الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الروم/(11) من قوله تعالى {الله الذي خلقكم من ضعف} الآية 54 إلى قوله تعالى {فاصبر إن وعد الله حق} الآية 60

(11) من قوله تعالى {الله الذي خلقكم من ضعف} الآية 54 إلى قوله تعالى {فاصبر إن وعد الله حق} الآية 60

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الروم

الدَّرس: الحادي عشر

***     ***     ***

 

– القارئ : عفا الله عنك، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (56) فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57) وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (58) كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (59) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ [الروم:54-60]

– الشيخ : الله أكبر، لا إله إلا الله، تضمَّنت هذه الآيات التذكيرَ بالأطوارِ -أطوارُ الإنسان-، أطوارُ خلقِ الإنسان.

فمبدأُه من ضَعفٍ، {مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} [السجدة:8]، ثم يترقّى حتى تكونَ له قوةٌ، {ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً}، ثم تتحول إلى ضَعفٍ آخرَ، {ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً}.

وقوةُ الإنسان في هذه الحياة بين ضَعفينِ: ضَعفُ الابتداء، وضَعف الانتهاء، وهذا -والله أعلم- فيه التنبيهُ إلى أمرِ البَعثِ، يُشبه قولَه -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ} إلى قوله: {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} [الحج:5] فهذا دليلٌ من أدلَّة البعث، وهي النَّشأة، النَّشأةُ الأولى.

كما ذكر من الدليلِ على البعثِ: إحياءُ الأرضِ بعدَ موتها -في الآيات السابقة-: {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الروم:50].

وذكرَ هنا مبدأَ خلقِ الإنسانِ من ماءٍ مهينٍ، من ضَعفٍ ثمَّ يمرُّ بأطوار، ولهذا قال تعالى ختم الآية بقوله: {وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ}، يشبه قولَه -تعالى-: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} [ق:4]

ثم قالَ تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ}، يومُ تقومُ القيامةُ، وذلك يحصل بالنَّفخ في الصورِ، ففي النَّفخةِ الأولى يَصعَقُ من في السمواتِ ومن في الأرضِ، ثمَّ النَّفخةِ الثانيةِ يُبعثونَ، {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:68]

{وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ}، مَا لَبِثُوا في هذه الدنيا، ويختلفونَ: منهمْ من يقولُ: ساعة، ومنهم من يقولُ: يوم أو بعضَ يوم، {مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ}،

قال الله: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ}، يَردُّون عليهم: {لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}

قال الله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ}، في ذلكَ اليومِ {لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ}، لا ينفعُهم الاعتذارُ.

{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ}، الله -تعالى- يضربُ الأمثالَ في القرآن؛ لبيانِ الحقِّ من الباطلِ، {وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا} [الإسراء:89]

{وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:43].

{وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ}، يُكذِّبونَ ويجحدونَ، إذا جاءَهم الرسولُ بالآيةِ من آياتِ الله قالوا: {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ}، وهذا من آثارِ الطَّبعِ على قلوبِهم، {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}

{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ}، فالله -تعالى- يأمرُ نبيَّهُ بالصبرِ، وهذا كثيرٌ:

{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ} [الأحقاف:35]، {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ} [النحل:127]

{كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ، فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ}، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يعني: اصبِرْ واثـبُتْ في طريقِكَ، طريقِ الدعوةِ إلى الله، ولا تبالِ بالـمُبطلين الـمُبْـتَلِينَ، ولا تَعبأْ بهمْ، وبما يقولونَ، وما يقترحونَ، وما يدَّعون، {وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ}، الله أكبر

 

(تفسير السعدي)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السَّعديّ -رحمَه اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى:

{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ} الآية.

يخبرُ تعالى عن سعةِ علمِهِ وعظيمِ اقتدارِه وكمالِ حكمتِه، وأنَّه ابتدأَ خَلْقَ الآدمِيّينَ مِن ضَعْفٍ وهو الأطوارُ الأولى مِن خلقِهِ مِن نطفةٍ إلى عَلَقةٍ إلى مضغةٍ إلى أنْ صارَ حيواناً في الأرحامِ إلى أنْ وُلِدَ، وهو في سِنِّ الطُّفوليةِ وهو إذْ ذاكَ في غايةِ الضَّعفِ وعدمِ القوةِ والقدرةِ.

– الشيخ : الله أكبر! الله أكبر!

هذا شيءٌ أقولُ: يشاهدُه الناس ولكن يَغلبُ على الناس عدمُ التَّفكرِ بآياتِ الله، لا إله إلا الله.

هذا الماء الـمَهين الضَّعيف يتكوَّنُ ويتطوَّرُ حتى يخرجَ، يخلقُ الله منه إنساناً مزوداً بكلِّ أنواعِ وأسبابِ يعني… {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل:78]، لا إله إلا الله، {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:21]، {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ} [الروم:8]

– القارئ : ثمَّ ما زالَ اللهُ يزيدُ في قوتِهِ شيئاً فشيئاً حتى بلغَ سِنَّ الشبابِ واستوتْ قوَّتُهُ وكملُتْ قِواهُ الظاهرةُ والباطنةُ، ثم انتقلَ مِن هذا الطورِ ورجعَ إلى الضَّعفِ والشَّيبةِ والهَـرَمِ.

{يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} بحسبِ حكمتِهِ. ومِن حكمتِهِ أنْ يُريَ العبدَ ضَعفَهُ وأنَّ قوَّتَهُ محفوفَةٌ بضَعْفينِ، وأنَّهُ ليسَ له مِن نفسِه إلا النَّقصُ، ولولا تقويةُ اللهِ لَه لما وصلَ إلى قوةٍ وقدرةٍ ولو استمرتْ قوَّتُهُ في الزيادةِ لطغَى وبَغَى وعتَا.

وليعلمَ العبادُ كمالَ قدرةِ اللهِ التي لا تزالُ مستمرةً يخلقُ بها الأشياءَ، ويدبِّرُ بها الأمورَ ولا يَلحقُها إعياءٌ ولا ضَعفٌ ولا نقصٌ بوجهٍ مِن الوجوهِ.

قال الله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ} الآيات.

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسُرْعَةِ مَجِيئِهِ وَأَنَّهُ إِذَا قَامَتِ السَّاعَةُ يقسمُ الْمُجْرِمُونَ بِاللَّهِ أَنَّهُمْ مَا لَبِثُوا فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَاعَةً وَذَلِكَ اعْتِذَارٌ مِنْهُمْ لَعَلَّهُ يَنْفَعُهُمُ الْعُذْرُ

– الشيخ : عجيب! {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ، قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} [المؤمنون:112-113]، {إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا} [طه:104]، وآخرونَ يقولونَ: لَبِثْنَا عشرة، مع أنَّ منهم من عُمِّرَ السنينَ لكنها إذا ذهبتْ كأنَّها ما مضتْ، {كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ، قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ}

– القارئ : وَاسْتِقْصَاراً لِمُدَّةِ الدُّنْيَا.

وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُمْ كَذِبًا لَا حَقِيقَةَ لَهُ قَالَ تَعَالَى: {كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ} أَيْ: مَا زَالُوا -وَهُمْ فِي الدُّنْيَا- يُؤْفَكُونَ عَنِ الْحَقَائِقِ وَيَأْتَفِكُونَ الْكَذِبَ، فَفِي الدُّنْيَا كَذَّبُوا الْحَقَّ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الْمُرْسَلُونَ، وَفِي الْآخِرَةِ أَنْكَرُوا الْأَمْرَ الْمَحْسُوسَ وَهُوَ اللُّبْثُ الطَّوِيلُ فِي الدُّنْيَا، فَهَذَا خُلُقُهُمُ الْقَبِيحُ وَالْعَبْدُ يُبْعَثُ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ.

{وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ} أَيْ: مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِهِمَا وَصَارَا وَصْفًا لَهُمُ الْعِلْمُ بِالْحَقِّ وَالْإِيمَانُ الْمُسْتَلْزِمُ إِيثَارَ الْحَقِّ، وَإِذَا كَانُوا عَالِمِينَ بِالْحَقِّ مُؤْثِرِينَ لَهُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمْ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ مُنَاسِبًا لِأَحْوَالِهِمْ.

فَلِهَذَا قَالُوا الْحَقَّ: {لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ} أَيْ: فِي قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَفِي حُكْمِهِ {إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ} أَيْ: عُمِّرْتُمْ عُمْرًا يَتَذَكَّرُ فِيهِ الْمُتَذَكِّرُ وَيَتَدَبَّرُ فِيهِ الْمُتَدَبِّرُ وَيَعْتَبِرُ فِيهِ الْمُعْتَبِرُ حَتَّى صَارَ الْبَعْثُ وَوَصَلْتُمْ إِلَى هَذِهِ الْحَالِ.

{فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} فَلِذَلِكَ أَنْكَرْتُمُوهُ فِي الدُّنْيَا وَأَنْكَرْتُمْ إِقَامَتَكُمْ فِي الدُّنْيَا وَقْتًا تَتَمَكَّنُونَ فِيهِ مِنَ الْإِنَابَةِ وَالتَّوْبَةِ، فَلَمْ يَزَلِ الْجَهْلُ شِعَارَكُمْ وَآثَارُهُ مِنَ التَّكْذِيبِ وَالْخَسَارِ دِثَارَكُمْ.

{فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ} فَإِنْ كَذَّبُوا وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ مَا قَامَتْ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ أَوْ مَا تَمَكَّنُوا مِنَ الْإِيمَانِ ظَهَرَ كَذِبُهُمْ بِشَهَادَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ، وَشَهَادَةِ جُلُودِهِمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلِهِمْ، وَإِنْ طَلَبُوا الْإِعْذَارَ وَأَنَّهُمْ يُرَدُّونَ وَلَا يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ لَمْ يُمَكَّنُوا فَإِنَّهُ فَاتَ وَقْتُ الْإِعْذَارِ فَلَا تُقْبَلُ مَعْذِرَتُهُمْ، {وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ} أَيْ: يُزَالُ عَتَبُهُمْ وَالْعِتَابُ عَنْهُمْ.

قال الله تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} الآيات.

أَيْ: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا} لِأَجْلِ عِنَايَتِنَا وَرَحْمَتِنَا وَلُطْفِنَا وَحُسْنِ تَعْلِيمِنَا {لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ} مِنْ كُلِّ مَثَلٍ تَتَّضِحُ بِهِ الْحَقَائِقُ وَتُعْرَفُ بِهِ الْأُمُورُ وَتَنْقَطِعُ بِهِ الْحُجَّةُ، وَهَذَا عَامٌّ فِي الْأَمْثَالِ الَّتِي يَضْرِبُهَا اللَّهُ فِي تَقْرِيبِ الْأُمُورِ الْمَعْقُولَةِ بِالْمَحْسُوسَةِ، وَفِي الْإِخْبَارِ بِمَا سَيَكُونُ وَجَلَاءِ حَقِيقَتِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ وَقَعَ.

وَمِنْهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ذِكْرُ اللَّهِ -تَعَالَى- مَا يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَحَالَةَ الْمُجْرِمِينَ فِيهِ وَشِدَّةَ أَسَفِهِمْ وَأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ عُذْرٌ وَلَا عِتَابٌ، وَلَكِنْ أَبَى الظَّالِمُونَ الْكَافِرُونَ إِلَّا مُعَانَدَةَ الْحَقِّ الْوَاضِحِ وَلِهَذَا قَالَ: {وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ} أَيْ: أَيُّ آيَةٍ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا جِئْتَ بِهِ {لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا مُبْطِلُونَ} أَيْ: قَالُوا لِلْحَقِّ: إِنَّهُ بَاطِلٌ. وَهَذَا مِنْ كُفْرِهِمْ وَجَرَاءَتِهِمْ وَطَبْعِ اللَّهِ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَجَهْلِهِمُ الْمُفْرِطِ وَلِهَذَا قَالَ: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} فَلَا يَدْخُلُهَا خَيْرٌ وَلَا تُدْرِكُ الْأَشْيَاءَ عَلَى حَقِيقَتِهَا بَلْ تَرَى الْحَقَّ بَاطِلًا وَالْبَاطِلَ حَقًّا.

– الشيخ : أسأل الله العافية، أعوذ بالله، أسأل الله العافية.

– القارئ : {فَاصْبِرْ} فَاصْبِرْ عَلَى مَا أُمِرْتَ بِهِ وَعَلَى دَعْوَتِهِمْ إِلَى اللَّهِ، وَلَوْ رَأَيْتَ مِنْهُمْ إِعْرَاضًا فَلَا يَصُدَّنَّكَ ذَلِكَ.

{إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} أَيْ: لَا شَكَّ فِيهِ وَهَذَا مِمَّا يُعِينُ عَلَى الصَّبْرِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا عَلِمَ أَنَّ عَمَلَهُ غَيْرُ ضَائِعٍ بَلْ سَيَجِدُهُ كَامِلًا هَانَ عَلَيْهِ مَا يَلْقَاهُ مِنَ الْمَكَارِهِ وَتَيَسَّرَ عَلَيْهِ كُلُّ عَسِيرٍ وَاسْتَقَلَّ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ كَثِيرٍ.

{وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ} أَيْ: قَدْ ضَعُفَ إِيمَانُهُمْ وَقَلَّ يَقِينُهُمْ فَخَفَّتْ لِذَلِكَ أَحْلَامُهُمْ وَقَلَّ صَبْرُهُمْ، فَإِيَّاكَ أَنْ يَسْتَخِفَّكَ هَؤُلَاءِ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تَجْعَلْهُمْ مِنْكَ عَلَى بَالٍ وَتَحْذَرْ مِنْهُمْ وَإِلَّا اسْتَخَفُّوكَ وَحَمَلُوكَ عَلَى عَدَمِ الثَّبَاتِ عَلَى الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَالنَّفْسُ تُسَاعِدُهُمْ عَلَى هَذَا وَتَطْلُبُ التَّشَبُّهَ وَالْمُوَافَقَةَ وَهَذَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ مُوقِنٌ رَزِينُ الْعَقْلِ يَسْهُلُ عَلَيْهِ الصَّبْرُ، وَكُلَّ ضَعِيفِ الْيَقِينِ ضَعِيفُ الْعَقْلِ خَفِيفُهُ، فَالْأَوَّلُ بِمَنْزِلَةِ اللُّبِّ، وَالْآخَرُ بِمَنْزِلَةِ الْقُشُورِ. فَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.

انتهتِ السورةُ.

– الشيخ : لا إله إلا الله، شوف تفسير ابن كثير على ويوم تقوم الساعة بس، لا إله إلا الله.

– القارئ : قالَ الإمامُ ابنُ كثيرٍ -رحمَه اللهُ تعالى-: يُخْبِرُ -تَعَالَى- عَنْ جَهْلِ الْكُفَّارِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَفِي الدُّنيا فَعَلُوا ما فعلوا مِنْ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَفِي الْآخِرَةِ يَكُونُ مِنْهُمْ جَهْلٌ عَظِيمٌ أَيْضًا، فَمِنْهُ إِقْسَامُهُمْ بِاللَّهِ أنهم ما لبثوا في الدنيا إلا ساعةً واحدةً، ومقصودُهم بِذَلِكَ عَدَمُ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ وَأَنَّهُمْ لَمْ يُنْظَرُوا حَتَّى يُعْذَرَ إِلَيْهِمْ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ} أَيْ فَيَرُدُّ عَلَيْهِمُ الْمُؤْمِنُونَ الْعُلَمَاءُ فِي الْآخِرَةِ كَمَا أَقَامُوا عَلَيْهِمْ حُجَّةَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا، فَيَقُولُونَ لَهُمْ حِينَ يَحْلِفُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ {لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ} أَيْ: فِي كِتَابِ الْأَعْمَالِ {إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ} أَيْ مِنْ يَوْمِ خُلِقْتُمْ إِلَى أَنْ

– الشيخ : أَيْ: فِي كِتَابِ الْأَعْمَالِ؟

– القارئ : نعم

– الشيخ : طيب إلى آخره بس يكفي، أقول: يكفي بس، نعم.