بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة فاطر
الدَّرس: السَّابع
*** *** ***
– القارئ : أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ * وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ * إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ}[فاطر:35-38]
– الشيخ : يُنَبِّهُ -سبحانه وتعالى- في هذه الآياتِ إلى أنواعٍ مِن الآياتِ الكونيةِ مِن المخلوقاتِ الـمُشاهَدَةِ
{أَلَمْ تَرَ} أي: ألمْ تعلمْ {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء} أو {أَلَمْ تَرَ} يعني رؤيةَ البصرِ؛ لأنَّ هذه كلها مشاهَدَةٌ {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ} كما قال تعالى -شواهدُ هذا المعنى كثيرة-: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ} [البقرة:22] وهنا يقولُ، وآياتٌ أخرى كثيرةٌ فيها تفصيل: { هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ*يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ} [النحل:10-11] لا إله إلا الله.
{فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا} الله أكبر، تَدَبَّرْ وتفكَّرْ، يعني في هذا، معنى هذه الآياتِ الامتنانُ على الله بهذهِ النِّعَمِ هذه النِّعَمُ وَلَفْتُ أنظارِ العبادِ لِيَتَدَبَّرُوهَا ويتفكَّرُوا فيها، شوف: {ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا} أحمرُ وأصفرُ وغيرُ ذلكَ وبينَ ذلكَ، أشكالٌ، سبحان الله! تَدَبَّرْ، إذا أتيتَ بستانًا، بل إذا وُضعَتْ بينَ يديكَ هذه الفواكهُ التي جاءتْ مِن أرضٍ بعيدةٍ انظرْ إليه تجدُها نفس أنتَ تشاهدُ هذه الألوانَ {مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا} فيها جمالٌ، فيها جمالٌ، يُشوِّقُ إلى تناولِ هذه الثمار، النوعُ الواحدُ يجعلُهُ الله ألوانًا: كالنَّخلِ فيه الأحمرُ والأصفرُ والذي هو مُختلِطُ بأكثرَ من لونٍ.
يقول تعالى: {وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} أيضاً هذا نوعٌ من أنواعِ الآياتِ: الجبالُ: أبيضُ وأسودُ {غَرَابِيبُ سُودٌ} يعني شديدُ السوادِ في [توجد] جبالٌ سودٌ حالكةٌ، {وَحُمْرٌ} {وَغَرَابِيبُ سُودٌ} وهكذا أيضاً البهائمُ والحيواناتُ هي أيضاً فيها، يعني هذا التلوينُ العجيبُ سبحان الله! الإبلُ فيها الحُمْرُ، وهي أفضلُ وأغلى ما عندَ العربِ من أنواعِ المالِ، يقول -عليه الصلاة والسلام-: (خيرٌ لكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ)
{غَرَابِيبُ سُودٌ*وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ} الناسُ البشرُ ألوانٌ أيضاً، ألوانٌ، يعني الظاهرُ في هذه الآيةِ لَفْتُ أنظارِ العِبادِ إلى التلوينِ إلى الألوانِ في هذه المخلوقاتِ: في الثمارِ في الجبالِ في الناسِ في الحيواناتِ في الدوابِّ، لا إله إلا الله، سبحانَ الذي أبدعَ صُنْعَهُ!
تأملْ، تَفَكَّرْ يا أيُّها العاقلُ، يا أيها الإنسانُ تَفَكَّرْ، وهذا التفكيرُ يؤدِّي بكَ إلى مزيدِ الإيمانِ، يزيدُ به الإيمانُ، وتشاهدُ وتدركُ بهذا قدرةَ الرَّبِّ وحكمتَه ورحمتَه وإنعامَه.
{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} {إِنَّمَا} هذهِ يقولُ أهلُ اللغةِ: أداةُ حَصْرٍ، يعني: ما يخشى اللهَ ويخافُ اللهَ إلا العلماءُ العالـِمون بعظمتِهِ وسلطانِهِ وشدةِ بطشِهِ وشدةِ عذابِهِ، العالمونَ بالله {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}
{إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} جمعَ بين هذينِ الاثنينِ: العِزَّةُ المتضمنةِ لكمالِ القدرةِ والقهرِ والغلبةِ، والمغفرةُ، فهو عزيزٌ وغفورٌ -سبحانه وتعالى- كثيرُ المغفرةِ.
ثم اثنى -سبحانه وتعالى- على الذين يتلونَ كتابَ اللهِ وهذا المعنى لعلَّهُ -والله أعلمُ- متصِلٌ بقوله: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} وهمُ الذينَ يتلونَ كتابَ اللهِ {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} {يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ} قيلَ يَتْلُونَهُ: يَقرؤونَهُ وهذا معنىً صحيحٌ، وقيلَ {يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ} يَتْبَعُونَهُ بالعملِ، وهذا صحيحٌ، فَهُمْ يقرؤونَهُ ويعملونَ بِه، يقرؤونَهُ القراءةَ المعروفةَ، ويَتَّبعونَهُ بامتثالِ ما فيهِ مِن الأوامرِ والنَّواهي، وخَصَّ مِن ذلكَ الصلاةَ، الصلاةُ يخصُّها اللهُ بالذكرِ ونظيرُ هذهِ الآيةِ: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ} [الأعراف:170] {يُمَسِّكُونَ}: يَتَمَسَّكُونَ {بِالْكِتَابِ} بالإيمانِ بِه والعملِ بما فيه.
وخَصَّ كذلكَ النفقةَ، وكثيراً ما يَقْرِنُ اللهُ بينَ الصلاةِ والنفقةِ، يدخلُ بذلكَ الزكاةُ بالدرجةِ الأولى، وغيرُ الزكاة.
{وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} وهذا فيهِ الإخلاصُ وهم يتقربونَ إلى اللهِ؛ رجاءَ ثوابِهِ وكرامتِهِ {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ*لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ}
(تفسيرُ السعدي):
– القارئ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم، الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبِه أجمعين، قال الشيخ عبدُ الرحمن السعدي -رحمه الله تعالى- في تفسير قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} الآيات.
يَذْكُرُ تَعَالَى خَلْقَهُ لِلْأَشْيَاءِ الْمُتَضَادَّاتِ، الَّتِي أَصْلُهَا وَاحِدٌ، وَمَادَّتُهَا وَاحِدَةٌ، وَفِيهَا مِنَ التَّفَاوُتِ وَالْفَرْقِ مَا هُوَ مُشَاهَدٌ مَعْرُوفٌ،
– الشيخ : {يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ} [الرعد:4]
– القارئ : لِيَدُلَّ الْعِبَادُ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ وَبَدِيعِ حِكْمَتِهِ.
فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً، فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ الْمُخْتَلِفَاتِ، وَالنَّبَاتَاتِ الْمُتَنَوِّعَاتِ، مَا هُوَ مُشَاهَدٌ لِلنَّاظِرِينَ، وَالْمَاءُ وَاحِدٌ، وَالْأَرْضُ وَاحِدَةٌ.
وَمِنْ ذَلِكَ: الْجِبَالُ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ أَوْتَادًا لِلْأَرْضِ، تَجِدُهَا جِبَالًا مُشْتَبِكَةً، بَلْ جَبَلًا وَاحِدًا، وَفِيهَا أَلْوَانٌ مُتَعَدِّدَةٌ، فِيهَا {جُدَدٌ بِيضٌ}، أَيْ: طَرَائِقُ بِيضٌ، وَفِيهَا طَرَائِقُ صُفْرٌ وَحُمْرٌ، وَفِيهَا {غَرَابِيبُ سُودٌ}، أَيْ: شَدِيدَةُ السَّوَادِ جِدًّا.
وَمِنْ ذَلِكَ: النَّاسُ وَالدَّوَابُّ، وَالْأَنْعَامُ، فِيهَا مِنِ اخْتِلَافِ الْأَلْوَانِ وَالْأَوْصَافِ وَالْأَصْوَاتِ وَالْهَيْئَاتِ،
– الشيخ : لا إله إلا الله، سبحان الله! نعوذُ بالله من الغَفلة، أكثرُ الخلقِ ينظرونَ إلى هذه المخلوقاتِ نظرَ البهائمِ أو دونَ ذلك، ولهذا مَثَّلَ اللهُ الكفارَ بالبهائمِ، الكفار؛ لأنَّهم لا يتفكرونَ ولا يؤمنونَ، فهم ينظرونَ إلى هذه المخلوقاتِ وهذه الموجوداتِ نظراً قاصراً.
وكما تقدَّمَ أنهم المهتمونَ بالتوصُّلِ إلى منافعِ هذه المخلوقاتِ يفكرونَ في طرقِ وأسبابِ الوصولِ إلى هذه المنافعِ، لكنَّهم لا يتفكرونَ في المبدِعِ -بديعُ السمواتِ والأرضِ- لا يفكرونَ: مَن الذي أوجدَها؟ مَن الذي نَوَّعَ خلقَهَا؟ سبحان الله العظيم!
فينبغي على المسلمِ أنْ لا يشابَه الكفارَ في الغفلةِ يقول تعالى: {إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ} [يونس:7] يشملُ: الآياتِ الشرعيةِ المتلوَّة، والآياتُ الكونيةُ، الغافلونَ عَن هذهِ وهذهِ.
– القارئ : مَا هُوَ مَرْئِيٌّ بِالْأَبْصَارِ، مَشْهُودٌ لِلنُّظَّارِ، وَالْكُلُّ مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ وَمَادَّةٍ وَاحِدَةٍ.
فَتَفَاوُتُهَا دَلِيلٌ عَقْلِيٌّ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، الَّتِي خَصَّصَتْ مَا خَصَّصَتْ مِنْهَا، بِلَوْنِهِ، وَوَصْفِهِ، وَقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى حَيْثُ أَوْجَدَهَا كَذَلِكَ، وَحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ، حَيْثُ كَانَ ذَلِكَ الِاخْتِلَافُ، وَذَلِكَ التَّفَاوُتُ فِيهِ مِنَ الْمَصَالِحِ وَالْمَنَافِعِ، وَمَعْرِفَةِ الطُّرُقِ، وَمَعْرِفَةِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، مَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَذَلِكَ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى سِعَةِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، وَلَكِنَّ الْغَافِلَ يَنْظُرُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَغَيْرِهَا نَظَرَ غَفْلَةٍ لَا تُحْدِثُ لَهُ تَّذَكُّرًا، وَإِنَّمَا يَنْتَفِعُ بِهَا مَنْ يَخْشَى اللَّهَ تَعَالَى، وَيَعْلَمُ بِفِكْرِهِ الصَّائِبِ وَجْهَ الْحِكْمَةِ فِيهَا.
وَلِهَذَا قَالَ: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} فَكُلُّ مَنْ كَانَ بِاللَّهِ أَعْلَمَ، كَانَ أَكْثَرَ لَهُ خَشْيَةً، وَأَوْجَبَتْ لَهُ خَشْيَةُ اللَّهِ، الِانْكِفَافَ عَنِ الْمَعَاصِي، وَالِاسْتِعْدَادَ لِلِقَاءِ مَنْ يَخْشَاهُ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى فَضِيلَةِ الْعِلْمِ، فَإِنَّهُ دَاعٍ إِلَى خَشْيَةِ اللَّهِ
– الشيخ : العلمَ، العلمَ، أيُّ علمٍ؟ العلمُ الشرعيُّ، العلمُ النبويُّ، العلمُ بالكتابِ والسنةِ، أمَّا العلومُ الماديةُ الدنيويةُ التجريبيةُ هذه لا تثمرُ لأكثرِ أهلِها خشيةً ولا إيماناً ولا بصيرةً كما يشهدُ به الواقعُ، هؤلاءِ الحُذَّاقُ الذين ابتكروا هذهِ الصناعاتِ هم مِن أكفرِ خلقِ اللهِ، مِن أكفرِ خلقِ اللِه، ما زادَهُم هذا العلمُ إلا استكباراً وطغياناً وظلماً وغروراً، العلمُ الذي يُثمِرُ الخشيةَ هو العلمُ بأسماءِ اللهِ وصفاتِه العلمُ بحكمتِه وتدبيرِهِ العلمُ بما جاءَتْ بِه الرسلُ ونزلَتْ بِه الكتبُ.
– القارئ : وَأَهْلُ خَشْيَتِهِ هُمْ أَهْلُ كَرَامَتِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} [البينة:8]
{إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ} كَامِلُ الْعِزَّةِ، وَمِنْ عِزَّتِهِ خَلْقُ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ الْمُتَضَادَّاتِ، {غَفُورٌ} لِذُنُوبِ التَّائِبِينَ.
قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ} الآيات.
{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ} يْ: يَتَّبِعُونَهُ فِي أَوَامِرِهِ فَيَمْتَثِلُونَهَا، وَفِي نَوَاهِيهِ فَيَتْرُكُونَهَا، وَفِي أَخْبَارِهِ فَيُصَدِّقُونَهَا وَيَعْتَقِدُونَهَا، وَلَا يُقَدِّمُونَ عَلَيْهِ مَا خَالَفَهُ مِنَ الْأَقْوَالِ، وَيَتْلُونَ أَيْضًا أَلْفَاظَهُ، بِدِرَاسَتِهِ، وَمَعَانِيهِ، بِتَتَبُّعِهَا وَاسْتِخْرَاجِهَا.
ثُمَّ خَصَّ مِنَ التِّلَاوَةِ بَعْدَمَا عَمَّ:
الصَّلَاةَ الَّتِي هِيَ عِمَادُ الدِّينِ، وَنُورُ الْمُسْلِمِينَ، وَمِيزَانُ الْإِيمَانِ، وَعَلَامَةُ صِدْقِ الْإِسْلَامِ.
والنَّفَقَةَ عَلَى الْأَقَارِبِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْيَتَامَى وَغَيْرِهِمْ، مِنَ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ وَالصَّدَقَاتِ. سِرًّا وَعَلانِيَةً فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ.
{يَرْجُونَ بِذَلِكَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ} أَيْ: لَنْ تَكْسُدَ وَتَفْسُدَ، بَلْ تِجَارَةٌ هِيَ أَجَلُّ التِّجَارَاتِ وَأَعْلَاهَا وَأَفْضَلُهَا، أَلَا وَهِيَ رِضَا رَبِّهِمْ، وَالْفَوْزُ بِجَزِيلِ ثَوَابِهِ، وَالنَّجَاةُ مِنْ سُخْطِهِ وَعِقَابِهِ، وَهَذَا فِيهِ أنَّهُ يُخلصونَ بِأَعْمَالِهِمْ، وَأَنَّهُمْ لَا يَرْجُونَ بِهَا مِنَ الْمَقَاصِدِ السَّيِّئَةِ وَالنِّيَّاتِ الْفَاسِدَةِ شَيْئًا.
وَذَكَرَ أَنَّهُمْ حَصَلَ لَهُمْ مَا رَجَوْهُ فَقَالَ: لِيُوَفِّيْهِمْ أُجُورَهُمْ
– الشيخ : {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ}
– القارئ : {لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ} أَيْ: أُجُورَ أَعْمَالِهِمْ، عَلَى حَسَبِ قِلَّتِهَا وَكَثْرَتِهَا، وَحُسْنِهَا وَعَدَمِهِ، {وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} زِيَادَةً عَنْ أُجُورِهِمْ. {إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} غَفَرَ لَهُمُ السَّيِّئَاتِ، وَقَبِلَ مِنْهُمُ الْقَلِيلَ مِنَ الْحَسَنَاتِ.
– الشيخ : إلى هنا.