الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الروم/(10) من قوله تعالى {الله الذي يرسل الرياح} الآية 48 إلى قوله تعالى {وما أنت بهاد العمي} الآية 53
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(10) من قوله تعالى {الله الذي يرسل الرياح} الآية 48 إلى قوله تعالى {وما أنت بهاد العمي} الآية 53

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الروم

الدَّرس: العاشر

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (48) وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ (49) فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (50) وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ (51) فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ (52) وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ [الروم:48-53]

– الشيخ : إلى هنا

– القارئ : عفا الله عنك

– الشيخ : لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، سبحان الله، سبحان الله.

يُذَكِّرُ -سبحانه وتعالى- في هذه الآيات ببعضِ آياتِه الدالَّة على قدرتِه وحكمتِه ورحمتِه، وهي نعمةٌ من نِعَمِهِ، وبرهانٌ على أصلٍ عظيمٍ من أصول الإيمان.

{اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا}، الرياح لها تأثيرات، تُثيرُ السحابَ، {فَتُثِيرُ سَحَابًا}، وهي تُلْقِحُ، {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} [الحجر:22]، وهو -تعالى- يُصَرِّفُ الرياحَ، {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ} [البقرة:164] من أعظم آياتِه، {وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ}، {يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا} قبلَ تَكَثُّفِ وَتَكُوُّنِ السحابِ يَغْبَرُّ الجوُّ، وإذا هَبَّتِ الريحُ، فللسحابِ مُقدِّمات، {فَتُثِيرُ سَحَابًا} فيبسُطُه -تعالى- في السماء، حتى يغطي السماءَ، يحجبُ الشمسَ، {فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ} ، {وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا} قِطَعاً، ثم يَنزل منه مطراً، {فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ}، من بين السحاب، الله أكبر!{فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ}.

ثم يرسله إلى حيث شاء من البلاد، {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ} [الأعراف:57] هذه السحابة تحمل، رياح هناك الرياح التي تثير السحابَ، ثمَّ رياح تحملُ السحاب من مكانٍ إلى مكانٍ.

{بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ} [الأعراف:57]، {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا، فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا} [الذاريات:1-2]، رياح تحمل السحابَ وتسيرُ به حيث شاء الله.

وكلًّها مُرسلَةٌ، كلها مُرسلَةٌ بأمر الله، رياحٌ تُرسَلُ بالرحمة، ورياحٌ تُرسَلُ بالعذابِ، كريحِ عادٍ، سبحان الله العظيم!

{فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}، بعد القَحْطِ وبعد الجَدْبِ إذا جاء المطر استبْشرَ الناسُ؛ لأنَّ فيه الحياة -حياة البلاد-، {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً} [الحج:63]، الأمطار التي تَنزِلُ يُنبِتُ اللهُ بها أنواعَ النبات مما يأكل الناس والأنعام، {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ} [السجدة:27]، سبحان الله!

وهو في نفس الوقت يُغذِّي المياهَ الجوفيَّة، بعضُ البلاد إذا تأخَّرَ عنها المطرُ سنينَ نَضَبَتِ المياهِ الجوفية وأصبحت، تخلو أو يَقلُّ فيها الماء جِداً في آبارِها، فإذا جاء المطر نزلَ ما شاء الله منه إلى باطن الأرض فغذَّى هذه الآبار حتى تعودَ، تعود فيها المياه، ثم صار الناس يَتَحَيَّلُونَ لهذا ببناءِ السدودِ، التي يجتمع فيها الماء ويَرْشَحُ، تَرْشَحُ هذه السدود، تَرْشَحُ في باطن الأرض فتُغَذِّي الآبار، سبحان اللهَ

{إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}، {فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِين}، يصلُ الأمر في بعضِ الأحيان إلى اليأسِ، إذا تأخَّر المطرُ سنينَ تشتدُّ الكُربةُ على الناس، يعظُم الضَّررُ، تموتُ الأشجارُ والثِّمارُ، والحيوانات تهزُل وتموتُ، الأعرابيُّ الذي جاءَ يَطلبُ من الرسول أن يستسقي يقول: هلكَتِ الأموال، هلكَتِ الأموال وانقطعتِ السبل.

ثم يقول تعالى: {فَانْظُرْ}، الآن هذا فيه الأول فيه الامتنانُ بهذه النعمةِ العظيمةِ، ثمَّ يقول: {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ}، رحمةُ الله هي المطر، آثارُ رحمةِ الله، كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا، {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج:5] {إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى} [فصلت:39]، في الآية الأخرى: {اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الحج:5-6]

وهذا كثيرٌ في القرآن، يَذكر من الدليلِ على البَعثِ وإحياءِ الموتى بإحياءِ الأرض بعد موتها، {إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى}، {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}

ثمَّ بعدَ هذا الفرح وهذا الاستبشار يُبتلى الناسُ -أيضاً- بذهاب بعضِ ما نَشأَ عن المطرِ من النَّبات، من النبات، {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا}، فرأوا الأشجارَ والنباتَ مُصَفَرَّةُ، ثمَّ ذابلةً ثمَّ يابسةً، {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ} [الكهف:45]

{وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا}، الريح سبحان الله، هذه الريح تُيبِّسُ الأشجارَ، فتصيرُ هَشِيْمَاً، {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ}، أولاً يفرحونَ ثمَّ يكفرونَ، يعني هذا حالُ الكفارِ والجُهَّالِ، أمَّا المؤمنون فإنَّهم يؤمنون بالله ويصبرون، يشكرونَه على النَّعماءِ ويصبرونَ على البَلاء، على الضَّرَّاء، سواءً النِّعَمُ والمصائبُ الخاصَّةُ أو النِّعَمُ والمصائبُ العامَّة، {لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ}.

ثم يقول -سبحانه وتعالى- لنبيه: {فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ}، هؤلاءِ الكفار لا يَنفعُ فيهمُ الإنذارُ والدعوة، فهم إذا دُعوا يُعرِضون ويُدْبِرون مثل الأصمِّ إذا ولّى مدبراً، تُنادي وهو لا يَسمعُ؛ لأنَّه لو كان مقبلاً عَلِمَ ببصرِه أنك، لكن إذا ولّى مُدبراً انتهى، {فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ} الذينَ أعمى اللهُ بصائرَهم ما تُجدي فيهم النِّذارة والدعوة، لا إله إلا الله.

{إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ}، الذين رُزِقوا الإيمان همُ الذين ينتفعونَ بالمواعِظ والتذكيرِ، {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:55]

 

(تفسير السعدي)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ لله ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِه وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنُ السَّعديّ -رحمَه الله تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى:

(اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ) الآيات.

يُخبِرُ تعالى عَن كمالِ قدرتِه وتمامِ نعمتِه أنَّه {يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا} مِن الأرضِ، {فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ} أي: يَمدُّهُ ويُوسِّعُهُ {كَيْفَ يَشَاءُ} أي: على أيِّ حالةٍ أرادَها مِن ذلكَ ثمَّ {يَجْعَلُهُ} أي: ذلكَ السحابُ الواسعُ {كِسَفًا} أي: سَحاباً ثَخيناً قَدْ طَبَّقَ بعضُه فوقَ بعضٍ

– الشيخ : يعني مثلاً أنه يصيرُ ركاماً، يكون قِطَعاً بعضُها فوقَ بعضٍ، مثل: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا} [النور:43] ولهذا يَنشأ السحابُ ثمَّ يتكثَّف، ويتكثَّف، ويتكثَّف حتى يكون سحاباً عظيماً ثقيلاً! يعني يحجبُ الشمسَ حجباً شديداً! حتى يصيرُ الجوُّ مظلماً؛ بسببِ كثافةِ السحابِ.

 

– القارئ : أي: سحاباً ثخيناً قَدْ طَبَّقَ بعضُه فوقَ بعضٍ.

{فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ} أيْ: السحابُ نقطاً صغاراً متفرقةً، لا تنزلُ جميعاً فتفسدُ ما أتتْ عليهِ.

{فَإِذَا أَصَابَ بِهِ} أي بذلكَ المطرِ {مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} يُبَشِّرُ بعضُهم بعضاً بنزولِهِ وذلكَ لشدَّةِ حاجتِهم وضرورتِهم إليهِ فلهذا قال: {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِن قَبْلِه لَمُبْلِسِينَ} أي: آيسينَ قانطينَ لتأخرِ وقتِ مجيئِهِ، أي: فلمَّا نزلُ في تلكَ الحالِ صارَ لَه موقعٌ عظيمٌ عندَهم وفرحٌ واستبشارٌ.

{فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} فاهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كريمٍ.

{إِنَّ ذَلِكَ} الذي أحيا الأرضَ بعدَ موتِها {لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فقدرتُه تعالى لا يَتعاصى عليها شيءٌ وإنْ تَعاصى على قَدْرِ خَلْقِهِ ودَقَّ عَنْ أفهامِهم وحارتْ فيهِ عقولُهُم.

قالَ اللهُ تعالى: {وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا} الآيات.

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ حَالَةِ الْخَلْقِ وَأَنَّهُمْ مَعَ هَذِهِ النِّعَمِ عَلَيْهِمْ بِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ بَعْدَ مَوْتِهَا وَنَشْرِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى

– الشيخ : أيش؟

– القارئ : {لَوْ أَرْسَلْنَا} عَلَى هَذَا النَّبَاتِ النَّاشِئِ عَنِ الْمَطَرِ

وَعَلَى زُرُوعِهِمْ رِيحًا مُضِرَّةً مُتْلِفَةً أَوْ مُنْقِصَةً، {فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا} قَدْ تَدَاعَى إِلَى التَّلَفِ لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ فَيَنْسَوْنَ النِّعَمَ الْمَاضِيَةَ وَيُبَادِرُونَ إِلَى الْكُفْرِ.

وَهَؤُلَاءِ لَا يَنْفَعُ فِيهِمْ وَعْظٌ وَلَا زَجْرٌ.

– الشيخ : نسأل الله العافية.

– القارئ : {فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ} وبالأَولى {إِذَا}.

– الشيخ : هذا حالُ الكافر، يَبْطُرُ عند النَّعماءِ ويفرحُ فرحاً متعدياً، ويَجزعُ ويَسخطُ ويَكفرُ ويَزدادُ شَرُّهُ إذا سُلِبَ الرحمة وبُلِيَ بالبلاءِ.

أمَّا المؤمن فأمرُه كلُّه له خير، إن أصابتْه سَرَّاءُ شكرَ وإن أصابتْه صبر، وقلتُ: أن هذا المعنى يتعلَّقُ بأمور، بالنِّعَمِ الخاصة التي تجري على الفرد، كالصِّحةِ والمرضِ والغِنى والفقر، وتجري بصفة عامَّةٍ على عمومِ الناس، فالنِّعَمُ نوعان: نِعَمٌ خاصَّةٌ كالنِّعَمِ التي تحصل للإنسانِ في نفسِه، تتعلَّق به بشخصِه، والمصيبةُ التي كذلك، وتكون هناك نِعَمٌ أو مصائبُ عامة، مثل المطرِ هذه نعمةٌ عامةٌ، ينتفعُ بها الكثيرون، والقَحط والجَدب والرياح والأعاصيرُ هذه من المصائبِ التي تعمُّ أمماً من الناسِ.

 

– القارئ : وَبِالْأُولَى إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ فَإِنَّ الْمَوَانِعَ قَدْ تَوَفَّرَتْ فِيهِمْ عَنِ الِانْقِيَادِ وَالسَّمَاعِ النَّافِعِ كَتَوَفُّرِ هَذِهِ الْمَوَانِعِ الْمَذْكُورَةِ عَنْ سَمَاعِ الصَّوْتِ الْحِسِّيِّ.

وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَ الْإِبْصَارَ بِسَبَبِ عَمَاهُمْ فَلَيْسَ فِيهِمْ قَابِلِيَّةٌ لَهُ.

{إِنْ تُسْمِعُ إِلا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ} فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَنْفَعُ فِيهِمْ إِسْمَاعُ الْهُدَى الْمُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا بِقُلُوبِهِمُ الْمُنْقَادُونَ لِأَوَامِرِنَا الْمُسْلِمُونَ لَنَا؛ لِأَنَّ مَعَهُمُ الدَّاعِيَ الْقَوِيَّ لِقَبُولِ النَّصَائِحِ وَالْمَوَاعِظِ وَهُوَ اسْتِعْدَادُهُمْ لِلْإِيمَانِ بِكُلِّ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَاسْتِعْدَادُهُمْ لِتَنْفِيذِ مَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ مِنْ أَوَامِرِ اللَّهِ وَنَوَاهِيهِ.

قال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ} الآية.

– الشيخ : إلى آخر ذلك، نعم.