بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة السَّجدة
الدَّرس: الأوَّل
*** *** ***
– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (4) يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ فيه فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5) ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (8) ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ [السجدة:1-9]
– الشيخ : إلى هنا
– القارئ : عفا اللهُ عنكَ
– الشيخ : هذهِ سورةُ السجدةِ، اسمُها {الم تَنْزِيلُ} السجدة، وهي ثلاثونَ آيةً، وهي سورةٌ مكِّيَّةٌ، كانَ النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- يقرأُ بها في الركعةِ الأولى من فجرِ يومِ الجمعةِ، بُدِئَتْ بثلاثِ حروفٍ من الحروف المقطّعةِ {الم} ثمَّ يذكرُ اللهُ تعالى يعني ينوِّهُ بشأنِ القرآنِ {الم (1) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} القرآنُ منزَّلٌ من الله، والمعنى هذا كثيرٌ في القرآن، في الزمرِ: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الزمر:1] في غافر: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [غافر:2] عددٌ من السور تنزيلٌ، {تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [فصلت:2] {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ} [النحل:102]
{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ} لا شكَّ فيه {مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فهذا القرآنُ كما يقولُ أهلُ السُّنَّة: كلامُ اللهِ منزَّهٌ غيرُ مخلوقٍ، منه بدأَ وإليه يعودُ.
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} ينكرُ تعالى على المشركين قولَهم أنَّ محمَّداً افترى هذا القرآنَ، {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [يونس:38] {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} لم يكنْ من افتراءِ محمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، لم يكنْ من إنشائِه، هذا الكلامُ ليسَ من إنشاءِ الرسولِ، ليسَ هو من كلامِ الرسولِ، {بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ} أنزلَهُ اللهُ عليه لينذرَ، لينذرَ بهِ.
{بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ} يعني: العربُ لم يأتِهم نذيرٌ من قبلِ الرسولِ -عليه الصلاة والسلام-، {مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ} في الآية الأخرى: {مَا أُنْذِرَ آَبَاؤُهُمْ} [يس:6] {مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} يعني: أنزلَه تعالى على محمِّدٍ -صلَّى الله عليه وسلَّم-؛ لينذرَ به يعني قومَه {لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} يهتدون إلى الحقِّ، ويجيبوا الدعوةَ –دعوةَ الرسولِ- ويؤمنوا به {لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ}
ثمَّ يخبرُ تعالى عن آياته العظيمةِ، السموات والأرض، {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} هذه العوالمُ خلقَها اللهُ في ستَّةِ أيامٍ، وقد فصَّلَ ذلك في سورةِ {حم} السجدة، خلقَ الأرضَ في يومينِ، وجعلَ فيها أقواتَها، وقدَّرَ فيها ما قدَّرَ في يومينِ، فهذه أربعةُ أيَّامٍ، وخلقَ السمواتِ في يومين، فهذه ستَّةُ أيَّامٍ، واللهُ أعلمُ بهذه الأيَّامِ، يعني بقدرِ أيَّامِنا المعروفةِ أم أنَّها أطولُ، اللهُ أعلمُ، بعضُ أهلِ العلمِ أو المفسِّرين يقولون: إنّ اليومَ الواحدَ بمقدارِ ألفِ سنةٍ، {وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [الحج:47] فاللهُ أعلمُ، ولكنَّ ظاهرَ القرآن أنَّها أيَّامٌ بقدر أيَّامنا، ولهذا جاءَ في الحديثِ: أنَّ اللهَ ابتدأَ الخلقَ يومَ الأحد وانتهى واجتمعَ الخلقُ يومَ الجمعةِ، خلقَ آدمَ.
{وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} علا وارتفعَ فوقَ العرشِ، والعرشُ هو سقفُ المخلوقاتِ، وهو أعظمُ المخلوقاتِ، {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ} ليس للعبادِ، وفي هذا ردٌّ على المشركين الَّذين اتَّخذوا من دونِه أولياءً واتَّخذوا له شركاءَ، وهو يقولُ: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ}
ثمَّ قالَ تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ} فينزلُ الأمرُ ويصعدُ في مدِّةٍ يعني: في يومٍ، لكنَّ مقدارَهُ، بل ينزلُ الأمرُ ويعرجُ في وقتٍ وجيزٍ جدَّاً، لكنَّ هذه المسافةَ مقدارُها ألفَ سنةٍ، فسّرَها العلماءُ أنَّها ما بين السماِء والأرضِ بمقدارِ ألفِ سنةٍ، فيكونُ النزولُ ثمّ الصعودُ، يكونُ مجموعُ العددَين ألفَ سنةٍ ممَّا تعدُّونَ.
{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} الآيات، نعم يا محمَّد.
"تفسيرُ السَّعديِّ"
– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى-: تفسيرُ سورةِ السَّجدةِ وهيَ مكِّيَّةٌ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {الم} الآياتَ.
يخبرُ تعالى أنَّ هذا الكتابَ الكريمَ، تنزيلٌ نزلَ مِن ربِّ العالمينَ، الَّذي ربَّاهم بنعمتِهِ.
ومِن أعظمِ ما ربَّاهم بهِ، هذا الكتابُ، الَّذي فيهِ كلُّ ما يصلحُ أحوالَهم، ويتمِّمُ أخلاقَهم، وأنَّهُ لا ريبَ فيهِ، ولا شكَّ، ولا امتراءَ، ومعَ ذلكَ قالَ المكذِّبونَ للرَّسولِ الظَّالمونَ في ذلكَ: افتراهُ محمَّدٌ، واختلقَهُ مِن عندِ نفسِهِ، وهذا مِن أكبرِ الجراءةِ على إنكارِ كلامِ اللهِ، ورميُ محمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، بأعظمِ الكذبِ، وقدرةِ الخلقِ على كلامٍ مثلَ كلامِ الخالقِ.
وكلُّ واحدٍ مِن هذهِ مِن الأمورِ العظائمِ، قالَ اللهُ -رادًّا على مَن قالَ: افتراهُ-:
{بَلْ هُوَ الْحَقُّ} الَّذي لا يأتيهِ الباطلُ مِن بينِ يديهِ، ولا مِن خلفِهِ، تنزيلٌ مِن حكيمٍ حميدٍ. {مِنْ رَبِّكَ} أنزلَهُ رحمةً للعبادِ {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ}
– الشيخ : {مِنْ رَبِّكَ} يقولُ المفسِّرون والمعربون: "مِن" ابتدائيَّةٌ، يعني: نزولُ القرآنِ ابتداؤُه من الله لأنَّه كلامُه، فابتداؤُه منه، هو الَّذي تكلَّمَ به ثمَّ أنزلَه بواسطةِ الملكِ الموكَّلِ بذلك، {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ} [الشعراء:192-193] وهو جبريلُ.
– القارئ : {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا آتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ} أي: في حالةِ ضرورةٍ وفاقةٍ لإرسالِ الرَّسولِ، وإنزالِ الكتبِ، لعدمِ النَّذيرِ، بل هم في جهلِهم يعمهونَ، وفي ظلمةِ ضلالِهم يتردَّدونَ، فأنزلْنا الكتابَ عليكَ {لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} مِن ضلالِهم، فيعرفونَ الحقَّ ويؤثرونَهُ
– الشيخ : أسألُ اللهَ العافيةَ، أسألُ اللهَ العافيةَ
– القارئ : وهذهِ الأشياءُ الَّتي ذكرَها اللهُ كلُّها، مناقضةٌ لتكذيبِهم لهُ: وإنَّها تقتضي منهم الإيمانَ والتَّصديقَ التَّامَّ بهِ، وهوَ كونُهُ {مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وأنَّهُ حقٌّ، والحقُّ مقبولٌ على كلِّ حالٍ، وأنَّهُ {لا رَيْبَ فِيهِ} بوجهٍ مِن الوجوهِ، فليسَ فيهِ، ما يوجبُ الرِّيبةَ، لا بخبرٍ غيرِ مطابقٍ للواقعِ ولا بخفاءِ واشتباهِ معانيهِ، وأنَّهم في ضرورةٍ وحاجةٍ إلى الرِّسالةِ، وأنَّ فيهِ الهدايةَ لكلِّ خيرٍ وإحسانٍ.
قالَ اللهُ تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ…} الآيات
يخبرُ تعالى عن كمالِ قدرتِهِ بأنَّهُ الَّذي خلقَ {السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} أوَّلُها، يومُ الأحدِ، وآخرُها الجمعةُ، معَ قدرتِهِ على خلقِها بلحظةٍ، ولكنَّهُ تعالى رفيقٌ حكيمٌ.
{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} الَّذي هوَ سقفُ المخلوقاتِ، استواءٌ يليقُ بجلالِهِ.
{مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ} يتولَّاكم، في أمورِكم، فينفعُكم {وَلا شَفِيع} يشفعُ لكم، إنْ توجَّهَ عليكم العقابُ.
{أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ} فتعلمونَ أنَّ خالقَ الأرضِ والسَّمواتِ، المستوي على العرشِ العظيمِ، الَّذي انفردَ بتدبيرِكم، وتوليكم، ولهُ الشَّفاعةُ كلُّها، هوَ المستحقُّ لجميعِ أنواعِ العبادةِ.
{يُدَبِّرُ الأمْرَ} القدريَّ والأمرَ الشَّرعيَّ
– الشيخ : إلى هنا، متواصلٌ الكلامُ
– طالب: …
– الشيخ : ما في مانع، أقولُ: ما نعلمُ مانعاً، ولا سيما إذا كانَ، أقولُ: إذا ما كانَ يحتاجُ إلى كثرةِ عملٍ يعني يفتّحُ ويفتحُ ويفتح، أظنُّه له وجهين ولا كذا؟ أقولُ: السورةُ يمكن وجهين؟
– طالب: …
– الشيخ : نعم