بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة لقمان
الدَّرس: السَّادس
*** *** ***
– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (25) لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (26) وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27) مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (28) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (29) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [لقمان:25-30]
– الشيخ : إلى هنا
– القارئ : عفا اللهُ عنكَ
– الشيخ : سبحانَ الله، لا إله إلَّا الله، يخبُر تعالى عن المشركين الَّذين يعبدون معَ اللهِ غيرَه، يخبرُ عنهم بأنَّهم يقرّون بأنَّ اللهَ هو خالقُ السمواتِ والأرضِ وخالقُهم، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} [المؤمنون:84-85]
فهم يقرّون للهِ في الربوبيَّةِ بأنَّه ربُّ كلِّ شيءٍ وخالقُ كلِّ شيءٍ ومالكُ كلِّ شيءٍ، ومعَ ذلك يتناقضون، يعبدون من لا يخلقُ شيئاً ولا يقدرُ على شيءٍ، {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [النحل:17] فأمرُهم عجبٌ، سبحانَ الله، نسألُ اللهَ العافيةَ.
أليسَ في العقولِ والفِطرِ أنَّ هذا شأنُه ملكه ملكاً وتدبيراً وقدرةً، أنَّه هو الأحقُّ بأنْ يُعظَّمَ ويُخافَ ويُرجَى ويُدعَى ويُعبَدَ، ها هو، ولهذا إذا ذكرَ لهم هذه، إذا ذكرَ إقرارَهم يقولُ: أفلا تتَّقونَ، أفلا تذكرونَ، كيف! فأنَّى تُؤفَكونَ، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [العنكبوت:61] كيف يُصرَفون؟ {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}
{لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} هو الَّذي له الملكُ وهو الغنيُّ وهو المستحقُّ للحمدِ على ما اتَّصفَ به من صفاتِ الكمال، له الحمدُ كلُّه ملءَ السمواتِ وملءَ الأرضِ وملءَ ما بينَهما.
ثمَّ يقولُ تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ} يعني: لو أنَّ جميعَ شجرِ الأرضِ أقلامٌ، والبحرُ ومن بعده سبعةُ أبحرٍ تكونُ مداداً يُكتَبُ به، لنفدَتْ هذه البحورُ ولم تنفدْ كلماتُ اللهِ {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} يعني: لو أنَّ أشجارَ الأرضِ كلَّها أقلامٌ والبحارُ مدادٌ تُكتَبُ به، تُكتَبُ به كلماتُ اللهِ لنفدَتْ هذه البحارُ وتكسَّرَتْ الأقلامَ ولم تنفدْ كلماتُ اللهِ؛ لأنَّ كلماتِ اللهِ لا نهايةَ لها؛ لأنَّه تعالى لم يزلْ يتكلَّمُ ويكلِّمُ، يتكلَّمُ بما شاءَ ولا يزالُ، وما لا نهايةَ له لا يساويه ولا يبلغُه ما له نهايةٌ، فالبحارُ لو كانتْ سبعةَ أبحرٍ، لو كانتْ سبعين بحراً لكانَ لها نهايةٌ، لها نهايةٌ، وكلمةُ اللهِ لا نهايةَ لها، وما لا نهايةَ له، وما له نهايةٌ يفنى وينفدُ دون أن يبلغَ ما لا نهايةَ له، وهذا المعنى يرشدُ إليه وينبِّهُ إليه هذه الآية، {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}
ثمَّ يقولُ تعالى: {مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} خلقَ جميعَ المخلوقاتِ كخلقِ نفسٍ واحدةٍ من جهةِ قدرةِ اللهِ، فليسَ خلقُ القليلِ بأهونَ عليه من خلقِ الكثير، بل كلاهما سواءٌ في قدرةِ الله، فالأشياءُ لا تتفاوتُ بالنسبة لقدرة اللهِ، {مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} دليلٌ على كمال قدرته سبحانه وتعالى، فليسَ عندَه شيءٌ هذا هيِّنٌ وهذا أهونُ، بل كلُّ المقدوراتِ كلُّها بالنسبةِ لقدرته سواءٌ.
ثمَّ يذكِّرُ سبحانه وتعالى بآيةٍ عظيمةٍ، وهي الليلُ والنهارُ والشمسُ والقمرُ، هذه المخلوقاتُ الَّتي تتعاقبُ على الناسِ، يأتي الليلُ ويذهب ويأتي النهارُ ويذهب، وهما يتعاقبان على الناسِ، والشمسُ والقمرُ يتعاقبان طلوعاً وغروباً، وهذا كلُّه بتقدير وتدبير العليِّ القديرِ سبحانه وتعالى، {كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} {كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} فلهذا الليل والنهار والشمس والقمر منتهى، تنتهي إليه وتتوقَّفُ الشمسُ والقمرُ وتنقضي الليالي والأيامُ وينتهي الخلقُ إلى اليومِ الأخيرِ إلى اليومِ الآخرِ، {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} نعم يا محمَّد.
"تفسيرُ السَّعديِّ"
– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} الآيات.
أي: ولئِنْ سألْتَ هؤلاءِ المشركينَ المكذِّبينَ بالحقِّ {مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ} لعلمُوا أنَّ أصنامَهم، ما خلقَتْ شيئاً مِن ذلكَ ولبادرُوا بقولِهم: اللهُ الَّذي خلقَهما وحدَهُ.
فـ{قُلِ} لهم ملزماً لهم، ومحتجَّاً عليهم بما أقرُّوا بهِ، على ما أنكرُوا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} الَّذي يبيَّنُ النُّورَ، وأظهرَ الاستدلالَ عليكم مِن أنفسِكم، فلو كانُوا يعلمونَ، لجزمُوا أنَّ المنفردَ بالخلقِ والتَّدبيرِ، هوَ الَّذي يُفرَدُ بالعبادةِ والتَّوحيدِ.
ولكنَّ {أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} فلذلكَ أشركُوا بهِ غيرَهُ، ورضَوا بتناقُضِ ما ذهبُوا إليهِ، على وجهِ الحيرةِ والشَّكِّ، لا على وجهِ البصيرةِ، ثمَّ ذكرَ في هاتينِ الآيتينِ نموذجاً مِن سعةِ أوصافِ اللهِ تعالى؛ ليدعوَ عبادَهُ إلى معرفتِهِ، ومحبَّتِهِ، وإخلاصِ الدِّينِ لهُ.
فذكرَ عمومَ ملكِهِ، وأنَّ جميعَ ما في السَّمواتِ والأرضِ -وهذا شاملٌ لجميعِ العالمِ العلويِّ والسُّفليِّ- أنَّهُ ملكُهُ، يتصرَّفُ فيهم بأحكامِ الملكِ القدريَّةِ، وأحكامِهِ الأمريَّةِ، وأحكامِهِ الجزائيَّةِ، فكلُّهم عبيدٌ مماليكٌ، مدبِّرونَ مسخَّرونَ، ليسَ لهم مِن الملكِ شيءٌ، وأنَّه واسعُ الغنى، فلا يحتاجُ إلى ما يحتاجُ إليهِ أحدٌ مِن الخلقِ. {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} [الذاريات:57]
وأنَّ أعمالَ النَّبيِّينَ والصِّديقينَ، والشَّهداءِ والصَّالحينَ، لا تنفعُ اللهَ شيئاً وإنَّما تنفعُ عامليها، واللهُ غنيٌّ عنهم، وعن أعمالِهم، ومِن غناهُ، أنْ أغناهم وأقناهم في دنياهم وأخراهم.
ثمَّ أخبرَ تعالى عن سعةِ حمدِهِ، وأنَّ حمدَهُ مِن لوازمِ ذاتِهِ، فلا يكونُ إلَّا حميداً مِن جميعِ الوجوهِ، فهو حميدٌ في ذاتِهِ، وهوَ حميدٌ في صفاتِهِ، فكلُّ صفةٍ مِن صفاتِهِ، يستحقُّ عليها أكملَ حمدٍ وأتمَّهُ، لكونِها صفاتُ عظمةٍ وكمالٍ، وجميعُ ما فعلَهُ وخلقَهُ يُحمَدُ عليهِ، وجميعُ ما أمرَ بهِ ونهى عنهُ يُحمَدُ عليهِ، وجميعُ ما حكمَ بهِ في العبادِ وبينَ العبادِ، في الدُّنيا والآخرةِ، يُحمَدُ عليهِ.
ثمَّ أخبرَ عن سعةِ كلامِهِ وعظمةِ قولِهِ، بشرحٍ يبلغُ مِن القلوبِ كلَّ مبلغٍ، وتنبهرُ لهُ العقولُ، وتحيرُ فيهِ الأفئدةُ، وتسبحُ في معرفتِهِ أولو الألبابِ والبصائرِ، فقالَ: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ} يُكتَبُ بها {وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} مداداً يستمدُّ بها، لتكسَّرَتْ تلكَ الأقلامُ ولفنيَ ذلكَ المدادُ، ما نفدَتْ {كَلِمَاتُ اللَّهِ}، وهذا ليسَ مبالغةً لا حقيقةَ لهُ، بل لمَّا علمَ تباركَ وتعالى، أنَّ العقولَ تتقاصرُ عن الإحاطةِ ببعضِ صفاتِهِ، وعلمَ تعالى أنَّ معرفتَهُ لعبادِهِ، أفضلُ نعمةٍ، أنعمَ بها عليهم، وأجلُّ منقبةٍ حصَّلُوها، وهي لا تمكنُ على وجهِها، ولكن ما لا يُدرَكُ كلُّهُ، لا يُترَكُ كلُّهُ، فنبَّهَهم تعالى على بعضِها تنبيهاً تستنيرُ بهِ قلوبُهم، وتنشرحُ لهُ صدورُهم، ويستدلُّونَ بما وصلُوا إليهِ إلى ما لم يصلُوا إليهِ، ويقولونَ كما قالَ أفضلُهم وأعلمُهم بربِّهِ: "لا نحصي ثناءً عليكَ، أنتَ كما أثنيْتَ على نفسِكَ" وإلَّا فالأمرُ أجلُّ مِن ذلكَ وأعظمُ.
وهذا التَّمثيلُ مِن بابِ تقريبِ المعنى، الَّذي لا يُطاقُ الوصولُ إليهِ إلى الأفهامِ والأذهانِ، وإلَّا فالأشجارُ، وإنْ تضاعفَتْ على ما ذكرَ، أضعافاً كثيرةً، والبحورُ لو امتدَّتْ بأضعافٍ مضاعفةٍ، فإنَّهُ يُتصوَّرُ نفادُها وانقضاؤُها، لكونِها مخلوقةً.
وأمَّا كلامُ اللهِ تعالى، فلا يُتصوَّرُ نفادُهُ، بل دلَّنا الدَّليلُ الشَّرعيُّ والعقليُّ، على أنَّهُ لا نفادَ لهُ ولا منتهى، وكلُّ شيءٍ ينتهي إلَّا الباري وصفاتِهِ {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم:42]
وإذا تصوَّرَ العقلُ حقيقةَ أوَّليَّتِهِ تعالى وآخريَّتِهِ، وأنَّ كلَّ ما فرضَهُ الذِّهنُ مِن الأزمانِ السَّابقةِ، مهما تسلسلَ الفرضُ والتَّقديرُ، فهوَ تعالى قبلَ ذلكَ إلى غيرِ نهايةٍ، وأنَّهُ مهما فرضَ الذِّهنُ والعقلُ، مِن الأزمانِ المتأخِّرةِ، وتسلسلِ الفرضِ والتَّقديرِ، وساعدَ على ذلكَ مَن ساعدَ، بقلبِهِ ولسانِهِ، فاللهُ تعالى بعدَ ذلكَ إلى غيرِ غايةٍ ولا نهايةٍ.
واللهُ في جميعِ الأوقاتِ يحكمُ، ويتكلَّمُ، ويقولُ، ويفعلُ كيفَ أرادَ، وإذا أرادَ لا مانعَ لهُ مِن شيءٍ مِن أقوالِهِ وأفعالِهِ، فإذا تصوَّرَ العقلُ ذلكَ، عُرِفَ أنَّ المثلَ الَّذي ضربَهُ اللهُ لكلامِهِ، ليدركَ العبادَ شيئاً منهُ، وإلَّا فالأمرُ أعظمُ وأجلُّ.
ثمَّ ذكرَ جلالةَ عزَّتِهِ وكمالَ حكمتِهِ فقالَ: {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} أي: لهُ العزَّةُ جميعاً، الَّذي ما في العالمِ العلويِّ والسُّفليِّ مِن القوَّةِ إلَّا هيَ منهُ، هوَ الَّذي أعطاها للخلقِ، فلا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا بهِ، وبعزَّتِهِ قهرَ الخلقَ كلَّهم، وتصرَّفَ فيهم، ودبَّرَهم، وبحكمتِهِ خلقَ الخلقَ، وابتدأَهُ بالحكمةِ، وجعلَ غايتَه والمقصودَ منهُ الحكمةَ، وكذلكَ الأمرُ والنَّهيُ وُجِدَ بالحكمةِ، وكانَتْ غايتُهُ المقصودةُ الحكمةَ، فهوَ الحكيمُ في خلقِهِ وأمرِهِ.
ثمَّ ذكرَ عظمةَ قدرتِهِ وكمالِها وأنَّهُ لا يمكنُ أنْ يتصوَّرَها العقلُ فقالَ: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} وهذا شيءٌ يحيِّرُ العقولَ، أنْ خلقَ جميعَ الخلقِ -على كثرتِهم وبعثَهم بعدَ موتِهم، بعدَ تفرُّقِهم في لمحةٍ واحدةٍ- كخلقِهِ نفساً واحدةً، فلا وجهَ لاستبعادِ البعثِ والنُّشورِ، والجزاءِ على الأعمالِ، إلَّا الجهلُ بعظمةِ اللهِ وقوَّةِ قدرتِهِ.
ثمَّ ذكرَ عمومَ سمعِهِ لجميعِ المسموعاتِ، وبصرِهِ لجميعِ المبصراتِ فقالَ: {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}
قالَ اللهُ تعالى
– الشيخ : إلى هنا بس [يكفي].