرةُ في أوقاتِ السّعةِ، وأمَّا الرجالُ فالأمرُ فيهم أوسعُ.
………………………………………..
س8: إذا دخلَ شهرُ رمضانَ، ذهبَ كثيرٌ من الناسِ إلى مكةَ المكرمة، فهل الأفضلُ أداءُ العمرةِ أم التصدّقُ بتكاليفِها؟
ج: اللهُ أعلمُ بالصوابِ، يعني المفاضلةُ بين الأعمالِ أمرُها دقيقٌ، فلا يمكنُ أن نجزمَ، يعني في بعضِ الحالاتِ يمكنُ أن نقولَ أنَّ التصدّقَ أفضلُ إذا كان هناك ضروراتٌ، فإنفاقُ المالِ في الضروراتِ أفضلُ؛ لأنَّ الإنفاقَ في الضروراتِ واجبٌ.
………………………………………..
س9: شخصٌ أدّى فريضةَ الحجّ، وبعدَها تركَ الصلاةَ، ثمَّ تابَ وصلّى، فهل يلزمُهُ الحجُّ مرّةً أخرى؟
ج: لا يلزمُهُ.
………………………………………..
س10: هل وردَ في فضلِ ليلةِ النّصفِ من شعبانَ شيءٌ؟
ج: يذكرونَ حديثًا رواهُ ابنُ حبّانَ وغيرُه، ومعناه أنَّ اللهَ يطّلعُ على العبادِ فيغفرُ لكلِّ خلقِهِ ولكلِّ عبادِهِ إلّا مشركًا أو مشاحنًا، يذكرونَ هذا الحديثَ وأنَّه صحَّحَه بعضُهم، ولم يصحّ قيامُ تلكَ الليلةِ ولا صيامُ ذلك اليومِ شيءٌ.