بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة لقمان
الدَّرس: الرَّابع
*** *** ***
– القارئ : عفا اللهُ عنكَ، أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ
يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [لقمان:16-19]
– الشيخ : إلى هنا
– القارئ : عفا اللهُ عنكَ
– الشيخ : الحمدُ للهِ، تضمَّنَتْ هذه الآياتُ وصايا لقمان لابنِه، {يَا بُنَيَّ} وهذه كلمةُ يعني تلطُّفٍ واستمالةٍ لقلبِ المخاطبِ، {يَا بُنَيَّ} {يَا بُنَيَّ} وهذا أسلوبُ تصغيرٍ، يُسمَّى عندَ النحويِّين بالتمليحِ، {يَا بُنَيَّ} الولدُ يقولُ لأبيه: يا أبتِ، يا أبتِ، كما كانَ إبراهيمُ يقولُ لأبيهِ: يا أبتِ، يا أبتِ، يخاطبُه بصفةِ الأبوَّةِ الَّتي هيَ الرباطُ بينَه وبينَه، وهذا لقمانُ الأبُ يخاطبُ ابنَه كذلك، يذكِّرُه بالصلةِ الَّتي بينهما بأسلوبٍ رفيقٍ رقيقٍ، {يَا بُنَيَّ}
إذا قالَ لقمانُ لابنِه، لابنِه وهو يعظُه يا بنيَّ لا تشركْ باللهِ، بدأَ وصاياه بالنهيِ عن الشركِ، وذلكَ يتضمَّنُ الأمرَ بالتوحيدِ، يقولُ: إنَّ الشركَ لظلمٌ عظيمٌ، هذا أظلمُ الظلمِ، الشركُ، ثمَّ ذكَّرَه بأصلٍ، وهو الإيمانُ بإحاطةِ علمِه تعالى بكلِّ شيءٍ، {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ} يعني: إنْ توجدْ حبَّةٌ من الخردلِ من أصغرِ الحبوبِ، الخردلُ خردلةٌ صغيرةٌ، {إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ} في باطنِ صخرةٍ، وهذه الصخرةُ في السماءِ أو في الأرضِ يأتي بها اللهُ، وذلك لكمالِ علمِه، ولهذا قالَ: {إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} يعلمُ دقائقَ الأشياءِ ومواضعَ الأشياءِ، مواضعها، لا يعزبُ عنه، وشواهدُ هذا في القرآن كثيرٌ، لا يعزبُ عنه مثقالُ ذرَّةٍ، لا يعزبُ عنه، لا يغيبُ عنهُ مثقالُ ذرَّةٍ في السمواتِ ولا في الأرضِ، ولا أصغرَ من ذلك ولا أكبرَ إلَّا في كتابٍ مبينٍ، كلُّها محصاةٌ في الكتابِ، والعلمُ محيطٌ بها، {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج:70]
وهذا من مسائلِ الاعتقادِ، يعني الإيمانُ باللهِ وإحاطتُه بخفايا الأشياءِ، {إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} [آل عمران:5] {لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ} ولقمانُ يقرّبُ هذه الحقيقةَ بمثلِ: لو كانَتْ خردلةٌ من أصغرِ الأشياءِ وتكونُ في بطنِ صخرةٍ وهذه الصخرةُ في السماءِ أو في الأرضِ في مكانٍ -معَ سعةِ الأرضِ والسماءِ- يأتي بها اللهُ، {إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ}
{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} انتقلَ من مسائلِ الاعتقادِ إلى الوصايا بالأعمالِ الصالحةِ، فالدينُ علمٌ وعملٌ، الدينُ الَّذي بعثَ اللهُ به رسلَه علمٌ وعملٌ، اعتقادٌ في القلبِ وعملٌ بالقلبِ والجوارحِ، وعملٌ بالقلبِ والجوارحِ، {أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} هذا يدلُّ على أنَّ الصلاةَ مشروعةٌ في الشرائعِ الماضيةِ، ودلائلُ هذا كثيرةٌ في القرآنِ، {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} [مريم:55]
{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} كذلك الأمرُ عن المعروفِ والنهيُ عن المنكرِ، هو من مقاصدِ، من أصولِ الدينِ العمليَّةِ، بل إنَّ أصلَ إرسالِ الرسلِ وإنزالِ الكتبِ للأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ، للأمرِ بالتوحيدِ أوَّلاً والنهي عن الشركِ، الأمرُ بالصلاةِ وأنواعِ الطاعاتِ والفرائضِ والنهيُ عن سائرِ المنكراتِ القوليَّةِ والفعليَّةِ.
{وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} وهذا مناسبٌ للوصيةِ بالأمرِ بالمعروفِ؛ لأنَّ الَّذي يأمرُ بالمعروفِ وينهى عن المنكرِ يتعرَّضُ لأذى الناسِ بأنواعِ العذابِ، بالسخريةِ، بأنواعِ العذابِ القوليَّة والفعليَّة، بالسخريةِ بالسبِّ بالأذى في البدنِ بالضربِ، وقد ينتهي إلى القتلِ، {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ}
{إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} الصبرُ على ما يصيبُ الإنسانَ من الأذى في سبيلِ اللهِ، الصبرُ على ما يصيبُ الإنسانَ من الأذى لأمرهِ بالمعروفِ ونهيِّهِ عن المنكرِ هذا من الصبرِ على ما يصيبُ الإنسانَ في سبيلِ اللهِ، {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} الَّذي يقومُ بهذه الشرائعِ والواجباتِ من إقامةِ الصلاةَ والأمرِ والنهي والصبرِ، هذا إنَّما يتحقَّقُ بالعزمِ والصدقِ، صدقُ الإيمانِ وصدقُ الانقيادِ لأمرِ اللهِ.
{وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} وهذه جملةٌ من الآدابِ والأخلاقِ الَّتي يجبُ، يعني منها ما يجبُ اجتنابُه كالكبرِ تصعير الخدِّ، {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} وهذه هيئةُ المتكبِّرِ، المتكبِّرُ هو الَّذي ينظرُ على الناسِ شزراً، ويصخي بخدِّه عنهم ويعرضُ تكبُّراً {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} كبراً وغروراً وتيهاً، فـــ {لَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}
{وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} يعني: امشِ مشياً قاصداً ليسَ فيه تكبُّرٌ، كما قالَ اللهُ في عبادِ الرحمنِ: {يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان:63] لا تكبُّراً على الناِس ولا مشي أهلِ الخمولِ والضعفِ والكسلِ، مشياً قاصداً قصداً معتدلاً متوسِّطاً، {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} القصدُ هو التوسُّطُ في الأمورِ، في كلِّ شيءٍ، القصدُ في الكلامِ والقصدُ في المشي والقصدُ في معاملةِ الخلقِ، التوسُّطُ والاعتدالُ، لا إفراطَ ولا تفريطَ.
{وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} الصخبُ مذمومٌ، رفعُ الصوتِ والصراخِ، {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} معروفٌ أنَّ صوتَ الحميرِ من أكرهِ الأصواتِ، وفيه إزعاجٌ وفيه كراهةٌ، مكروهٌ، فكأنَّ هذا فيه تشبيهٌ، أنَّ الَّذي يعني يرفعُ صوتَه من غيرِ حاجةٍ، أمَّا إذا اقتضى الأمرُ رفعَ الصوتِ فلا بأسَ، رفعُ الصوتِ يُشرَعُ أحياناً يُشرَعُ، لكن في الأمورِ العاديَّةِ في الأمورِ الَّتي؛ ينبغي غضُّ الصوتِ، {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ}
فاشتملَتْ هذه الوصايا على جملةِ وصايا في أصولِ الدينِ في الاعتقادِ، ووصايا في الآدابِ ووصايا في الفرائضِ والأخلاقِ، فهذه وصايا ينبغي للمسلمِ أنْ يتدبَّرَها وأنْ يعرضَ وأن يجتهدَ في العملِ بها، وصيةُ لقمانَ لابنِه، اللهُ ما ذكرَها لنا يعني لمجرَّدِ القصَّةِ، يعني بحيثُ أنَّها تكونُ حكايةً، في واحد اسمُه لقمان يقولُ لابنِه كذا وكذا لا، اللهُ ذكرَها لنا لنعملَ بهذه الوصايا ونوصي بها كذلك أبناءَنا، ونتواصى بها.
هذه الوصيةُ اللهُ ذكرَها، اللهُ العظيم يذكرُها في كتابِه، هذا يدلُّ على عِظمِ شأنِ هذه الوصايا، لقمانُ ولقد، كلُّ هذه الوصايا داخلةٌ في الحكمةِ، {وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} [لقمان:12] والحكمةُ كلُّ قولٍ وعملٍ صائبٍ، فكلُّ هذه الوصايا من الحكمةِ، النهيُ عن الشركِ، الوصيةُ التذكيرُ بعظمةِ اللهِ وكمالِ علمِه، الوصيةُ بالصلاةِ والأمرِ بالمعروفِ، بالآدابِ الخُلُقيَّةِ وحسنِ المعاملةِ للناسِ، فكلُّ هذا داخلٌ في الحكمةِ الَّتي آتاها اللهُ لقمانَ، ولقمانُ يعني قيلَ: إنَّه نبيٌّ، وقيلَ: إنَّه عبدٌ صالحٌ، والثاني هو المعروفُ والمشهورُ، واللهُ أعلمُ.
"تفسيرُ السَّعديِّ"
– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ} الآيات.
{يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ} الَّتي هيَ أصغرُ الأشياءِ وأحقرُها، {فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ} أي: في وسطِها {أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأرْضِ} في أيِّ جهةٍ مِن جهاتِهما {يَأْتِ بِهَا اللَّهُ} لسعةِ علمِهِ، وتمامِ خبرتِهِ وكمالِ قدرتِهِ، ولهذا قالَ: {إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} أي: لطفَ في علمِهِ وخبرتِهِ، حتَّى اطَّلعَ على البواطنِ والأسرارِ، وخفايا القفارِ والبحارِ.
والمقصودُ مِن هذا، الحثُّ على مراقبةِ اللهِ، والعملُ بطاعتِهِ، مهما أمكنَ، والتَّرهيبُ مِن عملِ القبيحِ، قَلَّ أو كَثُرَ.
– الشيخ : يعني هذه لفتةٌ، يعني الشيخُ ينبّهُ إلى أنَّ هذا فيه تذكيرٌ للعبد أنْ يستحضرَ أنَّ اللهَ لا تخفى عليه من عملِه خافيةٌ، فلا يستهنْ بشيءٍ من العملِ، لا يستهنْ بشيءٍ من عمل الخيرِ ولا من عملِ الشرِ مهما صغرَ، مهما صغرَ، {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة:7-8] فمهما يعملُ الإنسانُ من عملٍ حسنٍ أو قبيحٍ مهما صغرَ فاللهٌ محيطٌ علمُه به، وسيجزيه بعملِه، فمن يعملْ، {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} [النساء:40] وذلك راجعٌ إلى كمالِ علمِه، فهذا التنبيهُ من لقمان لابنِه فيه إرشادٌ إلى لزومِ الطاعةِ ولزومِ التقوى، بتركِ السيِّئاتِ كلِّها، صغيرِها وكبيرِها.
– القارئ : {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ} حثَّهُ عليها، وخصَّها لأنَّها أكبرُ العباداتِ البدنيَّةِ، {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} وذلكَ يستلزمُ العلمَ بالمعروفِ؛ ليأمرَ بهِ، والعلمُ بالمنكرِ؛ لينهى عنهُ.
والأمرُ بما لا يتمُّ الأمرُ بالمعروفِ، والنَّهيُ عن المنكرِ إلَّا بِه، مِن الرِّفقِ، والصَّبرِ، وقد صرَّحَ بهِ في قولِهِ: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} ومِن كونِهِ فاعلاً لما يأمرُ بهِ، كافٍ لما ينهى عنهُ.
– الشيخ : تاركاً، كافّاً
– طالب: كافّاً
– الشيخ : كافّاً عمّا ينهى ينهى
– القارئ : عندي كافٍ لما يُنهَى عنهُ
– الشيخ : بما ينهى يما ينهى هو نفسه، يعني الآمرُ الناهي يعني عليه أنْ يكونَ فاعلاً لما يأمرُ به كافّاً عمَّا ينهى عنه
– القارئ : فتضمَّنَ هذا، تكميلُ نفسِهِ بفعلِ الخيرِ وتركِ الشَّرِّ، وتكميلُ غيرِهِ بذلكَ، بأمرِهِ ونهيِهِ.
ولمَّا عُلِمَ أنَّهُ لا بدَّ أنْ يُبتلَى إذا أمرَ ونهى وأنَّ في الأمرِ والنَّهي مشقةٌ على النُّفوسِ، أمرَهُ بالصبرِ على ذلكَ فقالَ: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ} الَّذي وعظَ بهِ لقمانُ ابنَهُ {مِنْ عَزْمِ الأمُورِ} أي: مِن الأمورِ الَّتي يُعزَمُ عليها، ويهتمُّ بها
– الشيخ : مِن عزم الأمورِ أي أيش؟ من الأمورِ الَّتي يُعزَمُ عليها؟
– القارئ : الَّتي يُعزَمُ عليها، ويهتمُّ بها، ولا يُوفَّقُ لها إلَّا أهلُ العزائمِ
{وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} أي: لا تُمِلْهُ وتعبسْ بوجهِكَ النَّاسُ، تكبُّرًا عليهم، وتعاظماً.
{وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا} أي: بَطَرَاً، فخراً بالنِّعمِ، ناسياً المنعمَ، معجباً بنفسِكَ. {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ} في نفسِهِ وهيئتِهِ وتعاظمِهِ {فَخُورٍ} بقولِهِ.
{وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ} أي: امشِ متواضعاً مستكيناً، لا مَشْيَ البطرِ والتَّكبُّرِ، ولا مشيَ التَّماوتِ.
{وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} أدباً معَ النَّاسِ ومعَ اللهِ {إِنَّ أَنْكَرَ الأصْوَاتِ} أي: أفظعِها وأبشعِها
– الشيخ : يقالُ لبعضِ الناسِ: فلانٌ لجوجٌ لجوجٌ، يعني: كثيرُ اللّجاجةِ والصراخِ والصياعِ، يعني كأنَّه كما يقالُ: كأنَّه مهبولٌ يعني، لا، ينبغي أن يكونَ صوتُ الإنسانِ في خطابِه للناسِ يعني هادئاً مناسباً لا يخافتُ بحيثُ أنَّه يحتاجُ من يخاطبُه إلى أن يستعلمَ، ها ها وش تقولُ؟ وش تقول؟ لا، ولا يكونُ فيه يعني جهرٌ زائدٌ عن الحاجةِ وزائدٌ عن المناسبِ، واغضضْ، شوف واغضضْ، كلمةُ {واغضضْ} يعني خفِّفْ، خفِّفْ من صوتِك، ليسَ معناه أنَّك يعني تخافتُ حتَّى لا يكادُ يسمعُك من تخاطبُه أو تكلِّمُه، قل للمؤمنين يغضوا من أصواتهم، {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور:30] غضُّ، الغضُّ من الشيءِ التخفيفُ والتنقيصُ لا عدم في الشيءِ.
– القارئ : {لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} فلو كانَ في رفعِ الصَّوتِ البليغِ فائدةٌ ومصلحةٌ لما اختصَّ بذلكَ الحمارُ، الَّذي قد عُلِمْتَ خسَّتُهُ وبلادتُهُ.
وهذهِ الوصايا، الَّتي وصَّى بها لقمانُ
– الشيخ : يعني صوتُ الحميرِ من بينِ الحيواناتِ تشمئزُّ منه الطباعُ، سبحان الله، له خاصَّيةٌ، {إِنَّ أَنْكَرَ الأصْوَاتِ} يعني: أفحشُها وأكرهُها للنفوسِ، نكارةٌ طبعيَّةٌ
– القارئ : وهذهِ الوصايا، الَّتي وصَّى بها لقمانُ لابنِهِ، تجمعُ أمهاتِ الحكمِ، وتستلزمُ ما لم يُذكَرْ منها، وكلُّ وصيَّةٍ يُقرَنُ بها ما يدعو إلى فعلِها، إنْ كانَتْ أمراً، وإلى تركِها إنْ كانَتْ نهياً.
وهذا يدلُّ على ما ذكرْنا في تفسيرِ الحكمةِ، أنَّها العلمُ بالأحكامِ، وحِكَمِها ومناسباتِها، فأمرَهُ بأصلِ الدِّينِ، وهوَ التَّوحيدُ، ونهاهُ عن الشِّركِ، وبيَّنَ لهُ الموجبَ لتركِهِ، وأمرَهُ ببرِّ الوالدَينِ، وبيَّنَ لهُ السَّببَ الموجبَ لبرِّهما، وأمرَهُ بشكرِهِ وشكرِهما، ثمَّ احترزَ بأنَّ محلَّ برِّهما وامتثالِ أوامرِهما، ما لم يأمرا بمعصيةٍ، ومعَ ذلكَ فلا يعقُّهما، بل يحسنُ إليهما، وإنْ كانَ لا يطيعُهما إذا جاهدَاهُ على الشِّركِ. وأمرَهُ بمراقبةِ اللهِ، وخوَّفَهُ القدومُ عليهِ، وأنَّهُ لا يغادرُ صغيرةً ولا كبيرةً مِن الخيرِ والشَّرِّ، إلَّا أتى بها.
ونهاهُ عن التَّكبُّرِ، وأمرَهُ بالتَّواضُعِ، ونهاهُ عن البطرِ والأشرِ، والمرحِ، وأمرَهُ بالسُّكونِ في الحركاتِ والأصواتِ، ونهاهُ عن ضدِّ ذلكَ.
وأمرَهُ بالأمرِ بالمعروفِ، والنَّهيِ عن المنكرِ، وإقامةِ الصَّلاةِ، وبالصَّبرِ الَّلذينِ يسهلُ بهما كلُّ أمرٍ، كما قالَ تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة:45] فحقيقٌ بمَن أوصى بهذهِ الوصايا، أنْ يكونَ مخصوصاً بالحكمةِ، مشهوراً بها. ولهذا مِن مِنَّةِ اللهِ عليهِ وعلى سائرِ عبادِهِ، أنْ قصَّ عليهم مِنْ حكمتِهِ، ما يكونُ لهم بهِ أسوةٌ حسنةٌ.
– الشيخ : انتهى؟
– القارئ : انتهى، {ألم ترَ أنَّ اللهَ سخَّرَ لكم}.