الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة سبأ/(9) من قوله تعالى {ويوم يحشرهم جميعا} الآية 40 إلى قوله تعالى {كذب الذين من قبلهم} الآية 45
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(9) من قوله تعالى {ويوم يحشرهم جميعا} الآية 40 إلى قوله تعالى {كذب الذين من قبلهم} الآية 45

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة سبأ

الدَّرس: التَّاسع

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ

وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41) فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (42) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (43) وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ [سبأ:40-45]

– الشيخ : إلى هنا، سبحان الله، لا إله إلَّا الله، لا إله إلَّا الله، يقولُ تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ} أي: واذكرْ واذكروا يومَ يحشرُ اللهُ الناسَ، أو يومَ يحشرُ أولئك المشركين، {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا} يجمعُهم، {ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ} هذا دليلٌ على أنَّ هذا عن خبرِ عمَّا سيُفعَلُ بالمشركين، {أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} هؤلاء كانوا يعبدونكم؟! {أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ}

قالَ الملائكةُ: {قَالُوا سُبْحَانَكَ} {أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ} تنزيهاً لكَ، تنزيهاً لك عن الشركاءِ، سبحانَك، {قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ} لا نعبدُ غيرَك، ولا نرضى بعبادتِنا من دونِك، ولا نرضى بعبادتِنا من دونِك، {أَنْتَ وَلِيُّنَا} {قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا}؟

– القارئ : {مِنْ دُونِهِمْ} نعم

– الشيخ : {أَنْتَ وَلِيُّنَا}

– القارئ : {قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ}

– الشيخ : {أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ} {ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ} نعم؟

– القارئ : {بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ}

– الشيخ : بل كانوا يعني ما كانوا يعبدوننا، لأنَّا لا نرضى لعبادتهم، {بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ} والمشركون يعبدون الجنَّ يعبدون الشياطينَ لأنَّهم يطيعونهم، يطيعونهم ويستجيبون لدعوةِ الشيطانِ، كما قالَ سبحانَه وتعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يس:60] وقال: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:100] لا إله إلَّا الله، {ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} أكثرُهم مؤمنون بالجنِّ ولذلكَ يطيعونهم ويستجيبونَ لهم، {أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ}

{فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا} يخبرُ تعالى أنَّه في ذلك اليوم لا يملكُ بعضُهم  -هؤلاء المشركون- لا يملكُ بعضُهم لبعضٍ نفعاً ولا ضرَّاً، {فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا} فالآلهةُ الَّتي يزعمونها وآلهتُهم الَّتي لا تغني عنهم شيئاً، بل يتبرَّأُ، بل يتبرَّأُ المعبودونَ من العابدون، كما تبرَّأَ الملائكةُ في هذه الآيةِ، تبرَّؤُوا منهم، {أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ} {وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} كفروا وأشركوا، {وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} الجاحدون للبعثِ مكذِّبون بالجنَّةِ والنَّار، مكذِّبون بالنارِ الَّتي توعّدَهم اللهُ بها، كانوا يكذّبون بها، ولهذا يُقالُ لهم يومَ القيامة إذا اندُفِعُوا إلى النَار: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} [الطور:13-14] وهذا توبيخٌ لهم، فيه توبيخٌ، وهذا لونٌ من العذابِ، العذابُ النفسيُّ، {ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ}

ثمَّ يخبرُ تعالى عن حالِ المشركين معَ الرسولِ، يعني في الآيات الأولى ذكرَ اللهُ حالَهم معَ اللهِ، حيثُ أشركُوا به ولم يخصُّوه بالعبادةِ بل عبدُوا معَ اللهِ غيرَه، ثمَّ يقولُ تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ} القرآن، {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ} يريدُ أن يصدَّكم ويصرفَكم، يريدُ أن يصرفَكم عن عبادةِ ما كانَ يعبدُ آباؤُكم، {مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ} وقالوا أيضاً: {مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى} وقالوا أيضاً: {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا … إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ}

ثمَّ يخبرُ تعالى أنَّ هؤلاء المخاطَبونَ المشركونَ الجاحدونَ: {وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ} وشواهدُ هذا المعنى كثيرةٌ، {مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ} [السجدة:3] {مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ} [يس:6] فقريشُ والعربُ من حولهم ما جاءَهم قبلَ محمَّدٍ –صلَّى الله عليه وسلَّمَ- نذيرٌ، {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ} [يس:6]  مَا أَتَاهُمْ مِنْ قَبْلِكَ مِنْ نَذِيرٍ [الصحيح: {مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ}]، وهنا يقولُ: {وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ}

{وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} كذَّبَ، المكذِّبون كثيرٌ، كقوم نوحٍ وعاد وثمود، وقومِ لوط ومدين، {وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ} يعني: قريشُ وسائرُ الأعرابِ ما آتاهم اللهُ من الإمكاناتِ والقُدرِ ما آتى الَّذين من قبلهم، {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ} {وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلَا أَبْصَارُهُمْ وَلَا أَفْئِدَتُهُمْ}

{وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ} المعشارُ هو العشرُ، المعشارُ هو العشرُ، يعني: وما بلغوا من القُدرِ والإمكاناتِ عُشرَ ما أوتيَه الَّذين من قبلهم، وقد كذَّبوا، {وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} كيف كانَ إنكاري عليهم؟ كانَ عظيماً وفظيعاً، أنكرَ عليهم بأنواعِ العذابِ، {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ} [العنكبوت:40] {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} {فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} إلى هنا نعم، اقرأْ يا محمَّد.

 

(تفسيرُ السَّعديُّ)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ} الآياتَ:

{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا} أي: العابدينَ لغيرِ اللهِ والمعبودينَ

– الشيخ : والمعبودينَ، العابدينَ والمعبودينَ يجمعُهم

– القارئ : والمعبودينَ مِن دونِهِ، مِن الملائكةِ. {ثُمَّ يَقُولُ} اللهُ {لِلْمَلائِكَةِ} على وجهِ التَّوبيخِ لمَن عبدَهم {أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} فتبرَّؤُوا مِن عبادتِهم.

و{قَالُوا سُبْحَانَكَ} أي: تنزيهاً لكَ وتقديساً، أنْ يكونَ لك شريكٌ، أو ندٌّ {أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ} فنحنُ مفتقرونَ إلى ولايتِكَ، مضطرُّونَ إليها، فكيفَ ندعو غيرَنا إلى عبادتِنا؟ أم كيفَ نصلحُ لأنْ نتَّخذَ مِن دونِكَ أولياءً وشركاءً؟"

بل هؤلاءِ المشركونَ {كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ} أي: الشَّياطينَ، يأمرونَهم بعبادتِنا أو عبادةِ غيرِنا، فيطيعونَهم بذلكَ. وطاعتُهم هيَ عبادتُهم، لأنَّ العبادةَ الطَّاعةُ، كما قالَ تعالى مخاطباً لكلِّ مَن اتَّخذَ معَهُ آلهةً: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [يس:60-61]

{أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} أي: مصدِّقونَ للجنِّ منقادونَ لهم؛ لأنَّ الإيمانَ هوَ التَّصديقُ الموجبُ للانقيادِ

فلمَّا تبرَّؤُوا منهم قالَ تعالى مُخاطِباً لهم

– الشيخ : مؤمنونَ بالجنِّ والشياطيِن متَّبعونَ لهم، ليسَ المقصودُ أنَّهم يؤمنونَ بوجودِ الجنِّ، الجنُّ عالمٌ مستورٌ أخبرَ اللهُ عنهم بأمورٍ كثيرةٍ، أخبرَ الله عن الجنِّ بأمورٍ كثيرةٍ، ومن ذلك أنَّهم مُكلَّفونَ كالإنسِ، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] فيجبُ الإيمانُ بوجودِ الجنِّ، فمن يجحدُ وجودَ الجنِّ، يقولُ: لا ما في، يجحدُ وجودَ الجنِّ يكونُ كافراً مكذّباً بما أخبرَ اللهُ به وأخبرتْ به رسلُه.

والجنُّ منهم الصالحُ والفاسدُ، والكفرةُ منهم هم الشياطين، كما أنَّ الكفرةَ من الإنسِ شياطينٌ، وبعضُهم أولياءُ بعضٍ، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام:112] وفي سورة الجن: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} [الجن:11] فمنهم المؤمنُ والكافرُ والصالحُ والطالحُ.

 

– القارئ : فلمَّا تبرَّؤُوا منهم قالَ تعالى مخاطِباً لهم {فَالْيَوْمَ لا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلا ضَرًّا} تقطَّعَتْ بينَكم الأسبابُ وانقطعَ بعضُكم مِن بعضٍ {وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا} بالكفرِ والمعاصي -بعدَما نُدخلُهم النَّارَ-: {ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} فاليومَ عاينْتُموها ودخلْتُموها جزاءً لتكذيبِكم

– الشيخ : أعوذُ باللهِ من النار، أعوذُ بالله من النَّارِ، أعوذُ باللهِ

– القارئ : وعقوبةً لما أحدثَهُ ذلكَ التَّكذيبُ مِن عدمِ الهربِ مِن أسبابِها.

قالَ اللهُ تعالى: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ} الآياتَ:

يخبرُ تعالى عن حالةِ المشركينَ، عندَما تُتلَى عليهم آياتُ اللهِ البيِّناتُ، وحججُهُ الظَّاهراتُ، وبراهينُهُ القاطعاتُ، الدَّالَّةُ على كلِّ خيرٍ، النَّاهيةُ عن كلِّ شرٍّ، الَّتي هيَ أعظمُ نعمةٍ جاءَتْهم، ومِنَّةٍ وصلَتْ إليهم، الموجبةُ لمقابلتِها بالإيمانِ والتَّصديقِ، والانقيادِ، والتَّسليمِ، أنَّهم يقابلونَها بضدِّ ما ينبغي، ويُكذِّبونَ مَن جاءَهم بها ويقولونَ: {مَا هَذَا إِلا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ} أي: هذا قصدُهُ، حينَ يأمرُكم بالإخلاصِ للهِ؛ لتتركُوا عوائدَ آبائِكم، الَّذينَ تعظِّمونَ وتمشونَ خلفَهم، فردُّوا الحقَّ، بقولِ الضَّالِّين، ولم يوردُوا برهاناً، ولا شبهةً.

فأيُّ شبهةٍ إذا أمرَتِ الرُّسلُ بعضَ الضَّالِّين، باتِّباعِ الحقِّ، فادَّعَوا أنَّ إخوانَهم، الَّذينَ على طريقتِهم، لم يزالُوا عليهِ؟ وهذهِ السَّفاهةُ، وردُّ الحقِّ، بأقوالِ الضَّالِّينَ، إذا تأمَّلْتَ كلِّ حقٍ رُدَّ، فإذا هذا مآلُهُ لا يُرَدُّ إلَّا بأقوالِ الضَّالِّينَ مِن المشركينَ، والدَّهريِّينَ، والفلاسفةِ، والصَّابئينَ، والملحدينَ في دينِ اللهِ، المارقينَ، فهم أسوةُ كلِّ مَن ردَّ الحقَّ إلى يومِ القيامةِ.

ولمَّا احتجُّوا بفعلِ آبائِهم، وجعلُوها دافعةً لما جاءَتْ بهِ الرُّسلُ، طعنُوا بعدَ هذا بالحقِّ، {وَقَالُوا مَا هَذَا إِلا إِفْكٌ مُفْتَرًى} أي: كذبٌ افتراهُ هذا الرَّجلُ، الَّذي جاءَ بهِ. {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ} أي: سحرٌ ظاهرٌ بيِّنٌ لكلِّ أحدٍ، تكذيباً بالحقِّ، وترويجاً على السُّفهاءِ.

ولمَّا بيَّنَ ما ردُّوا بهِ الحقَّ، وأنَّها أقوالٌ دونَ مرتبةِ الشُّبهةِ، فضلاً أنْ تكونَ حجَّةً، ذكرَ أنَّهم وإنْ أرادَ أحدٌ أنْ يحتجَّ لهم، فإنَّهم لا مستندَ لهم، ولا لهم شيءٌ يعتمدونَ عليهِ أصلاً فقالَ: {وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا} حتَّى تكونَ عمدةً لهم {وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ} حتَّى يكونَ عندَهم مِن أقوالِهِ وأحوالِهِ، ما يدفعونَ بهِ، ما جاءَتْهم بهِ، فليسَ عندَهم علمٌ، ولا أثارةٌ مِن علمٍ.

ثمَّ خوَّفَهم ما فعلَ بالأممِ المكذِّبينَ قبلَهم فقالَ: {وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا} أي: ما بلغَ هؤلاءِ المخاطَبونَ {مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ} {فَكَذَّبُوا} أي: الأممُ الَّذين مِن قبلِهم {رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} أي: إنكاري عليهم، وعقوبتي إيَّاهم. قد أعلمَنا ما فعلَ بهم مِن النَّكالِ، وأنَّ منهم مَن أغرقَهُ، ومنهم مَن أهلكَهُ بالرِّيحِ العقيمِ، وبالصَّيحةِ، وبالرَّجفةِ، وبالخسفِ بالأرضِ، وبإرسالِ الحاصبِ مِن السَّماءِ، فاحذرُوا يا هؤلاءِ المكذِّبونَ، أنْ تدوموا على التَّكذيبِ، فيأخذَكم كما أخذَ مَن قبلَكم، ويصيبُكم ما أصابَهم. قالَ ..

– الشيخ : إلى هنا بس [يكفي].