الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة فاطر/(5) من قوله تعالى {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله} الآية 15 إلى قوله تعالى {ولا تزر وازرة وزر أخرى} الآية 18

(5) من قوله تعالى {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله} الآية 15 إلى قوله تعالى {ولا تزر وازرة وزر أخرى} الآية 18

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة فاطر

الدَّرس: الخامس

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ بالله من الشيطانِ الرجيمِ:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ واللَّهُ هو الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ*إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ ويَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * ومَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ * ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وزْرَ أُخْرَى وإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ ولو كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَونَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وأَقَامُوا الصَّلاةَ ومَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ [فاطر:15-18]

– الشيخ : إلى هنا بس، لا إلهَ إلا الله

يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ}: خطابٌ لجميعِ الناسِ {أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ} هذا تعريفٌ للعبادِ بأنفسِهم بأنهم فقراءُ إلى الله في كلِّ شؤونِهم: في وجودِهم وبقائِهم وشؤونِهم وحاجاتِهم، فقراءُ، لا يملكُ أحدٌ لنفسِه نفعاً ولا ضرًّا إلا ما أعطاهُ اللهُ وما أقْدَرَهُ اللهُ عليه وما هيَّأهُ له.

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ} وهذا فقرٌ؛ يقول أهل العلم: فقرٌ ذاتيٌّ يعني: لازمٌ، لازمٌ لطبيعةِ المخلوقِ، فالمخلوقُ مُفتَقِرٌ إلى خالقِهِ.

{واللَّهُ هو الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} غنيٌّ عَن عبادِه مِن جميعِ الوجوهِ، غنيٌّ عَن عبادِه {ومَا خَلَقْتُ الْجِنَّ والإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ*مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ ومَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ*إِنَّ اللَّهَ هو الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوةِ الْمَتِينُ} [الذاريات: 56-58] سبحان الله!

والله هو الغنيُّ، وقالَ الفاجرُ الكافرُ: {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ ونَحْنُ أَغْنِيَاء} قال الله: {سَنَكْتُبُ مَا قَالواْ وقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ} [آل عمران:181] هذا أحدُ اليهودِ الـمُسْتكبرين الطاغينَ الـمُتعالِين {لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَولَ الَّذِينَ قَالواْ إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ ونَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالواْ} وهو المحمودُ، الحميدُ بمعنى المحمودُ، الحميدُ بمعنى المحمودُ فهو المحمود؛ لما لَه مِن الأسماء الحسنى والصفاتِ العُلا، ولـِما لَه من الأفعالِ الحكيمةِ، فأسماؤُه كلُّها حُسْنى، وصفاتُه كلُّها صفاتُ كمالٍ يستحقُّ عليها الحمدَ، وأفعالُه كلُّها قائمةٌ على الحكمةِ، وهو الحكيمُ.

ثم قالَ تعالى: {ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وزْرَ أُخْرَى} لا يحملُ أحدٌ وزرَ غيرِه، ولا يُعاقَبُ بذنبِ غيرِه، كلٌّ يُجزَى بعملِه إنْ خيراً فخيرٌ وإنْ شراً فشرٌّ {أَلاَّ تَزِرُ وازِرَةٌ وزْرَ أُخْرَى*وأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى*وأَنَّ سَعْيَهُ سَوفَ يُرَى} [النجم:38-40]

{ولا تَزِرُ وازِرَةٌ وزْرَ أُخْرَى وإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ} يومُ القيامةِ إذا دعَتْ نفسٌ إلى حِمْلِهَا الثقيلِ تدعو من يحملُهُ عنها أو يُعينُهُ عليها {وإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ} فلا أحدَ يحملُ عَن أحدٍ وِزْرَهُ، ولا يَفْديهِ ولا يجزِيه {لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً} [البقرة:48] {لاَّ يَجْزِي والِدٌ عَن ولَدِهِ ولا مَولودٌ هو جَازٍ عَن والِدِهِ شَيْئًا} [لقمان:33]

{وإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ ولو كَانَ ذَا قُرْبَى} ولو كانَ أباً أو أخاً أو أُمَّاً {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [النحل:111]

ثمَ قالَ تعالى: {إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَونَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وأَقَامُوا الصَّلاةَ} هؤلاءِ هم الذين ينتفعونَ بالنِّذارةِ، الذين يخشون ربَّهم بالغيب هم الذين ينتفعون بالتذكيرِ وبالإنذار {إِنَّمَا تُنذِرُ} يعني، ما تُنذِرُ الإنذارَ الـمُجْدي النافعَ إلا {الَّذِينَ يَخْشَونَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ وأَقَامُوا الصَّلاةَ} {يَخْشَونَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ} فيفعلونَ ما أمرَهُم اللهُ بِه ويتركونَ ما نهاهُم اللهُ عنه، وَخَصَّ الصلاةَ؛ لِعِظَمِ شأنِها {وأَقَامُوا الصَّلاةَ}

ثم قال تعالى: {ومَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ} مَن تَزَكَّى بالإيمانِ والعملِ الصالحِ فذلكَ راجعٌ إلى نفسِه. نفعُ ذلكَ لنفسِه، لا إلى الله، فالله لا تنفعُه طاعةُ المطيعين ولا تضرُّهُ معصيةُ العَاصِين {ومَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} يعني: إليه الـمُنتهى فالخَلقُ صائرونَ إليهِ في يومِ المعادِ فَيُنَبِّئُهُم بما عَمِلُوا ويجزيهمْ بأعمالِهم {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ*ومَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة:7-8]

{وإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} لا إلى غيرِه -سبحانَه وتعالى- فإليه تصيرُ الأمورُ كلُّها، إليه الـمُنْتَهى تنتهي الأمورُ كلُّها إليهِ؛ لأنَّه الـمُدَبِّرُ للخَلقِ كلِّهم.

 

(تفسير السعدي):

– القارئ : بسمِ الله الرحمنِ الرحيم، الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبه أجمعين. قالَ الشيخُ عبد الرحمن بن ناصر السَّعدي -رحمه الله تعالى- في تفسيرِ قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ} الآيات:

يُخَاطِبُ تَعَالَى جَمِيعَ النَّاسِ، وَيُخْبِرُهُمْ بِحَالِهِمْ وَوَصْفِهِمْ، وَأَنَّهُمْ فُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ:

فُقَرَاءُ فِي إِيجَادِهِمْ، فَلَوْلَا إِيجَادُهُ إِيَّاهُمْ، لَمْ يُوجَدُوا.

فُقَرَاءُ فِي إِعْدَادِهِمْ بِالْقُوَى وَالْأَعْضَاءِ وَالْجَوَارِحِ، الَّتِي لَوْلَا إِعْدَادُهُ إِيَّاهُمْ بِهَا، لَمَا اسْتَعَدُّوا لِأَيِّ عَمَلٍ كَانَ.

– الشيخ : الله أكبر، الله أكبر.

– القارئ : فُقَرَاءُ فِي إِمْدَادِهِمْ بِالْأَقْوَاتِ وَالْأَرْزَاقِ وَالنِّعَمِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، فَلَوْلَا فَضْلُهُ وَإِحْسَانُهُ وَتَيْسِيرُهُ الْأُمُورَ، لَمَا حَصَلَ لَهُمْ مِنَ الرِّزْقِ وَالنِّعَمِ شَيْءٌ.

فُقَرَاءُ فِي صَرْفِ النِّقَمِ عَنْهُمْ، وَدَفْعِ الْمَكَارِهِ، وَإِزَالَةِ الْكُرُوبِ وَالشَّدَائِدِ، فَلَوْلَا دَفْعُهُ عَنْهُمْ، وَتَفْرِيجُهُ لِكُرُبَاتِهِمْ، وَإِزَالَتُهُ لِعُسْرِهِمْ، لَاسْتَمَرَّتْ عَلَيْهِمُ الْمَكَارِهُ وَالشَّدَائِدُ.

فُقَرَاءُ إِلَيْهِ فِي تَرْبِيَتِهِمْ بِأَنْوَاعِ التَّرْبِيَةِ، وَأَجْنَاسِ التَّدْبِيرِ.

فُقَرَاءُ إِلَيْهِ، فِي تَأَلُّهِهِمْ لَهُ، وَحُبِّهِمْ لَهُ، وَتَعَبُّدِهِمْ، وَإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ -تَعَالَى- فَلَوْ لَمْ يُوَفِّقْهُمْ لِذَلِكَ، لَهَلَكُوا، وَفَسَدَتْ أَرْوَاحُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ وَأَحْوَالُهُمْ.

فُقَرَاءُ إِلَيْهِ، فِي تَعْلِيمِهِمْ مَا لَا يَعْلَمُونَ، وَعَمَلِهِمْ بِمَا يُصْلِحُهُمْ، فَلَوْلَا تَعْلِيمُهُ، لَمْ يَتَعَلَّمُوا، وَلَوْلَا تَوْفِيقُهُ، لَمْ يُصْلِحُوا.

فَهُمْ فُقَرَاءُ بِالذَّاتِ إِلَيْهِ، بِكُلِّ مَعْنًى، وَبِكُلِّ اعْتِبَارٍ، سَوَاءٌ شَعَرُوا بِبَعْضِ أَنْوَاعِ الْفَقْرِ أَمْ لَمْ يَشْعُرُوا، وَلَكِنَّ الْمُوَفَّقَ مِنْهُمُ، الَّذِي لَا يَزَالُ يُشَاهِدُ فَقْرَهُ فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ أُمُورِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَيَتَضَرَّعُ لَهُ،

– الشيخ : لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، ينبغي للإنسانِ أنْ يشعرَ بهذا الفقرِ، يشعر ويستشعرُ أنه أي حاجةٍ لا يستطيعُ الوصولَ إليها إلا بتوفيقٍ مِن اللهِ، فإذا حصلتْ لَه اعترفَ بفضلِ اللهِ، وَشَكَرَ اللهُ، لكن مَنْ لا يستحضرُ هذا الأمر لا يشعرُ بالنعمةِ، ولا تكون لَه على بالٍ، ولا يستحضرُ شُكْرَ الـمُنْعِمِ لا في جَلْبِ منفعةٍ ولا في دفعِ مَضَرَّةٍ، فعلى الإنسانِ أنْ يستحضرَ، إذا حصلتْ لَه نعمةٌ شُكْرَ اللهِ: الحمدُ للهِ الذي يسَّرَ هذا الأمر،َ يسَّر لي أمري، إذا اندفعَ عنه شرٌّ مَخْوفٌ شكرَ اللهَ وقال: الحمدُ للهِ الذي صرفَ عَنِّي هذا الشَرَّ، الحمدُ للهِ الذي عصمَني، يكونُ باستمرار هكذا، باستمرار، لأنَّ الإنسانَ في هذه الحياةِ أبداً معرض لأنواعُ الابتلاءاتِ، أنواع الابتلاءاتِ مِن الخيرِ والشَّرِّ، وإذا استحضرَ فُقْرَهُ إلى ربِّهِ في كلِّ شيءٍ فإنه حينئذٍ يشعرُ بفضلِ الله عليه في حصولِ المنافعِ والمحبوباتِ، وفي اندفاعِ المضارِّ والمكروهات.

 

– القارئ : وَلَكِنَّ الْمُوَفَّقَ مِنْهُمُ، الَّذِي لَا يَزَالُ يُشَاهِدُ فَقْرَهُ فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ أُمُورِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ، وَيَتَضَرَّعُ لَهُ، وَيَسْأَلُهُ أَنْ لَا يَكِلَهُ إِلَى نَفْسِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَنْ يُعِينَهُ عَلَى جَمِيعِ أُمُورِهِ، وَيَسْتَصْحِبَ هَذَا الْمَعْنَى فِي كُلِّ وَقْتٍ، فَهَذَا حَرِيٌّ بِالْإِعَانَةِ التَّامَّةِ مِنْ رَبِّهِ وَإِلَهِهِ، الَّذِي هُوَ أَرْحَمُ بِهِ مِنَ الْوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا.

{وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} أَيِ: الَّذِي لَهُ الْغِنَى التَّامُّ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ خَلْقُهُ، وَلَا يَفْتَقِرُ إِلَى شَيْءٍ مِمَّا يَفْتَقِرُ إِلَيْهِ الْخَلْقُ؛ وَذَلِكَ لِكَمَالِ صِفَاتِهِ، وَكَوْنِهَا كُلِّهَا صِفَاتِ كَمَالٍ، وَنُعُوتَ جَلَالٍ.

وَمِنْ غِنَاهُ تَعَالَى أَنَّهُ أَغْنَى الْخَلْقِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، الْحَمِيدُ فِي ذَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ؛ لِأَنَّهَا حُسْنَى، وَأَوْصَافِهِ؛ لِكَوْنِهَا عُلْيَا، وَأَفْعَالِهِ؛ لِأَنَّهَا فَضْلٌ وَإِحْسَانٌ وَعَدْلٌ وَحِكْمَةٌ وَرَحْمَةٌ، وَفِي أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ، فَهُوَ الْحَمِيدُ عَلَى مَا فِيهِ من الصفاتِ، وَعَلَى مَا مَنَّهُ من الفضلِ والإنعامِ، وعلى الجزاءِ بالعدلِ، وَهُوَ الْحَمِيدُ فِي غِنَاهُ الْغَنِيُّ فِي حَمْدِهِ.

{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِغَيْرِكُمْ مِنَ النَّاسِ أَطْوَعَ لِلَّهِ مِنْكُمْ، وَيَكُونُ فِي هَذَا تَهْدِيدٌ لَهُمْ بِالْهَلَاكِ وَالْإِبَادَةِ، وَأَنَّ مَشِيئَتَهُ غَيْرُ قَاصِرَةٍ عَنْ ذَلِكَ.

وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ، إِثْبَاتُ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، وَأَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ -تَعَالَى- نَافِذَةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَفِي إِعَادَتِكُمْ بَعْدَ مَوْتِكُمْ خَلْقًا جَدِيدًا، وَلَكِنْ لِذَلِكَ الْوَقْتِ أَجْلٌ قَدَّرَهُ اللَّهُ، لَا يَتَقَدَّمُ عَنْهُ وَلَا يَتَأَخَّرُ.

{وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} أَيْ: بِمُمْتَنِعٍ، وَلَا مُعْجِزٍ لَهُ.

وَيَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى الْأَخِيرِ، مَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ فِي قَوْلِهِ: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} أَيْ: فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلُّ أَحَدٍ يُجَازَى بِعَمَلِهِ، وَلَا يَحْمِلُ أَحَدٌ ذَنْبَ أَحَدٍ. {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ} أَيْ: نَفْسٌ مُثْقَلَةٌ بِالْخَطَايَا وَالذُّنُوبِ، {إلى حِمْلِهَا} أي: تَسْتَغِيثُ بِمَنْ يَحْمِلُ عَنْهَا بَعْضَ أَوْزَارِهَا {لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} فَإِنَّهُ لَا يُحْمَلُ عَنْ قَرِيبٍ، فَلَيْسَتْ حَالُ الْآخِرَةِ بِمَنْزِلَةِ حَالِ الدُّنْيَا، يُسَاعِدُ الْحَمِيمُ حَمِيمَهُ، وَالصَّدِيقُ صَدِيقَهُ، بَلْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَتَمَنَّى الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَقٌّ عَلَى أَحَدٍ، وَلَوْ عَلَى وَالِدَيْهِ وَأَقَارِبِهِ.

{إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} أَيْ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَقْبَلُونَ النِّذَارَةَ وَيَنْتَفِعُونَ بِهَا، أَهْلُ الْخَشْيَةِ لِلَّهِ بِالْغَيْبِ، أي: الَّذِينَ يَخْشَوْنَهُ فِي حَالِ السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَالْمَشْهَدِ وَالْمَغِيبِ، وَأَهْلِ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ، بِحُدُودِهَا وَشُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا وَوَاجِبَاتِهَا وَخُشُوعِهَا؛ لِأَنَّ الْخَشْيَةَ لِلَّهِ

– الشيخ : إقامُ الصلاةِ معناه: إتمامُها وأداؤُها كاملةً كما قالَ: بشروطِها: مِن الطهارةِ، والسِّتَارة، واستقبالِ القبلةِ. وواجباتها: مِن الركوعِ، والسجودِ، والقيامِ، والقعودِ. وفضائلُها، وسُنَنِها كلُّها تدخلُ في إقامةِ الصلاةِ.

 

– القارئ : لِأَنَّ الْخَشْيَةَ لِلَّهِ تَسْتَدْعِي مِنَ الْعَبْدِ الْعَمَلَ بِمَا يَخْشَى مِنْ تَضْيِيعِهِ الْعِقَابَ، وَالْهَرَبَ مِمَّا يَخْشَى مِنِ ارْتِكَابِهِ الْعَذَابَ، وَالصَّلَاةُ تَدْعُو إِلَى الْخَيْرِ، وَتَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ.

{وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ} أَيْ: وَمَنْ زَكَّى نَفْسَهُ بِالتَّنَقِّي مِنَ الْعُيُوبِ، كَالرِّيَاءِ، وَالْكِبْرِ، وَالْكَذِبِ، وَالْغِشِّ، وَالْمَكْرِ، وَالْخِدَاعِ، وَالنِّفَاقِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَخْلَاقِ الرَّذِيلَةِ،

– الشيخ : هذه كلها أخلاق دَنَسٍ، أخلاقٌ دَنِسَةٌ يعني: تُدَنِّسُ النفسَ، فالنقاء منها هو الزكاة، هو التزكية؛ لأن التزكيةَ فيها معنى الطُّهر وفيها معنى النَّمَاء والصلاح، فتزكيةُ النَّفسِ يكون بفعلِ الأعمالِ الصالحةِ، والتخلقِ بالأخلاقِ الكريمةِ، ومَن اجتهدَ في ذلك فإنَّما ينفعُ نفسَه ويُحسِنُ إلى نفسِه {ومَن تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ}.

 

– القارئ : وَتَحَلَّى بِالْأَخْلَاقِ الْجَمِيلَةِ، مِنَ الصِّدْقِ، وَالْإِخْلَاصِ، وَالتَّوَاضُعِ، وَلِينِ الْجَانِبِ، وَالنُّصْحِ لِلْعِبَادِ، وَسَلَامَةِ الصَّدْرِ مِنَ الْحِقْدِ وَالْحَسَدِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ مَسَاوِئِ الْأَخْلَاقِ، فَإِنَّ تَزْكِيَتَهُ يَعُودُ نَفْعُهَا إِلَيْهِ، وَيَصِلُ مَقْصُودُهَا إِلَيْهِ، لَيْسَ يَضِيعُ مِنْ عَمَلِهِ شَيْءٌ.

{وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} فَيُجَازِي الْخَلَائِقَ عَلَى مَا أَسْلَفُوهُ، وَيُحَاسِبُهُمْ عَلَى مَا قَدَّمُوهُ وَعَمِلُوهُ، وَلَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةَ إِلَّا أَحْصَاهَا.  قالَ اللهُ..

– الشيخ : إلى هنا، بس [يكفي].