الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الأحزاب/(4) من قوله تعالى {يا أيها الذين امنوا اذكروا نعمة الله عليكم} الآية 9 إلى قوله تعالى {هنالك ابتلي المؤمنون} الآية 11
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(4) من قوله تعالى {يا أيها الذين امنوا اذكروا نعمة الله عليكم} الآية 9 إلى قوله تعالى {هنالك ابتلي المؤمنون} الآية 11

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الأحزاب

الدَّرس: الرَّابع

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدً} [الأحزاب:9-11]

– الشيخ : إلى هنا يا أخي، لا إله إلَّا الله، هذا شروعٌ في ذكرِ ما جرى على المسلمين في غزوة الأحزاب، وهي من كبرياتِ الغزواتِ، من غزواتِ النبيِّ العظيمةِ الكبيرةِ، غزوةُ الأحزاب، ويقالُ لها: غزوةُ الخندقِ؛ لأنَّ المسلمين حفروا خندقاً حولَ المدينة، سُمِّيَتْ أحزاباً؛ لأنَّ الكفَّارَ تحزّبوا من المشركين ومن أهل الكتاب، من أهل مكَّةَ ومن قبائلِ العرب، حتَّى طوَّقوا المدينةَ {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ}

فحصلَ على المسلمين كربٌ شديدٌ، {زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ… (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} ابتلاءٌ عظيمٌ، لا إله إلَّا الله، وهذه سنَّةُ الله في الخلقِ الابتلاءُ، ابتلاءٌ باليسرِ والعسرِ والشدَّةِ والرخاء، وبالحروبِ وبتسلُّط الأعداء، سنَّةٌ كونيَّةٌ، ولله في ذلك حكمةٌ بالغةٌ؛ ليميزَ اللهُ الخبيثَ من الطيِّبِ، يتبيَّن، فمثل هذه الحوادث العظيمة يتبيَّنُ فيها، يتكشفُ الناس، يتكشفون وتتبيَّن بواطنهم وحقائقهم، ظهرَ النفاقُ، في هذه الغزوة ظهرَ المنافقون، وصاروا يقولون ما يقولون كما سيأتي في الآية، وفي مقابلهم المؤمنون، فللهِ الحكمةُ البالغةُ.

 واللهُ يذكِّرُ المؤمنين بنعمة الله عليهم في هذه الغزوةِ، أنَّ اللهَ نصرَهم على هذا العدوِّ المتكتِّلِ، هؤلاء الأعداءُ وهذه الجموعُ، نصرَهم بنوعين من النصر: بالملائكةِ وبالريحِ، {اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ} جنودٌ من الكفَّار، {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا} ريحٌ زلزلَتْهم وقلعتْ أبنيتَهم وأطفأتْ نيرانَهم، قصَّةُ الأحزابِ -سبحان الله- عظيمةٌ، {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا} يعني: وأرسلْنا عليهم جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا، الملائكةُ يرسلُهم اللهُ بما شاءَ والناسُ لا يرونهم.

{وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} يعني: كما يقالُ تصويرٌ للوضع العصيبِ، تصويرٌ وتوصيفٌ للوضع الشَّديدِ الَّذي تعرَّضَ له المسلمون، ولكنَّهم اللهُ يثبِّتُ قلوبَهم، لا إله..، نعم يا محمَّد، يا الله من فضلك يا الله.

 

"تفسيرُ السَّعديِّ"

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} الآياتَ.

يذكِّرُ تعالى عبادَهُ المؤمنينَ، نعمتَهُ عليهم، ويحثُّهم على شكرِها، حينَ جاءَتْهم جنودُ أهلِ مكَّةَ والحجازِ، مِن فوقِهم، وأهلِ نجدٍ، مِن أسفلَ منهم، وتعاقدُوا وتعاهدُوا على استئصالِ الرَّسولِ والصَّحابةِ، وذلكَ في وقعةِ الخندقِ.

ومالأَتْهم طوائفُ اليهودِ، الَّذينَ حوالي المدينةِ، فجاؤُوا بجنودٍ عظيمةٍ وأممٍ كثيرةٍ.

وخندقَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- على المدينةِ، فحاصرُوا المدينةَ

– الشيخ : اللهُ أكبرُ، خندقٌ حفر، حفرَ ما تستطيعُ يتجاوزُه المشاةُ أو يتجاوزُه الدوابُّ أو الخيلُ، يعني خندقٌ حفرٌ عريضٌ عريضٌ، ويُذكَرُ في التاريخ أنَّ هذا كان بمشورةٍ من سلمانَ -رضي الله عنه- وشاركَ في حفر هذا الخندقِ الصحابةُ والرسولُ معهم، شاركوا في الحفر، يحفرون بالعتلِ وبالفروسِ والمساحي.. عمل عمل، اللهُ أكبر، الله أكبر، لا إله إلَّا الله، لا إله إلَّا الله.

 

– القارئ : فحاصرُوا المدينةَ، واشتدَّ الأمرُ، وبلغَتْ القلوبُ الحناجرَ، حتَّى بلغَ الظَّنُّ مِن كثيرٍ مِن النَّاسِ كلَّ مبلغٍ، لمَّا رأَوا مِن الأسبابِ المستحكمةِ، والشَّدائدِ الشَّديدةِ، فلم يزلْ الحصارُ على المدينةِ، مدَّةً طويلةً، والأمرُ كما وصفَ اللهُ: {وَإِذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ

– الشيخ : وكانَ هذا الحصارُ في أيَّام الشتاء في بردٍ، في بردٍ شديدٍ، حتَّى أنَّ ممَّا جرى من بعض ما جرى كما في السيرِ أنَّ الرسولَ -عليه الصلاة والسلام- يعني لما جاءت الريحُ وصارت، ريحٌ باردةٌ باردةٌ، الرسولُ قال للصحابة: مَن يذهبُ… لنا حالَ القوم؟ أيش حالهم يعني، فامتنعَ أكثرُهم، تمنَّعوا لأنَّ الأمرَ شديدٌ، ومع قلَّةِ ذاتِ اليدِ ما هناك فروات، ما هناك فروات هناك ملابسُ خفيفةٌ، حتَّى انتدبَ للمهمَّةِ حذيفةُ -رضي الله عنه- يعني حين نصَّ الرسولُ عليه، قالَ لهُ: قمْ يا حذيفةُ، خلاص، ما في بدٌّ، لما خصَّهُ بالأمرِ ما له بدٌّ إلَّا السمع والطاعة، فيها عبرٌ، فيها عبرٌ، اقرؤُوها في السيرِ في تاريخِ ابن كثيرٍ في البداية والنهاية، اللَّهمَّ صلِّ وسلِّم… اللهُ أكبر، ولعلَّه عرضَ لجوانبٍ في هذه الغزوة في التفسير أيضاً، لا إله إلَّا الله، الله أكبر، الله أكبر.

 

– القارئ : فلم يزلْ الحصارُ على المدينةِ، مدَّةً طويلةً، والأمرُ كما وصفَ اللهُ: {وَإِذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ} أي: الظُّنونُ السَّيِّئةُ، أنَّ اللهَ

– الشيخ : خواطر خواطر يعني، أمَّا المنافقون فهم والعياذُ باللهِ ما هو بظنُّون وبس، طعنوا في الدينِ، إذ يقولُ المنافقون والَّذين في قلوبِهم مرضٌ ما وعدَنا اللهُ ورسولُه إلَّا غرورًا، أمَّا المؤمنون فقد يخطرُ ببالهم بعضُ الشيء مع الشدَّةِ، كما قد جرى لبعضِ الرسلِ، {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف:110] {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا}.

 

– القارئ : أي: الظُّنونَ السَّيِّئةَ، أنَّ اللهَ لا ينصرُ دينَهُ، ولا يتمُّ كلمتَهُ.

{هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ}

– الشيخ : هذه ظنونُ المنافقين، لكن المؤمنون الصادقون قد يخطرُ ببالهم بعضُ الظنونِ، يعني خواطرٌ

– القارئ : {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ} بهذهِ الفتنةِ العظيمةِ {وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا} بالخوفِ والقلقِ، والجوعِ، ليتبيَّنَ

– الشيخ : والبردِ أيضاً

– القارئ : ليتبيَّنَ إيمانَهم، ويزيدَ إيقانَهم، فظهرَ -وللهِ الحمدُ- مِن إيمانِهم، وشدَّةِ يقينِهم، ما فاقُوا فيهِ الأوَّلينَ والآخرينَ

– الشيخ : المقصودُ أنَّ اللهَ ذكرَ حالَ الجميعِ، حالُ المنافقين وحالُ المؤمنين الصادقين، من المؤمنين..، كما سيأتي

– القارئ : وعندَما اشتدَّ الكربُ، وتفاقمَتْ الشَّدائدُ، صارَ إيمانُهم عينَ اليقينِ، {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا}

وهنالكَ تبيَّنَ نفاقُ المنافقينَ، وظهرَ ما كانُوا يُضمرونَ قالَ تعالى:

{وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا}

– الشيخ : إلى هنا بس، هنا انتهينا، الآياتُ متَّصلةٌ متَّصلةٌ بما بعدها، لا إله إلَّا الله