بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة لقمان
الدَّرس: الثَّالث
*** *** ***
– القارئ : عفا الله عنك، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ}[لقمان:14-15]
– الشيخ : إلى هنا بس
– القارئ : عفا الله عنك
– الشيخ : سبحان الله العظيم، سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله، لـمّا ذكرَ اللهُ وصيةَ لقمانَ لابنِه وبدأ بالنَّهي عن الشِّرك، {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13] وقبلَ استكمالِ وصايا لقمان ذكرَ اللهُ وصيتَه للإنسانِ بوالديهِ، {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ}، وَصَّاهُ أنْ يُحسِنَ إليهمْ كما قال -تعالى- في آياتٍ أخرى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا} [الأحقاف:15] {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [العنكبوت:8] {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ}، {وَوَصَّيْنَا}، {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [النساء:36]
وذَكَرَ وَصَرَّحَ بمضمونِ الوصية في قولِهِ: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ}، هذا هو ما وصَّى اللهُ بِه الإنسانَ، لكن قبلَ أن يُصرِّحَ بمضمونِ الوصيةِ ذكرَ ما يَختصُّ بالأمِّ، مما يدعو إلى تخصيصِها بمزيدٍ من البرِّ، {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ}، ضعفٌ على ضعفٍ، كُرهاً على كُره، {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا} [الأحقاف:15] سبحان الله!
{حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ}، هذا الحملُ، {وَفِصَالُهُ} الرَّضاعة، الرَّضاعة {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ}، في عامين، {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف:15] {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي}، في الآية الأخرى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف:15]
قال الله: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ}، هذا هو تفسير، تفسيرُ الوصية، {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ}، {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ}، فَقَرَنَ حقَّهُما وشكرَهَمُا بحقِّه -سبحانه-، كما في الآيات الأخرى:
{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء:23] الله أكبر، ما أعظمَ حقَّ الوالدين!
كما قَرَنَ عقوقَهُما بالشركِ في الحديث الصحيح: (أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟) قلنا: "بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ" قَالَ: (الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ).
قال -تعالى هنا-: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}، إليهِ الـمَرْجِعُ والمآبُ، وفي هذا ترغيبٌ وترهيبٌ، إلى الله المصيرُ فيَجزي مَنْ أحسنَ بالحُسنى ومَنْ أساءَ جازاهُ وجزاهُ بعملِهِ، {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم:31]
ثم قالَ -تعالى-: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ}، {إِنْ جَاهَدَاكَ} -يعني: والداكَ أيُّها الإنسانُ- واجتهدَا في أنْ تُشركَ باللهِ، {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}، إذاً الوالدانِ مُشركانِ، إذاً الوصيةُ بالوالدَيْنِ تَشمَلُ حتى المشركَيْنَ، يجبُ على الولدِ أن يَبرَّ بوالديهِ وإنْ كانَا كافريَنِ، ومِنْ بِرِّهِـمَا أنْ يَدعُوَهُما إلى الإسلامِ، أنْ يَدعُوَهُما للإسلام ويجتهدُ في ذلكَ، سبحان الله!
{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا}، فليسَ مِن بِـرِّهِـمَا أن تطيعَهما، وهذا أصلٌ في الشريعةِ: أنَّ كلَّ مَنْ أوجبَ الله طاعتَه فلا تجوزُ طاعتُه في المعصيةِ، إنَّما الطاعةُ في المعروفِ، الطاعة بالمعروف، فلا تجوزُ الطاعةُ في المعصيةِ، لا وليّ الأمرِ العام ولا الوالدينِ ولا الزوجِ ولا غيرهم.
{فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}، يعني: أَحْسِنْ معاملتَهُما، وإنْ كانا مشركَيْنِ {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}، ولكن اتَّبِعْ، {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ}، اتَّبِعْ سبيلَ الحقِّ، وَاتَّبِعْ مَن كانَ على الحقِّ، اتبع من أنابَ إلى اللهِ وأقبلَ على الله، {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ}.
{إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}، وهذا يؤكِّدُ ما قبلَه: {إِلَيَّ الْمَصِيرُ}، فمرجعُ الكلِّ، مرجعُ العِباد إلى الله، يَوْمَ يُبْعَثُونَ، {إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.
وبهذا ينتهي ما يتعلَّقُ بهذهِ الوصيةِ التي جاءتْ في ثنايا وصيةِ لقمانَ، ككلامٌ مُعترِضٍ والله أعلم، كلامٌ معترضٌ، فلقمانُ كانتْ هي وصيةُ الوالدِ، وصيةٌ من الوالدِ للولدِ، وهذهِ وصيةٌ من اللهِ، هذهِ وصيةُ لقمان لولِدِه، وهذه الوصيةُ مِن الله، وصيةٌ من اللهِ للولدِ بوالديهِ، ولقمانُ لم يُوصِّي ابنَه بحقِّهِ بلْ وَصَّاهُ بحقِّ اللهِ، وصَّاهُ بحقِّ اللهِ، واللهُ -تعالى- وصَّى الولدَ بحقِّ الوالدينِ، نعم، والله أعلم. اقرأ يا محمد.
– طالب: شيخ هذه وصية من الله، وليست من لقمان؟
– الشيخ : ما هي من لقمان، لا.
(تفسير السعدي)
– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السَّعديّ -رحمَه اللهُ تعالى-: وَلَمَّا أَمَرَ بِالْقِيَامِ بِحَقِّهِ، بِتَرْكِ الشِّرْكِ الَّذِي مِنْ لَوَازِمِهِ الْقِيَامُ
– الشيخ : مَن هو الذي أمر؟ الذي أمرَ ووصَّى بذلكَ لقمانُ.
– القارئ : الَّذِي مِنْ لَوَازِمِهِ الْقِيَامُ بِالتَّوْحِيدِ، أَمَرَ بِالْقِيَامِ بِحَقِّ الْوَالِدَيْنِ فَقَالَ: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ} أَيْ: عَهِدْنَا إِلَيْهِ
– الشيخ : هذا سياقُ كلامِ الشيخِ يُشعِرُ أو يُوهِمُ أنَّ الوصيةَ بحقِّ الوالدينِ داخلةٌ في وصيةِ لقمانَ لابنِه، وليسَ هذا بظاهرٍ والله أعلم، وقول – الشيخ : "لَمَّا أَمَرَ بِتَرْكِ الشِّرْكِ" لا شكَّ أنَّ ما أمرَ به لقمانُ ابنَه لا شكَّ أنه هو أمرٌ مِن الله -تعالى-، وهو نهيٌ، والنهيُ عن الشيءِ أمرٌ بضدِّهِ، فقوله: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ}[لقمان:13] نهيٌ عن الشركِ وأمرٌ بالتوحيدِ، {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[لقمان:13] فعبارةُ الشيخِ تُشعِرُ أن هذه وصيةٌ من لقمانَ لولدِه، ولكن هذا ليسَ بظاهرٍ. يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ.
– القارئ : أَيْ: عَهِدْنَا إِلَيْهِ، وَجَعَلْنَاهُ وَصِيَّةً عِنْدَهُ
– الشيخ : هذا تفسيرُ الوصيةِ، ووصينا أي عهدنا.
– القارئ : وَجَعَلْنَاهُ وَصِيَّةً عِنْدَهُ، سَنَسْأَلُهُ عَنِ الْقِيَامِ بِهَا.
– الشيخ : ثمَّ إنَّ الوصيةَ جاءتْ متعلِّقَةً بالإنسانِ، {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ}، اسمُ جنسٍ، {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ}، وهذا يدخلُ فيه ابنُ لقمانَ، فهو أحدُ الناسِ الـمُوصَّى بوالديه.
– القارئ : وهلْ حفظًها أم لا؟ فوصيناهُ بِوَالِدَيْهِ وَقُلْنَا لَهُ: {اشْكُرْ لِي} بِالْقِيَامِ بِعُبُودِيَّتِي، وَأَدَاءِ حُقُوقِي، وَأَنْ لَا تَسْتَعِينَ بِنِعَمِي عَلَى مَعْصِيَتِي. {وَلِوَالِدَيْكَ} بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا بِالْقَوْلِ اللَّيِّنِ، وَالْكَلَامِ اللَّطِيفِ، وَالْفِعْلِ الْجَمِيلِ، وَالتَّوَاضُعِ لَهُمَا، وَإِكْرَامِهِمَا وَإِجْلَالِهِمَا، وَالْقِيَامِ بِمَؤُونَتِهِمَا وَاجْتِنَابِ الْإِسَاءَةِ إِلَيْهِمَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.
– الشيخ : يعني البِرُّ يكونُ بالقولِ وبالفعلِ وبالكلامِ وبالمالِ وبالخدمةِ.
– القارئ : مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ.
فَوَصَّيْنَاهُ بِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ، وَأَخْبَرْنَاهُ أَنْ {إِلَيَّ الْمَصِيرُ} أَيْ: سَتَرْجِعُ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِلَى مَنْ وَصَّاكَ، وَكَلَّفَكَ بِهَذِهِ الْحُقُوقِ، فَيَسْأَلُكَ هَلْ قُمْتَ بِهَا، فَيُثِيبُكَ الثَّوَابَ الْجَزِيلَ؟ أَمْ ضَيَّعْتَهَا، فَيُعَاقِبُكَ الْعِقَابَ الْوَبِيلَ؟
ثُمَّ ذَكَرَ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ فِي الْأُمِّ، فَقَالَ: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} أَيْ: مَشَقَّةً عَلَى مَشَقَّةٍ.
– الشيخ : فقوله -تعالى-: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ}، هاتانِ الجملتانِ معترضتانِ بين قوله: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ} وقوله: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ}، {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ}، لمْ يذكرْ مضمونً الوصيةٍ لمْ يُصرِّح بها، لكن جاءتْ {أَنِ اشْكُرْ لِي}، ولهذا الشيخُ قَدَّمَ الكلامَ على قولِه: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ}، فجملةُ {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} اعتراضٌ بين لفظِ الوصيةِ ومضمونِ الوصيةِ.
– القارئ : فَلَا تَزَالُ تُلَاقِي الْمَشَاقَّ، مِنْ حِينِ يَكُونُ نُطْفَةً، مِنَ الْوَحَمِ، وَالْمَرَضِ، وَالضَّعْفِ، وَالثِّقَلِ، وَتَغَيُّرِ الْحَالِ، ثُمَّ وَجَعِ الْوِلَادَةِ، ذَلِكَ الْوَجَعِ الشَّدِيدِ.
– الشيخ : الله أكبر، الله أكبر، آيةٌ مِن آياتِ الله، الحياة، {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا}، الله أكبر، سبحان الله! سبحان الله! سبحان الله! ثمَّ تضعُ وتعاني ما تعاني من المشقةِ والألم العظيم، ثم إذا تعافتْ -أيضاً- طَمِعَتْ في الحملِ مرةَ أخرى ومرةَ أخرى، في كلِّ مرة تَنسى ما مَرَّ بها، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله.
– القارئ : {وفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} وَهُوَ مُلَازِمٌ لِحَضَانَةِ أُمِّهِ وَكَفَالَتِهَا وَرِضَاعِهَا، أَفَمَا يَحْسُنُ بِمَنْ تَحَمَّلَ عَلَى وَلَدِهِ هَذِهِ الشَّدَائِدَ، مَعَ شِدَّةِ الْحُبِّ، أَنْ يُؤَكِّدَ عَلَى وَلَدِهِ، وَيُوصِيَ إِلَيْهِ بِتَمَامِ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِ؟
{وَإِنْ جَاهَدَاكَ} أي: اجتهد والداك {عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} ولا تظنَّ أنَّ هذا داخلٌ في الإحسانِ إليهمِا؛ لأنَّ حقَّ اللهِ، مقدَّمٌ على حقِّ كلِّ أحدٍ، و (لا طاعةَ لمخلوقٍ، في معصيةِ الخالِقِ)
وَلَمْ يَقُلْ: "وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَعُقَّهُمَا" بَلْ قَالَ: فَلا تُطِعْهُمَا أَيْ: فِي الشِّرْكِ، وَأَمَّا بِرُّهُمَا، فَاسْتَمِرَّ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا قَالَ: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} أَيْ: صُحْبَةَ إِحْسَانٍ إِلَيْهِمَا بِالْمَعْرُوفِ، وَأَمَّا اتِّبَاعُهُمَا وَهُمَا بِحَالَةِ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي، فَلَا تَتَّبِعْهُمَا {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}
– الشيخ : ولهذا إذا ابتُليَ الإنسان بوالدَين كافرَين أو مشركَين أو عاصيَين فاسقَين فالواجِبُ الإحسانُ إليهما وأداءُ حَقِّهما، وكما قلنا: مِنْ بـِـرِّهـِما بذلُ الوُسعِ في دعوتِهما إلى الإسلامِ والاستقامةِ، فهذا مِن أعظمِ البِرِّ، الله أكبر.
– القارئ : وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، الْمُسْتَسْلِمُونَ لِرَبِّهِمُ، الْمُنِيبُونَ إِلَيْهِ، وَاتِّبَاعُ سَبِيلِهِمْ أَنْ يَسْلُكَ مَسْلَكَهُمْ فِي الْإِنَابَةِ إِلَى اللَّهِ، الَّتِي هِيَ انْجِذَابُ دَوَاعِي الْقَلْبِ وَإِرَادَاتِهِ إِلَى اللَّهِ، ثُمَّ يَتْبَعُهَا سَعْيُ الْبَدَنِ، فِيمَا يُرْضِي اللَّهَ، وَيُقَرِّبُ مِنْهُ.
{ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ} الطَّائِعِ وَالْعَاصِي، وَالْمُنِيبِ، وَغَيْرِهِ {فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} فَلَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ أَعْمَالِهِمْ خَافِيَةٌ.
{يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ} الَّتِي هِيَ أَصْغَرُ الْأَشْيَاءِ
– الشيخ : إلى هنا، بس[يكفي]. لا إله إلا الله، شوف ابن كثير، {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ}، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله.
– القارئ : نعم، طبعاً هو ساق من: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ}
– الشيخ : إلى؟
– القارئ : إلى الآيتين التي بعدها، {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ} {وَإِنْ جَاهَدَاكَ}، في مقطع واحد.
– الشيخ : طيب وش قال {وَوَصَّيْنَا}، قل
– القارئ : يقول: ثُمَّ قَرَنَ بِوَصِيَّتِهِ إِيَّاهُ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ الْبَرَّ بِالْوَالِدَيْنِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً} [الْإِسْرَاءِ: 23]
وَكَثِيرًا مَا يَقْرِنُ -تَعَالَى- بَيْنَ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ، وَقَالَ هَاهُنَا: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ} قَالَ مُجَاهِدٌ: مَشَقَّةٌ
– الشيخ : إلى آخرِه إلى آخرِه، الشيخُ السَّعدي مشى كأنَّه على نسجِ ابنِ كثير، ما تعرَّضَ لكون هذا الكلام معترضٌ مِن كلامِ الله في ثنايا وصايا لقمانُ لابنِه، أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، شوف ابن جرير طيب.. الضمير في قوله: {وَوَصَّيْنَا}، هذا راجع إلى الله، أي لا يمكن أن يكون المعنى أنْ لقمان يقول {وَوَصَّيْنَا}.
– القارئ : طيب ابن جرير يقول: الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ} الآية.
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَمَرْنَا الْإِنْسَانَ بِبِرِّ وَالِدَيْهِ {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} يَقُولُ: ضَعْفًا عَلَى ضَعْفٍ.
– الشيخ : بعده، بعده شوف في كلام حول؟
– القارئ : ثم قال: وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، غَيْرَ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْمَعْنَى بِذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِهِ الْحَمْلَ.
– الشيخ : أي هذا حولَ: {وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ}.
– القارئ : وَقَوْلُهُ: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ}.
– الشيخ : كله كل هذا، بسْ نريد نشوف من صرَّحَ بكونِ الكلامِ معترضاً وليسَ هو من كلامي، وهو قطعاً هو ليسَ من كلامِ لقمانِ، نعم بعده بس.
– طالب: القرطبي فيه الكلام
– الشيخ : نعم؟
– القارئ : القرطبي القرطبي
– الشيخ : أي عندك؟
– القارئ : موجود يا شيخ
– الشيخ : أي اقرأ
– القارئ : قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ} هَاتَانِ الْآيَتَانِ اعْتِرَاضٌ بَيِّنٌ أَثْنَاءَ وَصِيَّةِ لُقْمَانَ
– الشيخ : أي بين أثناء، أو في، يعني في أثناءِ نعم، وصايا لقمانُ لابنِه.
– القارئ : وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا مِمَّا أَوْصَى بِهِ لُقْمَانُ ابْنَهُ، أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ عَنْهُ، أَيْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ وَلَا تُطِعْ فِي الشِّرْكِ وَالِدَيْكَ، فَإِنَّ اللَّهَ وَصَّى بِهِمَا فِي طَاعَتِهِمَا.
– الشيخ : لا، ما هو بجيد، المعنى الأول والرأي الأول هو الظاهر تماماً.
– طالب: أحسن الله إليكم يا شيخ.. الطبري رحمه الله آخر كلامه على تفسير الآية قال: قَالَ لَنَا قَائِلٌ: مَا وَجْهُ اعْتِرَاضِ هَذَا الْكَلَامِ بَيْنَ الْخَبَرِ
– الشيخ : اعتراض شوف، سمّاه "اعتراض"، ما وجه اعتراض، نعم اقرأ
– طالب : مَا وَجْهُ اعْتِرَاضِ هَذَا الْكَلَامِ بَيْنَ الْخَبَرِ عَنْ وَصِيَّتِي لُقْمَانَ ابْنَهُ؟ قِيلَ ذَلِكَ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ خَبَرًا مِنَ اللَّهِ -تَعَالَى- ذِكْرُهُ عَنْ وَصِيَّتِهِ عِبَادَهُ بِهِ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا أَوْصَى بِهِ لُقْمَانُ ابْنَهُ، فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} وَلَا تُطِعْ فِي الشِّرْكِ بِهِ وَالِدَيْكَ {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} فَإِنَّ اللَّهَ وَصَّى بِهِمَا، فَاسْتَأْنَفَ الْكَلَامَ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ مِنَ اللَّهِ، وَفِيهِ هَذَا الْمَعْنَى، فَذَلِكَ وَجْهُ اعْتِرَاضِ ذَلِكَ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ عَنْ وَصِيَّتِه.
– الشيخ : المهم أنه كلام، فقوله: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} يعني يتضمَّنُهُ قول لقمان لابنه: {لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}، فالكلامُ معترِضٌ وهو متضمن لمعنى ما وصَّى به لقمانُ ابنَه من نهيِّهِ عن طاعةِ أحدٍ في الشركِ، هذا مضمونُ كلامِ ابن جرير، نعم بعده يا محمد.
– طالب: أحسن الله إليكم يا شيخ، في [هناك] قول يجمع بين القولين يعني ذكره القرطبي، من الأقوال التي قالها، قال: فَقُلْنَا لِلُقْمَانَ فِيمَا آتَيْنَاهُ مِنَ الْحِكْمَةِ.
– الشيخ : وقلنا للقمان؟
– القارئ : أي نعم، فيما آتيناه، يعني قال: وقيل –يعني من الأقوال- وَقِيلَ: أَيْ {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ}، فَقُلْنَا لِلُقْمَانَ فِيمَا آتَيْنَاهُ مِنَ الْحِكْمَةِ {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ}
– الشيخ : أي يعني أنَّهُ على تقديرِ قولٍ محذوفٍ، لكنه ليس من كلامِ لقمانَ، بس، هذا الشاهدُ، المقصودُ أنه كلام معترضٌ في ثنايا وصايا لقمانَ، بأيِّ طريقةٍ كانتْ، يمكن أنَّه مَقولُ قولٍ محذوفٌ، يعني وقلنا للقمان، يعني {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ} إلى آخره، وأن هذا من الحكمة التي آتاها الله لقمان، نعم.