الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة فاطر/(1) من قوله تعالى {الحمد لله فاطر السماوات} الآية 1 إلى قوله تعالى {وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك} الآية 4
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(1) من قوله تعالى {الحمد لله فاطر السماوات} الآية 1 إلى قوله تعالى {وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك} الآية 4

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة فاطر

الدَّرس: الأوَّل

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ بالله من الشيطانِ الرجيم، بسمِ الله الرحمنِ الرحيم:

الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ [فاطر: 1-4]

– الشيخ : إلى هنا، لا حول ولا قوةَ إلا بالله، هذه سورةُ "فاطر" تُسمى سورة "فاط"ر لقوله تعالى: {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ} وهي سورة مكية، السُّورُ المكِّيةُ والقرآنُ المكي أصحُّ ما قيل: أنَّه ما نزل قبل الهجرةِ، والمدنيُّ ما نزلَ بعد الهجرة. هذا أحسنُ ما قيل في تعريفِ المكي والمدنيِّ من القرآن، والسُّورُ المكية من خصائصِها أنَّه يكثر فيها القَصصُ، كسورةِ "الشعراء" و"هود" و"الأعراف"، ويغلبُ فيها تقريرُ التوحيد والنبوةِ، تقريرُ الأصولِ -أصول الدين- وهذا ظاهرٌ في هذه السورة، افتُتحت بحمدِ لله، فاللهُ يحمدُ نفسَه، وهو أهلُ الحمدِ ويُعلِّمُ عباده أن يحمدوه، لا إله إلا الله.

الحمد لله، الحمد كلُّه للهِ، والثناءُ لأنَّه الموصوفُ بكلِّ صفات الحمدِ، فهو المُستحِقُّ للحمدِ كلِّه، الحمدُ لله، ومن محامدِه أنَّه: {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي مُبتدئَ خلقِهما على غير مثالٍ سبقَ، هو المُبتدِئُ لخلقهما على غير مثالٍ سبقَ {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}: هو خالقُ السموات والأرضِ، وهو ربُّ السمواتِ والأرضِ مالكِ كلِّ شيءٍ، وخالقِ كلِّ شيءٍ.

ومن محامدِه أنَّه جعل الملائكةَ رسلًا يُرسلهم بما يشاءُ، من أحكامه الكونية أو أحكامِه الشرعية رسلُ اللَّهِ: {يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ} [الحج: 75] {جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا}: منهم من يرسله بالوحي -الملائكة المُوكَّلون بالوحيِ- الملائكةُ المُوكَّلون بتدبيرِ ما شاءَ الله من الخلقِ من مخلوقاتِه، وهم أصنافٌ، الملائكةُ أصنافٌ، والإيمانُ بهم -الإيمانُ بالملائكةِ- من أصولِ الإيمان، أنْ تُؤمنَ بالله وملائكتِه وكتبِه ورسلِه.

{أُولِي أَجْنِحَةٍ} الملائكة لهم أجنحةٌ أذًا وإن كنَّا لا نتصوَّرُ ولا نعلمُ كيفية هذه الأجنحةِ ولا يصحُّ أنْ نتخيَّلَها مثل أجنحةِ الطيورِ، نقولُ: أنَّها ريشٌ -يعني أجنحة الملائكة كيفيَّتُها أنَّها من ريشٍ- لا، لا نتصوَّرُ، لا ندري عن كيفيةِ أجنحةِ الملائكةِ، وقد رأى النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- جبريلَ مرَّتين، مرةً على خلقتِه له ستمائة جناح، وهذا شاهد لقوله تعالى: {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} يعني: {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ}: يعني منهم من له جناحان –اثنين-، ومنهم من له ثلاثةٌ، ومنهم من له أربعةٌ، ومنهم من له أكثر، والله أعلم بمدى الزيادة. {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} هذا هو أصلُ هذا الكون، هو قدرة الله تعالى.

{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ} هذا معنى: لا مانعَ لما أعطَى، ولا مُعطِيَ لمَا منعَ {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ} فلا يقدرُ أحدٌ على ردِّها، أو إمساكِها، {وَمَا يُمْسِكْ} ويمنَعُه –تعالى- فلا يقدرُ أحد أنْ يأتيَ به وأن يُعطيه، {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا}: هذا هو معنى لا مانعَ لما أعطيتَ، {وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ}: هذا معنى لا مُعطِيَ لما منعْتَ، سبحان الله العظيم!

{وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}: ذو العِزَّةِ والقوةِ والغلَبةِ، وهو حكيمٌ في تدبيرِه، حكيمٌ في تشريعِه.

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ… هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} المعنى: لا خالقَ غيرُ الله، {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} ففي هذا الدلالةُ على توحيدِ الربوبيةِ وتوحيد الإلهيةِ، فهو الخالقُ: خالقُ السَّمواتِ والأرضِ، وهو الرازقُ، وهو الإلهُ الحَقُّ، {فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}: كيفَ تُصرَفون عن هذه الحقيقةِ، عن هذا الاعتقادِ، عن هذا الحقِّ الواضح البيِّنِ، سبحان الله!

قالَ اللهُ لنبيِّه: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ}: قريشٌ ومن وافقَهم ومن تبعَهم، {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ}: قومك، {فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} وفي هذا تسليةٌ للرسولِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- أنَّه ليس أولَ من كُذِّبَ، سبقَه الرسلُ كثيرونَ كُذِّبوا {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ*وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ*وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى} [الحج: 42-44] {فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ}: مردُّ الأمرِ كلِّه له، فلهُ الحكمةُ البالغةُ في تدبيرِه: في خلقِه، وفي شرعه، وفي أحكامِه الجزائيَّةِ. {فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ}.

 

(تفسير السعدي)

– القارئ : بسمِ الله الرحمنِ الرحيم، الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى

– الشيخ : رحمَه الله، ورحمنا وإيَّاه، لا إلهَ إلا الله.

– القارئ : تفسير سورة فاطر وهي مكية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} الآيات:

يَمْدَحُ اللَّهُ تَعَالَى نَفْسَهُ الْكَرِيمَةَ الْمُقَدَّسَةَ، عَلَى خَلْقِهِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَمَا اشْتَمَلَتَا عَلَيْهِ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، لِأَنَّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ، وَسِعَةِ مَلِكِهِ، وَعُمُومِ رَحْمَتِهِ، وَبَدِيعِ حِكْمَتِهِ، وَإِحَاطَةِ عِلْمِهِ.

وَلَمَّا ذَكَرَ الْخَلْقَ ذَكَرَ بَعْدَهُ مَا يَتَضَمَّنُ الْأَمْرَ، وَهُوَ أَنَّهُ جَعَلَ الْمَلائِكَةِ رُسُلا فِي تَدْبِيرِ أَوَامِرِهِ الْقَدَرِيَّةِ، وَوَسَائِطَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ، فِي تَبْلِيغِ أَوَامِرِهِ الدِّينِيَّةِ.

وَفِي ذِكْرِهِ أَنَّهُ جَعَلَ الْمَلَائِكَةَ رُسُلًا وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهُمْ أَحَدًا، دَلِيلٌ عَلَى كَمَالِ طَاعَتِهِمْ لِرَبِّهِمْ وَانْقِيَادِهِمْ لِأَمْرِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6]

وَلَمَّا كَانَتِ الْمَلَائِكَةُ مُدَبِّرَاتٍ بِإِذْنِ اللَّهِ، مَا جَعَلَهُمُ اللَّهُ مُوَكَّلِينَ فِيهِ، ذَكَرَ قُوَّتَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَسُرْعَةَ سَيْرِهِمْ، بِأَنْ جَعَلَهُمْ أُولِي أَجْنِحَةٍ تَطِيرُ بِهَا، فَتُسْرِعُ بِتَنْفِيذِ مَا أُمِرَتْ بِهِ. مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ أَيْ: مِنْهُمْ مَنْ لَهُ جَنَاحَانِ وَثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعَةٌ، بِحَسَبِ مَا اقْتَضَتْهُ حِكْمَتُهُ.

{يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ}

– الشيخ : سبحان الله، سبحانَ الله! لا إلهَ إلا الله، لا إلهَ إلا الله، لا إلهَ إلا الله.

– القارئ : أيْ: يَزِيدُ بَعْضَ مَخْلُوقَاتِهِ عَلَى بَعْضٍ، فِي صِفَةِ خَلْقِهَا، وَفِي الْقُوَّةِ، وَفِي الْحُسْنِ، وَفِي زِيَادَةِ الْأَعْضَاءِ الْمَعْهُودَةِ، وَفِي حُسْنِ الْأَصْوَاتِ، وَلَذَّةِ النَّغَمَاتِ.

إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فَقُدْرَتُهُ تَعَالَى تَأْتِي عَلَى مَا يَشَاؤُهُ، وَلَا يَسْتَعْصِي عَلَيْهَا شَيْءٌ، وَمِنْ ذَلِكَ زِيَادَةُ مَخْلُوقَاتِهِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ.

ثُمَّ ذَكَرَ انْفِرَادَهُ تَعَالَى بِالتَّدْبِيرِ وَالْعَطَاءِ وَالْمَنْعِ فَقَالَ: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ} مِنْ رَحْمَتِهِ عَنْهُمْ {فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ}: فَهَذَا يُوجِبُ التَّعَلُّقَ بِاللَّهِ تَعَالَى، وَالِافْتِقَارَ إِلَيْهِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، وَأَنْ لَا يُدْعَى إِلَّا هُوَ

– الشيخ : لا إله إلا الله

– القارئ : وَلَا يُخَافَ وَيُرْجَى إِلَّا هُوَ. {وَهُوَ الْعَزِيزُ}: الَّذِي قَهَرَ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا.

{الْحَكِيمُ} الَّذِي يَضَعُ الْأَشْيَاءَ مَوَاضِعَهَا وَيُنْزِلُهَا مَنَازِلَهَا.

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} الآيات:

يَأْمُرُ تَعَالَى جَمِيعَ النَّاسِ أَنْ يَذْكُرُوا نِعْمَتَهُ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا شَامِلٌ لِذِكْرِهَا بِالْقَلْبِ اعْتِرَافًا، وَبِاللِّسَانِ ثَنَاءً، وَبِالْجَوَارِحِ انْقِيَادًا، فَإِنَّ ذِكْرَ نِعَمِهِ تَعَالَى دَاعٍ لِشُكْرِهِ، ثُمَّ نَبَّهَهُمْ عَلَى أُصُولِ النِّعَمِ، وَهِيَ الْخَلْقُ وَالرِّزْقُ، فَقَالَ: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ}.

وَلَمَّا كَانَ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يَخْلُقُ وَيَرْزُقُ إِلَّا اللَّهُ، نَتَجَ مِنْ ذَلِكَ، أَنْ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أُلُوهِيَّتِهِ وَعُبُودِيَّتِهِ، وَلِهَذَا قَالَ: {لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} أَيْ: تُصْرَفُونَ مِنْ عِبَادَةِ الْخَالِقِ الرَّازِقِ لِعِبَادَةِ الْمَخْلُوقِ الْمَرْزُوقِ.

{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ} يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ، فَلَكَ أُسْوَةٌ بِمَنْ قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، {فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ}: فَأُهْلِكَ الْمُكَذِّبُونَ، وَنَجَّى اللَّهُ الرُّسُلَ وَأَتْبَاعَهُمْ. {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ}

قالَ اللهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ}

– الشيخ : إلى هنا، انتهى، نعم.