الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة فاطر/(8) من قوله تعالى {والذي أوحينا إليك من الكتاب} الآية 31 إلى قوله تعالى {الذي أحلنا دار المقامة} الآية 35
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(8) من قوله تعالى {والذي أوحينا إليك من الكتاب} الآية 31 إلى قوله تعالى {الذي أحلنا دار المقامة} الآية 35

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة فاطر

الدَّرس: الثَّامن

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ من الشَّيطانِ الرَّجيمِ

وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ * ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ [فاطر:31-35].

– الشيخ : إلى هنا. يقولُ سبحانَه وتعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}، الكتابُ: هو القرآنُ، أورثَهُ اللهُ هذه الأمَّةَ، وقد أنزلَ اللهُ قبلَه على بني إسرائيلَ ومن شاءَ اللهُ كتبًا، وكان آخرُ كتابٍ هو القرآنُ على خاتمِ الأنبياءِ، أنزلَ آخرَ الكتبِ المنزّلةِ على آخرِ الرّسلِ صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه وعليهم أجمعين.

{وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ، الخطاب للنبي، وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ}، فبعدَ نزولِ هذا القرآنِ فما خرجَ عن هذا القرآنِ فليسَ بحقٍّ، كلُّ ما يخالفُ هذا القرآنَ فهو باطلٌ، وهذا القرآنُ وما دلَّ عليه هو الحقُّ، {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ، وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ}، مصدقًا لما بين يديه من الكتبِ السابقةِ كالتوراةِ، فالقرآنُ دلَّ على صِحَّةِ أنزلَه اللهُ على موسى وما أنزلَهُ اللهُ على موسى وعلى غيرِهما، فهو شاهدٌ لها مصدقًا، مصدقًا بأنَّها من عند اللهِ ومصدقًا لما تضمَّنتهُ من الشرائعِ وأصولِ العقائدِ، وكلُّها دلَّتْ على التوحيدِ، كلُّها دلَّتْ على أصولِ الإيمانِ من الملائكةِ والكتبِ والرسلِ واليومِ الآخرِ والقدرِ، {إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ}، كذا الآية؟

– القارئ : نعم.

– الشيخ : {إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ}: هو أعلمُ سبحانَه وتعالى، خبيرٌ بعبادِه وما يُصلحُهم، وما ينفعُهم أو يضرُّهم، وقد أنزلَ في هذه الكتبِ الهدى، أنزلَ فيها الهدى، {فإمَّا يأتينَّكُمْ مِنّي هدًى}، فهذا هو الهدى الذي وعدَ اللهُ به، وقال تعالى: {وأنْزَلَ التوراةَ والإنجيلَ من قبلُ هدًى للناسِ وأنْزَلَ الفُرِقانَ}.

ثم قال تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ}، بعد الكتبِ السابقةِ أنزلَ هذا القرآنَ، {ثمَّ أورثنا الكتابَ}، {ثمَّ أورثنا الكتابَ}، مصدقًا… {إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ * ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ}، ها؟

– القارئ : {الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا}

– الشيخ : {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}: هم هذه الأمة، فهذه الأمَّةُ اختارَها اللهُ، فضَّلها على سائرِ الأممِ، {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}، {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ}، كلُّهم مُصْطَفَونَ ولكنَّهم مُتفاضلونَ في هذا الاصطفاءِ، {فمنهمْ ظالمٌ لنفسِهِ}: وهم المُخلِّطون، كالذين قال اللهُ فيهم: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا}، ولكنَّهم مُسلمونَ مُصْطَفَونَ على سائرِ البشرِ وعلى سائرِ الناسِ.

{ومنهم مُقتصِدٌ}: قال المفسرونَ: هم الذين قاموا بالواجباتِ، أدَّوا الفرائضَ والواجباتِ، واجتنبوا المحرَّمات، لكن ليسَ لهم تميّزٌ في النوافلِ، نوافلِ الطاعاتِ، وإن كانوا ليسوا مُعرضينَ عنها، لكن ليس لهم تميُّزٌ وإكثارٌ من نوافلِ الطاعاتِ، فلهذا وُصِفوا بالاقتصادِ، بالتوسُّطِ.

{وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ}: هؤلاءِ الذين أدّوا الفرائضَ واجتنبوا المحارِمَ وسابقوا بأنواعِ الخيراتِ من سائرِ الطاعاتِ، من الصلاةِ والصيامِ والصدقةِ والجهادِ والإحسانِ إلى عبادِ اللهِ أنواع، {وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ}، هم مُسارعونَ وسابقونَ، {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون:57-61]، يُسارعونَ ويُسابقونَ، وهم سابقونَ لغيرِهم، كما تقولُ: سابَقَه فسَبَقَهُ، فهم سَابَقوا وسَبَقوا.

{وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}، ما أعطاهُ اللهُ لهؤلاءِ للصنفِ الثالثِ الذين هم أفضلُ هذه الأصنافِ، قال اللهُ: {ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}، فاللهُ فضَّلَهم وآتاهم من فضلِه ما لم يُعطِ سواهم، {ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}. ويحتملُ أنَّ هذا الفضلَ يشملُ كلَّ ما أعطاهُ اللهُ المُصْطَفَينَ، أولئكَ الذين اصطفاهم، وإن تفاوتوا في نصيبِهم من ذلك الفضلِ، {ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ}.

ثمَّ قال تعالى: {جَنَّاتُ}، وهذا واللهُ أعلمُ تفسيرٌ للفضلِ الكبيرِ، {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا}، {جَنَّاتُ عَدْنٍ} يعني: إقامة، جناتُ خلودٍ ودوامٍ وبقاءٍ سرمديٍّ، بقاءٍ سرمديٍّ لا ينقطعُ ولا ينتهي، أبدَ الآبادِ، اللهمَّ إنَّا نسألُكَ من فضلِك، اللهمَّ إنَّا نسألُكَ من فضلِكَ، اللهمَّ إنّا نسألُكَ من فضلِكَ، اللهُ أكبرُ، {جنَّاتُ عَدْنٍ يدخلونَها}.

ثمَّ ذكرَ من نعيمِهم الجنَّةَ ما يتعلَّقُ باللباسِ والطمأنينةِ، {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا}، يُحلَّونَ ويلبسونَ الحليَّ، رِجالُهم ونسائُهم، {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ}، الذهبُ كان حرامًا على هذه الأمةِ لبسُ الذهبِ ولبسُ الحريرِ، ولكنْ في الجنةِ يُزيّنونَ ويُحلَّونَ بالذهبِ والحريرِ، {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ… وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ}.

{وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ}: يحمدونَ اللهَ على ما من به عليهم من الثوابِ الجزيلِ، وأذهبَ عنهم المخاوفَ وأذهبَ عنهم الأحزانَ، {فلا يحزنونَ}، لا يحزنونَ على ما فاتَهم من متاعِ الدنيا ولا يعبئونَ به، أذهبَ عنهم الحزنَ.

{وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ}، يُثنونَ على اللهِ، يُثنونَ على ربّهم بأنْ غَفَرَ لهم فهو الغفورُ، وضاعَفَ لهم المثوبةَ لأنَّه الشَّكورُ، لأنَّه الشَّكورُ، يجزي على العملِ القليلِ الأجرَ الجزيلَ، {إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ}.

الَّذِي أَحَلَّنَا، هذه بعدها؟

– القارئ : نعم نعم.

– الشيخ : {الَّذِي أَحَلَّنَا} يعني: أنْزَلَنَا، {الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ}، {دارَ المقامةِ}: هي الجنَّةُ، {دارَ المقامةِ}، المقامَةُ يعني: الإقامةُ، الإقامةً التي ليس يَعْقُبها رحيلٌ، ولا تحوُّلٌ، {أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ}، راحةٌ، راحةٌ نفسيَّةٌ وبدنيّةٌ، راحةٌ نفسيَّةٌ لما في الجنَّةِ من أنواعِ المتعِ واللذَّاتِ، من المناظرِ والمطاعمِ والمشاربِ وأنواعِ النعيمِ، وسلَّمَهم من كلِّ ما يُؤذيهم، فلا نصبَ ولا لغوبَ ولا حزنَ ولا خوفَ، آمنون، {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ}.

 

 (تفسير السعدي)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيّنَا محمَّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين. قال الشيخُ عبدُ الرحمنِ السعدي رحمهُ اللهُ تعالى في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ} الآيات:

يَذْكُرُ تَعَالَى أَنَّ الْكِتَابَ الَّذِي أَوْحَاهُ إِلَى رَسُولِهِ {هُوَ الْحَقُّ} مِنْ كَثْرَةِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ، كَأَنَّ الْحَقَّ مُنْحَصِرٌ فِيهِ، فَلَا يَكُنْ فِي قُلُوبِكُمْ حَرَجٌ مِنْهُ، وَلَا تَتَبَرَّمُوا مِنْهُ، وَلَا تَسْتَهِينُوا به، فَإِذَا كَانَ هُوَ الْحَقَّ، لَزِمَ أَنَّ كُلَّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَسَائِلِ الْإِلَهِيَّةِ وَالْغَيْبِيَّةِ وَغَيْرِهَا مُطَابِقٌ لِمَا فِي الْوَاقِعِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا يُخَالِفُ ظَاهِرَهُ وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ.

{مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ}

– الشيخ : وكأنَّ الشيخَ يردُّ على الذين يتأوَّلونَ كثيرًا من نصوصِ الأخبارِ الغيبيةِ ممّا يتعلَّقُ باللهِ أو باليومِ الآخرِ، ويتأوَّلونَها على خلافِ ظاهرِها، والواجبُ إجراءُ نصوصِ الكتابِ على ظاهرِها؛ لأنَّ اللهَ أخبرنا بأنَّ هذا القرآنَ هو الحقُّ، فأخبارُه مطابقةٌ للواقعِ، وليس لها معنًى هو خلافُ ظاهرِها.

 

– القارئ : {مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} مِنَ الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ؛ لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْ بِهِ، فَلَمَّا وُجِدَ وَظَهَرَ، ظَهَرَ بِهِ صِدْقُهَا. فَهِيَ بَشَّرَتْ بِهِ وَأَخْبَرَتْ، وَهُوَ صَدَّقَهَا، وَلِهَذَا لَا يُمْكِنُ أَحَدًا أَنْ يُؤْمِنَ بِالْكُتُبِ السَّابِقَةِ وَهُوَ كَافِرٌ بِالْقُرْآنِ أَبَدًا؛ لِأَنَّ كُفْرَهُ بِهِ، يَنْقُضُ إِيمَانَهُ بِهَا؛ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ أَخْبَارِهَا الْخَبَر عَنِ الْقُرْآنِ؛ وَلِأَنَّ أَخْبَارَهَا مُطَابِقَةٌ لِأَخْبَارِ الْقُرْآنِ. {إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ} فَيُعْطِي كُلَّ أُمَّةٍ وَكُلَّ شَخْصٍ مَا هُوَ اللَّائِقُ بِحَالِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الشَّرَائِعَ السَّابِقَةَ لَا تَلِيقُ إِلَّا بِوَقْتِهَا وَزَمَانِهَا؛ وَلِهَذَا مَا زَالَ اللَّهُ يُرْسِلُ الرُّسُلُ رَسُولًا بَعْدَ رَسُولٍ حَتَّى خَتَمَهُمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ بِهَذَا الشَّرْعِ الَّذِي يَصْلُحُ لِمَصَالِحِ الْخَلْقِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَيَتَكَفَّلُ بِمَا هُوَ الْخَيْرُ فِي كُلِّ وَقْتٍ.

وَلِهَذَا لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ أَكْمَلَ الْأُمَمِ عُقُولًا وَأَحْسَنَهُمْ أَفْكَارًا، وَأَرَقَّهُمْ قُلُوبًا، وَأَزْكَاهُمْ أَنْفُسًا، اصْطَفَاهُمْ تَعَالَى، وَاصْطَفَى لَهُمْ دِينَ الْإِسْلَامِ، وَأَوْرَثَهُمُ الْكِتَابَ الْمُهَيْمِنَ عَلَى سَائِرِ الْكُتُبِ، وَلِهَذَا قَالَ: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} وَهُمْ هَذِهِ الْأُمَّةُ {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} بِالْمَعَاصِي الَّتِي هِيَ دُونَ الْكُفْرِ {وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ} مُقْتَصِرٌ عَلَى مَا يَجِبُ عَلَيْهِ، تَارِكٌ لِلْمُحَرَّم {وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} أَيْ: سَارَعَ فِيهَا وَاجْتَهَدَ فَسَبَقَ غَيْرَهُ، وَهُوَ الْمُؤَدِّي لِلْفَرَائِضِ، الْمُكْثِرُ مِنَ النَّوَافِلِ، التَّارِكُ لِلْمُحَرَّمِ وَالْمَكْرُوهِ، فَكُلُّهُمُ اصْطَفَاهُ اللَّهُ تَعَالَى.

– الشيخ : نعم كلُّ هؤلاءِ الأصنافِ الثلاثةِ، لكن مع التفاضلِ في الاصطفاءِ.

 

– القارئ : لِوِرَاثَةِ هَذَا الْكِتَابِ، وَإِنْ تَفَاوَتَتْ مَرَاتِبُهُمْ، وَتَمَيَّزَتْ أَحْوَالُهُمْ، فَلِكُلٍّ مِنْهُمْ قِسْطٌ مِنْ وِرَاثَتِهِ، حَتَّى الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ، فَإِنَّ مَا مَعَهُ مِنْ أَصْلِ الْإِيمَانِ، وَعُلُومِ الْإِيمَانِ، وَأَعْمَالِ الْإِيمَانِ، مِنْ وِرَاثَةِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِوِرَاثَةِ الْكِتَابِ، وِرَاثَةُ عِلْمِهِ وَعَمَلِهِ، وَدِرَاسَةُ أَلْفَاظِهِ، وَاسْتِخْرَاجُ مَعَانِيهِ. وَقَوْلُهُ: {بِإِذْنِ اللَّهِ} رَاجِعٌ إِلَى السَّابِقِ إِلَى الْخَيْرَاتِ؛

– الشيخ : لا إله إلا الله، {ومنهم سابقٌ بالخيراتِ بإذنِ اللهِ}.

– القارئ : لِئَلَّا يَغْتَرَّ بِعَمَلِهِ، بَلْ مَا سَبَقَ إِلَى الْخَيْرَاتِ إِلَّا بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعُونَتِهِ، فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ بِشُكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ.

{ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} أَيْ: وِرَاثَةُ الْكِتَابِ الْجَلِيلِ، لِمَنِ اصْطَفَى تَعَالَى مِنْ عِبَادِهِ، هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ الَّذِي جَمِيعُ النِّعَمِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ كَالْعَدَمِ، فَأَجَلُّ النِّعَمِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَأَكْبَرُ الْفَضْلِ وِرَاثَةُ هَذَا الْكِتَابِ. ثُمَّ ذَكَرَ جَزَاءَ الَّذِينَ أَوْرَثَهُمْ كِتَابَهُ فقال: {جَنَّاتُ عَدْنٍ}

– الشيخ : يعني الشيخُ رحمهُ اللهُ مشى على القولِ الآخرِ؛ وهو أنَّ قولَ: {ذلكَ هو الفضلُ الكبيرُ} راجعٌ إلى الاصطفاءِ وإرثِ الكتابِ، فيشملُ كلَّ الطوائفَ الثلاثَ، وإن كانوا مُتفاضلينَ في حظِّهم من هذا الاصطفاءِ، ذلك هو الفضلُ الكبيرُ، ثمَّ ذكرَ جَزائَهم؟

– القارئ : نعم.

– الشيخ : إي قفْ على هذا، {جَنَّاتُ عَدْنٍ}، شف ابنَ كثيرٍ، الله يعافيك.

– القارئ : على آيةِ {ثمَّ أورثنا الكتابَ}؟

– الشيخ : إي إي عندَ قولِه: {ذلك هو الفضلُ الكبيرُ} بعده.

– القارئ : طيب.

– الشيخ : {ذلك هو الفضلُ الكبيرُ}، نعم بعدك، أقول: خلك تقرأها هسه تراجع نعم.