الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة فاطر/(6) من قوله تعالى {وما يستوي الأعمى والبصير} الآية 19 إلى قوله تعالى {ثم أخذت الذين كفروا} الآية 26

(6) من قوله تعالى {وما يستوي الأعمى والبصير} الآية 19 إلى قوله تعالى {ثم أخذت الذين كفروا} الآية 26

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة فاطر

الدَّرس: السَّادس

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذ بالله نم الشيطان الرجيم

وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ * إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ * إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ * وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ * ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ[فاطر:19-26].

– الشيخ : إلى هنا، سبحانَ اللهِ، لا إلهَ إلّا الله. بعدما ذكرَ سبحانَه وتعالى من تزكَّى: {وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ}، وعُلِمَ من ذلك أنَّ من الناسِ من تزكَّى؛ من زكَّى نفسَهُ بالإيمانِ والعملِ الصالحِ، وتطهَّرَ من سيئاتِ الأعمالِ ومساوئِ الأخلاقِ، ومنهم من ليس كذلك، {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:9-10]. لما ذكر الله الفريقين: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى:14-15]، لَمَّا ذكرَ اللهُ الفريقينِ ضربَ المَثَلَ لهما بهذه المتضادَّاتِ، فهما ضِدّانِ، المؤمنُ والكافرُ، والمتزكّي وغير المتزكي، كما قال اللهُ تعالى في المشركين: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت:6-7]، لا زكاةَ النفوسِ بالتوحيدِ والإيمانِ والعملِ الصالحِ، ضربَ المثلَ لهما بهذه الأضدادِ؛ الأعمى والبصيرِ، كما قال تعالى في آيةٍ أخرى: {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى… وَالْبَصِيرِ}، {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى… وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ}، {مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ}، {كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ} [هود:24]، {كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ} هذا مثلُ السيءِ، مثلُ الكافرِ، {كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ، وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ}، أمَّا هنا فذكرَ الأشياءَ متقابلةً، {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ}، ضِدَّانِ لا يستويان.

{وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ}: شوف في عِزِّ الصيفِ أينَ الظلُّ من الشمسِ المحرقةِ، {وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ}، فالكافرُ يُمثَّلُ بالميتِ والمؤمنُ بالحيّ، {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ}، يُسمِعُ من يشاءُ فيهديه، {إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ}، وما أنت أيَّها الرسولُ، {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ}، والمقصودُ: أنَّكَ لا تُسمِعُ الذين خَذَلهم اللهُ، ولم يوفّقهم ولم يشرحْ صدورَهم لقبولِ الحقِّ، أنت يا محمَّدُ لا تستطيعُ أن تُسمِعهم، يُشبِه قولَه تعالى: {إنَّك لا تهدي من أحببت}، {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ}، {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}، {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ}، قال هنا: {إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ}، يمنُّ عليه بالهدايةِ وبالفهمِ وقبولِ الحقِّ، {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ}. {إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ}: الرسولُ عليه الصلاةُ والسلامُ ليس إليه هدايةُ الخلقِ، إنَّما عليه النَّذَارةُ، {إِنما أَنْتَ نَذِيرٌ}، تنذرُ العبادَ عذابَ اللهِ، {إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ}، {إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}، {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ}، {إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ}.

{وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا…}، {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ}، "إنْ" هذه نافيةٌ، المعنى: وما من أمَّةٍ منَ الأممِ الماضيةِ إلَّا مضى فيها نذيرٌ، {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ}، {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ}، {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى}، تِباعًا، نوحٌ فهودٌ فصالحٌ فشعيبُ ولوطٌ وموسى، وبينهما من لا يعلمُهُ إلَّا اللهُ، {مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ}، {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ}. نعم وش الآية اللي بعدها؟

– القارئ : {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ}

– الشيخ : {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}، {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} وش بعده؟

– القارئ : {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ}

– الشيخ : {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ}، أنا قلت: {إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ}، {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}، {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ}، نعم.

– القارئ : {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ}

– الشيخ : {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}، هذا جنسُ نظيرُ ما جاءَ في أوّلِ السورةِ، {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ}، وهنا قال: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ * وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ}، بالحججِ الواضحاتِ والبراهينِ الظاهراتِ، {بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ}، جاءوهم بالكتبِ من عندِ اللهِ، كما أنزلَ على موسى التوراةَ وعلى عيسى الإنجيلَ وداودَ الزبورَ، ومنهم من لم نُعرَّفْ به ولم نُخبَرْ عنه، من ذلك صحفُ إبراهيمَ، {فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم:36-37]، {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} [الأعلى:18-19].

{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ * ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا}: يخبر تعالى عما فعله بالمكذبين، أخذهم بما أنزل عليهم من بأسه، {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا} [العنكبوت:40]. {ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ}، كيف كان، هذا استفهامٌ يُشعِرُ بِعظمِ ما جرى على أولئكِ المكذّبينَ، {كَيْفَ كَانَ نَكِيرِ}، يعني إنكاري عليهم، وقد أنكرَ على الكافرين، أنكرَ عليهم بما أنزلَه من العقوباتِ، {كَيْفَ كَانَ نَكِيرِ}، نكير: فيها ياءٌ محذوفةٌ، {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ}، كيف كان إنكاري، مثل: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ}.

 

 (تفسير السعدي)

– القارئ : بسمِ الله الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيّنا محمَّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين. قال الشيخُ عبدُ الرحمنِ السعدي رحمهُ اللهُ تعالى في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الأعْمَى وَالْبَصِيرُ} الآيات:

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَتَسَاوَى الْأَضْدَادُ فِي حِكْمَةِ اللَّهِ، وَفِيمَا أَوْدَعَهُ فِي فِطَرِ عِبَادِهِ، {فَلَا يَسْتَوِي الأَعْمَى} فَاقِدُ الْبَصَرِ {وَالْبَصِيرُ وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ}. فَكَمَا أَنَّهُ مِنَ الْمُتَقَرَّرِ عِنْدَكُمُ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الشَّكَّ، أَنَّ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ لَا تَتَسَاوَى، فَكَذَلِكَ فَلْتَعْلَمُوا أَنَّ عَدَمَ تَسَاوِي الْمُتَضَادَّاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ أَوْلَى وَأَوْلَى، فَلَا يَسْتَوِي الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ، وَلَا الْمُهْتَدِي وَالضَّالُّ، وَلَا الْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ، وَلَا أَصْحَابُ الْجَنَّةِ وَأَصْحَابُ النَّارِ

– الشيخ : {أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى} [الرعد:19]، لا يستويان.

 

– القارئ : وَلَا أَحْيَاءُ الْقُلُوبِ وَأَمْوَاتُهَا، فَبَيْنَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنَ التَّفَاوُتِ وَالْفَرْقِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، فَإِذَا عُلِمَتِ الْمَرَاتِبُ، وَمُيِّزَتِ الْأَشْيَاءُ، وَبَانَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُتَنَافَسَ فِي تَحْصِيلِهِ مِنْ ضِدِّهِ، فَلْيَخْتَرِ الْحَازِمُ لِنَفْسِهِ مَا هُوَ أَوْلَى بِهِ وَأَحَقُّ بِالْإِيثَار.

{إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ} سَمَاعَ فَهْمٍ وَقَبُولٍ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْهَادِي الْمُوَفِّقُ، {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} أَيْ: أَمْوَاتِ الْقُلُوبِ، أَوْ كَمَا أَنَّ دُعَاءَكَ لَا يُفِيدُ سُكَّانَ الْقُبُورِ شَيْئًا، كَذَلِكَ لَا يُفِيدُ الْمُعْرِضَ الْمُعَانِدَ شَيْئًا، وَلَكِنَّ وَظِيفَتَكَ النِّذَارَةُ وَإِبْلَاغُ مَا أُرْسِلْتَ بِه قَبِلَ مِنْكَ أَمْ لَا، وَلِهَذَا قَالَ: {إِنْ أَنْتَ إِلا نَذِيرٌ * إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ} أَيْ مُجَرَّدُ إِرْسَالِنَا إِيَّاكَ بِالْحَقِّ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَكَ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ وَطُمُوسٍ مِنَ السُّبُلِ وَانْدِرَاسٍ مِنَ الْعِلْمِ وَضَرُورَةٍ عَظِيمَةٍ إِلَى بَعْثِكَ فَبَعَثَكَ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَكَذَلِكَ مَا بَعَثْنَاكَ بِهِ مِنَ الدِّينِ الْقَوِيمِ وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ حَقٌّ لَا بَاطِلٌ، وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَاكَ بِهِ مِنْ هَذَا الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الذِّكْرِ الْحَكِيمِ حَقٌّ وَصِدْقٌ، {بَشِيرًا} لِمَنْ أَطَاعَكَ بِثَوَابِ اللَّهِ الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ، {وَنَذِيرًا} لِمَنْ عَصَاكَ بِعِقَابِ اللَّهِ الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ وَلَسْتَ بِبِدْعٍ مِنَ الرُّسُلِ.

– الشيخ : لا إله إلا الله، إذا ذُكِرتِ البشارةُ والنّذارةُ {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} ناسبَ أن تكونَ البشارةُ للمستجيبينَ، للمؤمنينَ المستجيبينَ للدعوةِ، والنّذارةُ للمكذّبينَ، هؤلاءِ يُبشَّرونَ بالثوابِ والأجرِ العظيمِ، وهؤلاءِ  يُنذرونَ ما أُعِدّ لهم من العذابِ الأليمِ، أمَّا إذا جاءتِ النَّذارةُ مطلقةً فإنَّها تعمُّ، تعمُّ الجميعَ، كلهم يُحذَّرونَ، كُلهم يُحذَّرون، {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ}، {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ} للجميعِ، {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}. أمَّا البشارةُ فمختصَّةٌ بأهلِ الإيمانِ والعملِ الصالحِ.

 

– القارئ : {وإن مِنْ أُمَّةٍ} من الأممِ الماضيةِ والقرونِ الخاليةِ {إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ} يُقيمُ عليهم حُجَّةَ اللهِ {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ}.

قال اللهُ تعالى: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ…} الآيات:

أي: وإنْ يُكذّبوكَ أيّها الرسولُ، هؤلاءِ المشركونَ، فلستَ أوَّلَ رسولٍ كُذّبَ، {فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} الدالات

– الشيخ : قوله: إن يُكذّبوكَ أيَّها الرسولُ، يعني: يُكذبوكَ قومُكَ، قريشٌ ومن لحقَ بهم، فما ذاك بِبدعٍ، قد كُذِّبَ رُسُلٌ من قبلكَ كثيرون، قد كَذّبت أممٌ كثيرةٌ، كَذّبتْ قومُ نوحٍ، كَذَّبتْ عادٌ، كَذَّبتْ ثمودُ، كَذَّبتْ قومُ لوطٍ، كَذَّبَ فرعونُ وقومُه، كلُّهم.

 

– القارئ : الدَّالَاتِ عَلَى الْحَقِّ، وَعَلَى صِدْقِهِمْ فِيمَا أَخْبَرُوهُمْ بِهِ، {وَبِالزُّبُرِ} أَيِ: الْكُتُبِ الْمَكْتُوبَةِ، الْمَجْمُوعِ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ الْأَحْكَامِ، {وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} أَيِ: الْمُضِيءِ فِي أَخْبَارِهِ الصَّادِقَةِ وَأَحْكَامِهِ الْعَادِلَةِ، فَلَمْ يَكُنْ تَكْذِيبُهُمْ إِيَّاهُمْ نَاشِئًا عَنِ اشْتِبَاهٍ، أَوْ قُصُورٍ بِمَا جَاءَتْهُمْ بِهِ الرُّسُلُ، بَلْ بِسَبَبِ ظُلْمِهِمْ وَعِنَادِهِمْ.

{ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا} بِأَنْوَاعِ الْعُقُوبَاتِ {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} عَلَيْهِمْ؟ كَانَ أَشَدَّ النَّكِيرِ وَأَعْظَمَ التَّنْكِيلِ، فَإِيَّاكُمْ وَتَكْذِيبَ هَذَا الرَّسُولِ الْكَرِيمِ، فَيُصِيبُكُمْ كَمَا أَصَابَ أُولَئِكَ، مِنَ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ وَالْخِزْيِ الْوَخِيمِ.

قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ..}

– الشيخ : إلى هنا باركَ اللهُ فيك.