بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الأحزاب
الدَّرس: الثَّامن
*** *** ***
– القارئ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا * يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا * يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا [الأحزاب:28-34]
– الشيخ : إلى هنا. لا إله إلا الله.
يأمرُ اللهُ نبيَه أنْ يُخيِّرَ نساءَه بين البقاءِ معَه، والصبرِ على ما يحصلُ لهنَّ من قِلَّةِ ذاتِ اليدِ، أو يُفَارِقُهُنَّ إنْ كنَّ يُردْنَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا، وَكُلُهُنَّ اخترنَ اللهَ ورسولَه، وكانتِ البدايةُ بعائشةَ -رضي الله عنها-، وبقيةُ نسائِه كنَّ على طريقِها.
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً} هذا تخييرٌ، هذا عَرْضٌ للفِراقِ والطلاقِ.
{وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} وهذا وعدٌ عظيمٌ وكريمٌ أَعَدَّ اللهُ {فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا}
ثمَّ يُحَذِّرُهُنَّ اللهُ -يُحَذِّرُ نساءَ نبيِّهِ- مِن إتيانِ الفاحشةِ، وأنَّ الفاحشةَ مِنْهُنَّ أعظمُ، والمعصيةُ مـِمَّن لَه منزلةٌ فاضلةٌ وعلى جانبٍ من العلمِ في الخيرِ والشَّرِّ والطاعة والمعصية الذنبُ منه أعظمُ ولهذا قال: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} تحذيرٌ بالِغٌ، المعصيةُ مِنْهُنَّ ليستْ كالمعصيةِ مِن غَيرِهِنَّ.
وكذلكَ الأجرُ، اللهُ -تعالى- يُضاعِفُ لأهلِ الفضلِ ولأهلِ العلمِ يُضاعِفُ لهم الأجرَ {وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا} يعني: المضاعفةُ في الخيرِ والشَّرِ؛ لـِمَا لَهُنَّ مِن المنزلةِ، ولأنَّ قيامَ الحجةِ عليهِنِّ أعظمُ.
ثم يُنَوِّهَ -سبحانه وتعالى- بِفَضْلِهِنَّ على سائرِ النساءِ، وقد قالَ في أولِ السورة: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب:6] هُنَّ أمهاتُ المؤمنين خَيِّرَاتٌ دَيِّنَاتٌ صالحاتٌ.
{يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} التقوى شرط، التقوى شرطٌ في حصولِ الفضلِ، فلا فضلَ بلا تقوى، فلا فضلَ: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] ولهذا قال: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} ونساءُ النَّبيِّ كلُّ مَنْ تزوجَهُنَّ، إحدى عشرةَ امرأة، جمعَ بينَ تسعٍ، وذلك من خصائصِه، وأُولى نسائَه خديجة -رضي الله عنها -، وأفضلُ نسائِه خديجةُ وعائشةُ، وكلهُنَّ فاضلاتٌ أمهاتً المؤمنين.
ثم وَصَّاهُنَّ اللهُ بوصايا وَهُنَّ وصايا لكلِّ المؤمناتِ، ما وَصَّى اللهُ بهِ نساءَ نبيه هُنَّ وصايا لكلِّ المؤمناتِ { فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} هذهِ آدابٌ أَرْشَدَ اللهُ إليها نساءَ نبيِّه لِفَضْلِهِنَّ وَلِتَعْلُوَ مَنْزِلَتَهُنَّ وَلِيَنَلْنَ بذلكَ الأجرِ العظيم.
نَهَاهُنَّ عن الخضوعِ والتبرُّجِ وأَمَرَهُنَّ بالقرارِ {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} وإقامِ الصلاةِ وإيتاءِ الزكاةِ، وامْتَنَّ عليهِنَّ بالتطهيرِ {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} لا إله إلا الله
(تفسير السعدي)
– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السَّعديّ –رحمَه الله تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ} الآيات:
لَمَّا اجْتَمَعَ نِسَاءُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْهِ فِي الْغَيْرَةِ، وَطَلَبْنَ مِنْهُ النَّفَقَةَ وَالْكُسْوَةَ، طَلَبْنَ مِنْهُ أَمْرًا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ
– الشيخ : يشيرُ الشيخُ في هذا إلى سببِ النزول، سببُ نزولِ هذه الآيات أنَّ نساءَ النبي -صلى الله عليه وسلم- اجْتَمَعْنَ يُطالِبْنَ الرسولَ بشيءٍ من المنافعِ الدنيويةِ مِن نفقةٍ وكِسْوةٍ، والرسولُ لم يكنْ عندَه سَعةٌ، ولهذا جاء التخييرُ اخْترنَ إمَّا البقاءَ مع النَّبي على ما أنتمْ عليهِ من الحاجةِ وقِلَّةِ النفقةِ الكافيةِ أو يُفَارِقُكُنَّ.
عَرَضَ عليهِنَّ أمراً يَخرجُ به الرسول -عليه الصلاة والسلام- من التقصيرِ، فلمْ يكنْ من النَّبي تقصيرٌ، لكنه لا يَقدِرُ على ما طَلَبْنَ منه عليه الصلاة والسلام.
– القارئ : وَلَمْ يَزَلْنَ فِي طَلَبِهِنَّ مُتَّفِقَاتٍ، وَفِي مُرَادِهِنَّ مُتَعَنِّتَاتٍ،
– الشيخ : عفا الله عنهنَّ ورَضِيَ عنهنَّ، رَضِيَ اللهُ عنهنَّ، يعني هذا من الأمورِ الطبيعية، مُطالَبَتَهُنَّ بالنفقةِ، واجتماعَهُنَّ في هذا مِن الأمورِ العاديَّةِ في النَّساءِ، يُرِدْنَ ما تريدُه النساءُ من النفقةِ الـمُعتادةِ والكسوةِ وما أشبَهَ ذلكَ، وكان ذلكَ لا ينبغي منهُنَّ، ولكن هذا أمرٌ عاديٌّ وبشريٌّ، هُنَّ نساءٌ كغيرِهِنَّ من النساءِ من ناحيةِ أنَّهنَّ يَحْتَجْنَ إلى ما تحتاجُ إليه النساءُ -عفا اللهُ عنهنَّ ورضيَ عنْهُنَّ- ولهذا أثنى اللهُ عليهن: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ}.
– القارئ : فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الرَّسُولِ، حَتَّى وَصَلَتْ بِهِ الْحَالُ إِلَى أَنَّهُ آلَى مِنْهُنَّ شَهْرًا.
فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُسَهِّلَ الْأَمْرَ عَلَى رَسُولِهِ، وَأَنْ يَرْفَعَ دَرَجَةَ زَوْجَاتِهِ، وَيُذْهِبَ عَنْهُنَّ كُلَّ أَمْرٍ يُنْقِصُ أَجْرَهُنَّ، فَأَمَرَ رَسُولَهُ أَنْ يُخَيِّرَهُنَّ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} أَيْ: لَيْسَ لَكُنَّ فِي غَيْرِهَا مَطْلَبٌ، وَصِرْتُنَّ تَرْضَيْنَ لِوُجُودِهَا، وَتَغْضَبْنَ لِفَقْدِهَا، فَلَيْسَ لِي فِيكُنَّ أَرَبٌ وَحَاجَةٌ، وَأَنْتُنَّ بِهَذِهِ الْحَالِ، {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ} شَيْئًا مِمَّا عِنْدِي مِنَ الدُّنْيَا {وَأُسَرِّحْكُنَّ} أَيْ: أُفَارِقْكُنَّ {سَرَاحًا جَمِيلاً} مِنْ دُونِ مُغَاضَبَةٍ وَلَا مُشَاتَمَةٍ، بَلْ بِسِعَةِ صَدْرٍ، وَانْشِرَاحِ بَالٍ، قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ الْحَالُ إِلَى مَا لَا يَنْبَغِي.
{وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ} أَيْ: هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مُرَادَكُنَّ، وَغَايَةَ مَقْصُودِكُنَّ وإذا حصلَ لَكُنَّ
– الشيخ : يعني: إذا كانَ مُرَادُكُنَّ رضا اللهِ ورسولِه والفوزَ في الآخرة {فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا}
– القارئ : وَإِذَا حَصَلَ لَكُنَّ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالْجَنَّةُ، لَمْ تُبَالِينَ بِسِعَةِ الدُّنْيَا وَضِيقِهَا، وَيُسْرِهَا وَعُسْرِهَا، وَقَنِعْتُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ بِمَا تَيَسَّرَ، وَلَمْ تَطْلُبْنَ مِنْهُ مَا يَشُقُّ عَلَيْهِ، {فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} رَتَّبَ الْأَجْرَ عَلَى وَصْفِهِنَّ بِالْإِحْسَانِ؛ لِأَنَّهُ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِذَلِكَ، لَا لِكَوْنِهِنَّ زَوْجَاتٍ لِلرَّسُولِ فَإِنَّ مُجَرَّدَ ذَلِكَ لَا يَكْفِي، بَلْ لَا يُفِيدُ شَيْئًا، مَعَ عَدَمِ الْإِحْسَانِ، فَخَيَّرَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي ذَلِكَ، فَاخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ كُلُّهُنَّ لَمْ يَتَخَلَّفْ مِنْهُنَّ وَاحِدَةٌ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ-
وَفِي هَذَا التَّخْيِيرِ فَوَائِدُ عَدِيدَةٌ:
مِنْهَا: الِاعْتِنَاءُ بِرَسُولِهِ، وَالْغَيْرَةُ عَلَيْهِ، أَنْ يَكُونَ بِحَالَةٍ يَشُقُّ عَلَيْهِ كَثْرَةُ مَطَالِبِ زَوْجَاتِهِ الدُّنْيَوِيَّةِ.
وَمِنْهَا: سَلَامَتُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذَا التَّخْيِيرِ مِنْ تَبِعَةِ حُقُوقِ الزَّوْجَاتِ، وَأَنَّهُ يَبْقَى فِي حُرِّيَّةِ نَفْسِهِ، إِنْ شَاءَ أَعْطَى، وَإِنْ شَاءَ مَنَعَ {مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} [الأحزاب:38]
وَمِنْهَا: تَنْزِيهُهُ عَمَّا لَوْ كَانَ فِيهِنَّ، مَنْ تُؤْثِرُ الدُّنْيَا عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَالدَّارِ الْآخِرَةِ عنها، وَعَنْ مُقَارَنَتِهَا.
وَمِنْهَا: سَلَامَةُ زَوْجَاتِهِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ- عَنِ الْإِثْمِ، وَالتَّعَرُّضِ لِسُخْطِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَحَسَمَ اللَّهُ بِهَذَا التَّخْيِيرِ عَنْهُنَّ، التَّسَخُّطَ عَلَى الرَّسُولِ الْمُوجِبِ لِسُخْطِهِ الْمُسْخِطِ لِرَبِّهِ، الْمُوجِبِ لِعِقَابِهِ.
– الشيخ : الله صلِّ وسَلِّم، وهذا يحصل، وهذا في الحقيقةِ طريقٌ لصلاحِ أمرِ الزوجين إذا كانَ بينهما شيءٌ من هذا النوعِ، يعني ممكن الرجل يقول: اختاري ترضينَ بحالي وما أنا عليهِ، أو إنْ شئتِ طلقْتُكِ، فإذا خَيَّرها ورضيَتْ بالبقاءِ، بَرِأَتْ ذِمَّتُهُ، وهي سَلِمَتْ أيضاً، هذا أيضاً منهج ممكنٌ تطبيقُهُ من سائرِ الرجالِ، وفيه مصلحةٌ عظيمةٌ.
ولهذا بعضُ النساءِ إذا رأتْ مشكلةً بينها وبينَ زوجِها وخَيَّرها زوجُها ترضى بالبقاءِ في عصمتِه، وبالبقاءِ مع أولادِها، وإنْ كانَ ما كانَ، وإن كانَ هناكَ بعضُ الأمور الـمُشكِلَة في النفقةِ أو الـمُعاملةِ.
– القارئ : وَمِنْهَا: إِظْهَارُ رِفْعَتِهِنَّ، وَعُلُوُّ دَرَجَتِهِنَّ
– الشيخ : رضي الله عنهنَّ
– القارئ : وَبَيَانُ عُلُوِّ هِمَمِهِنَّ، أَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ، مُرَادَهُنَّ وَمَقْصُودَهُنَّ، دُونَ الدُّنْيَا وَحُطَامِهَا.
وَمِنْهَا: اسْتِعْدَادُهُنَّ بِهَذَا الِاخْتِيَارِ، لِلْأَمْرِ الْخِيَارِ لِلْوُصُولِ إِلَى خِيَارِ دَرَجَاتِ الْجَنَّةِ، وَأَنْ يَكُنَّ زَوْجَاتِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَمِنْهَا: ظُهُورُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ، فَإِنَّهُ أَكْمَلُ الْخَلْقِ، وَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ نِسَاؤُهُ كَامِلَاتٍ مُكَمَّلَاتٍ، طَيِّبَاتٍ مُطَيَّبَاتٍ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ
وَمِنْهَا: أَنَّ هَذَا التَّخْيِيرَ دَاعٍ، وَمُوجِبٌ لِلْقَنَاعَةِ، الَّتِي يَطْمَئِنُّ لَهَا الْقَلْبُ، وَيَنْشَرِحُ لَهَا الصَّدْرُ، وَيَزُولُ عَنْهُنَّ جَشَعُ الْحِرْصِ، وَعَدَمُ الرِّضَا الْمُوجِبُ لِقَلَقِ الْقَلْبِ وَاضْطِرَابِهِ، وَهَمِّهِ وَغَمِّهِ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ اخْتِيَارُهُنَّ هَذَا سَبَبًا لِزِيَادَةِ أَجْرِهِنَّ وَمُضَاعَفَتِهِ، وَأَنْ يَكُنَّ بِمَرْتَبَةٍ، لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ مِنَ النِّسَاءِ، وَلِهَذَا قَالَ:
{يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} الآيات.
لَمَّا اخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، ذَكَرَ مُضَاعَفَةَ أَجْرِهِنَّ، وَمُضَاعَفَةَ وِزْرِهِنَّ وَإِثْمِهِنَّ، لَوْ جَرَى مِنْهُنَّ؛ لِيَزْدَادَ حَذَرُهُنَّ، وَشَكَرَهُنَّ اللَّهُ -تَعَالَى- فَجَعَلَ مَنْ أَتَى مِنْهُنَّ بِفَاحِشَةٍ ظَاهِرَةٍ، لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ.
{وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ} أَيْ: تُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ {وَتَعْمَلْ صَالِحًا} قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، {نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} أَيْ: مِثْلَ مَا نُعْطِي غَيْرَهَا مَرَّتَيْنِ، {وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا} وَهِيَ الْجَنَّةُ، فَقَنَتْنَ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَعَمِلْنَ صَالِحًا، فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَجْرُهُنَّ.
– الشيخ : الله أكبر، لا إله إلا الله.
– القارئ : قال الله تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} الآيات.
يَقُولُ تَعَالَى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ} خِطَابٌ لَهُنَّ كُلِّهُنَّ {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ} اللَّهَ، فَإِنَّكُنَّ بِذَلِكَ، تَفُقْنَ النِّسَاءَ، وَلَا يَلْحَقُكُنَّ أَحَدٌ مِنَ النِّسَاءِ، فَكَمِّلْنَ التَّقْوَى بِجَمِيعِ وَسَائِلِهَا وَمَقَاصِدِهَا، فَلِهَذَا أَرْشَدَهُنَّ إِلَى قَطْعِ وَسَائِلِ الْمُحَرَّمِ، فَقَالَ: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} أَيْ: فِي مُخَاطَبَةِ الرِّجَالِ، أَوْ بِحَيْثُ يَسْمَعُونَ فَتَلِنَّ فِي ذَلِكَ، وَتَتَكَلَّمْنَ بِكَلَامٍ رَقِيقٍ يَدْعُو {فَيُطْمِعُ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} أَيْ:
مَرَضُ شَهْوَةِ الزِّنَا، فَإِنَّهُ مُسْتَعِدٌّ، يَنْتَظِرُ أَدْنَى مُحَرِّكٍ يُحَرِّكُهُ؛ لِأَنَّ قَلْبَهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّ الْقَلْبَ الصَّحِيحَ لَيْسَ فِيهِ شَهْوَةٌ لِمَا حَرَّمَ اللَّهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا تَكَادُ تُمِيلُهُ وَلَا تُحَرِّكُهُ الْأَسْبَابُ؛ لِصِحَّةِ قَلْبِهِ، وَسَلَامَتِهِ مِنَ الْمَرَضِ.
بِخِلَافِ مَرِيضِ الْقَلْبِ، الَّذِي لَا يَتَحَمَّلُ مَا يَتَحَمَّلُ الصَّحِيحَ، وَلَا يَصْبِرُ عَلَى مَا يَصْبِرُ عَلَيْهِ، فَأَدْنَى سَبَبٍ يُوجَدُ، وَيَدْعُوهُ إِلَى الْحَرَامِ، يُجِيبُ دَعْوَتَهُ، وَلَا يَتَعَاصَى عَلَيْهِ.
فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَسَائِلَ، لَهَا أَحْكَامُ الْمَقَاصِدِ، فَإِنَّ الْخُضُوعَ بِالْقَوْلِ، وَاللِّينَ فِيهِ، فِي الْأَصْلِ مُبَاحٌ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ وَسِيلَةً إِلَى الْمُحَرَّمِ، مُنِعَ مِنْهُ، وَلِهَذَا يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ فِي مُخَاطَبَةِ الرِّجَالِ، أَنْ لَا تُلِينَ لَهُمُ الْقَوْلَ.
وَلَمَّا نَهَاهُنَّ عَنِ الْخُضُوعِ فِي الْقَوْلِ، فَرُبَّمَا تُوُهِّمَ أَنَّهُنَّ مَأْمُورَاتٌ بِإِغْلَاظِ الْقَوْلِ،
– الشيخ : نسألُ الله العافية، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله، الله أكبر، الله أكبر
فتنةُ النساءِ هي أعظمُ فتنةٍ، كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- (مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً هِيَ أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ فاتَّقُوا الدُّنيا، واتَّقُوا النِّساءَ) أَمَرَ باتِّقاءِ الدنيا عامةً اتِّقاءَ فتنةِ الدنيا، وخَصَّ النساءّ (فاتَّقُوا الدُّنيا واتَّقُوا النِّساءَ)
فتنةُ النساء تكونُ بصورتِها وصَوْتِها وحركتِها وكلِّ ما يتعلَّقُ بالمرأةِ فيه فتنةٌ للرجال، سبحان الله!
ولهذا اتخذَ الكفارُ والفُسَّاقُ المرأةَ وسيلةً من وسائلِ الفسادِ والإفسادِ، المرأة استغلَّها الكفارُ فجعلوها أداةً لبلوغ مَآرِبِهِم من بلاد الإسلامِ والمسلمين، وكذلكَ الفُسَّاق، وهذا ظَهَرَ في، فلهذا عَمِلُوا على إدخالِ المرأة في كلِّ شأنٍ، في كلِّ شأنٍ، ولا سيَّما الإعلامُ، ينشرونَ فِتْنَتَهَا صوتًا وصورةً وحركةً في مختلفِ البرامجِ، نسأل الله العافية.
وهذا مِن مطالِبِ الكفارِ مِن المسلمين هذا ما يريدُه الكفارُ من المسلمين تمامًا، فهم يتخذونَ أنواعَ البرامجِ لنشرِ صورةِ المرأةِ وصوتِها وفِتْنَتَهَا، مختلفُ البرامج، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، يتخذونَها ممثِّلةً ومغنيةً وكذا وكذا، ومذيعةً، ومحاورةً تحاورُ الرجالَ وتحاورُ النساءَ، محاورةً، برامج محاورة بينَ الرجال والنساء، لا إله إلا الله، {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا} سبحان الله! سبحان الله! سبحان الله! ولا حول ولا قوة إلا بالله.
– القارئ : وَلَمَّا نَهَاهُنَّ عَنِ الْخُضُوعِ فِي الْقَوْلِ، فَرُبَّمَا تُوُهِّمَ أَنَّهُنَّ مَأْمُورَاتٌ بِإِغْلَاظِ الْقَوْلِ، دَفَعَ هَذَا بِقَوْلِهِ: {وَقُلْنَ قَوْلَاً مَعْرُوفًا}
– الشيخ : يعني: مخاطبةُ المرأةِ للرجالِ يكونُ وَسَطًا ليسَ فيهِ جفاءٌ وغلظةٌ وكذا، وليسَ فيه خضوعٌ ورِقَّة وَتَكَسُّرٌ في الصوتِ، لا، يكونُ وَسَطًا.
– القارئ : {وَقُلْنَ قَوْلَاً مَعْرُوفًا} يْ: غَيْرَ غَلِيظٍ وَلَا جَافٍ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِلَيِّنٍ خَاضِعٍ.
وَتَأَمَّلْ كَيْفَ قَالَ: فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ وَلَمْ يَقُلْ: "فَلَا تَلِنَّ بِالْقَوْلِ" وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ الْقَوْلُ اللَّيِّنُ، الَّذِي فِيهِ خُضُوعُ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ، وَانْكِسَارُهَا عِنْدَهُ، وَالْخَاضِعُ هُوَ الَّذِي يُطْمَعُ فِيهِ، بِخِلَافِ مَنْ تَكَلَّمَ كَلَامًا لَيِّنًا، لَيْسَ فِيهِ خُضُوعٌ، بَلْ رُبَّمَا صَارَ فِيهِ تَرَفُّعٌ وَقَهْرٌ لِلْخَصْمِ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَطْمَعُ فِيهِ خَصْمُهُ، وَلِهَذَا مَدَحَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِاللِّينِ، فَقَالَ: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران:159] وقال لموسى وهارون: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} [طه:43]
– الشيخ : لكن اللِّينُ مِن المرأةِ هو الذي فيه، أما اللِّينُ في خطابِ الرجالِ ما فيه {وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا}
– القارئ : {فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44]
ودلَّ قولُهُ: {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} مَعَ أَمْرِهِ بِحِفْظِ الْفَرْجِ وَثَنَائِهِ عَلَى الْحَافِظِينَ لِفُرُوجِهِمْ وَالْحَافِظَاتِ، وَنَهْيِهِ عَنْ قُرْبَانِ الزِّنَا أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ، إِذَا رَأَى مِنْ نَفْسِهِ هَذِهِ الْحَالَةَ، وَأَنَّهُ يَهِشُّ لِفِعْلِ الْمُحَرَّمِ عِنْدَمَا يَرَى أَوْ يَسْمَعُ كَلَامَ مَنْ يَهْوَاهُ
– الشيخ : أعوذُ بالله
– القارئ : وَيَجِدُ دَوَاعِيَ طَمَعِهِ قَدِ انْصَرَفَتْ إِلَى الْحَرَامِ، فَلْيَعْرِفْ أَنَّ ذَلِكَ مَرَضٌ، فَلْيَجْتَهِدْ فِي إِضْعَافِ هَذَا الْمَرَضِ وَحَسْمِ الْخَوَاطِرِ الرَّدِيَّةِ، وَمُجَاهَدَةِ نَفْسِهِ عَلَى سَلَامَتِهَا مِنْ هَذَا الْمَرَضِ الْخَطِرِ، وَسُؤَالِ اللَّهِ الْعِصْمَةَ وَالتَّوْفِيقَ، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حِفْظِ الْفَرْجِ الْمَأْمُورِ بِهِ.
{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} أَيِ: اقْرَرْنَ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ أَسْلَمُ وَأَحْفَظُ لَكُنَّ، {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} أَيْ: لَا تُكْثِرْنَ الْخُرُوجَ مُتَجَمِّلَاتٍ
– الشيخ : لا قرارَ الآن، لا قَرار للمرأةَ، لا قرارَ مع التعليمِ والوظائفِ ليسَ هناكَ قرارٌ في البيوتِ، هذا أمرٌ قد انتهى منذ وُلِيَ التعليمَ الذي يحملُ الفتياتِ الشوابَّ الأبكارِ على الخروجِ كلَّ صباحٍ مُتَزَيْنَاتٍ، تَتَزَيَّنُ لِخُروجِها هكذا بدأ التعليم.
– القارئ : {وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى} أَيْ: لَا تُكْثِرْنَ الْخُرُوجَ مُتَجَمِّلَاتٍ أَوْ مُتَطَيِّبَاتٍ، كَعَادَةِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى، الَّذِينَ لَا عِلْمَ عِنْدَهُمْ وَلَا دِينٌ، فَكُلُّ هَذَا دَفْعٌ لِلشَّرِّ وَأَسْبَابِهِ.
وَلَمَّا أَمَرَهُنَّ بِالتَّقْوَى عُمُومًا، وَبِجُزْئِيَّاتٍ مِنَ التَّقْوَى، نَصَّ عَلَيْهَا؛ لِحَاجَةِ النِّسَاءِ إِلَيْهَا، كَذَلِكَ أَمَرَهُنَّ بِالطَّاعَةِ خُصُوصًا الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ اللَّتَيْنِ يَحْتَاجُهُمَا وَيُضْطَرُّ إِلَيْهِمَا كُلُّ أَحَدٍ، وَهُمَا أَكْبَرُ الْعِبَادَاتِ، وَأَجَلُّ الطَّاعَاتِ، وَفِي الصَّلَاةِ الْإِخْلَاصُ لِلْمَعْبُودِ، وَفِي الزَّكَاةِ الْإِحْسَانُ إِلَى الْعَبِيدِ.
ثُمَّ أَمَرَهُنَّ بِالطَّاعَةِ عُمُومًا، فَقَالَ: {وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} يَدْخُلُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ كُلُّ أَمْرٍ أَمَرَا بِهِ أَمْرَ إِيجَابٍ أَوِ اسْتِحْبَابٍ.
{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ} بِأَمْرِكُنَّ بِمَا أَمَرَكُنَّ بِهِ، وَنَهْيِكُنَّ عَمَّا نَهَاكُنَّ عَنْهُ، {لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ} أَيِ: الْأَذَى، وَالشَّرِّ وَالْخُبْثَ {أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} حَتَّى تَكُونُوا طَاهِرِينَ مُطَهَّرِينَ.
أَيْ: فَاحْمَدُوا رَبَّكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى هَذِهِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي
– الشيخ : نعم، الأوامرُ والنَّواهي مِن اللهِ فيه سعادةُ المطيعين للهِ ورسولِه في الدنيا والآخرة، السعادةُ كلَّ السعادةِ في طاعةِ اللهِ ورسولِه في الدنيا والآخرة.
– القارئ : الَّتِي أَخْبَرَكُمْ بِمَصْلَحَتِهَا، وَأَنَّهَا مَحْضُ مَصْلَحَتِكُمْ، لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ حَرَجًا وَلَا مَشَقَّةً، بَلْ لِتَتَزَكَّى نُفُوسُكُمْ، وَتَتَطَهَّرَ أَخْلَاقُكُمْ، وَتَحْسُنَ أَعْمَالُكُمْ، وَيَعْظُمَ بِذَلِكَ أَجْرُكُمْ.
وَلَمَّا أَمَرَهُنَّ بِالْعَمَلِ، الَّذِي هُوَ فِعْلٌ وَتَرْكٌ، أَمْرَهُنَّ بِالْعِلْمِ، وَبَيَّنَ لَهُنَّ طَرِيقَهُ، فَقَالَ: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} وَالْمُرَادُ بِآيَاتِ اللَّهِ: الْقُرْآنُ، وَالْحِكْمَةُ: أَسْرَارُهُ، أَوْ سُنَّةُ رَسُولِهِ.
وَأَمْرُهُنَّ بِذِكْرِهِ، يَشْمَلُ ذِكْرَ لَفْظِهِ بِتِلَاوَتِهِ، وَذِكْرَ مَعْنَاهُ بِتَدَبُّرِهِ وَالتَّفَكُّرِ فِيهِ، وَاسْتِخْرَاجِ أَحْكَامِهِ وَحُكْمِهِ، وَذِكْرَ الْعَمَلِ بِهِ وَتَأْوِيلِهِ.
{إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} يُدْرِكُ سرائِرَ الْأُمُورِ، وَخَفَايَا الصُّدُورِ، وَخَبَايَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالْأَعْمَالَ الَّتِي تُبَيِّنُ وَتَسُرُّ، فَلُطْفُهُ وَخِبْرَتُهُ يَقْتَضِي حَثَّهُنَّ عَلَى الْإِخْلَاصِ وَإِسْرَارِ الْأَعْمَالِ، وَمُجَازَاةَ اللَّهِ عَلَى تِلْكَ الْأَعْمَالِ.
وَمِنْ مَعَانِي "اللَّطِيفُ" الَّذِي يَسُوقُ عَبْدَهُ إِلَى الْخَيْرِ وَيَعْصِمُهُ مِنَ الشَّرِّ بِطُرُقٍ خَفِيَّةٍ لَا يَشْعُرُ بِهَا، وَيَسُوقُ إِلَيْهِ مِنَ الرِّزْقِ مَا لَا يَدْرِيهِ، وَيُرِيهِ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي تَكْرَهُهَا النُّفُوسُ مَا يَكُونُ ذَلِكَ طَرِيقًا لَهُ إِلَى أَعْلَى الدَّرَجَاتِ، وَأَرْفَعِ الْمَنَازِلِ.
انتهى.