بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
– شرح كتاب "زاد المستقنع في اختصار المقنع"
– (كتاب المناسك)
– الدّرس: الحادي عشر
*** *** *** ***
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيّنا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين، أمَّا بعد؛ قال المصنفُ رحمهُ اللهُ تعالى في تتمّةِ كلامِهِ في أحكامِ الفديةِ:
(وكلُّ هدي، أو إطعامٍ: فلمساكينِ الحرمِ)
– الشيخ: يدخلُ في ذلك هديُ الإحصارِ وإن كان كما سيأتي أنَّه يُذبحُ حيثُ وجدَ سببُهُ، والهديُ الذي هو جزاءُ الصيدِ، وهديُ التمتّعِ كذلك، لكن كلُّ هديٍ، وكذلك الإطعامُ في فديةِ الأذى فلمساكينِ الحرمِ، يعني المقصودُ به أولًا هم ساكنوا الحرمِ، فالهديُ الذي هو جزاءُ الصيدِ فإنّه لمساكينِ الحرمِ، وكذلك الفديةُ النُّسك، فديةُ الأذى الذي هو ذبحٌ لمساكينِ الحرمِ، والطعامُ لمساكينِ الحرمِ، لكنَّ هديَ التمتّعِ هو لمساكينِ الحرمِ، لكن يُباحُ الأكلُ منه لأنَّه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أكلَ من هديهِ، فهديُ التمتّعِ وهديُ القرانِ يأكلُ صاحبُهُ منه ويفرّقُ الباقي، لأنَّه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- لمّا ذبحَ هديَه: "أمرَ عليًّا أن يقومَ عليها وأن يقسمَ جِلالها، وجلودَها، ولحومَها" يُقسّمُها على مساكينِ الحرمِ.
– مداخلة: يقصدُ بها المساكينَ من الحجاجِ؟
– الشيخ: كلُّ من كان في الحرمِ يدخلُ.
– القارئ: (وفديةُ الأذى، واللبسِ ونحوِهِا، ودمُ الإحصارِ: حيثُ وجدَ سببُهُ)
– الشيخ: فديةُ اللبسِ: هي فديةُ الأذى، لكن كأنَّه أرادَ أن يُلمِحَ إلى الأصلِ، ففديةُ الأذى هي فديةُ الحلقِ، لكن ما معنى "واللبسِ"؟ كان المفروضُ أن يقولَ: "فديةُ الأذى" فقط فتشملُ فديةَ اللبسِ والطيبِ وتقليمِ الأظفارِ وتغطيةِ الرأسِ فكلّها فديةُ الأذى، فلا يظهرُ لتخصيصِ اللبسِ من بين بقيةِ المحظوراتِ التي تجبُ فيها فديةُ الأذى، وفديةُ الأذى وتقدّمَ لكم أنَّها خمسةٌ من المحظوراتِ كلُّها الواجبُ فيها فديةُ الأذى، وهي أحدُ الثلاثةِ: ذبحٌ، أو صيامُ ثلاثةِ أيامٍ، أو إطعامُ ستّةِ مساكين.
– القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
قولُه: «واللبس»: أي أنَّ فديةَ اللبسِ تكونُ حيثُ وُجدَ سببُها، وقد سبقَ أنَّ محظورات الإحرامِ تنقسمُ من حيثُ الفديةِ إلى أربعةِ أقسامٍ..
– مداخلة: وفي الرّوضِ: (وفديةُ الأذى) أي الحلقُ (واللبسِ ونحوهِما) كطيبٍ وتغطيةِ رأسٍ.
– الشيخ: يعني قوله "فديةُ الأذى": كأنَّه أرادَ الأصلَ الذي هو الحلقُ، ولو أطلقَ وقال: فديةَ الأذى حيثُ وُجدَ سببُهُ أجزأ.
"ودمُ الإحصارِ حيثُ وُجدَ سببُهُ": يعني على هذا فديةُ الأذى سواءٌ كان إطعامًا أو ذبحًا حيثٌ وجدَ سببُهُ، يعني لو كان في الطريقِ وغطّى رأسَه أو لبسَ أو تتطيبَ وجبت عليه الفديةُ، فتصرفُ على مساكينِ المكانِ والمنطقةِ التي وقعَ فيها السببُ، أي سببُ الفديةِ، فلا يلزمُ الذهابُ بها إلى الحرمِ، أمَّا الصيدُ فلا بصريحِ القرآنِ: هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ [المائدة:95] لو قتلَ صيدًا في الطريقِ فلا يُجزئهُ أن يذبحَ في الطريقِ، لأنَّ اللهَ صرّحَ بذلك، وكذلك ما يقومُ مقامَ المثلِ: كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ [المائدة:95] فإنَّه أيضًا تابعٌ لأصلِهِ وهم مساكينُ الحرمِ.
– القارئ: (ويُجزئُ الصومُ: بكلِّ مكانٍ)
– الشيخ: الصومُ ليسَ له مكانٌ، إلَّا الأيامَ الثلاثةِ في الحجِّ فلا بدَّ أن تكونَ في الحجِّ، وإن كانت في الحجِّ فلا بدَّ أن تكونَ في الحرمِ مثل صيامِ أيامِ التشريقِ.
– القارئ: (والدمُ: شاةٌ، أو سُبْعُ بدنةٍ، وتُجزئُ عنها: بقرةٌ)
– الشيخ: الدمُ إذا أُطلقَ، إذا قيلَ عليه دمٌ أو فيه دمٌ: فهو شاةٌ، أو سُبْعُ بدنةٍ أو سُبْعُ بقرةٍ، هو يريدُ أن يفسّرَ معنى الدمِ إذا قيلَ على من تركَ واجبًا فعليه دمٌ. أينَ مسألةُ ما يؤكلُ منه وما لا يؤكلُ؟
– مداخلة:
ما يؤكلُ وما لا يؤكلُ ذكرها الشيخُ محمدٌ في "وكلُّ هدي".
قولُه: «فلمساكينِ الحرمِ»: أي فيُصرفُ إلى مساكينِ الحرمِ، وهذا ليس على إطلاقِهِ في كلِّ هدي؛ لأنَّ هديَ المتعةِ والقرانِ هديُ شكرانٍ، فلا يجبُ أن يُصرفَ لمساكينِ الحرمِ، بل حُكمُهُ حكمُ الأضحيةِ، أي: أنَّه يأكلُ منه ويُهدي ويتصدَّقُ على مساكينِ الحرمِ، فلو ذبحَ الإنسانُ هديَ التمتّعِ والقرانِ في مكةَ، ثمَّ خرجَ بلحمِهِ إلى الشرائعِ، أو إلى جدّةَ أو غيرِها فلا بأسَ، لكن يجبُ أن يتصدقَ منه على مساكينِ الحرمِ. والهديُ الذي لتركِ واجبٍ يجبُ أن يتصدقَ بجميعِهِ على مساكينِ الحرمِ، والهديُ الواجبُ لفعلِ محظورٍ غيرِ الصيدِ يجوزُ أن يوزّعَ في الحرمِ، وأن يوزّعَ في محلِّ فعلِ المحظورِ، ودليلُ جوازِهِ في محلِّ المحظورِ أنَّ الرسولَ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أمرَ كعبَ بن عجرةٍ ـ رضي اللهُ عنه ـ أن يفدي بشاةٍ في محلِّ فعلِ المحظورِ، ولأنَّ هذا الدمَ وجبَ لانتهاكِ النُّسُكِ في مكانٍ معيّنٍ، فجازَ أن يكونَ فداؤُهُ في ذلك المكانِ، وما جازَ أن يُذبحَ ويُفرَّقَ خارجَ الحرمِ حيثُ وجدَ السببُ، فإنَّه يجوزُ أن يذبحَ ويفرقَ في الحرمِ، ولا عكس. ودمُ الإحصارِ حيثُ وجدَ الإحصارُ، ولكن لو أرادَ أن ينقلَهُ إلى الحرمِ فلا بأسَ.
مسألة: مساكينُ الحرمِ: من كان داخلَ الحرمِ من الفقراءِ سواءٌ كان داخلَ مكةَ أو خارجَ مكةَ لكنَّه داخلَ حدودِ الحرمِ، ولا فرقَ بين أن يكونَ المساكينُ من أهلِ مكةَ، أو من الآفاقيين، فلو أنَّنا وجدنا حجاجًا فقراء، وذبحنا ما يجبُ علينا من الهدي وأعطيناه إيَّاهم فلا بأسَ.
– مداخلة: إذا كان من أهلِ مكةَ لكنَّه خارجُ الحرمِ؟
– الشيخ: اللهُ أعلمُ، أقولُ بها: برأيي إذا كان هذا امتدادٌ لمكةَ أرجو إنَّه يصبحُ كتوسعةِ المسجدِ، يعني لو أنَّ بعضَ الناسِ ساكنٌ في طرفِ الحرمِ مثل ما كان يذكرُ أنَّ ابنَ عمرَ كان له فُسطاطان واحدٌ بالحرمِ وآخرُ خارجُ الحرمِ، فأرجو أنَّه إن كان من هذا النوعِ فالحكمُ يشملُها.
– القارئ: والدليلُ أنَّ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أمرَ عليًا أنْ يتصدَّقَ بلحمِ الإبلِ التي أهداها النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ولم يستثنِ أحدًا، فدلَّ هذا على أنَّ الآفاقي مثلُ أهلِ مكةَ؛ ولأنَّهم أهلٌ أن يُصرفَ لهم.
– الشيخ: أمَّا الهديُ الذي هو جزاءُ الصيدِ فظاهرٌ كما قلت فلا بدَّ أن يكونَ في الحرمِ ويتصدّقَ به ولا سيّما أنَّه بدلٌ متلفٌ، وهديُ التمتّعِ عرفناهُ أنَّه يأكلُ منه الحاجُّ أسوةً بالنبيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، ودمُ الإحصارِ يذبحُ حيثُ كان، لكنَّ الشيخَ ما فصَّلَ فيما يُؤكلُ وما لا يُؤكلُ منه، إلَّا مسألةَ هديِ التمتّعِ فواضحٌ. الآن عندنا ما كان عن متلفٍ كجزاءِ الصيدِ فإنَّه لا يأكلُ منه لأنَّه جبرانٌ، ويبقى معنا الدمُ عن تركِ واجبٍ وهذا مسكوتٌ عنه، وتحتاجُ المسألةُ إلى تحريرٍ.
– مداخلة: ابنُ قاسمٍ يقولُ في الحاشيةِ:
وظاهرُ تعبيرِهم للجمعِ "مساكين" أنَّه لا يجزئُ الدفعُ لواحدٍ، وقال: المرادُ الجنسُ، قال منصورٌ: إلحاقُه بالكفارةِ أشبهُ؟
– الشيخ: ليسَ ظاهرًا، وليسَ لازمًا، أمَّا ما نصَّ على العددِ فيه كفديةِ الأذى أو تُطعمُ ستّةَ مساكينَ لكلِّ مسكينٍ نصفُ صاعٍ فهذا يوقفُ مع الدليلِ.
– مداخلة: يُعطى لمسكينٍ شاةٌ كاملةٌ؟
– الشيخ: ممكن، بحسبِ المصلحةِ، إذا كان هناك مساكينُ فلا تعطي شاةً كاملةً لمسكينٍ واحدٍ، أمَّا إذا كان المساكينُ عددهم قليلٌ فلا بأسَ.
– القارئ:
[بابُ جزاءِ الصيدِ]
– الشيخ: كأنَّه يريدُ أن يذكرَ فيه ما نصَّ عليه من المماثلِ للصيدِ، فكأنَّ البابَ المثل في جزاءِ الصيدِ، تقدّمَ أنَّ الواجبَ هو المثلُ بنصِّ القرآنِ فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ [المائدة:95] فيذكرُ في هذا الفصلِ ما وردَ فيها ونُصَّ فيها عن الصحابةِ عن المثلِ.
– القارئ: (في النعامةِ بدنةٌ)
– الشيخ: المماثلةُ ظاهرةٌ، فالنعامةُ يقولون لها قوائمُ تشبهُ قوائمَ البعيرِ، ولها رقبةٌ طويلةٌ، فهي تشبَّهُ بالبعيرِ.
– القارئ: (وحمارِ الوحشِ، وبقرتِه، والأيّلِ، والثيتلِ، والوعلِ: بقرةٌ)
– الشيخ: لأنَّها كلَّها تشبهُ البقرةَ، وجاءَ الحكمُ في ذلك عن الصحابةِ.
– القارئ: (والضبعِ: كبشٌ، والغزالِ عنزٌ)
– الشيخ:
والشبَهُ موجودٌ وبيّنٌ بين الغزالِ والعنزِ.
– مداخلة: الضبعُ الآنَ مُستثناةٌ من السِّباعِ؟
– الشيخ: جاءَ فيها حديثٌ خاصٌّ وحققَّ ذلك ابنُ القيّمِ قال الحديثُ: "كلُّ ذي نابٍ من السباعِ" فلا بدَّ أن يثبتَ في المحرّمِ وصفان: أن يكونَ ذي نابٍ، وأن يكونَ من السباعِ، فهي سبعٌ وليسَ ذي نابٍ واللهُ أعلمُ، هذا تحقيقُ ابنُ القيمِ في إعلامِ الموقعين.
– القارئ: (والوبرِ، والضبِّ: جَدْيٌ، واليربوعِ: جَفْرَةٌ، والأرنبِ: عَناقٌ، والحمامةِ: شاةٌ)
– الشيخ: الجديُ يكونُ كالجذعِ من الضأنِ من حيثُ العمرِ، وهو ما يكونُ له ستّةُ أشهرٍ.
– القارئ: قال الشيخُ البليهي:
قولُه "في النعامةِ بدنةٌ": قال مالكٌ بالموطأ: لم أزلْ أسمعُ أنَّ في النعامةِ إذا قتلها المُحرمُ بدنةً. وروى البيهقيُّ عن ابنِ عباسٍ رضي اللهُ عنهما أنَّه قال: إن قتلَ نعامةً فعليه بدنةٌ من الإبلِ، وذكرَهُ البيهقيُّ أيضًا عن ابنِ مسعودٍ رضي اللهُ عنه.
قولُه "وحمارِ الوحشِ": لما رواهُ البيهقيُّ عن ابنِ عباسٍ أنَّه قال في البقرةِ بقرةٌ، وفي الحمارِ بقرةٌ. وجاءَ في الموطأ: حدثني عن مالكٍ عن هشامِ ابنِ عروةٍ أنَّ أباهُ كان يقولُ في البقرِ من الوحشِ بقرةُ، وفي الشاةِ من الضباءِ شاةٌ.
وقولُه "الأيل": لما رواهُ البيهقيُّ عن ابنِ عباسٍ أنَّه قال في بقرةِ الوحشِ بقرةٌ، وفي الأيل بقرةٌ. وقال في المصباحِ: الأيلُ: بضمِّ الهمزةِ وكسرِها، والياءُ فيهما مشدّدةٌ مفتوحةٌ، ذكرُ الأوعالِ وهو التيسُ الجبليُّ.
قولُه "والثيتل": شكَّلَ القاموسُ بفتحِ التاءِ والثاء، الوعلُ، أو ذكرُ الأروى، وجنسٌ من بقرِ الوحش، كذا في القاموس.
قولُه "والضبعُ": كبشٌ لحديثِ جابرٍ قال: "جعلَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في الضبعِ يصيبُهُ المحرمِ كبشًا، وجعلَهُ من الصيدِ" رواهُ أحمدُ وأبو داودَ والترمذيُّ والنسائيُّ وابنُ ماجه وابنُ حبّانَ والدّارميُّ، وصحّحهُ جمعٌ من الحفّاظِ.
قولُه "والغزالةِ عنزٌ": لما تقدَّمَ، وقد حكمَ في ذلك عمرُ ابنُ الخطابِ رضي اللهُ عنه، وعبدُ الرحمنِ ابن عوفٍ رضي اللهُ عنهما، ذكرَ ذلك عنهما مالكٌ في الموطأ، والبيهقيُّ في سننِهِ.
وقولُه "والوبر": روى الشافعيُّ عن مجاهدٍ وعطاءَ أنَّهما حكما في الوبرِ شاةً، والوبرُ دويبةٌ دونَ السنّور لا ذَنَبَ لها، تأوي إلى صدوعِ الجبالِ.
قولُه "جديٌ": وهو ما تمَّ له ستّةُ أشهرٍ لما رواهُ الشافعيُّ والبيهقيُّ عن طارقٍ أنَّ أربد أوطأ ظبًّا ففزرَ ظهرَهُ فأتى عمرَ رضي اللهُ عنه فسألَه، فقال عمرُ: ما ترى؟ وفي لفظٍ: أُحكمْ يا أربدُ، قال: جديٌ، قد جمعَ الماءَ والشجرَ، فقال عمرُ رضي اللهُ عنه فذلك فيه، وصحّحَ في التلخيصِ إسنادَهُ.
قولُه "جفرة": هي من أولادِ المعزِ، وهو ما بلغَ أربعةَ أشهرٍ، ومن أدلّةِ ذلك حديثُ جابرٍ وقد تقدَّمَ قريبًا، وروى مالكٌ في الموطأ أنَّ عمرَ بنَ الخطابِ قضى في الضبعِ بكبشٍ، وفي الغزالِ بعنزٍ، وفي الأرنبِ بعناقٍ، وفي اليربوعِ بجفرةٍ، وروى الشافعيُّ والبيهقيُّ عن ابنِ مسعودٍ أنَّه قضى باليربوعِ بجفرةٍ.
قولُه "عناقٌ": لحديثِ جابرٍ رضي اللهُ عنه عن النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "أنّه قال في الضبعِ إذا أصابَه المُحرمُ كبشٌ، وفي الظبي شاةٌ، وفي الأرنبِ عناقٌ، وفي اليربوع جفرةٌ" رواهُ الدارقطنيّ والبيهقيّ. وروى البيهقيُّ عن عمرَ وعن ابنِ عباسٍ رضي اللهُ عنهما أنّهما قالا في الأرنبِ بعناقٍ، قلت: والعناقُ هي ما تمّتْ لها أربعةُ أشهرٍ إلى ستّةِ أشهرٍ.
قولُه " والحمامةُ شاةٌ": صحّ ذلك في حمامِ الحرمِ، وقيسَ عليه غيرُهُ، وبه قال الشافعيُّ، لما رواهُ الشافعيُّ والبيهقيُّ عن عطاءٍ أنَّ غلامًا من قريشٍ قتلَ حمامةً من حمامِ مكةَ فأمرَ ابنُ عباسٍ أن يفدى عنه بشاةٍ، وقال بذلك عثمانُ وعليٌّ وعمرُ وعبدُ اللهِ ابن عمرٍ رضي اللهُ عنهم، ذكرَ ذلك البيهقيُّ في سننِهِ، وذكرَ ابنُ هبيرةَ عن مالكٍ أنَّه قال: في حمامِ الحرمِ شاةٌ، وفي حمامِ الحلِّ حُكومةٌ. وقال أبو حنيفةَ: في الجميعِ قيمتُهُ. وعلى الصحيحِ من المذهبِ الذي لا مِثلَ له من الطيورِ فيه قيمتُهُ، ومن أدلّةِ ذلك ما أخرجَهُ البيهقيُّ عن ابنِ عباسٍ رضي اللهُ عنهما أنَّه قال: كلُّ طيرٍ دونَ الحمامِ ففيه قيمتُهُ.
– الشيخ: المقصودُ أنَّ عمدةَ أهلِ العلمِ في تعين هذه الأنواعِ وأنَّها هي المثلُ الذي يجبُ على من قتلَ الصيدَ، كلُّ هذه الآثارُ، ويقولُ أهلُ العلمِ: أنَّه ما حكمَ به الصحابةُ وجبَ الوقوفُ معه، يعني لا ننظرُ فيه، مثلُ القضيةِ التي حُكمَ بها فليسَ لأحدٍ أن ينظرَ فيها، فكما يُقالُ: حكمُ الحاكمِ ينزعُ الخلافَ، أمَّا ما لم يؤثرْ عن الصحابةِ الحكمُ به فلأهلِ الخبرةِ من المسلمينَ أن ينظروا ويحكموا ويقولوا أنَّ هذا الصيدَ له مثلٌ من الحيواناتِ وأشبهُ ما يكونُ له كذا وكذا من الإبلِ أو البقرِ أو الغنمِ؛ لأنَّ اللهَ قال: فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ [المائدة:95] فما حكمَ به الصحابةُ كفونا المؤنةَ، فلا نحتاجُ أن نقولَ لننظرَ نحن بعدَهُم ويمكن أن نجدَ المماثلةَ! بل نأخذُ بما حكمَ به عدلان منهم وكلُّهم عدولٌ، وما لم يؤثرْ عنهم فيه شيءٌ نُحيلُ إلى أهلِ الخبرةِ بصفاتِ الحيوانِ وطبائعِ الحيوانِ.
– القارئ: [بابُ صيدِ الحرمِ]
(يحرمُ صيدُه على: المحرمِ والحلالِ)
– الشيخ: "صيدُ المُحرمِ": يحرمُ على المُحرمِ والحلالِ، ولكنَّه يحرمُ على المُحرمِ من وجهين، يعني المُحرمُ إذا قتلَ صيدًا في الحرمِ كان إثمُهُ مضاعفًا، لكن هل يتضاعفُ الجزاءُ، والظاهرُ أنَّ الجزاءَ لا يتضاعفُ بل هو واحدٌ، فالمحرمُ إذا قتلَ حمامةً فالواجبُ عليه شاةٌ، والحلالُ إذا قتلَ حمامةً فعليه شاةٌ، أمَّا جزاءُ الصيدِ فبصريحِ القرآنِ، وأمَّا وجوبُ الجزاءِ على الحلالِ إذا قتلَ شيئًا من صيدِ الحرمِ فالمعوّلُ فيه على الآثارِ المرويةِ عن بعضِ الصحابةِ كابنِ عباسٍ وغيرِه.
– القارئ: (وحكمُ صيدِه كصيدِ المحرمِ)
– الشيخ: يعني ممكن من حيثُ اعتبارِ المماثلةِ في الجزاءِ.
– مداخلة: حكمُها يكونُ كحكمِ الميتةِ؟
– الشيخ: إذا قتلَهُ المُحرمُ أو الحلالُ فهو ميتةٌ.
– القارئُ يقرأُ من الشرحِ الممتعِ:
قولُه: «وحكمُ صيدِهِ كصيدِ المحرمِ»: أي على ما سبقَ من التفصيلِ، ففيهِ الجزاءُ، {مثلُ ما قتلَ من النَّعمِ}، {أو كفارةٌ طعامُ مساكينَ أو عدلُ ذلك صيامًا}.
– الشيخ: طيب ما هو الدليلُ على تحريمِ قتلِ صيدِ الحرمِ؟ الدليلُ هو قولُه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "لا يُنفّرُ صيدُه" فإذا كان يَحرمُ تنفيرُ الصيدِ من مكانِهِ فلأنْ يحرمُ قتلُهُ من بابِ أولى، هذا هو العمدةُ في المسألةِ.
– القارئ: (ويَحرمُ: قطعُ شجرهِ، وحشيشِه الأخضرينِ إلا الإِذخِرَ)
– الشيخ: كقطعِ الشجرِ القائمِ على ساقٍ، والحشيش: هو نبتٌ يعبّرُ عنه بالخلا، وجاءَ في الحديثِ: "ولا يختلى خلاها، ولا يعضدُ شوكها، ولا يقطعُ شجرها" والأصلُ هو حديثُ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في الصحيح ِأنَّه خطبَ يومَ فتحِ مكّةَ، وفي اليومِ الثاني ونوّه بذلك فقال: "إنَّ اللهَ حرّمَ مكةَ فهي حرامٌ بحرمةِ اللهِ إلى يومِ القيامةِ لا يحلُّ فيها سفكُ دمٍ، ولا يُنفّرُ صيدُها ولا يختلى خلاها ولا تُلتقطُ لقطتُها إلَّا من عرّفها، قال العباسُ: يا رسولَ اللهِ إلّا الإذخرَ فإنَّه لقينِهم وبيوتِهم، فقال الرسولُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- إلّا الإذخر" وهو نبتٌ طيّبُ الرائحةِ ليّنُ الملمسِ وكانوا يتخذونَه للقينِ، وهو الحدّادُ يضرمُ به النارَ ويتّخذَهُ نوعُ شعلةٍ، ولبيوتِهم يضعونَهُ فوقَ الجريدِ يمنعُ نزولَ الطينِ، وللقبورِ كذلك يمنعُ نزولَ الترابِ إلى اللحدِ.
– مداخلة: هل الأخضرين قيدٌ؟
– الشيخ: نعم فاليابسُ ميّتٌ.
– القارئ: (ويحرمُ: صيدُ المدينةِ، ولا جزاءَ، ويُباحُ: الحشيشُ للعلفِ، وآلةُ الحرثِ، ونحوِه)
– الشيخ: كذلك يحرمُ صيدُ المدينةِ لكن هناك فرقٌ، والأصلُ فيه قولُه -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: "إنَّ إبراهيمَ حرّمَ مكةَ وإنّي حرمتُ المدينةَ كما حرّمَ إبراهيمُ مكةَ". ومعنى حرّمها إبراهيمُ: أي أظهرَ تحريمَها، وإلّا فمكةُ حرامٌ بحرمةِ اللهِ يومَ خلقَ السمواتِ والأرضَ. المقصودُ أنَّ حرمَ مكةَ أغلظُ من حرمِ المدينةِ في التحريمِ، وجاءَ فيه الرخصةُ يعني لا يجوزُ قتلُ صيدِها لكن لا جزاءَ فيها؛ هذا وجهٌ، والوجهُ الثاني: يجوزُ أن يحتشَّ الرجلُ لدابّتِه العلفَ أو من أجلِ صنعِ آلةٍ.
– القارئ: (وحرمُها: ما بينَ عَيرٍ إلى ثَورٍ)
– الشيخ: هذا حدودُ الحرمِ.
– القارئ: يقولُ الشيخُ البليهي:
قولُه "على المحرمِ والحلالِ": به قال الثلاثةُ لحديثِ ابنِ عباسٍ قال: "قال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: يومَ فتحَ مكةَ إنَّ هذا البلدَ حرامٌ لا يعضدُ شوكُه ولا يختلى خلاهُ، ولا ينفّرُ صيدُه، ولا تلتقطُ لقطتُه إلّا بمعرّف" رواهُ السبعةُ.
قولُه " كصيدِ المحرمِ": فيجبً فيه الجزاءً على المحرمِ وغيرِه وتقدّمَ من الأدلةِ ما فيه الكفايةُ ومقنعٌ.
– الشيخ: لا، تقدَّمَ يعني ما في الكفايةِ في صيدِ المُحرمِ، أمَّا صيدُ الحرمِ لا، لكن قياس، لا بدَّ من النظرِ فيه.
قولُه "ويحرمُ قطعُ شجرِهِ": وبه قال الثلاثةُ، بل نقلّ ابنُ المنذرِ إجماعَ العلماءِ على ذلك، ودليلُ ذلك ما تقدَّمَ قريبًا.
يعني لم يذكرِ الدليلَ على تحريمِ صيدِ الحرمِ على وجوبِ الجزاءِ، إلّا القياسَ على صيدِ المُحرمِ فقط.
– القارئ: فائدةٌ: على المقدّمِ في المذهبِ تضمنُ الشجرةُ الكبيرةُ ببقرةٍ، والصغيرةُ بشاةٍ، والغصنُ بما نقصَهُ، والحشيشُ بقيمتِهِ، روي عن ابنِ عباسٍ وعبدِ اللهِ بنِ الزبيرِ ومجاهدٍ وعطاء أنَّهم قالوا: في الشجرةِ العظيمةِ بقرةٌ، وقال ابنُ الزبيرِ: في الشجرةِ الصغيرةِ شاةٌ، وعند مالكٍ: شجرُ الحرمِ ليسَ بمضمونٍ، وعند الشافعيّ: تُضمنُ الشجرةُ الكبيرةُ ببقرةٍ والصغيرةُ بشاةٍ، وعند أبي حنيفةَ: الجميعُ القيمةُ.
– الشيخ: ما دامَ يوجدُ هذا الخلاف يُنظرُ فيما صحَّ عن الصحابةِ.
– مداخلة: في الشرحِ الممتعِ يقولُ الشيخُ محمدُ ابنُ عثيمين رحمهُ اللهُ:
الأشجارُ أو الحشيشُ، فهل أسقطها اختصارًا أو اقتصارًا؟
الجوابُ: بما أنَّ المؤلفَ من أصحابِ الإمامِ أحمدَ ـ رحمهُ اللهُ ـ من الحنابلةِ، فالظاهرُ أنَّه أسقطها اختصارًا، لا اقتصارًا، لكن يُحتملُ أنَّه أسقطَها اقتصارًا، أي: أنَّ التحريمَ مقصورٌ على القطعِ والحشِ، وليسَ فيه جزاءٌ. وهذه المسألةُ فيها خلافٌ بين العلماء: فقال بعضُ العلماءِ: إنَّ هذه الأشجارِ أو الحشائشِ ليسَ فيها جزاءٌ، وهذا مذهبُ مالكٍ، وابنُ المنذرِ، وجماعةٌ من أهلِ العلمِ، وهو الحقُّ؛ لأنَّه ليسَ في السنّةِ دليلٌ صحيحٌ يدلُّ على وجوبِ الجزاءِ فيها، وما وردَ عن بعضِ الصحابةِ رضي اللهُ عنهم، فيحتملُ أنَّه من بابِ التعزيرِ، فرأوا أنَّه يُعزّرُ من قطعَ هذه الأشجارَ، بناءً على جوازِ التعزيرِ بالمالِ، ولو كان الجزاءُ واجبًا لبيّنَهُ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، إذ لا يمكنُ أن يدعَ أمَّتَه بلا بيانِ ما يجبُ عليهم.
– الشيخ: كيفَ وقد خطبَ بهذا ونصَّ عليه، ولم يقلْ: فمن قطعَ كذا فعليه الجزاءُ.
– القارئ: وبوفاةِ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- انقطعَ التشريعُ، وليسَ هذا من بابِ القياسِ حتى يُقالُ: لعلّهُ يُقاسُ على الصيدِ؛ لأنَّ هنا فرقًا بين الصيدِ والأشجارِ، فالأشجارُ ناميةٌ، لكن ليسَ فيها الحياة التي في الصيودِ، فإذا قطعَ الإنسانُ شجرةً أو غصنًا منها، أو حشَّ حشيشًا فإنَّه يأثمُ، ولكن لا جزاءَ عليه لا قليلًا ولا كثيرًا.
– الشيخ: هذا واضحٌ، لكن في جزاءِ صيدِ الحرمِ هل قال: وعليه الجزاءُ كصيدِ المُحرمِ؟
– القارئ: قولُه: «وحكمُ صيدِهِ كصيدِ المحرمِ»: أي على ما سبقَ من التفصيلِ، ففيه الجزاءُ: {مثلُ ما قتلَ من النَّعَمِ}، {أو كفارةٌ طعامُ مساكينَ أو عدلُ ذلك صيامًا}.
– مداخلة: هناك مسألةٌ ذكرها الشيخُ محمدٌ وهي:
– القارئ: إذا كانتِ الأشجارُ في الطريقِ، فهل يجوزُ إزالتُها من أجلِ الطريقِ؟ الجوابُ: إن كان هناك ضرورةٌ بحيثُ لا يمكنُ العدولُ بالطريقِ إلى محلٍّ آخر فلا بأسَ بقطعِها، وإن لم يكن ضرورة، فالواجبُ العدولُ بالطريقِ عنها؛ لأنَّه يحرمُ قطعُها بلا ضرورةٍ.
– الشيخ: الآنَ اختلفتِ الأحوالُ، هذا فيما إذا تعمّدَ القطعَ، يعني كونَهُ يأتي ويتعمّدُ، فالذي يظهرُ واللهُ تعالى أعلمُ إذا لم يقصدها بالإتلافِ، بل أتلفَها لأنَّها في طريقِهِ وليسَ له من سبيلٍ أن يذهبَ هنا أو هناك، لكن لو كان يمشي في طريقٍ وهناك شجرةٌ فإنَّه لا يتعمّدُ أن يصدمَها، لكن كونُ هذا النبات والحشيش في طريقِهِ ولا سبيلَ للعدولِ عنه، كلُّ الأرضِ مبسوطةٌ بالنباتاتِ، فأرجو أنَّ هذا عذرٌ.
– مداخلة: في حاشيةِ ابنِ قاسمٍ هناك تعليقٌ على مسألةِ "وحكمُ صيدِهِ كصيدِ المُحرمِ فيه الجزاءُ".
(وحكمُ صيدِهِ كصيدِ المحرمِ فيه الجزاءُ.
– الشيخ: هذه مسائلُ فروع .
الأسئلة:
س1: هل حكمُ صيدِ البحرِ يأخذُ حكمَ صيدِ البرِّ للمحرمِ؟
ج: لا، بنصِّ القرآنِ: اُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ [المائدة:96]
……………………………………
س2: ما حكمُ جمعِ صلاةِ العصرِ مع الجمعةِ للمسافرِ؟
ج: فيه خلافٌ، والذي يترجّحُ عندي هو الجوازُ.
…………………………………..
س3: ما الضابطُ في أكلِ لحومِ الحيواناتِ جميعِها؟
ج: الأصلُ هو الحلُّ، قال تعالى: هوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ [البقرة:29] وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ [النحل:5] والصيودُ، والطيورُ، إلَّا ما جاءَ به النصُّ كما في الحديثِ: "نهى رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- عن كلِّ ذي نابٍ من السباعِ، وكلِّ ذي مخلبٍ من الطيرِ" هذه تخرجُ عن الحلِّ، وإلّا يبقى قولُه تعالى: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ [الأنعام:145]
…………………………………..
س4: ما نصيحتُكم للمسلمينَ عامَّةً وللآباءِ خاصةً بقربِ حلولِ شهرِ رمضان؟
ج: أن يعقدوا العزمَ على الصيامِ إيمانًا واحتسابًا، وعلى الاجتهادِ في هذا الشهرِ في لزومِ طاعةِ اللهِ من أداءِ الفرائضِ والتزوّدِ من النوافلِ، ويأخذوا بالأسبابِ المُعينةِ، وأن يحذروا من الأسبابِ التي تصدَّهم عن ذكرِ اللهِ، وتصدَّهم عن فعلِ الخيراتِ، وعلى الآباءِ أن يوجّهوا الأبناءَ إلى ما فيه الخيرُ لهم، ونسألُ اللهَ أن يصرفَ عنّا الفتنَ ما ظهرَ منها وما بطنَ، ومن أضرِّ الأشياءِ ما فُتحَ على الناسِ من وسائلَ صادّةٍ عن ذكرِ اللهِ من القنواتِ والإذاعاتِ وكذلك الجوالات.