الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة سبأ/(2) من قوله تعالى {وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم} الآية 7 إلى قوله تعالى {أفلم يروا إلى ما بين أيديهم} الآية 9

(2) من قوله تعالى {وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم} الآية 7 إلى قوله تعالى {أفلم يروا إلى ما بين أيديهم} الآية 9

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة سبأ

الدَّرس: الثَّاني

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ (7) أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ (8) أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ [سبأ:7-9]

– الشيخ : إلى هنا، قصَّةٌ طويلةٌ، لا إله إلَّا الله، الحمدُ لله، يخبرُ تعالى أيضاً عن قولٍ من أقوال الكفرة، قالَ في الأوَّل: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي} [سبأ:3] وقالَ هنا: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} نفس الجاحدين للساعةِ هم الَّذين يقولون لبعضهم: {هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ} يعني: أسلوبُ تعجُّبٍ وسخريةٍ {نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ} يخبرُكم أنَّكم {إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ} يعني: متُّم وصرْتم تراباً وتمزَّقَتْ أبدانُكم كلَّ ممزقٍ وتلاشيْتُم {هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} يعني هذا شيءٌ! كيفَ يمكنُه هذا؟ أسلوبُ سخريةٍ واستبعادٍ وتعجُّبٍ، نسألُ اللهَ العافيةَ.

بل الَّذين كفروا، بل الَّذين لا يؤمنون يقولون: {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} يعني: هو متردِّدٌ إمَّا أن يكون افترى على اللهِ كذباً أو به جنونٌ {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَمْ بِهِ جِنَّةٌ} قالَ اللهُ: هذا كلامٌ ليسَ من قولِ الكفرةِ: {بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ} يعني: مصيرُهم إلى ذلكَ وهم في ضلالٍ بعيدٍ، {بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ}

ثمَّ قالَ تعالى: {أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} وفي هذا تهديدٌ، تهديدٌ لهم بأنْ يعاقبَهم، فاللهُ قادرٌ على أن يخسفَ بهم الأرضَ أو يسقطَ عليهم كسفاً من السماء، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} فاللهُ تعالى على كلِّ شيءٍ قديرٌ، وهو قادرٌ على أن ينتقمَ من هؤلاء الكفرةِ الجاحدين.

 

(تفسيرُ السَّعديِّ)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى:

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} الآياتَ:

أي: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} على وجهِ التَّكذيبِ والاستهزاءِ والاستبعادِ، وذكرَ وجهَ الاستبعادِ.

أي: قالَ بعضُهم لبعضٍ: {هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} يعنونَ بذلكَ الرَّجلِ، رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، وأنَّهُ رجلٌ أتى بما يُستغرَبُ منهُ، حتَّى صارَ -بزعمِهم- فرجةً يتفرَّجونَ عليهِ، وأعجوبةً يسخرونَ منهُ، وأنَّهُ كيفَ يقولُ: {إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ} بعدَما مزَّقكم البِلى وتفرَّقَتْ أوصالُكم، واضمحلَّتْ أعضاؤُكم؟! فهذا الرَّجلُ الَّذي يأتي بذلكَ، هل {أَفْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} فتجرَّأَ عليهِ وقالَ ما قالَ، {أَمْ بِهِ جِنَّةٌ}؟ فلا يُستغرَبُ منهُ، فإنَّ الجنونَ فنونٌ، وكلُّ هذا منهم، على وجهِ العنادِ والظُّلمِ، ولقد علمُوا، أنَّهُ أصدقُ خلقِ اللهِ وأعقلُهم، ومِن علمِهم، أنَّهم أبدَوا وأعادُوا في معاداتِهم، وبذلُوا أنفسَهم وأموالَهم، في صدِّ النَّاسِ عنهُ، فلو كانَ كاذباً مجنوناً لم ينبغْ لكم -يا أهلَ العقولِ غيرِ الزّاكيةِ- أنْ تُصغوا لما قالَ، ولا تحتفلُوا بدعوتِهِ، فإنَّ المجنونَ، لا ينبغي للعاقلِ أن يلفتَ إليهِ نظرَهُ، أو يبلغَ قولُهُ منهُ كلَّ مبلغٍ.

ولولا عنادُكم وظلمُكم، لبادرْتُم لإجابتِهِ، ولبيْتُم دعوتَهُ، ولكنْ {مَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} ولهذا قالَ تعالى: {بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ} ومنهم الَّذينَ قالُوا تلكَ المقالةِ {فِي الْعَذَابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ} أي: في الشَّقاءِ العظيمِ، والضَّلالِ البعيدِ، الَّذي ليسَ بقريبٍ مِن الصَّوابِ، وأيُّ شقاءٍ وضلالٍ، أبلغُ مِن إنكارِهم لقدرةِ اللهِ على البعثِ وتكذيبِهم لرسولِهم الَّذي جاءَ بهِ، واستهزائِهم بهِ، وجزمِهم بأنَّ ما جاؤُوا بهِ هوَ الحقُّ، فرأَوا الحقَّ باطلاً والباطلَ والضَّلالَ حقَّاً وهدىً.

ثمَّ نبَّهَهم على الدَّليلِ العقليِّ، الدَّالِّ على عدمِ استبعادِ البعثِ، الَّذي استبعدُوهُ، وأنَّهم لو نظرُوا إلى ما بينَ أيديهم وما خلفَهم، مِن السَّماءِ والأرضِ فرأَوا مِن قدرةِ اللهِ فيهما، ما يبهرُ العقولَ، ومِن عظمتِهِ ما يذهلُ العلماءَ الفحولَ، وأنَّ خلقَهما وعظمتَهما وما فيهما مِن المخلوقاتِ، أعظمُ مِن إعادةِ النَّاسِ -بعدَ موتِهم- مِن قبورِهم، فما الحاملُ لهم، على ذلكَ التَّكذيبِ معَ التَّصديقِ، بما هوَ أكبرُ منهُ؟ نعم ذاكَ خبرٌ

– الشيخ : لا إله إلَّا الله، وهذا على ما ذكرَهُ الشيخُ، هذا فيه التنبيهُ على أنَّ من أدلَّة البعثِ خلقُ السموات والأرضِ، فالقادرُ على الخلق العظيم هو على خلقِ ما دونه أقدر، لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس، {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} [يس:81] ومن هذا القبيلِ هنا: {أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ … مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ…} إلى آخره.

 

– القارئ : نعم ذاكَ خبرٌ غيبيٌّ إلى الآنَ، ما شاهدُوهُ، فلذلكَ كذَّبُوا بهِ.

قالَ اللهُ: {إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ} أي: مِن العذابِ، لأنَّ الأرضَ والسَّماءَ تحتَ تدبيرِنا، فإنْ أمرَهما لم يستعصيا، فاحذرُوا إصرارَكم على تكذيبِكم، فنعاقبَكم أشدَّ العقوبةِ. {إِنَّ فِي ذَلِكَ} أي: خلقِ السَّمواتِ والأرضِ، وما فيهما مِن المخلوقاتِ {لآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ}

فكلَّما كانَ العبدُ أعظمَ إنابةً إلى اللهِ، كانَ انتفاعُهُ بالآياتِ أعظمَ، لأنَّ المنيبَ مقبلٌ إلى ربِّهِ، قد توجَّهَتْ إراداتُهُ وهمَّاتُهُ لربِّهِ، ورجعَ إليهِ في كلِّ أمرٍ مِن أمورِهِ، فصارَ قريباً مِن ربِّهِ، ليسَ لهُ همٌّ إلَّا الاشتغالُ بمرضاتِهِ، فيكونُ نظرُهُ للمخلوقاتِ نظرَ فكرةٍ وعبرةٍ، لا نظرَ غفلةٍ غيرِ نافعةٍ.

قالَ اللهُ تعالى

– الشيخ : إلى هنا بس [يكفي]، انتهَت الآيةُ.