بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة لقمان
الدَّرس: الثَّاني
*** *** ***
– القارئ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (11) وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (12) وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:10-13]
– الشيخ : إلى هنا
– القارئ : عفا الله عنك
– الشيخ : لا إله إلا الله، يُخبِر -تعالى- عن خَلقِه للسماء، عن خَلقِه للسموات {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ}، السَّمَاوَاتِ السبع، {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} قالَ بعضُ المفسِّرين: بِغَيْرِ عَمَدٍ مَرئيَّة، يعني هي على عَمدٍ لكنها غيرُ مَرئيَّة.
وقيل: إنَّهُ خَلقَها {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} يعني: ترونَ السماء بغيرِ عَمدٍ، ولعلَّ هذا أظهرُ، {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا}
{وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ} وهي الجبال، {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} أي: لِئلَّا تميدَ بكم، وتضطربَ، قد جعلَ الله الجبالَ أوتاداً، سمَّاها "أوتاد"، مثل: الطُنُب للخيمةِ لِتَثْبِيْتِهَا، {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا، وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} [النبأ:6-7]، {أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ}
ومن نِعَمِهِ وآياتِهِ أنْ خلقَ هذه الدوابَّ على ظهرِ الأرضِ، {وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} دوابّ، أنواع الدوابّ، أنوعٌ لا تُحصَى، أنواعُها فكيف بأعدادِها؟!!
منها ما هو مما يَنتفعُ به البَشَرُ: كبهيمةِ الأنعامِ، ودوابُّ أخرى في الركوبِ، ودوابُّ أخرى من أنواع الدوابِّ {وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} يَدخل في ذلك حتى الدوابُّ التي لا يَنتفعُ بها الناس، كالسِّباع وأنواعٌ كثيرة، {وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ}
{وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} أنزل الله من السماءِ فأنبتَ في الأرضَ من كلِّ أنواع النَّباتِ، {مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ}، كريم يعني: حَسَنٍ، مثلما قال في آية أخرى: {مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج:5]
{هَذَا خَلْقُ اللَّهِ}، {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} السماءُ والأرضُ وما على الأرض وما في الارض {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} المشركون يُقرُّون بأن الله هو خالقُ السماوات والارض وأنَّ معبوداتِهم لا تخلقُ شيئاً، لكن نسأل الله العافية، نعوذ بالله من عَمى البصائِر {فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} مَن الذي يستحق العبادة والتعظيم والمحبة؟ هو: العظيمُ الخالقُ الـمُدَبِّــرُ {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}
{هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} الظالمون الكفّار المشركون في ضلالٍ وفي عَماءٍ.
ثم يذكرُ تعالى خبرَ لقمانَ، ولقمانُ هذا المعروفُ أنَّهُ عبدٌ صالـحٌ، آتاه الله الحكمةَ وهي: العلم، {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ} {أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ} آتاه الله الحكمة وأمرَه أن يشكرَ، وهي نعمةٌ عظيمةٌ تستوجِبُ الشكرَ لِمُوْلِيْهَا، {أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ}
ثم بيَّنَ تعالى أنَّ الله إذا أمرَ عبادَه بالعبادة وأمرَهم بالطاعة، وأمرَهم بالعبادات، وأمرَهم بالشكرِ، إنَّما نَفْعُ ذلكَ عائدٌ على أنفسِهم، فالله لا تنفعُه طاعةُ المطيعين ولا تضرُّهُ معصيةُ العاصين، الله أكبر، {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ} فهذا المعنى كثير {وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ} [العنكبوت:6] {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ} [فصلت:46]
{وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} الله غنيٌّ عنه، ولا يضرُّه كفرُه، كفرُ الكافر لا يضرُّ الله، فلا تنفعُه طاعة الشاكرين، ولا يضرُّه كفرُ الكافرين، فالله غنيٌّ عن عباده، مستحقٌّ للحمدِ {فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ}
هذا خبرٌّ مُجمَلٌ عن لقمان، ثم جاء بعض التفصيل وذلك بذكرِ وصيتِه لابنِه وموعظتِه لابنِه {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ} يُذكِّرهُ ويعلِّمه ويأمره وينهاه {وَهُوَ يَعِظُهُ}.
وبدأ بالتحذيرِ من أعظم الذنوب {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ فتعبدَ معَه غيره، وتجعل له نِدَّاً، فالشركُ بالله أعظمُ الظلمِ، أظلمُ الظلم هو الشرك، فحذَّرهُ مِن أعظم الذنوب {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}
ويأتي ذكرُ بقيةِ وصايا لقمان لابنِه وهي قصةٌ عظيمة، وهذا من إحسان الوالد على ولدِه بتعليمِه وموعظتِه ونصيحتِه، تحذيرِه مما يضرُّهُ.
(تفسير السعدي)
– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ. قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السَّعدي -رحمَه اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} الآيات
يَتْلُو تعالى عَلَى عِبَادِهِ، آثَارًا مِنْ آثَارِ قُدْرَتِهِ، وَبَدَائِعَ مِنْ بَدَائِعِ حِكْمَتِهِ، وَنِعَمًا مِنْ آثَارِ رَحْمَتِهِ، فَقَالَ: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ} السَّبْعَ عَلَى عِظَمِهَا، وَسِعَتِهَا، وَكَثَافَتِهَا، وَارْتِفَاعِهَا الْهَائِلِ. {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} أَيْ: لَيْسَ لَهَا عَمَدٌ، وَلَوْ كَانَ لَهَا عَمَدٌ لَرُؤِيَتْ، وَإِنَّمَا اسْتَقَرَّتْ وَاسْتَمْسَكَتْ، بِقُدْرَةِ اللَّهِ -تعالى-.
{وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ} أَيْ: جِبَالًا عَظِيمَةً
– الشيخ : ولو بُنيتْ وجُعِلَتْ على عمدٍ لكان ذلك أيضاً بقدرتِه وتدبيرِه، لكنه أمسكَها بغيرِ عمدٍ {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا} [فاطر:41] {وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [الحج:65].
– القارئ : أي: جِبَالًا عَظِيمَةً، رَكَّزَهَا فِي أَرْجَائِهَا وَأَنْحَائِهَا، لِئَلَّا تَمِيدَ بِكُمْ فَلَوْلَا الْجِبَالُ الرَّاسِيَاتُ لَمَادَتِ الْأَرْضُ، وَلَمَا اسْتَقَرَّتْ بِسَاكِنِيهَا.
{وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} أَيْ: نَشَرَ فِي الْأَرْضِ الْوَاسِعَةِ، مِنْ جَمِيعِ أَصْنَافِ الدَّوَابِّ، الَّتِي هِيَ مُسَخَّرَةٌ لِبَنِي آدَمَ، وَلِمَصَالِحِهِمْ، وَمَنَافِعِهِمْ.
وَلَمَّا بَثَّهَا فِي الْأَرْضِ، عَلِمَ -تعالى- أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ رِزْقٍ تَعِيشُ بِهِ، فَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا، فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ الْمَنْظَرِ، نَافِعٍ مُبَارَكٍ، فَرَتَعَتْ فِيهِ الدَّوَابُّ الْمُنْبَثَّةُ، وَسَكَنَ إِلَيْهِ كُلُّ حَيَوَانٍ.
{هَذَا} أَيْ: خَلْقُ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ، مِنْ جَمَادٍ، وَحَيَوَانٍ، وَسَوْقِ أَرْزَاقِ الْخَلْقِ إِلَيْهِمْ {خَلْقُ اللَّهِ} وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، كُلٌّ مُقِرٌّ بِذَلِكَ حَتَّى أَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُشْرِكِينَ.
{فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} أَيِ: الَّذِينَ جَعَلْتُمُوهُمْ لَهُ شُرَكَاءَ، تَدْعُونَهُمْ وَتَعْبُدُونَهُمْ، يَلْزَمُ عَلَى هَذَا، أَنْ يَكُونَ لَهُمْ خَلْقٌ كَخَلْقِهِ، وَرِزْقٌ كَرِزْقِهِ، فَإِنْ كَانَ لَهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَأَرُونِيهِ؛ لِيَصِحَّ مَا ادَّعَيْتُمْ فِيهِمْ مِنِ اسْتِحْقَاقِ الْعِبَادَةِ.
وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يُرُوهُ شَيْئًا مِنَ الْخَلْقِ لَهَا؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْمَذْكُورَاتِ قَدْ أَقَرُّوا أَنَّهَا خَلْقُ اللَّهِ وَحْدَهُ، وَلَا ثَمَّ شَيْءٌ يَعْلَمُ غَيْرَهَا، فَثَبَتَ عَجْزُهُمْ عَنْ إِثْبَاتِ شَيْءٍ لَهَا تَسْتَحِقُّ بِهِ أَنْ تُعْبَدَ.
وَلَكِنَّ عِبَادَتَهُمْ إِيَّاهَا، عَنْ غَيْرِ عِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ، بَلْ عَنْ جَهْلٍ وَضَلَالٍ، وَلِهَذَا قَالَ: {بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أَيْ: جَلِيٍّ وَاضِحٍ حَيْثُ عَبَدُوا مَنْ لَا يَمْلِكُ نَفْعًا وَلَا ضُرًّا وَلَا مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا، وَتَرَكُوا الْإِخْلَاصَ لِلْخَالِقِ الرَّازِقِ الْمَالِكِ لِكُلِّ الْأُمُورِ.
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} الآيات
يُخْبِرُ تعالى عَنِ امْتِنَانِهِ عَلَى عَبْدِهِ الْفَاضِلِ لُقْمَانَ بِالْحِكْمَةِ، وَهِيَ الْعِلْمُ بِالْحَقِّ عَلَى وَجْهِهِ وَحِكْمَتِهِ، فَهِيَ الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ، وَمَعْرِفَةُ مَا فِيهَا مِنَ الْأَسْرَارِ وَالْأَحْكَامِ، فَقَدْ يَكُونُ الْإِنْسَانُ عَالِمًا، وَلَا يَكُونُ حَكِيمًا.
وَأَمَّا الْحِكْمَةُ، فَهِيَ مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْعِلْمِ، بَلْ وَلِلْعَمَلِ، وَلِهَذَا فُسِّرَتِ الْحِكْمَةُ بِالْعِلْمِ النَّافِعِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ.
وَلَمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ هَذِهِ الْمِنَّةَ الْعَظِيمَةَ، أَمَرَهُ أَنْ يَشْكُرَهُ عَلَى مَا أَعْطَاهُ؛ لِيُبَارِكَ لَهُ فِيهِ، وَلِيَزِيدَهُ مِنْ فَضْلِهِ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّ شُكْرَ الشَّاكِرِينَ، يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَيْهِمْ، وَأَنَّ مَنْ كَفَرَ فَلَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ، عَادَ وَبَالُ ذَلِكَ عَلَيْهِ. وَاللَّهُ غَنِيٌّ عَنْهُ حَمِيدٌ فِيمَا يُقَدِّرُهُ وَيَقْضِيهِ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ، فَغِنَاهُ -تعالى-، مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ، وَكَوْنُهُ حَمِيدًا فِي صِفَاتِ كَمَالِهِ، حَمِيدًا فِي جَمِيلِ صُنْعِهِ، مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْوَصْفَيْنِ، صِفَةُ كَمَالٍ، وَاجْتِمَاعُ أَحَدِهِمَا إِلَى الْآخَرِ، زِيَادَةُ كَمَالٍ إِلَى كَمَالٍ.
وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ، هَلْ كَانَ لُقْمَانُ نَبِيًّا، أَوْ عَبْدًا صَالِحًا؟ وَاللَّهُ -تعالى- لَمْ يَذْكُرْ عَنْهُ إِلَّا أَنَّهُ آتَاهُ الْحِكْمَةَ، وَذَكَرَ بَعْضَ مَا يَدُلُّ عَلَى حِكْمَتِهِ فِي وَعْظِهِ لِابْنِهِ، فَذَكَرَ أُصُولَ الْحِكْمَةِ وَقَوَاعِدَهَا الْكِبَارَ فَقَالَ:
{وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ}: أَوْ قَالَ لَهُ قَوْلًا بِهِ يَعِظُهُ، وَالْوَعْظُ: الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ الْمَقْرُونُ بِالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ، فَأَمَرَهُ بِالْإِخْلَاصِ، وَنَهَاهُ عَنِ الشِّرْكِ، وَبَيَّنَ لَهُ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} وَوَجْهُ كَوْنِهِ عَظِيمًا، أَنَّهُ لَا أَفْظَعَ وَأَبْشَعَ مِمَّنْ سَوَّى الْمَخْلُوقَ مِنْ تُرَابٍ، بِمَالِكِ الرِّقَابِ، وَسَوَّى الَّذِي لَا يَمْلِكُ مِنَ الْأَمْرِ شَيْئًا، بِمَالكِ الْأَمْرِ كُلِّهِ، وَسَوَّى النَّاقِصَ الْفَقِيرَ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، بِالرَّبِّ الْكَامِلِ الْغَنِيِّ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، وَسَوَّى مَنْ لَمْ يُنْعِمْ بِمِثْقَالِ ذَرَّةٍ مِنَ النِّعَمِ بِالَّذِي مَا بِالْخَلْقِ مِنْ نِعْمَةٍ فِي دِينِهِمْ، وَدُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ، وَقُلُوبِهِمْ، وَأَبْدَانِهِمْ، إِلَّا مِنْهُ، وَلَا يَصْرِفُ السُّوءَ إِلَّا هُوَ، فَهَلْ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا الظُّلْمِ شَيْءٌ؟! وَهَلْ أَعْظَمُ ظُلْمًا مِمَّنْ خَلَقَهُ اللَّهُ لِعِبَادَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ، فَذَهَبَ بِنَفْسِهِ الشَّرِيفَةِ، فَجَعَلَهَا فِي أَخَسِّ الْمَرَاتِبِ جَعَلَهَا عَابِدَةً لِمَنْ لَا يَسْوَى شَيْئًا، فَظَلَمَ نَفْسَهُ ظُلْمًا كَبِيرًا؟
وَلَمَّا أَمَرَ بِالْقِيَامِ بِحَقِّهِ، بِتَرْكِ الشِّرْكِ الَّذِي مِنْ لَوَازِمِهِ الْقِيَامُ بِالتَّوْحِيدِ، أَمَرَ بِالْقِيَامِ بِحَقِّ الْوَالِدَيْنِ فَقَالَ:
– الشيخ : إلى هنا
– القارئ : أحسن الله إليك.