الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الأحزاب/(12) من قوله تعالى {يا أيها الذين امنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم} الآية 53 إلى قوله تعالى {لا جناح عليهن في آبائهن} الآية 55
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(12) من قوله تعالى {يا أيها الذين امنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم} الآية 53 إلى قوله تعالى {لا جناح عليهن في آبائهن} الآية 55

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الأحزاب

الدَّرس: الثَّاني عشر

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53) إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (54) لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا [الأحزاب:53-55]

– الشيخ : إلى هنا، لا إله إلَّا الله، الحمدُ للهِ، ينهى اللهُ المؤمنين عن كلِّ ما يخالفُ الأدبَ، ولا سيما معَ النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} غيرَ منتظرينَ نضجَه، {غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا} الَّذي يظهرُ أنَّ معنى هذا أنَّ الدعوةَ إذنٌ، فإذا كنتَ مدعوَّاً وأتيتَ إلى المكانِ والبابُ مفتوحٌ هذا إذنٌ، قوليٌّ وفعليٌّ، قوليٌّ وفعليٌّ {إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا} الدعوةُ إذنٌ بخلاف إذا لم تكنْ دعوةً ولا سيما إذا وجدت الباب.. لابدَّ من الاستئذانِ.

{إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا} اخرجُوا، لا معنى للمقامةِ، هذا هو الأصلُ، أنَّه بعد تناولِ الطعامِ يخرجُ الناسُ، ولاسيما إذا كانَ مكان الإنسان ليسَ بالواسع أو الإنسان المضيف صاحب المحل يعني في حاجةٍ إلى أن يتفرَّغَ، يعني لحاله مع أهلِه، ويُذكَرُ أنَّه جاءَ في سبب نزول هذه الآية أنَّ النبيَّ -عليه الصلاة والسلام- لمّا بنى بزينبَ بنتِ جحشٍ الَّتي تقدَّمَ ذكرُها صنعَ طعاماً ودعا، فلمَّا أنَّه دعا بعضَ الصحابةِ وطعموا بقي أناسٌ يتحدَّثون، يعني بغفلةٍ منهم، والرسولُ في حاجةٍ إلى أن يكونَ معَ أهلِه؛ لأنَّه في يوم عرسٍ، فصارَ يدخلُ ويخرجُ ويدخلُ ويخرجُ حتَّى انتبهَ الصَّحابةُ فخرجُوا، اللَّهمَ صلِّ وسلِّمْ..

{فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ} وهذا يؤذي النبيَّ، ويؤذي في كثيرٍ من الأحيان يؤذي صاحبَ المنزلِ أن يسكنَ وبعد..، خلاص الحمدُ للهِ طعمْتُم، وهذا هو الجاري الآن من عملِ الناسِ أنَّه بعد الطعامِ يخرجُ الناسُ، وإن تخلَّفَ أحدٌ فقلَّة على عجلٍ، سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله

{إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ} شوف {فَيَسْتَحْيِي} الرسولُ حيِّيٌ، هو أكملُ الناسِ وأعظمُ الناسِ حياءً؛ لأنَّ الحياءَ خلقٌ عظيمٌ كريمٌ {فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} ولهذا نبَّهَ إلى هذا الأمرِ وأرشدَ إلى ما ينبغي في التعامُل، الداعي مع صاحبِ المنزل {وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ}

ثمَّ قالَ: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا} يعني: سألْتُم نساءَ النبيِّ متاعاً، يعني لعلَّ لحاجةٍ من الحاجاتِ الَّتي تجري بها العادةُ {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} وهذا من الأدلَّةِ على وجوبِ الحجابِ.

{فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} وإذا كانَ هذا في شأن الصحابةِ مع نساءِ النبيِّ المؤمناتِ الصالحاتِ التقيِّاتِ والصحابةِ الأفاضلِ الأتقياءِ {أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} فكيفَ بمن سواهم؟ يعني تسرَّب دواعي الفتنة إلى قلوبِ أكثرِ الناسِ، كثيرٌ وهو الغالبُ.

ثمَّ قالَ تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ} {وَمَا كَانَ لَكُمْ} هذا أسلوبٌ يُعبَّرُ به ويُذكَرُ فيما لا ينبغي ولا يليقُ {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ} نعم حقَّاً، لا يليقُ بأصحابِ النبيِّ أن يؤذوه، أن يفعلوا شيئاً يؤذيه، يعني ممَّا يكرهُ ولا يريدُ حصولَه.

وما كانَ لكم {أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ} وهذا أيضاً حكمٌ مختصٌّ بنساءِ النبيِّ، يعني فهنَّ محرَّماتٌ بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، هنَّ محرَّماتٌ، يعني أشبهُ ما تكون، هنَّ أمَّهاتُ المؤمنينَ فهنَّ حرامٌ على الأمَّةِ بعد النبيِّ -عليه الصلاة والسلام-، كتحريمِ يمكن أن نقولَ كتحريمِ زوجةِ الأبِ على أولادِه بعدَ وفاتِه، هنَّ محرَّماتٌ على الأمَّة، وما كان لكم {أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ …} {مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا}

{إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} يعني: هذا فيه تنبيهٌ من اللهِ أنَّ اللهَ يعلمُ ما في النفوسِ، إذا كانَ أحدٌ يفكِّرُ في شيءٍ من هذا فاللهُ مطَّلعٌ عليه {لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ…} إلخ، يعني هذا في بيان ذكرِ المحارمِ، محارمُ نساءِ النبيِّ -عليه الصلاة والسلام- كغيرهنَّ من الناس، هناك قالَ في عمومِ النساء: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ..} [النور:31] وقالَ مثل ذلك في نساءِ النبيِّ: {لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا} نعم يا محمَّد، لا إله إلَّا الله

 

 (تفسيرُ السَّعديِّ)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} الآيةَ:

وهذا أيضًا مِن توسعةِ اللهِ على رسولِهِ ورحمتِهِ بهِ، أنْ أباحَ لهُ تركَ القسمِ بينَ زوجاتِهِ، على وجهِ الوجوبِ، وأنَّهُ إنْ فعلَ ذلكَ، فهوَ تبرُّعٌ منهُ، ومعَ ذلكَ، فقد كانَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يجتهدُ في القسمِ بينَهنَّ في كلِّ شيءٍ، ويقولُ: "اللَّهمَّ هذا قسمي فيما أملكُ، فلا تلمْني فيما لا أملكُ"

فقالَ هنا: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} أي: تُؤخِّرُ مَن أردْتَ مِن زوجاتِكَ

– الشيخ : اللهُ أكبرُ، اللهُ سبحانه وتعالى أباحَ للنبيِّ الواهبةَ وجعلَ ذلك من خصائصِه ومعَ ذلك لم ينكحْ امرأةً بهذه الطريق، وأذنَ له بتركِ القسم ومعَ ذلكَ كانَ يجتهدُ في القسمِ

– القارئ : أي: تُؤخِّرُ مَن أردْتَ مِن زوجاتِكَ فلا تؤويها إليكَ، ولا تبيتُ عندَها {وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} أي: تضمُّها وتبيتُ عندَها.

{وَ} معَ ذلكَ لا يتعيَّنُ هذا الأمرُ {مَنِ ابْتَغَيْتَ} أي: أنْ تؤويها ممَّن عزلْتَ {فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ} والمعنى أنَّ الخيرةَ بيدِكَ في ذلكَ كلِّهِ وقالَ كثيرٌ مِن المفسِّرينَ: إنَّ هذا خاصٌّ بالواهباتِ، لهُ أنْ

– الشيخ : بس ما هو بظاهر، أوَّلاً لأنَّه ما صارَ عندَ الرسولِ واهباتٌ ولا وُهِبَ له عددٌ من النساءِ، ثمَّ إنَّه قد قالَ فيما سبقَ: {إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} [الأحزاب:50] فالأظهرُ -واللهُ أعلمُ- أنَّه في الزوجاتِ، نشوف ترجيح الشيخ.

– القارئ : لهُ أنْ يرجيَ مَن يشاءُ، ويُؤوي مَن يشاءُ، أي: إنْ شاءَ قبلَ مَن وهبَتْ نفسَها لهُ، وإنْ شاءَ لم يقبلْها، واللهُ أعلمُ.

– الشيخ : أيش؟ وبس؟

– القارئ : نعم، ما رجَّحَ

– الشيخ : عجيبٌ واللهِ، لا الأظهرُ أنَّه للزوجاتِ، ثمَّ قالَ بعدها: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} [الأحزاب:52] نعم بعده بس امشِ

– القارئ : ثمَّ بيّنَ الحكمةَ في ذلكَ فقالَ: {ذَلِكَ} أي: التَّوسعةُ عليكَ، وكونُ الأمرِ راجعًا إليكَ وبيدِكَ، وكونُ ما جاءَ منكَ إليهنَّ تبرُّعًا منكَ {أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ

– الشيخ : كأنَّ الشيخَ، ورجَّحَ بتقديم الكلامِ الأوَّل وأنَّه في شأن القسم، في شأنِ القسم، هذا يظهرُ أنَّه جعلَه هو الأصلُ، ثمَّ أشارَ للقولِ الثاني دونَ أنْ يتكلَّمَ عن أنَّه مرجوحٌ وأنَّه خلافُ الظاهرِ، يعني جعلَ القولَ أنَّ هذه الآيةَ في الزوجاتِ لا في الواهباتِ جعلَه هو الأصلُ وتكلَّمَ عنه، وأنَّ اللهَ جعلَ الأمرَ في يدِ النبيِّ وأنَّه يعني أذنَ له في القسمِ إنْ شاءَ، وأنَّه راجعٌ إلى إرادته، ومع ذلك كان الرسولُ يجتهدُ، وذكرَ الحديثَ: (اللَّهمَّ هذا قسمي فيما أملكُ) نعم بعدهُ.

 

– القارئ : لعلمِهنَّ أنَّكَ لم تتركْ واجبًا، ولم تفرِّطْ في حقٍّ لازمٍ.

{وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ} أي: ما يعرضُ لها عندَ أداءِ الحقوقِ الواجبةِ والمستحبَّةِ، وعندَ المزاحمةِ في الحقوقِ، فلذلكَ شرعَ لكَ التَّوسعةَ يا رسولَ اللهِ، لتطمئنَّ قلوبُ زوجاتِكَ.

{وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَلِيمًا} أي: واسعُ العلمِ، كثيرُ الحلمِ. ومِن علمِهِ، أنْ شرعَ لكم ما هوَ أصلحُ لأمورِكم، وأكثرُ لأجورِكم. ومِن حلمِهِ، أنْ لم يعاقبْكم بما صدرَ منكم، وما أصرَّتْ عليهِ قلوبُكم مِن الشَّرِّ.

قالَ اللهُ تعالى: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} الآيةَ:

وهذا شكرٌ مِن اللهِ، الَّذي لم يزلْ شكورًا، لزوجاتِ رسولِهِ، رضيَ اللهُ عنهنَّ، حيثُ اخترْنَ اللهَ ورسولَهُ، والدَّارَ الآخرةَ، أنْ رحمَهنَّ، وقصرَ رسولَهُ عليهنَّ فقالَ: {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} زوجاتُكَ الموجوداتُ {وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ} أي: ولا تطلِّقُ بعضَهنَّ، فتأخذَ بدلَها.

فحصلَ بذلكَ أمنُهنَّ مِن الضَّرائرِ، ومِن الطَّلاقِ؛ لأنَّ اللهَ قضى أنَّهنَّ زوجاتُهُ في الدُّنيا والآخرةِ

– الشيخ : اللهُ أكبرُ، يا الله من فضلِك، سبحانَ الله، فضلٌ عظيمٌ

– القارئ : لا يكونُ بينَهُ وبينَهنَّ فرقةٌ.

{وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} أي: حسنُ غيرِهنَّ، فلا

– الشيخ : ولهذا سودةُ لفقهِها -رضيَ اللهُ عنها- لما أحسَّتْ أنَّ النبيَّ -عليه الصلاة والسلام- يعني عندَه شيءٌ من الإعراض عنها وهبَتْ يومَها وليلتَها لعائشةَ على أن تبقى في عصمتِه وإحدى زوجاته أمهات المؤمنين، رضيَ اللهُ عنهنَّ جميعاً

– القارئ : أي: حسنُ غيرِهنَّ، فلا يحللْنَ لكَ {إِلا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ} أي: السَّراري، فذلكَ جائزٌ لكَ، لأنَّ المملوكاتِ، في كراهةِ الزَّوجاتِ، لسْنَ بمنزلةِ الزَّوجاتِ، في الإضرارِ للزَّوجاتِ. {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا} أي: مراقبًا للأمورِ، وعالمًا بما إليهِ تؤولُ، وقائمًا بتدبيرِها على أكملِ نظامٍ، وأحسنِ إحكامٍ.

قالَ اللهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ…} الآياتَ:

يأمرُ تعالى عبادَهُ المؤمنينَ، بالتَّأدُّبِ معَ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، في دخولِ بيوتِهِ فقالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ} أي: لا تدخلُوها بغيرِ إذنٍ للدُّخولِ فيها، لأجلِ الطَّعامِ. وأيضًا {غير نَاظِرِينَ إِنَاهُ} أي: منتظرينَ ومتأنِّينَ لانتظارِ نضجِهِ، أو سعةِ صدرٍ بعدَ الفراغِ منهُ.

والمعنى: أنَّكم لا تدخلوا بيوتَ النَّبيِّ إلَّا بشرطَينِ:

الإذنُ لكم بالدُّخولِ، وأنْ يكونَ جلوسُكم بمقدارِ الحاجةِ، ولهذا قالَ: {وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ} أي: قبلَ الطَّعامِ وبعدَهُ.

ثمَّ بيَّنَ حكمةَ النَّهي وفائدتِهِ فقالَ: {إِنَّ ذَلِكُمْ} أي: انتظارَكم الزَّائدَ على الحاجةِ، {كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ} أي: يتكلَّفُ منهُ ويشقُّ عليهِ حبسُكم إيَّاهُ عن شؤونِ بيتِهِ، واشغالِهِ فيهِ {فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ} أنْ يقولَ لكم: "اخرجُوا" كما هوَ جاري العادةِ، أنَّ النَّاسَ -خصوصًا أهلَ الكرمِ منهم- يستحيونَ أنْ يُخرجُوا النَّاسَ مِن مساكنَهم، {وَ} لكنْ {اللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ}

فالأمرُ الشَّرعيُّ، ولو كانَ يتوهَّمُ أنَّ في تركِهِ أدباً وحياءً، فإنَّ الحزمَ كلَّ الحزمِ، اتِّباعُ الأمرِ الشَّرعيِّ، وأنْ يجزمَ أنَّ ما خالفَهُ، ليسَ مِن الأدبِ في شيءٍ. واللهُ تعالى لا يستحي أنْ يأمرَكم، بما فيهِ الخيرُ لكم، والرِّفقُ لرسولِهِ كائنًا ما كانَ.

فهذا أدبُهم في الدُّخولِ في بيوتِهِ، وأمَّا أدبُهم معَهُ في خطابِ زوجاتِهِ، فإنَّهُ، إمَّا أنْ يحتاجَ إلى ذلكَ، أو لا يحتاجُ إليهِ، فإنْ لم يحتجْ إليهِ، فلا حاجةَ إليهِ، والأدبُ تركُهُ، وإنْ احتيجَ إليهِ، كأنْ يسألَهنَّ متاعًا، أو غيرَهُ مِن أواني البيتِ أو نحوِها، فإنَّهن يُسأَلْنَ {مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} أي: يكونُ بينَكم وبينَهنَّ سترٌ، يسترُ عن النَّظرِ، لعدمِ الحاجةِ إليهِ.

فصارَ النَّظرُ إليهنَّ ممنوعًا بكلِّ حالٍ، وكلامُهنَّ فيهِ التَّفصيلُ، الَّذي ذكرَهُ اللهُ، ثمَّ ذكرَ حكمةَ ذلكَ بقولِهِ: {ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} لأنَّهُ أبعدُ عن الرِّيبةِ، وكلَّما بعُدَ الإنسانُ عن الأسبابِ الدَّاعيةِ إلى الشَّرِّ، فإنَّهُ أسلمُ لهُ، وأطهرُ لقلبِهِ.

فلهذا، مِن الأمورِ الشَّرعيَّةِ الَّتي بيَّنَ اللهُ كثيرًا مِن تفاصيلِها، أنَّ جميعَ وسائلِ الشَّرِّ وأسبابِهِ ومقدِّماتِهِ، ممنوعةٌ، وأنَّهُ مشروعٌ، البعدُ عنها، بكلِّ طريقٍ.

ثمَّ قالَ كلمةً جامعةً وقاعدةً عامَّةً: {وَمَا كَانَ لَكُمْ} يا معشرَ المؤمنينَ، أي: غيرُ لائقٍ ولا مستحسنٍ منكم، بل هوَ أقبحُ شيءٍ {أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ} أي: أذيَّةٌ قوليَّةٌ أو فعليَّةٌ، بجميعِ ما يتعلَّقُ بهِ، {وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا} هذا مِن جملةِ ما يؤذيهِ، فإنَّهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، لهُ مقامُ التَّعظيمِ، والرِّفعةِ والإكرامِ، وتزوُّجُ زوجاتِهِ بعدَهُ مُخِلٌّ بهذا المقامِ.

وأيضاً، فإنَّهنَّ زوجاتُهُ في الدُّنيا والآخرةِ، والزَّوجيَّةُ باقيةٌ بعدَ موتِهِ، فلذلكَ لا يحلُّ نكاحُ زوجاتِهِ بعدَهُ، لأحدٍ مِن أمَّتِهِ. {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} وقد امتثلَتْ هذهِ الأمَّةُ، هذا الأمرَ، واجتنبَتْ ما نهى اللهُ عنهُ منهُ، وللهِ الحمدُ والشُّكرُ.

ثمَّ قالَ تعالى: {إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا} أي: تظهرُوهُ {أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} يعلمُ ما في قلوبِكم، وما أظهرْتُموهُ، فيجازيكم عليهِ.

انتهى.

{لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ}

– الشيخ : آيةٌ وحدةٌ

– القارئ : نعم، قالَ:

لمَّا ذكرَ أنَّهنَّ لا يسألْنَ متاعًا إلَّا مِن وراءِ حجابٍ، وكانَ اللَّفظُ عامًا لكلِّ أحدٍ احتيجَ أنْ يُستثنَى منهُ هؤلاءِ المذكورونَ، مِن المحارمِ، وأنَّهُ {لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ} في عدمِ الاحتجابِ عنهم.

ولم يذكرْ فيها الأعمامَ، والأخوالَ، لأنَّهنَّ إذا لم يحتجبْنَ عمَّن هنَّ عمَّاتُهُ ولا خالاتُهُ، مِن أبناءِ الإخوةِ والأخواتِ، معَ رفعتِهنَّ عليهم، فعدمُ احتجابِهنَّ عن عمِّهنَّ وخالِهنَّ، مِن بابِ أولى، ولأنَّ منطوقَ الآيةِ الأخرى المصرِّحةَ بذكرِ العمِّ والخالِ مقدَّمةٌ على ما يُفهَمُ

– الشيخ : يظهرُ أنَّه ما في آية، ما الآية؟ ما في إلَّا آية النساء وآية النساء، قالَ اللهُ: {أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ} أَوْ أبناء إِخْوَانِهِنَّ [الصحيحُ: أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ] وهذهِ عمَّاتٌ، أو أبناءُ إخوانهن مثل المذكور هنا، {بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ} يعني: المذكورُ هم أبناءُ الإخوة والأخوات وأمَّا الأعمامُ والعمَّاتُ، وأمَّا الأعمامُ والأخوالُ فلم يُذكَروا، يعني نصَّاً، وإن كانُوا دلَّت السُّنَّةُ على أنَّ الخالَ يعني من جملة المحارم، العمُّ من جملةِ المحارمِ وكذلكَ الخالُ، وهذا فيما يظهرُ أنَّه إجماعٌ

– القارئ : ولأنَّ منطوقَ الآيةِ الأخرى، المصرِّحةِ بذكرِ العمِّ والخالِ، مقدَّمةٌ، على ما يُفهَمُ مِن

– الشيخ : الأعمامُ والأخوالُ ذُكِرُوا في سورةِ النورِ في البيوتِ، بيوت من يُؤكَلُ منها من بيوتهم {أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ} هذه جاءت مصرِّحةً نعم، ولا في تعليق اللي كتب؟

– القارئ : لا ما علَّقَ

مقدَّمةٌ على ما يُفهَمُ مِن هذهِ الآيةِ.

وقولُهُ: {وَلا نِسَائِهِنَّ} أي: لا جناحَ عليهنَّ ألَّا يحتجبْنَ عن نسائِهنَّ، أي: الَّلاتي مِن جنسِهنَّ في الدِّينِ، فيكونُ ذلكَ مخرجًا لنساءِ الكفَّارِ، ويُحتمَلُ أنَّ المرادَ جنسُ النِّساءِ، فإنَّ المرأةَ لا تحتجبُ عن المرأةِ. {وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} ما دامَ العبدُ في ملكِها جميعُهُ.

ولمَّا رفعَ الجناحَ عن هؤلاءِ، شرطَ فيهِ وفي غيرِهِ، لزومَ تقوى اللهِ، وألَّا يكونَ في محذورٍ شرعيٍّ فقالَ: {وَاتَّقِينَ اللَّهَ} أي: استعملْنَ تقواهُ في جميعِ الأحوالِ {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا} يشهدُ أعمالَ العبادِ، ظاهرَها وباطنَها، ويسمعُ أقوالَهم، ويرى حركاتِهم

– الشيخ : لا إله إلَّا الله

– القارئ : ثمَّ يجازيهم على ذلكَ، أتمَّ الجزاءِ وأوفاهُ

– الشيخ : إلى هنا، نعم يا شيخ عبد الرحمن، لا إله إلَّا الله.