الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الأحزاب/(13) من قوله تعالى {إن الله وملائكته يصلون على النبي} الآية 56 إلى قوله تعالى {سنة الله} الآية 62
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(13) من قوله تعالى {إن الله وملائكته يصلون على النبي} الآية 56 إلى قوله تعالى {سنة الله} الآية 62

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الأحزاب

الدَّرس: الثَّالث عشر

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا * إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا * سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا[الأحزاب:56-62]

– الشيخ : أحسنتَ، لا إلهَ إلا الله، يُخبِرُ -تعالى- عن كرامةٍ من اللهِ لنبيِّه، فضَّلَه بها ونوَّه بها، وذلك أنَّه –تعالى هوَ سبحانه- يُصلِّي على النبيِّ والملائكةُ يُصلُّون، والمؤمنون أمرَهم اللهُ بأن يُصلُّوا عليه، وقد تقدَّمَ أنَّ الله يُصلَّي على المؤمنين والملائكة: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [الأحزاب:43] ولكن لا ريبَ أنَّ ما يختصُّ بالنبيِّ أمرٌ فوقَ المعنى العام، وفوقَ الصلاة العامةِ لسائرِ المؤمنين، فحظُّ كلُّ عبدٍ من صلاة اللهِ بحسبِ منزلته، وحسب فضلِه وإيمانه ودينِه، وإذا كان نبيُّنا -صلى الله عليه وسلّمَ- هو أفضلُ الناس، أكملَ الناس عبوديةً لله، أكملَهم إيمانًا وأقومَهم بأمرِ ربِّه؛ فحظُّه من صلاةِ الله فوقَ كلِّ الحظوظِ.

قالَ العلماء: صلاةُ الله: هي الثناءُ من اللهِ على العبدِ -على عبدِه- والصلاةُ من الملائكةِ: كذلك الدعاءُ له، الدعاءَ للمؤمنين، الدعاء للنبيِّ، والصلاةُ من المؤمنين: هي دعاءُهم اللهَ أن يُصلِّي عليه، لأنَّ الرسولَ علَّمَنا كيف نُصلِّي فقالَ: (قولُوا: اللهمَّ صلِّ على محمدٍ)، فصلاةُ المؤمنينَ على النبيِّ هو الدعاءُ له بأنْ يُصلِّي اللهُ عليه، اللهمَّ صلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمد.

وفي مُقابلِ ذلك توعَّدَ اللهُ الذين يُؤذُون النبي: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} وفي هذا أبلغُ تحذيرٍ من إيذاءِ النبي، ومن إيذائِه -والعياذُ بالله-: سبُّه وتنقُّصَه، وهذا كفرٌ، وهذا التحذيرُ من الأذى مُناسِبٌ لما تقدَّمَ من قولِه –تعالى-: {إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ} [الأحزاب:53].

ولمَّا ذكرَ وعيدَ من يُؤذي اللهَ ورسولَه ذكرَ كذلك حُكمَ من يُؤذي المؤمنين بغيرِ سببٍ من قِبِلهم {بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا} {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}: يُؤذونهم بالسبِّ، يُؤذونَهم بالقذفِ، يُؤذونَهم في سائر أمورِهم بالعدوانِ على نفوسِهم، بالعدوانِ على أبدانِهم، بالعدوانِ على أموالِهم، هذا كلُّه يدخلُ في الإيذاء، كلُّ هذا يُؤذي الإنسان.

ثم قالَ -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ}: الجلبابُ كِساءٌ يُغطِّي البدن، يُغطِّي البدنَ، والثيابَ الداخلية يُغطي، وأشبهُ ما يُشَبَّهُ به العباءةُ التي اتَّخذَها الناس، هذه تُغطِّي الثيابَ الداخليةَ، فاللهُ -تعالى- يقول: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ}: يعني المرأةَ إذا التحفَت بالجلبابِ أنْ تُدنيه وتُقرِّبَه من طرفَيه، ولا تتركُه مفتوحًا من الأمامِ، يعني: المرأةُ إذا تركَت العباءةَ من قدام -ما شاء الله- من قُدَّام صار يُرى ما هنالِكَ من الثِّياب الرقيقةِ، فإدناءُ الجلبابِ يظهرُ أنَّه يكون بالالتفافِ به وإدناءِ الطرفين من قُدَّام بحيث يَسترُها، من الخلفِ، ومن الأمامِ {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}.

ثم هدَّدَ اللهُ الـمُنافقين والذين في قلوبِهم مرضٌ والـمُرجفين في المدينة: {لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} فهذا وعيدٌ من اللهِ لهؤلاءِ باللعنِ، لُعنوا، ملعونِين {أَيْنَمَا ثُقِفُوا} أينما وُجِدوا، {أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا}.

سُنَّةَ اللَّهِ، هذهِ سُنَّةُ الله الماضيةُ في أعدائِه من الكفار والمنافقين، {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا}.

 

(تفسير السعدي)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالَمِين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، قالَ الشيخُ عبدُ الرحمن السعدي -رحمَه الله تعالى- في تفسيرِ قولِ الله تعالى:

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} الآية:

وَهَذَا فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى كَمَالِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَرِفْعَةِ دَرَجَتِهِ، وَعُلُوِّ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ خَلْقِهِ، وَرَفْعِ ذِكْرِهِ.

وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ، أَيْ: يُثْنِي اللَّهُ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمَلَائِكَةِ، وَفِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى، لِمَحَبَّتِهِ تَعَالَى لَهُ، وَيُثْنِي عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ، وَيَدْعُونَ لَهُ وَيَتَضَرَّعُونَ.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} اقْتِدَاءً بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ، وَجَزَاءً لَهُ عَلَى بَعْضِ حُقُوقِهِ عَلَيْكُمْ، وَتَكْمِيلًا لِإِيمَانِكُمْ، وَتَعْظِيمًا لَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَحَبَّةً وَإِكْرَامًا، وَزِيَادَةً فِي حَسَنَاتِكُمْ، وَتَكْفِيرًا مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَأَفْضَلُ هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، مَا عَلَّمَ بِهِ أَصْحَابَهُ: (اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ). وَهَذَا الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ مَشْرُوعٌ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، وَأَوْجَبَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي الصَّلَاةِ. قال الله –تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ}

– الشيخ : وعندَ ذِكْرِهِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ، صلَّى الله عليه وسلّمَ.

– القارئ : قالَ الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} الآيات:

لمَّا أَمَرَ تَعَالَى بِتَعْظِيمِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ، نَهَى عَنْ أَذِيَّتِهِ، وَتَوَعَّدَ عَلَيْهَا فَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} وَهَذَا يَشْمَلُ كُلَّ أَذِيَّةٍ قَوْلِيَّةٍ أَوْ فِعْلِيَّةٍ، مِنْ سَبٍّ وَشَتْمٍ، أَوْ تَنَقُّصٍ لَهُ أَوْ لِدِينِهِ، أَوْ مَا يَعُودُ إِلَيْهِ بِالْأَذَى.

{لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا} أَيْ: أَبْعَدَهُمْ وَطَرَدَهُمْ، وَمِنْ لَعْنِهِمْ فِي الدُّنْيَا أَنَّهُ يُحَتِّمُ قَتْلَ مَنْ شَتَمَ الرَّسُولَ، وَآذَاهُ.

وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا جَزَاءً لَهُ عَلَى أَذَاهُ، أَنْ يُؤْذَى بِالْعَذَابِ الْأَلِيمِ، فَأَذِيَّةُ الرَّسُولِ لَيْسَتْ كَأَذِيَّةِ غَيْرِهِ، لِأَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا يُؤْمِنُ الْعَبْدُ بِاللَّهِ، حَتَّى يُؤْمِنَ بِرَسُولِهِ، وَلَهُ مِنَ التَّعْظِيمِ، الَّذِي هُوَ مِنْ لَوَازِمِ الْإِيمَانِ، مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ، أَنْ لَا يَكُونَ مِثْلَ غَيْرِهِ.

وَإِنْ كَانَت أَذِيَّةُ الْمُؤْمِنِينَ عَظِيمَةً، وَإِثْمُهَا عَظِيمًا، وَلِهَذَا قَالَ فِيهَا: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا} أَيْ: بِغَيْرِ جِنَايَةٍ مِنْهُمْ مُوجِبَةٍ لِلْأَذَى، فَقَدِ احْتَمَلُوا عَلَى ظُهُورِهِمْ بُهْتَانًا حَيْثُ آذَوْهُمْ بِغَيْرِ سَبَبٍ، {وَإِثْمًا مُبِينًا}: حَيْثُ تَعَدَّوْا عَلَيْهِمْ، وَانْتَهَكُوا حُرْمَةَ أَمْرِ اللَّهِ بِاحْتِرَامِهَا.

وَلِهَذَا كَانَ سَبُّ آحَادِ الْمُؤْمِنِينَ مُوجِبًا لِلتَّعْزِيرِ، بِحَسَبِ حَالَتِهِ وَعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ، فَتَعْزِيرُ مَنْ سَبَّ الصَّحَابَةِ أَبْلَغُ، وَتَعْزِيرُ مَنْ سَبَّ الْعُلَمَاءَ، وَأَهْلَ الدِّينِ أَعْظَمُ مَنْ غَيْرِهِمْ.

قالَ اللهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ} الآيات:

هَذِهِ الْآيَةُ، هِيَ الَّتِي تُسَمَّى آيَةَ الْحِجَابِ، فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ، أَنْ يَأْمُرَ النِّسَاءَ عُمُومًا، وَيَبْدَأَ بِزَوْجَاتِهِ وَبَنَاتِهِ، لِأَنَّهُنَّ آكَدُ مِنْ غَيْرِهِنَّ، وَلِأَنَّ الْآمِرَ لِغَيْرِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ بِأَهْلِهِ، قَبْلَ غَيْرِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} أَنْ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ وَهُنَّ اللَّاتِي يَكُنَّ فَوْقَ الثِّيَابِ مِنْ

– الشيخ : وهُنَّ اللَّاتي، الجلابيب يعني، هيَ التي أوضحُ، "الجلابيبُ" هي التي.

– القارئ : وَهُنَّ اللَّاتِي يَكُنَّ فَوْقَ الثِّيَابِ مِنْ مِلْحَفَةٍ وَخِمَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَحْوِهِ، أَيْ: يُغَطِّينَ بِهَا وُجُوهَهُنَّ وَصُدُورَهُنَّ، ثُمَّ ذَكَرَ حِكْمَةَ ذَلِكَ، فَقَالَ: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ}: دَلَّ عَلَى وُجُودِ أَذِيَّةٍ، إِنْ لَمْ يَحْتَجِبْنَ، وَذَلِكَ، لِأَنَّهُنَّ إِذَا لَمْ يَحْتَجِبْنَ، رُبَّمَا ظُنَّ أَنَّهُنَّ غَيْرُ عَفِيفَاتٍ، فَيَتَعَرَّضُ لَهُنَّ مَنْ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ فَيُؤْذِيهُنَّ، وَرُبَّمَا اسْتُهِينَ بِهِنَّ، وَظُنَّ أَنَّهُنَّ إِمَاءٌ، فَتَهَاوَنَ بِهِنَّ مَنْ يُرِيدُ الشَّرَّ. فَالِاحْتِجَابُ حَاسِمٌ لِمَطَامِعِ الطَّامِعِينَ فِيهِنَّ.

{وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}: حَيْثُ غَفَرَ لَكُمْ مَا سَلَفَ، وَرَحِمَكُمْ بِأَنْ بَيَّنَ لَكُمُ الْأَحْكَامَ، وَأَوْضَحَ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ، فَهَذَا سَدٌّ لِلْبَابِ مِنْ جِهَتِهِنَّ.

وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ أَهْلِ الشَّرِّ فَقَدْ تَوَعَّدَهُمْ بِقَوْلِهِ: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} أَيُّ: مَرَضُ شَكٍّ أَوْ شَهْوَةٍ، {وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ} أَيِ: الْمُخوِّفُونَ الْمُرَهِّبُونَ الْأَعْدَاءَ

– الشيخ : لا، الـمُرهِّبُون من الأعداء، مِنْ، لابدَّ منها، يُرهِّب من: يُخوِّفُ من كذا، أما اللي يُرهِّبُون الأعداء هذا طيبٌ، و{الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ} [الأنفال:60]

– القارئ : المُرَهِّبُون من الأعداءِ، الْمُتَحَدِّثُونَ بِكَثْرَتِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ، وَضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَعْمُولَ الَّذِي يَنْتَهُونَ عَنْهُ، لِيَعُمَّ ذَلِكَ كُلَّ مَا تُوحِي بِهِ أَنْفُسُهُمْ إِلَيْهِمْ، وَتُوَسْوِسُ بِهِ، وَتَدْعُو إِلَيْهِ مِنَ الشَّرِّ مِنَ التَّعْرِيضِ بِسَبِّ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، وَالْإِرْجَافِ بِالْمُسْلِمِينَ، وَتَوْهِينِ قُوَاهُمْ، وَالتَّعَرُّضِ لِلْمُؤْمِنَاتِ بِالسُّوءِ وَالْفَاحِشَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَاصِي الصَّادِرَةِ مِنْ أَمْثَالِ هَؤُلَاءِ.

{لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} أَيْ: نَأْمُرُكَ بِعُقُوبَتِهِمْ وَقِتَالِهِمْ، وَنُسَلِّطُكَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ إِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ، لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِكَ، وَلَيْسَ لَهُمْ قُوَّةٌ وَلَا امْتِنَاعٌ، وَلِهَذَا قَالَ: {ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلا} أَيْ: لَا يُجَاوِرُونَكَ فِي الْمَدِينَةِ إِلَّا قَلِيلًا بِأَنْ تَقْتُلَهُمْ أَوْ تَنْفِيَهُمْ.

وَهَذَا فِيهِ دَلِيلٌ لِنَفْيِ أَهْلِ الشَّرِّ، الَّذِينَ يُتَضَرَّرُ بِإِقَامَتِهِمْ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْسَمُ لِلشَّرِّ، وَأَبْعَدُ مِنْهُ، وَيَكُونُونَ مَلْعُونِينَ {أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا} أَيْ: مُبْعَدِينَ، حَيْثُ وُجِدُوا، لَا يَحْصُلُ لَهُمْ أَمْنٌ، وَلَا يَقَرُّ لَهُمْ قَرَارٌ، يَخْشَوْنَ أَنْ يُقْتَلُوا، أَوْ يُحْبَسُوا، أَوْ يُعَاقَبُوا.

{سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ}: أَنَّ مَنْ تَمَادَى فِي الْعِصْيَانِ، وَتَجَرَّأَ عَلَى الْأَذَى، وَلَمْ يَنْتَهِ مِنْهُ، فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ عُقُوبَةً بَلِيغَةً.

{وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا} أَيْ: تَغْيِيرًا، بَلْ سُنَّتُهُ تَعَالَى وَعَادَتُهُ، جَارِيَةٌ مَعَ الْأَسْبَابِ الْمُقْتَضِيَةِ لِأَسْبَابِهَا.

{يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ}

– الشيخ : نعم. بعدك.