الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة سبأ/(8) من قوله تعالى {وما أرسلنا في قرية من نذير} الآية 34 إلى قوله تعالى {قل إن ربي يبسط الرزق} الآية 39

(8) من قوله تعالى {وما أرسلنا في قرية من نذير} الآية 34 إلى قوله تعالى {قل إن ربي يبسط الرزق} الآية 39

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة سبأ

الدَّرس: الثَّامن

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ * وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ * قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [سبأ:34-39]

– الشيخ : إلى هنا بارك الله بك. لا إله إلا الله. يُخبِرُ -تعالى- عن الأممِ وأهلِ القرى الذين أرسلَ الله إليهم رسلًا ونذرًا يُنذرُونهم عذابَ الله أنهم جميعاً كلُّهم رَدُّهُم واحدٌ {تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} [البقرة:118] كقولِه: {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الذاريات:53]

{وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ} {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا} كلُّهم {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ} رسولٍ يدعُوهم إلى عبادةِ اللهِ وحدَه لا شريكَ لَه يقولُ: {إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا} الـمُتْرَفُون: الكُبَرَاء الرُّؤَسَاء الـمُسْتَكْبرون. {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ} [الأعراف:75] نسأل الله العافية.

الرِّئَاساتُ والثَّراءُ والقوةُ هِيَ مِنْ أسبابِ الطُّغيانِ ومِن أسبابِ الاستكبارِ على دعوةِ الرُّسلِ، الله أكبر، ولهذا مِن أنواعِ الكُفْرِ: كُفْرُ الإباءِ والاستكبارِ، يَمْنَعُهُم مِن الاستجابةِ: الكِبْرُ.

{إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} هذا دَأْبُ سائرِ الأمُمِ، وهذا حصرٌ -سبحان الله- حَصْرٌ يعني. ما نقول: إلا، لا، كلَّها كلَّها {مَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} خذْ نوح، هود، صالح، لوط، كلُّهم يستكبِرون، شعيب إلى آخرِهم محمَّد -صلى الله عليه وسلم-، سبحان الله! {ِإلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}

أمَّا الـمُسْتَضعَفُون فمنهمْ مَنْ يَتَّبِعُ المستكبرين وهؤلاء يَهلكون ويَشْقُون بِشقائِهم، ومِن المستضعفين مَن يُوفَّق للإيمان ويَتَّبِع، قالَ اللهُ في قصةِ صالح: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ} ليسوا كلُّهم مؤمنين، الـمُسْتَضعَفُون ليسوا كلُّهم مؤمنون { لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ*قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} [الأعراف:75-76] سبحان الله! نسأل الله العافية.

قالوا: {إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} وقالوا أيضًا -شوف- هذا: {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا} صاروا يَفْخَرُونَ بالمالِ والوَلَدِ بحظِّ الدنيا، هذا هو اللي حَمَلَهم على الكِبْر وعلى الكُفر هذا {نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا} ثم يَحكُمُونَ لأنفسِهم {وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} يَفْخَرُونَ بما أُوتُوا، ثم يَحكمون لأنفسِهم، ما دامُوا هكذا أكثرَ أموالًا وأولادًا فهم لا يُعذَّبُون إذاً، فهذا طغيانٌ، هذا طغيانٌ {وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ}

ردًا عليهِم يقولُ -تعالى-: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ} الله -تعالى- يُدَبِّرُ أمرَ العبادِ: يُعطي هذا، ويمنع هذا، يُغْنِي هذا، ويُفْقِر هذا، يَبْسُطُ الرزقَ لبعضِ الخلقِ، ويُضيِّقُ على البعضِ، وهذا راجعٌ إلى علمِه وحكمتِه -سبحانه وتعالى-

إذًا فبسْطُ الرزقِ لا يَدُلُّ على فضلٍ ولا على كرامةٍ، هذا أمرٌ مهمٌ، بَسْطُ الرزقِ، بعضُ الناسِ يكونُ محظوظًا في أمورِ الدنيا: أموال وأولاد هذا لا يَدُلُّ على فضيلةٍ لَه {وَمَا أَمْوَالُكُمْ} كما في الآية الأخرى التي بعدَها. الفضلُ عندَ اللهِ بالإيمانِ والتقوى، هذا مَنَاطُ الفضلِ عندَ الله: الإيمانُ والتقوى، أمَّا المالُ والجاهُ والأولادُ فذلكَ لا يَدلُّ على فضلٍ عند الله، بلْ أكثرُ المحظوظين في الدنيا أكثرُهم أشقياءُ كما في الآية السابقة، سبحان الله!

وقد أبطلَ اللهُ تَوَهُّمَ الإنسانِ مِن الثَّراءِ والحَظِّ الدنيوي أنه كرامة {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ*وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ*كَلَّا} [الفجر:15-17]  ليسَ الأمرُ كما يظنُّ الإنسانُ أنَّ البَسْطَ والعطاءَ والحظَّ أنَّ هذا كرامةٌ عندَ الله أبدًا، ولا التضييقُ دليلٌ على الهَوانِ والبُعدِ من الله، فأبطل اللهُ دعوى هؤلاءِ المغرورين الطُّغاةِ الكافرين {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} لَا يَعْلَمُونَ حكمةَ الله في تدبيرِهِ في عبادِهِ، بل يفهمونَ الأمرَ غلطاً، يفهمونَه على خلافِ ما أرادَ الله، على خلافِ مقتضى حكمةِ اللهِ.

{وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} الأموالَ والأولادَ، تصريحٌ، هذا تصريحٌ بأنَّ الأموالَ والأولادَ لا تُقرِّبُ إلى اللهِ إلا مَنْ آمنَ وعملَ صالحًا، فمنْ آمنَ وعملَ صالحاُ واستعملَ نِعَمَ اللهِ في طاعتِهِ انتفعَ بها وصارتْ سببًا لتقريبِهِ، لكن ليسَ الـمُقرِّبُ لَه هو المالُ لذاتِهِ، بلْ لفعلِ عملِهِ الصالح، لعملِهِ الصالحِ فيه -في مالِه-، فمَنْ أحسنَ أخذَ المالِ. أخَذَ المالَ من حِلِّهِ وأنفقَه في مَحلِّهِ صار خيرًا لَه (ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ يَصُومُونَ، ويُصَلُّونَ، ثمَّ يَتَصَدَّقُونَ أيضًا) الله أكبر. هذه آيات

– طالب: {وَمَا أَرْسَلْنَا} إعراب {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ}

– الشيخ : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ} مِنْ هذه يقولون: زائدةٌ للتأكيدِ، وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رسولاً أو نذيرًا مِن نذيرٍ مِن نذيرٍ نذيرٍ هذا في موضعِ المفعولِ به. {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ} نذيرًا

– طالب: "ما" اسم موصول "ما"؟

– الشيخ : لا يا أخي، نافية، ولهذا جاءَ بعدها الاستثناءُ {مَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا} جاءَ بعدَها إلا.

{إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ} يعني: الجزاءُ المضاعَفُ، أجرٌ مُضاعَفُ: الحسنةُ بعشرِ أمثالِها إلى سبعمائةِ ضِعفٍ إلى ما شاء الله.

{فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ} الذين آمنوا وعمِلوا الصالحاتِ يكونونَ في الْغُرُفَاتِ -غُرُفَاتِ الجنةِ- {آمِنُونَ} {آمِنُونَ} قدْ نَجَّاهُمُ اللهُ مِن العذابِ وهم آمِنُونَ فهم في نعيمٍ لا يَعْرِضُ لَه ما يُنَغِّصُهُ ولا يزولُ بلْ هو دائمٌ باقٍ {آمِنُونَ} آمِنُونَ مِن الخروجِ، وآمِنُونَ مِن انقطاعِ هذا النعيمِ {آمِنُونَ}. 

ثم ذكر وعيدَ الكافرين المعارضينَ لرسلِ اللهِ: {وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ} سبحان الله! قابِلْ، الله -تعالى- يُقابِلُ بينَ الفئتينِ بينَ الفريقينِ: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:7] {أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ}.

ثم عادَ السياقُ إلى ذِكْرِ عاقبةِ الإنفاقِ، وأنَّ عاقبة الإنفاقِ منها ما يُعَجَّلُ، منها ما هو مُعجَّلٌ في الدنيا {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ} هذا في معنى الآية السابقةِ: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}.

 

(تفسيرُ السَّعدي)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين. قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السَّعديّ -رحمَه اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى:

{وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ} الآيات.

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ حَالَةِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ الْمُكَذِّبَةِ لِلرُّسُلِ، أَنَّهَا كَحَالِ هَؤُلَاءِ الْحَاضِرِينَ الْمُكَذِّبِينَ لِرَسُولِهِمْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

– الشيخ : {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات:52] {مَا يُقَالُ لَكَ إِلا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} [فصلت:43]

– القارئ : وَأَنَّ اللَّهَ إِذَا أَرْسَلَ رَسُولًا فِي قَرْيَةٍ مِنَ الْقُرَى، كَفَرَ بِهِ مُتْرَفُوهَا، وَأَبْطَرَتْهُمْ نِعْمَتُهُمْ وَفَخَرُوا بِهَا.

{وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالا وَأَوْلادًا} أَيْ: مِمَّنِ اتَّبَعَ الْحَقَّ {وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} أَيْ: أَوَّلًا لَسْنَا بِمَبْعُوثِينَ، فَإِنْ بُعِثْنَا، فَالَّذِي أَعْطَانَا الْأَمْوَالَ

– الشيخ : يُريدُ الشيخُ أنْ يبينَ أنَّ قولَهم: {وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} مبنيٌّ على جَحْدِ الـمَعَادِ، على كفرِهم بالبعثِ، فإذا كانوا لنْ يُبْعَثوا فَلَنْ يُعَذَّبُوا، حتى أنَّهم يقولونَ: لو فُرِضَ أنه في [هناك] بَعْثٌ نحن لنا الحظُّ كذلك في الآخرةِ {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لَا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النَّارَ وَأَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ} [النحل:62].

 

– القارئ : فَالَّذِي أَعْطَانَا الْأَمْوَالَ وَالْأَوْلَادَ فِي الدُّنْيَا، سَيُعْطِينَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُعَذِّبُنَا.

فَأَجَابَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّ بَسْطَ الرِّزْقِ وَتَضْيِيقَهُ لَيْسَ دَلِيلًا عَلَى مَا زَعَمْتُمْ، فَإِنَّ الرِّزْقَ تَحْتَ مَشِيئَةِ اللَّهِ، إِنْ شَاءَ بَسَطَهُ لِعَبْدِهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَيَّقَهُ.

{وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى} وَتُدْنِي إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يُقَرِّبُ مِنْهُ زُلْفَى: الْإِيمَانُ بِمَا جَاءَ بِهِ الْمُرْسَلُونَ، وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ الَّذِي هُوَ مِنْ لَوَازِمِ الْإِيمَانِ، فَإِنَّ أُولَئِكَ لَهُمُ الْجَزَاءُ عِنْدَ اللَّهِ -تَعَالَى- مُضَاعِفًا الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ، {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} أَيْ: فِي الْمَنَازِلِ الْعَالِيَاتِ الْمُرْتَفَعَاتِ جِدًّا، سَاكِنِينَ فِيهَا مُطْمَئِنِّينَ، آمِنينَ مِنَ الْمُكَدِّرَاتِ وَالْمُنَغِّصَاتِ، لِمَا هُمْ فِيهِ مِنَ اللَّذَّاتِ، وَأَنْوَاعِ الْمُشْتَهَيَاتِ

– الشيخ : نسألُ الله من فضلِه، ونستغفرُ الله، لا إله إلا الله، اللَّهمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ، اللَّهمَّ يَسِّرْ.

– القارئ : وَآمِنُونَ مِنَ الْخُرُوجِ مِنْهَا وَالْحُزْنِ فِيهَا.

{وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ} أي: على وَجْهِ التَّعْجِيزِ لَنَا وَلِرُسُلِنَا وَالتَّكْذِيبِ {أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ}

ثُمَّ أَعَادَ تَعَالَى أَنَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ؛ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} نَفَقَةً وَاجِبَةً، أَوْ مُسْتَحَبَّةً عَلَى قَرِيبٍ، أَوْ جَارٍ، أَوْ مِسْكِينٍ، أَوْ يَتِيمٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ {فَهُوَ} -تَعَالَى- {يُخْلِفُهُ} فَلَا تَتَوَهَّمُوا أَنَّ الْإِنْفَاقَ مِمَّا يَنْقُصُ الرِّزْقَ، بَلْ وَعَدَ بِالْخَلَفِ لِلْمُنْفِقِ، الَّذِي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُقَدِّرُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ فَاطْلُبُوا الرِّزْقَ مِنْهُ، وَاسْعَوْا فِي الْأَسْبَابِ الَّتِي أَمَرَكُمْ بِهَا.

– الشيخ : إلى هنا بس [يكفي].