بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الأحزاب
الدَّرس: الحادي عشر
*** *** ***
– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا (49) يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (50) تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آَتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا (51) لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا [الأحزاب:49-52]
– الشيخ : إلى هنا، لا إله إلَّا الله، لا إله إلَّا الله، سبحان الله، يذكرُ اللهُ تعالى في هذه الآيات جملةً من أحكام النكاحِ، ولعلَّ المناسبةَ ما تقدَّمَ في أمرِ في شأنِ التخييرِ، تخييرُ النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- لنسائه، وما تقدَّمَ من شأن زيدٍ وطلاقِه لامرأتِه وما ترتَّبَ على ذلك من إباحةِ زوجاتِ المتبنِّينَ الأدعياء، {لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا} [الأحزاب:37] وقضاءُ الوطرِ يكون بفراقهنَّ، فيذكرُ اللهُ في هذه الآياتِ من أحكامِ النكاحِ أوَّلاً أنَّ من تزوَّجَ امرأةً ولم يدخلْ بها، نكحَها ولكنَّه لم يدخلْ بها بل طلَّقها قبلَ أن يمسَّها فإنَّه لا عدَّةَ له عليها، يعني يمكن إذا طلَّقَها قبلَ أن يدخلَ بها أن تتزوَّجَ في لحظتِها.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ} وهذا حكمٌ آخرُ وهو أنَّ مَن طلَّقَ المرأةَ قبلَ أن يمسَّها فإنَّه ينبغي له أن يمتِّعها بشيءٍ تنتفعُ به، من مالٍ نقدٍ أو لباسٍ أو طعامٍ حسبَ حالِ الزوجين وحالِ الناسِ.
{فَمَتِّعُوهُنَّ} وهذا له اتِّصالٌ بقوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [البقرة:236] {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} يعني: بتركهنَّ ليتزوجْنَ {فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ} فلا يمنعُها من الخروجِ بل يتركُها تأخذُ طريقَها وتتصرَّفُ في حالها {وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا}
ويذكرُ اللهُ في الآية الثانيةِ أنَّ اللهَ أحلَّ لنبيِّه أزواجِه الَّتي نكحهنَّ وتزوجهنَّ وآتاهنَّ أجورهنَّ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} أحلَّ له أزواجَه الَّلاتي تزوجهنَّ وآتاهنَّ المهور، وكذلك أحلَّ لهُ ملكَ اليمينِ، فأحلَّ له الوطءَ بالنكاحِ وبملكِ اليمين، كما قالَ تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون:5-6]
{إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ}
وأباحَ له المؤمنةَ الواهبةَ: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} وهذا من خصائصِه -عليه الصلاة والسلام- فيحلُّ له نكاحُ المرأةِ إذا وهبتْ نفسَها له صلَّى الله عليه وسلّم، {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا} يعني: وأحلَّ لك امرأةً مؤمنةً إنْ وهبتْ نفسَها للنبيِّ {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} حِلُّ الواهبةِ خاصٌّ بالنبيِّ -صلَّى الله عليه وسلّم- ومعَ ذلك لم يُعلَمْ أنَّه عليه الصلاة والسلام نكحَ امرأةً بهذه الطريقةِ، لكن صار يعني في ذكر ذلك إظهارٌ لفضله صلَّى الله عليه وسلَّم وكرمه على ربِّه، وإلَّا فلم يتزوَّج امرأةً بطريقِ الهبةِ.
{خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ} {إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}
ثمَّ ذكر سبحانه وتعالى أنَّه وسَّعَ لنبيِّه، فله أن يعني فيما أحلَّ له فله أنَّه يقدِّمُ من شاءَ ويؤخِّرُ من شاءَ من نسائه {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} وهذه الآية أُخِذَ منها أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم لا يجبُ عليه القسم بين النساء، وهذه أيضاً كرامةٌ أخرى، ومع ذلك كان عليه الصلاة والسلام يعدلُ، يقسمُ بين نسائِه مع أنَّ اللهَ أباحَ له أن يقدِّمَ ويؤخِّرَ ما شاءَ {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلَا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ}
ثمَّ قال سبحانَه: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} قيلَ: إنَّ هذه الآية نزلتْ لما أن خُيِّرَ النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-، أنَّ اللهَ لما أمرَ نبيَّه أنْ يخيِّرَ نساءَه واخترْنَ اللهَ ورسولَه كان من جزائهنَّ أنَّ اللهَ حرَّمَ عليه الزواجُ من غيرهنَّ {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا} نعم يا محمَّد، لا إله إلَّا الله.
(تفسيرُ السَّعديِّ)
– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ
– الشيخ : يعني هذه الآيات اشتملتْ على جملةٍ من أحكامِ النِّكاحِ منها ما هو عامٌّ للمؤمنين ومنها ما هو مختصٌّ بالنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم
– القارئ : قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} الآيةَ.
يخبرُ تعالى المؤمنِينَ، أنَّهم إذا نكحُوا المؤمناتِ، ثمَّ طلقُوهنَّ مِن قبلِ أنْ يمسُّوهنَّ، فليسَ عليهنَّ في ذلكَ، عدَّةٌ يعتدُّها أزواجُهنَّ عليهنَّ، وأمرَهم بتمتيعِهنَّ بهذهِ الحالةِ، بشيءٍ مِن متاعِ الدُّنيا، الَّذي يكونُ فيهِ جبرٌ لخواطرِهنَّ، لأجلِ فراقِهنَّ، وأنْ يفارقُوهنَّ فراقًا جميلاً مِن غيرِ مخاصمةٍ، ولا مشاتمةٍ، ولا مطالبةٍ، ولا غيرِ ذلكَ.
ويُستدَلُّ بهذهِ الآيةِ، على أنَّ الطَّلاقَ، لا يكونُ إلَّا بعدَ النِّكاحِ. فلو
– الشيخ : إنَّ الطلاقَ لا يكونُ إلَّا بعدَ النكاحِ
– القارئ : فلو طلَّقَها قبلَ أنْ ينكحَها، أو علَّقَ طلاقَها على نكاحِها، لم يقعْ، لقولِهِ: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} فجعلَ الطَّلاقَ بعدَ النِّكاحِ، فدلَّ على أنَّهُ قبلَ ذلكَ لا مَحلَّ لهُ، وإذا كانَ الطَّلاقُ الَّذي هوَ فرقةٌ تامَّةٌ، وتحريمٌ تامٌّ، لا يقعُ قبلَ النِّكاحِ، فالتَّحريمُ النَّاقصُ، لظهارٍ، أو إيلاءٍ ونحوِهِ، مِن بابِ أولى وأحرى، ألَّا يقعَ قبلَ النِّكاحِ، كما هوَ أصحُّ قَوْلَي العلماءِ.
ويدلُّ على جوازِ الطَّلاقِ؛ لأنَّ اللهَ أخبرَ بهِ عن المؤمنِينَ، على وجهٍ لم يلمْهم عليهِ، ولم يؤنِّبْهم، معَ تصديرِ الآيةِ بخطابِ المؤمنِينَ.
وعلى جوازِهِ قبلَ المسيسِ، كما قالَ في الآيةِ الأخرى {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة:236]
وعلى أنَّ المطلَّقةَ قبلَ الدُّخولِ، لا عدَّةَ لها، بل بمجرَّدِ طلاقِها، يجوزُ لها التَّزوُّجُ، حيثُ لا مانعَ، وعلى أنَّ عليها العدَّةَ، بعدَ الدُّخولِ.
وهل المرادُ بالدُّخولِ والمسيسِ، الوطءُ كما هوَ مجمعٌ عليهِ؟ أو وكذلكَ الخلوةُ، ولو لم يحصلْ معَها وطءٌ، كما أفتى بذلكَ الخلفاءُ الرَّاشدونَ، وهوَ الصَّحيحُ. فمتى دخلَ عليها، وطِئَها، أم لا إذا خلا بها، وجبَ عليها العدَّةُ.
وعلى أنَّ المطلَّقةَ قبلَ المسيسِ
– الشيخ : يعني: الخلوةُ التامَّةُ بها منزَّلةٌ منزلةَ المسيسِ، يعني منزلةَ الوطءِ
– القارئ : تُمتَّعُ على الموسَّعِ قدرُهُ، وعلى المقترِ قدرُهُ، ولكنَّ هذا، إذا لم يُفرَضْ لها مهرٌ، فإنْ كانَ لها مهرٌ مفروضٌ، فإنَّهُ إذا طلَّقَ قبلَ الدُّخولِ، تَنَصَّفَ المهرُ
– الشيخ : تنصَّفَ: لها نصفٌ ولزوجِها نصفٌ، إن كانتْ قبضَتْه ردّتْ على الزوجِ النصفَ وإن لم تقبضْه أعطاها النصفَ
– القارئ : تَنَصَّفَ المهرُ، وكفى عن المتعةِ، وعلى أنَّهُ ينبغي لمَن فارقَ زوجتَهُ قبلَ الدُّخولِ أو بعدَهُ، أنْ يكونَ الفراقُ جميلاً يحمدُ فيهِ كلٌّ منهما الآخرَ.
ولا يكونُ غيرَ جميلٍ، فإنَّ في ذلكَ، مِن الشَّرِّ المرتَّبِ عليهِ، مِن قدحِ كلٍّ منهما بالآخرِ، شيءٌ كثيرٌ.
– الشيخ : اللهُ أكبرُ، وصايا عظيمةٌ، ينبغي للزوجين أنَّ كلَّاً منهما يحسنُ عشرةَ الآخرِ حتَّى مع الفراق، إذا لم تكنْ له فيها رغبةٌ لا يؤذيها ويظلمُها ويعضلُها لا، عليه أن يفارقَها فراقاً جميلاً، {وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} ليسَ فيه أذىً ولا ظلمٌ ولا تكديرٌ، بحيث كلٌّ يذهب في طريقه، {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء:130].
– القارئ : وعلى أنَّ العدَّةَ حقٌّ للزَّوجِ، لقولِهِ: {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ} دلَّ مفهومُهُ، أنَّهُ لو طلَّقَها بعدَ المسيسِ، كانَ لهُ عليها عدَّةٌ وعلى أنَّ المُفارِقةَ بالوفاةِ، تعتدُّ مطلقًا، لقولِهِ: {ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ} الآيةَ.
وعلى أنَّ مَن عدا غيرَ المدخولِ بها
– الشيخ : يعني المتوفى عنها تعتدُّ ولو توفي الزوجُ قبلَ المسيسِ؛ فإنَّ عليها العدَّة أربعة أشهرٍ وعشراً، الله أكبر، عليها العدَّةُ ولها المهرُ ولها الميراثُ، سبحان الله.
– القارئ : مِن المفارقاتِ من الزَّوجاتِ، بموتٍ أو حياةٍ، عليهنَّ العدَّةُ.
قالَ اللهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ} الآيةَ.
يقولُ تعالى، ممتنًّا على رسولِهِ بإحلالِهِ لهُ ما أحلَّ ممَّا يشتركُ فيهِ، هوَ والمؤمنونَ، وما ينفردُ بهِ، ويختصُّ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} أي: أعطيْتَهنَّ مهورَهنَّ، مِن الزَّوجاتِ، وهذا مِن الأمورِ المشتركةِ بينَهُ وبينَ المؤمنينَ، فإنَّ المؤمنينَ كذلكَ يُباحُ لهم من آتوهنَّ أجورَهنَّ، مِن الأزواجِ.
{وَ} كذلكَ أحللْنا لكَ {مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} أي: الإماءُ الَّتي مُلِكَتْ {مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ} مِن غنيمةِ الكفَّارِ مِن عبيدِهم، والأحرارِ مَن لهنَّ زوجٌ منهم، ومَن لا زوجَ لهنَّ، وهذا أيضاً مشتركٌ.
وكذلكَ مِن المشتركِ، قولُهُ: {وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ} شملَ العمَّ والعمَّةَ، والخالَ والخالةَ، القريبينَ والبعيدينَ، وهذا حصرُ المُحلَّلاتِ.
يُؤخَذُ مِن مفهومِهِ، أنَّ ما عداهنَّ مِن الأقاربِ، غيرُ مُحلَّلٍ، كما تقدَّمَ في سورةِ النِّساءِ، فإنَّهُ لا يُباحُ مِن الأقاربِ مِن النِّساءِ، غيرُ هؤلاءِ الأربعِ، وما عداهنَّ مِن الفروعِ مطلقًا، والأصولِ مطلقًا، وفروعِ الأبِ والأمِّ، وإنْ نزلُوا، وفروعِ مَن فوقَهم لصلبِهِ، فإنَّهُ لا يُباحُ.
وقولُهُ: {اللاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} قيدٌ لحلِّ هؤلاءِ للرَّسولِ، كما
– الشيخ : وفروع أعد وفروع
– القارئ : وما عداهنَّ مِن الفروعِ مطلقًا، والأصولِ مطلقًا، وفروعِ الأبِ والأمِّ، وإنْ نزلُوا، وفروعِ
– الشيخ : فروعُ الأبِ والأمِّ، فروعُ الأبِ والأمِّ إمَّا أن يكونوا أخوةً وأخواتٍ يعني أخواتٍ، أو بناتَ إخوةٍ أو بناتَ أخواتٍ، هؤلاءِ هم فروعُ الأمِّ والأبِ، فروعُهم إمَّا أخواتٌ أو بناتُ إخوةٍ وأخواتٍ
– القارئ : وفروعِ الأبِ والأمِّ، وإنْ نزلُوا، وفروعِ مَن فوقَهم لصلبِهِ، فإنَّهُ لا يُباحُ.
– الشيخ : فروعُ الجدِّ، فروعُ الجدِّ، فروعُ الجدِّ يعني عمَّاتٌ أو خالاتٌ ولكن ما نقولُ هنا: وإن نزلُوا كما قالَ الشيخُ في الأوَّلِ، ولهذا قالَ لصلبِه، يعني فروعُه فروعٌ من فوقِ الأبِ ومن فوقِ الأمِّ يعني المباشِرِين، أمَّا إذا نزلوا فروع الجدِّ إذا نزلوا صاروا أولادَ عمٍّ أو أولادَ أخوالٍ، إذا نزلوا.
– القارئ : وقولُهُ: {اللاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ} قيدٌ لحلِّ هؤلاءِ للرَّسولِ، كما هوَ الصَّوابُ مِن القولَينِ، في تفسيرِ هذهِ الآيةِ، وأمَّا غيرُهُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، فقد عُلِمَ أنَّ هذا قيدٌ لغيرِ الصِّحَّةِ.
{وَ} أحللْنا لكَ {امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} بمجرَّدِ هبتِها نفسَها.
{إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} أي: هذا تحتَ الإرادةِ والرَّغبةِ، {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} يعني: إباحةُ الموهوبةِ، وأمَّا المؤمنونَ، فلا يحلُّ لهم أنْ يتزوَّجُوا امرأةً، بمجرَّدِ هبتِها نفسَها لهم.
{قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} أي: قد علمْنا ما على المؤمنينَ، وما يحلُّ لهم، وما لا يحلُّ، مِن الزَّوجاتِ وملكِ اليمينِ. وقد أعلمْناهم بذلكَ، وبيَّنَّا فرائضَهُ.
فما في هذهِ الآيةِ، ممَّا يخالفُ ذلكَ، فإنَّهُ خاصٌّ لكَ، لكونِ اللهِ جعلَهُ خطابًا للرَّسولِ وحدَهُ بقولِهِ: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ} إلى آخرِ الآيةِ.
وقولُهُ: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} وأبحْنا لكَ يا أيُّها النَّبيُّ ما لم نبحْ لهم، ووسَّعْنا لكَ ما لم نوسِّعْ على غيرِكَ، {لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ} وهذا مِن زيادةِ اعتناءِ اللهِ تعالى برسولِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.
{وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} أي: لم يزلْ متَّصفًا بالمغفرةِ والرَّحمةِ، وينزلْ على عبادِهِ مِن مغفرتِهِ ورحمتِهِ، وجودِهِ وإحسانِهِ، ما اقتضَتْهُ حكمتُهُ، ووجدَتْ منهم أسبابَهُ.
انتهى
{تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ}
– الشيخ : قفْ على هذا يا شيخ.