الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة سبأ/(5) من قوله تعالى {ولقد صدق عليهم إبليس} الآية 20 إلى قوله تعالى {ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له} الآية 23
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(5) من قوله تعالى {ولقد صدق عليهم إبليس} الآية 20 إلى قوله تعالى {ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له} الآية 23

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة سبأ

الدَّرس: الخامس

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ:

وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ * قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [سبأ:20-23]

– الشيخ : إلى هنا بس، لا إله إلا الله. يقولُ تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ}، صدَّق إبليسُ ظنَّه على الناسِ، يعني أكثرَ الناسِ إلّا من هداهُ اللهُ وعصمَهُ صدَّقَ ظنَّه الذي كان يُهدّدُ بني آدمَ كما في قوله: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر:39]، {ثمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف:17]، قد صدَّقَ عليهم ظنَّه بهم فاتبّعه أكثرُ الناسِ. قال اللهُ: {إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}: وهم المُخلَصون، هم عبادُ اللهِ المُخلَصون، {إلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}، {إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ*وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ}: ما كان لإبليسَ الشيطان ما كان له سلطانٌ على أولئكَ الذين اتبعوه، ما كانَ له عليهم من حُجّة، {وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ}، فهذا ابتلاءٌ، ابتلى اللهُ العبادَ بما شاءَ من أنواعِ الابتلاءاتِ ليميزَ اللهُ من يؤمنُ ومن يكفرُ، من يؤمنُ بالآخرةِ ممّن لا يؤمنُ، {مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ}: حافظٌ لأعمالِ العبادِ وعالمٌ بأحوالِهم.

ثم قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ}: قل يا أيَّها النبيُّ للمشركين ادعوا الذين زعمتمْ من دونِ اللهِ، ادعوهم. وهذا أمرُ توبيخٍ، هذا توبيخٌ لهم {ادعوهم} فإنّهم لا ينفعونَكم ولا يجيبونَكم ولا يشفعونَ لكم كما تزعمون، {ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ}، ولا جزءَ من ذرّةٍ، {وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ}، فاللهُ تعالى هو مالكُ السمواتِ والأرضِ ومن فيهنَّ، ولا شريكَ له، ولا أحدَ يملكُ ذرّةً ولا بعضَ ذرَّةٍ، {فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ}، فلا شريكَ ولا ظهيرَ، ظهيرٌ: معينٌ، ليس له معينٌ من أحدٍ من خلِقه؛ لأنَّه غنيٌّ بذاتِه عن كلِّ ما سواهُ، فهو الغنيُّ الذي لا يفتقرُ إلى من يُعينُه على أمرٍ من أمرِ هذا الكون.

{وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ*وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ}: حتى الشفاعةُ التي يمكن أن تكونَ من المخلوقِ، هذه لا تكونُ إلا بإذنِه، فعادَ الأمرُ كلُّه له، فله الخلقُ والأمرُ والملكُ والتدبيرُ.

{وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} والآيات في هذا كثيرةٌ، {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ}، {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم:26]، {وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء:28]؛ الملائكة.

{حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ}: الملائكةُ إذا اللهُ تكلَّمَ بالوحي وسمعوا من السمواتِ وجبةً صَعِقوا وخرُّوا للهِ سجدًا، فيكونُ أوّلُ من يرفعُ رأسَه جبريلُ، فيكلِّمُه اللهُ بما أرادَ، فيأتي جبريلُ فيقولُ له الملائكةُ: ماذا قال ربُّنا يا جبريل؟ فيقولُ: {الحقَّ وهو العليُّ الكبيرُ}. فمعنى: {فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ}: زالَ عنها الفزعُ والصعقُ وأفاقوا، والملائكةُ مع قوّتِهم وقدرتِهم هم يصعقونَ لسماعِ كلامِ اللهِ، وهذا ممّا يُبطلُ عبادتَهم من دون اللهِ، وهم مخلوقونَ مربوبونَ عبادٌ مُكرمونَ، تعرضُ لهم مثل هذه العوارضِ، ولو كانوا آلهةً كما يزعمُ ويظنُّ المشركونَ ما صَعِقوا ولا حصلَ لهم الغشي يجعلهم لا يشعرونَ بما. حتى إذا أفاقوا {قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}.

 

(تفسيرُ السعدي) 

– القارئ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم، الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين. قال الشيخُ عبدُ الرحمنِ السعدي رحمهُ اللهُ تعالى:

ثمَّ ذكرَ أنَّ قومَ سبأ من الذين صدَّقَ عليهم إبليسُ ظنَّه حيثُ قال لربّه: {فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ*إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص:82-83]، وهذا ظنٌّ من إبليسَ لا يقين؛ لأنَّه لا يعلمُ الغيبَ، ولم يأتِه خبرٌ من اللّهِ أنَّه سيُغويهم أجمعين إلا من استثنى، فهؤلاءِ وأمثالُهم ممّن صدَّقَ عليهم إبليسُ ظنَّه، ودعاهُم وأغواهُم، {فَاتَّبَعُوهُ إِلا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}، ممن لم يكفرْ بنعمةِ اللّهِ، فإنَّه لم يدخلْ تحتَ ظنِّ إبليسَ.

ويُحتملُ أنَّ قصةَ سبأ انتهتْ عندَ قولِه: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}، ثمَّ ابتدأَ فقال: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ} أي: على جنسِ الناسِ، فتكونُ الآيةُ عامةٌ في كلِّ من اتّبعه.

ثم قال تعالى: {وَمَا كَانَ لَهُ} أي: لإبليسَ، {عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ} أي: تسلطٌ وقهرٌ وقسرٌ على ما يريدُه منهم، ولكن حكمةُ اللّهِ

– الشيخ : لا إله إلا الله، {وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ}، لا سلطانَ قوةٍ ولا سلطانَ حجةٍ.

– القارئ : ولكن حكمةُ اللّهِ تعالى اقتضتْ تسليطَه وتسويلَه لبني آدمَ، {لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ} أي: ليقومَ سوقُ الامتحانِ، ويعلمَ به الصادقَ من الكاذبِ، ويُعرفَ من كان إيمانُه صحيحًا يثبتُ عند الامتحانِ والاختبارِ، وإلقاءُ الشُّبَهِ الشيطانية ممن إيمانُه غيرُ ثابتٍ يتزلزلُ بأدنى شبهةٍ، ويزولُ بأقلَّ داعٍ يدعوه إلى ضدِّهِ، فاللّهُ تعالى جعلَه امتحانًا يمتحنُ به عبادَه، ويُظهرُ الخبيثَ من الطيبِ.

{وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ}: يحفظُ العبادَ، ويحفظُ عليهم أعمالَهم، ويحفظُ -تعالى- جزاءَها، فيُوفِّيهم إيّاها كاملةً موفرةً.

قال اللهُ تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} الآيات.

أي: {قُلْ} يا أيّها الرسولُ للمشركينَ باللّهِ غيرَه من المخلوقاتِ التي لا تنفعُ ولا تضرُّ مُلزمًا لهم بعجزِها، ومبينًا لهم بطلانَ عبادتِها: {ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} أي: زعمتموهم شركاءَ للّهِ، إن كان دعاؤكم ينفعُ، فإنّهم قد توفرتْ فيهم أسبابُ العجزِ، وعدمُ إجابةِ الدعاءِ من كلِّ وجهٍ، فإنّهم ليس لهم أدنى ملكٍ، {لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ}، على وجهِ الاستقلالِ، ولا على وجهِ الاشتراكِ، ولهذا قال: {وَمَا لَهُمْ} أي: لتلكَ الآلهةِ الذين زعمتُم، {فِيهِمَا} أي: في السماواتِ والأرضِ، {مِنْ شِرْكٍ} أي: لا شرك قليل ولا كثير، فليس لهم ملكٌ، ولا شركةُ ملكٍ. بقيَ أن يُقالَ: ومع ذلك فقد يكونون أعوانًا للمالكِ ووزراءَ له؛ فدعاؤُهم يكونُ نافعًا؛ لأنّهم بسببِ حاجةِ المَلِكِ إليهم يقضونَ حوائجَ من تعلَّقَ بهم، فنفى تعالى هذه المرتبةَ فقال: {وَمَا لَهُ} أي: للّهِ -تعالى الواحدِ القهارِ-، {مِنْهُمْ} أي: من هؤلاءِ المعبودينَ، {مِنْ ظَهِيرٍ} أي: معاونٍ ووزيرٍ يساعدُه على الملكِ والتدبيرِ. فلم يبقَ إلا الشفاعةَ، فنفاها بقولِه: {وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ}.

فهذه أنواعُ التعلّقاتِ، التي يتعلَّقُ بها المشركونَ بأندادِهم وأوثانِهم من البشرِ والشجرِ وغيرِهم، قطعَها اللّهُ وبيَّنَ بُطلانَها، تبيينًا حاسمًا لموادِ الشركِ، قاطعًا لأصولِه؛ لأنَّ المشركَ إنّما يدعو ويعبدُ غيرَ اللّهِ، لما يرجو منه من النفعِ، فهذا الرجاءُ هو الذي أوجبَ له الشركَ، فإذا كان ما يدعوه غيرَ اللّهِ، لا مالكًا للنفعِ والضرِّ، ولا شريكًا للمالكِ، ولا عونًا وظهيرًا للمالكِ، ولا يقدرُ أن يشفعَ بدونِ إذنِ المالكِ، كان هذا الدعاءُ وهذه العبادةُ ضلالًا في العقلِ، باطلةً في الشرعِ؛ بل ينعكسُ على المشركِ مطلوبُه ومقصودُه، فإنَّه يريدُ منها النفعَ فبيَّنَ اللّهُ بطلانَه وعدمَه، وبيَّن في آياتٍ أُخرَ ضررًها على عابديها وأنَّه يوم القيامةِ يكفرُ بعضُكم ببعضٍ، ويلعنُ بعضُكم بعضًا، ومأواكُم النارُ، {وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف:6]. والعجبُ أنَّ المشركَ استكبرَ عن الانقيادِ للرسلِ، بزعمِه أنَّهم بشرٌ، ورضي أن يُعْبَدَ

– الشيخ : يَعْبُدَ، لا إله إلا الله، نسألُ اللهَ العافيةَ. انتكاسٌ في العقولِ وفسادٌ في العقولِ، يقولونَ للرسلِ: {إن أنتم إلّا بشرٌ مثلُنا} [إبراهيم:10].

 

 – القارئ : ورضيَ أن يَعْبُدَ ويدعو الشجرَ والحجرَ، استكبرَ عن الإخلاصِ للملكِ الرحمنِ الديَّانِ، ورضيَ بعبادةِ من ضرُّهُ أقربُ من نفعِه، طاعةً لأعدى عدوٍّ له وهو الشيطانُ.

وقولُه: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}: يُحتمَلُ أنَّ الضميرَ في هذا الموضعِ يعودُ إلى المشركينَ؛ لأنَّهم مذكورونَ في اللفظِ، والقاعدةُ في الضمائرِ أن تعودَ إلى أقربِ مذكورٍ، ويكونُ المعنى: إذا كانَ يومُ القيامةِ، وفُزّعَ عن قلوبِ المشركينَ، أي: زالَ الفزعُ، وسُئلوا حينَ رجعتْ إليهم عقولُهم عن حالِهم في الدنيا، وتكذيبِهم للحقِّ الذي جاءتْ به الرسلُ؛ أنَّهم يُقرّونَ أنَّ ما هم عليه من الكفرِ والشركِ باطلٌ، وأنَّ ما قال اللّهُ وأخبرتْ به عنه رُسلُه هو الحقُّ، فبدا لهم ما كانوا يُخفونَ من قبل وعلموا أنَّ الحقَّ للّهِ، واعترفوا بذنوبِهم. {وَهُوَ الْعَلِيُّ}: بذاتِه، فوقَ جميعِ مخلوقاتِه وقهرِه لهم، وعلوّ قدرِه، بما له من الصفاتِ العظيمةِ، جليلةِ المقدارِ. {الْكَبِيرُ}: في ذاتِه وصفاتِه. ومن علوّه، أنَّ حكمَه تعالى يعلو وتُذعِنَ له النفوسُ؛ حتى نفوس المتكبرينَ والمشركينَ، وهذا المعنى أظهرُ، وهو الذي يدلًّ عليه السياقُ. ويُحتمَلُ أنَّ الضميرَ يعودُ على الملائكةِ.

– الشيخ : هذا الذي يدلُّ عليه الحديثُ، القولُ الثاني، أنّهم الملائكةُ.

– القارئ : وذلك أنَّ اللّهَ تعالى إذا تكلمَ بالوحي، سمعتْهُ الملائكةُ فَصعِقوا، وخرُّوا للّهِ سُجَّدًا، فيكونُ أوّلُ من يرفعُ رأسَه جبريل، فيُكلّمُه اللّهُ من وحيهِ بما أرادَ. وإذا زالَ الصعقُ عن قلوبِ الملائكةِ، وزالَ الفزعُ، فيسألُ بعضُهم بعضًا عن ذلك الكلامِ الذي صعقوا منه: ماذا قال ربُّكم؟ فيقولُ بعضُهم لبعضٍ: قال الحقّ، إمَّا إجمالًا لِعلمِهم أنَّه لا يقولُ إلَّا حقًا، وإمَّا أن يقولوا: قال كذا وكذا، للكلامِ الذي سمعوهُ منه، وذلك من الحقّ. فيكون المعنى على هذا: أنَّ المشركينَ الذين عَبَدوا مع اللّهِ تلكَ الآلهةَ التي وصفنا لكم عجزَها ونقصَها وعدمَ نفعِها بوجهٍ من الوجوهِ، كيف صدفوا وصرفوا عن إخلاصِ العبادةِ للربِّ العظيمِ العليِّ الكبيرِ، الذي -من عظمتِه وجلالِه- أنَّ الملائكةَ الكرامَ والمقربينَ من الخلقِ

– الشيخ : من الخالقِ. يعني يُحتملُ المقربينَ يعني الأولياء، يمكن.

– القارئ : والمقربينَ من الخالقِ.

– الشيخ : خلّه من الخلقِ. من الملائكةِ والمقربينَ من بني آدمَ؛ كالأولياءِ، كالأنبياءِ.

– القارئ : والمقربينَ من الخلقِ، يبلغُ بهم الخضوعُ والصعقُ عند سماعِ كلامِه هذا المبلغ، ويُقرّونَ كلُّهم للّهِ أنَّه لا يقولُ إلّا الحق. فما بالُ هؤلاءِ المشركينَ استكبروا عن عبادةِ من هذا شأنُه وعظمةُ ملكِه وسلطانِه، فتعالى العليُّ الكبيرُ عن شركِ المشركينَ وإفكِهم وكذبِهم. انتهى.