الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة فاطر/(2) من قوله تعالى {يا أيها الناس إن وعد الله حق} الآية 5 إلى قوله تعالى {أفمن زين له سوء عمله} الآية 8

(2) من قوله تعالى {يا أيها الناس إن وعد الله حق} الآية 5 إلى قوله تعالى {أفمن زين له سوء عمله} الآية 8

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة فاطر

الدَّرس: الثَّاني

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ * الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ * أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}[فاطر:5-8]

– الشيخ : إلى هنا، سبحان الله! لا إله إلا الله.

يقول -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} هذا خطابٌ مِن الله لجميعِ الناس {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} يدعُوهم -سبحانه وتعالى- للإيمانِ بوعدِه الحقّ {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} ومِن وعدِه: بعثُ الناسِ من قبورِهم للحسابِ والجزاءِ، ويدخلُ في ذلكَ كلُّ ما وَعَدَ اللهُ به مما يكونُ القيامة، {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} نعم؛ لأنَّه -تعالى- لا يُخلِفُ الميعادَ.

ثمَّ حَذَّرَ -سبحانه وتعالى- مِن الاغترارِ بالدنيا {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ} بل اسْتَعِدُّوا، اسْتَعِدُّوا لذلكَ اليومِ العظيمِ بالإيمانِ والعملِ الصالحِ، ولا تُؤْثِرُوا الدنيا على الآخرة، ولا تَغُرَّنَّكُمُ الدنيا بزهرَتِها وزينتِها {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ} لا تَخْدَعَنَّكُم الدنيا.

{وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} لا يخْدَعَنَّكُم الغَرورُ وهو الشيطانُ، فَيَصُدَّكُم عَن الإيمانِ باللهِ والإيمانِ بوعدِه {وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} الغَرُور صيغةُ مُبَالَغةٍ، فَعُول مِن الغُرُور.

ثمَّ أكَّدَ ذلكَ ببيانِ عداوةِ الشيطانِ والتذكيرِ بعداوةِ الشيطانِ:

{إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ} الشيطانُ يَدخلُ فيه إبليسُ الأولِ وذريتُه {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ} [الكهف:50] كلُّهم عدوٌّ شياطين، ويشمَل شياطينَ الإنسِ والجِنِّ. {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام:112] {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ} والعدوُّ يرُيدُ بِعَدُوِّهِ، يريدُ بهِ كلَّ شَرٍّ، عدوٌّ يريدُ كلَّ ما يَضُرُّ بالإنسانِ، وأعظمُ ذلكَ أنْ الشيطانَ {يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} {فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} {اتَّخِذُوهُ} يعني: احذَرُوه، واعرفُوه أنَّه عدوٌّ، اعرفُوه، واعتبرُوهُ عدوَّاً، لا تَنْخَدِعُوا بتزيينِه وتسويْلِهِ.

أما شياطينُ الإنسِ فأمْرُهم ظاهرٌ؛ لأنَّهم محسوسونَ تَراهُم وتسمَعُهم، وعداوتُهم ظاهرةٌ يفعلونَ أموراً معروفةً ومحسوسةً، ويدعونَ إلى الشَّرِّ والباطلِ بألسنتِهم وبأقلامِهم وبخُطَطِهِم.

وشياطينُ الجِنِّ هم الذين يُوَسْوِسُونَ في النَّفسِ، فكلُّ ما يخطرُ في بالِ الإنسانِ مِن شهواتٍ مُحرَّمَةٍ وخواطر وشبهاتٍ فذلكَ مما يكون مِن الشيطانِ الذي يجري مِن ابنِ آدمَ مَجْرى الدمِ، يُوَسْوِسُ {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} [الناس:4] فالخواطرُ والأفكارُ الخبيثةُ كلُّها هذه مما يُلْقِيهِ الشيطانُ في النَّفس. يعني الله عَرَّفَنَا بالشيطانِ وعداوتِه وبكيدِه وبوسوستِه. {فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا}

{إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} مَنْ يستجيبُ لَه ويُطيعُهُ يدعُوهُ إلى عذاب السعيرِ، إلى عذابِ جهنم.

ثمَّ يذكرُ -سبحانه وتعالى- أنَّ الناسَ فريقانِ: أولياءُ الشيطانِ، وأولياءُ الرحمنِ، أولياءُ الشيطانِ: هم الكفارُ، وأولياءُ الرحمنِ: هم المؤمنون.

{الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} هؤلاءِ أولياءُ الشيطانِ {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} هؤلاءِ أولياءُ الرحمنِ.

ثمَّ يُذكِّرُ -تعالى- بالتَّباينِ بينَ الفريقينِ: هلْ يستوي مَنْ {زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} ومن هُدِيَ إلى الحقِّ ومعرفةِ الحقِّ والانقيادِ للحقِّ؟ {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} يعني: كمَنْ آمَنَ وعَمِلَ صالحًا واجتنبَ ما حرَّمَ اللهُ؟ لَا يَسْتَوُونَ. {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} فأمرُ الهدى والإضلالِ إلى الله، وفي هذا تسليةٌ للنَّبيِّ، يقول: الأمرُ للهِ، ليسَ إليكَ يا محمد {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56]

ولهذا قال: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} الرسولُ يحزنُ ويأسى إذا لمْ يستجبْ لَه الكفارُ، إذا دعاهُم ولم يستجيبُوا يأسَى ويحزنُ، يحزنُ لهم، يأسَى عليهمْ، والله يقول: لا تحزنْ ولا تتحسرْ، لا تذهبْ نفسُكَ، وهذا كثيرٌ في القرآن {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النحل:127] {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء:3] وهنا يقول: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} تتحسرُ عليهمْ لعدمِ إيمانِهم واستجابتِهم.

{إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} اللهُ عليمٌ بحالِهم ومآلِهم، عليمٌ بما يعملونَ. لا إله إلا الله.

 

(تفسيرُ السَّعدي)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين

– الشيخ : اللهم صلِّ وسلم عليه

– القارئ : قالَ الشيخُ عبدُ الرحمن السعدي -رحمَه الله تعالى- في تفسير قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} الآيات.

يَقُولُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ ْبِالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ، {حَقٌّ} أَيْ: لَا شَكَّ فِيهِ، وَلَا مِرْيَةَ، وَلَا تَرَدُّدَ، قَدْ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ الْأَدِلَّةُ السَّمْعِيَّةُ وَالْبَرَاهِينُ الْعَقْلِيَّةُ، فَإِذَا كَانَ وَعْدُهُ حَقًّا، فَتَهَيَّئُوا لَهُ وَبَادِرُوا أَوْقَاتَكُمُ الشَّرِيفَةَ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَلَا يَقْطَعْكُمْ عَنْ ذَلِكَ قَاطِعٌ، {فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} بِلَذَّاتِهَا وَشَهَوَاتِهَا وَمَطَالِبِهَا النَّفْسِيَّةِ، فَتُلْهِيَكُمْ عَمَّا خُلِقْتُمْ لَهُ، {وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} الَّذِي هُوَ الشَّيْطَانَ الَّذِي هُوَ عَدُوُّكُمْ فِي الْحَقِيقَةِ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا أَيْ: لِتَكُنْ مِنْكُمْ عَدَاوَتُهُ عَلَى بَالٍ، وَلَا تُهْمِلُوا مُحَارَبَتَهُ كُلَّ وَقْتٍ، فَإِنَّهُ يَرَاكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَرَوْنَهُ، وَهُوَ دَائِمًا لَكُمْ بِالْمِرْصَادِ.

{إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} هَذَا غَايَتُهُ وَمَقْصُودُهُ مِمَّنْ تَبِعَهُ، أَنْ يُهَانَ غَايَةَ الْإِهَانَةِ بِالْعَذَابِ الشَّدِيدِ.

ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ النَّاسَ انْقَسَمُوا بِحَسَبِ طَاعَةِ الشَّيْطَانِ وَعَدَمِهَا إِلَى قِسْمَيْنِ، وَذَكَرَ جَزَاءَ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَقَالَ: {الَّذِينَ كَفَرُوا} أَيْ: جَحَدُوا مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَدَلَّتْ عَلَيْهِ الْكُتُبُ {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ}، شَدِيدٌ فِي ذَاتِهِ وَوَصْفِهِ، وَأَنَّهُمْ خَالِدُونَ فِيهَا أَبَدًا،

– الشيخ : أعوذ بالله، أعوذ بالله.

– القارئ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا} بِقُلُوبِهِمْ، بِمَا دَعَا اللَّهُ إِلَى الْإِيمَانِ بِهِ {وَعَمِلُوا} بِمُقْتَضَى ذَلِكَ الْإِيمَانِ، بِجَوَارِحِهِمُ، الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} لِذُنُوبِهِمْ، يَزُولُ بِهَا عَنْهُمُ الشَّرُّ وَالْمَكْرُوهُ {وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} يَحْصُلُ بِهِ الْمَطْلُوبُ.

{أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ} الآيات.

يَقُولُ تَعَالَى: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ عَمَلُهُ} السَّيِّئُ، الْقَبِيحُ، زَيَّنَهُ لَهُ الشَّيْطَانُ، وَحَسَّنَهُ فِي عَيْنِهِ {فَرَآهُ حَسَنًا} أَيْ: كَمَنْ هَدَاهُ اللَّهُ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَالدِّينِ الْقَوِيمِ، فَهَلْ يَسْتَوِي هَذَا وَهَذَا؟ فَالْأَوَّلُ: عَمِلَ السَّيِّئَ، وَرَأَى الْحَقَّ بَاطِلًا وَالْبَاطِلَ حَقًّا، وَالثَّانِي: عَمِلَ الْحَسَنَ، وَرَأَى الْحَقَّ حَقًّا، وَالْبَاطِلَ بَاطِلًا وَلَكِنَّ الْهِدَايَةَ وَالْإِضْلَالَ بِيَدِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ} أَيْ: عَلَى الضَّالِّينَ الَّذِينَ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ، وَصَدَّهُمُ الشَّيْطَانُ عَنِ الْحَقِّ {حَسَرَاتٍ} فَلَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ، وَلَيْسَ عَلَيْكَ مِنْ هُدَاهُمْ شَيْءٌ، وَاللَّهُ هُوَ الَّذِي يُجَازِيهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}

– الشيخ : إلى هنا. نعم