الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة فاطر/(10) من قوله تعالى {هو الذي جعلكم خلائف في الأرض} الآية 39 إلى قوله تعالى {إن الله يمسك السماوات} الآية 41
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(10) من قوله تعالى {هو الذي جعلكم خلائف في الأرض} الآية 39 إلى قوله تعالى {إن الله يمسك السماوات} الآية 41

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة فاطر

الدَّرس: العاشر

***     ***     ***

 

– القارئ :  أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا*قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا*إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا [فاطر:39-41]

– الشيخ : إلى هنا

– القارئ : عفا الله عنك

– الشيخ : سبحان الله وبحمده، لا إله إلا الله، يُخبِر -تعالى- عن علمه، عن كمالِ علمه، وإحاطةِ علمه بالظواهر والخفيات، {إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} علَّامُ الغيب {فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا*إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ} [الجن:26-27] {إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [فاطر:38] {أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت:10] {قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ} [آل عمران:29] سبحان الله! ما يكون في النفس لا يعلمُه الناس {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} [ق:16] هذا تفكيرُك وأنت تُفكِّرُ الله يعلمُ بما يجول في قلبك، الله المُستعان.

ثم يُخبر عن قدرته -تعالى- وحكمته، هو الذي جعلكم خلائفَ في الأرض، جعل الناسَ خلائف جيلًا بعد جيل، جيلًا يخلف جيل، حتى ينتهي أو تبلغ هذه الدنيا أجلَها، وذلك بقيامِ الساعة، هو الذي جعلكم خلائف في الأرض، أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض، خلفاء يخلف اللاحق السابق، أمة تخلف أمة ودولة تخلف دولة، دول تتابع وتذهب تنقضي، هذا ملك يزول وملك يخلفه من بعده، وكل ذلك للابتلاء، {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ} يعني خلائف في الأرض {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ} {ورفع بعضكم درجات ليبلوكم} [الأنعام:165]

{هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ} من عمل صالحًا فلنفسه ومن أساء فعليها، {فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا} أي بغضًا فالكفار مبغوضون عند الله كما أنَّ المؤمنين محبوبون لله، يُحبهم ويُحبونه، وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا مَقْتًا، وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خسارًا، فهم في خسارٍ دائمٍ إلا من تاب.

ثم يقول -تعالى-: {قل أرأيتم} والخطاب للكفار والمشركين، قل أرأيتم ما تدعون من دون الله، أروني ماذا خلقوا من الأرض، لم يخلقوا شيئًا وهم لا يخلقون، هم مخلوقون المشركون .. ما لا يخلق شيئًا، أروني ماذا خلقوا من الأرض، خلقوا الجبال؟ لا، خَلقوا الحيوان؟ لا، خَلَقوا النبات؟ لا، لم يخلقوا شيء، {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ} لا يملكون من السموات ولا الأرض مثقال: ذرةٍ، قل ادعوا الذين، كما تقدم في الآية: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقال: ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ}[سبأ:22] {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ} وش بعدها؟

– القارئ : {أمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّنْهُ}

– الشيخ : {أمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّنْهُ} هل عندهم من حجةٍ، كتابٍ من الله، يدلُّ على شرِكِهم وأنهم معذورون في هذا أو مأذونٌ لهم في هذا؟، أم آتيناهم كتابًا فهم على بينة ويكون في تدينهم فيما يدينون به من عبادةِ غير الله على دليلٍ ولهم حُجة؟، وهذا فيه استفهامٌ إنكاريٌّ، والاستفهام الإنكاريُّ معناه النفي، ليس لهم، ليس عندهم كتابٌ يدلُّ على شركِهم.

أما آتيناهم كتابًا من قبله، أم آتيناهم كتابًا فهم على بينة منه {بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا} الظالمون المُستكبرون الكُبراء الرؤساء هؤلاء يعِدُون أتباعهم، وما تلك المواعيدُ إلا غرورًا، بل إنْ يعدُون، "إنْ" إنْ هذه نافية، ما يعدُ الظالمون بعضهم بعضًا إلا غرورًا.

{إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} الله خالق السموات والأرض، وهو الذي ثبَّتهما، فالسمواتُ سقف محفوظٌ، سقفٌ محفوظٌ مرفوع، والأرض قرارٌ، وكلاهما ثابت لا يزول بإذنه -تعالى-، ويُمسك السماء أن تقعَ على الأرض، هو المُمسك لها بهذا الارتفاع، هو المُمسك لها بقدرته ومشيئتِه، وهو المُمسك كذلك للأرضِ، وإلا لاضطربَت، فهو المُمسك.

{إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا}: أي لئلَّا تزولا عن مكانهما، وَلَئِن زَالَتَا: هذه اللام يقول أهل اللغة: أنها لامُ القسم، {وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ}: ما أمسكَهما من أحد، إنْ هذه نافية، وَلَئِن زَالَتَا، إنْ زالت السماء والأرض فلا أحدَ يقدر على إمساكهما، الزلازل هذه الآن ما لهم فيها حِيلة، ما لهم، أمورٌ خارجة عن قدرة الخلق، لو اضطربت ما لهم، الآن يعني لم يُؤتَ العباد قُدَرًا يُثبِّتُون بها الأرض ويمنعون الزلازل، ولا الأعاصيرَ المُدمرة، مالهم فيها، لكن يمكن يتقون بعض الشيء، يعملون أسبابَ تخفيف الأضرار، وتخفيف الأخطار بس، لكن ما لهم، يُوقفون الريح، يمنعون اضطرابَ الأرض لا.

{إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}: سبحانه وتعالى حليمٌ لا يُعاجل بالعقوبة، غفورٌ كثير المغفرة للمُذنبين، وهذان اسمان من أسمائِه الحسنى.

 

(تفسير السعدي)

– القارئ : بسم الله الرحمن الرحيم، الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبِه أجمعين، قال الشيخ عبدُ الرحمن السعدي -رحمه الله تعالى- في تفسير قول الله تعالى:

{إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} [فاطر:38] الآية.

لَمَّا ذَكَرَ جَزَاءَ أَهْلِ الدَّارَيْنِ، وَذَكَرَ أَعْمَالَ الْفَرِيقَيْنِ، أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ سِعَةِ عِلْمِهِ تَعَالَى، وَاطِّلَاعِهِ عَلَى غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، الَّتِي غَابَتْ عَنْ أَبْصَارِ الْخَلْقِ وَعَنْ عِلْمِهِمْ، وَأَنَّهُ عَالِمٌ بِالسَّرَائِرِ، وَمَا تَنْطَوِي عَلَيْهِ الصُّدُورُ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالزَّكَاءِ وَغَيْرِهِ، فَيُعْطِي كُلًّا مَا يَسْتَحِقُّهُ، وَيُنْزِلُ كُلَّ أَحَدٍ مَنْزِلَتَهُ

قال الله -تعالى-: {هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأرْضِ} الآية.

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ كَمَالِ حِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ بِعِبَادِهِ، أَنَّهُ قَدَّرَ بِقَضَائِهِ السَّابِقِ، أَنْ يَجْعَلَ بَعْضَهُمْ يُخْلِفُ بَعْضًا فِي الْأَرْضِ، وَيُرْسِلُ لِكُلِّ أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ النُّذُرَ، فَيَنْظُرُ كَيْفَ يَعْمَلُونَ، فَمَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ وَبِمَا جَاءَتْ بِهِ رُسُلُهُ، فَإِنَّ كُفْرَهُ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ إِثْمُهُ وَعُقُوبَتُهُ، وَلَا يَحْمِلُ عَنْهُ أَحَدٌ، وَلَا يَزْدَادُ الْكَافِرُ بِكُفْرِهِ إِلَّا مَقْتَ رَبِّهِ لَهُ وَبُغْضَهُ إِيَّاهُ، وَأَيُّ عُقُوبَةٍ أَعْظَمُ مِنْ مَقْتِ الرَّبِّ الْكَرِيمِ؟!

{وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا} أي: يَخْسَرُونَ أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ وَأَعْمَالَهُمْ وَمَنَازِلَهُمْ فِي الْجَنَّةِ، فَالْكَافِرُ لَا يَزَالُ فِي زِيَادَةٍ مِنَ الشَّقَاءِ وَالْخُسْرَانِ، وَالْخِزْيِ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ خَلْقِهِ وَالْحِرْمَانِ 

– الشيخ : الحمدُ لله الذي هدانا للإسلام، يا لها من نعمة، أسأل الله أن يُثبِّتنا وإياكم على الإسلام، هو الذي خلقكم فمنكم كافرٌ ومنكم مؤمنٌ، على الإنسان أن يتذكر هذه النعمة قائمًا وقاعدًا ومُضطجعًا، يحمدُ ربه ويسألُه الثبات وحسن الخاتمة، لا إله إلا الله، يوسف عليه السلام يقول: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا} [يوسف:101] يدعو ربَّه حسن الخاتمة، والسحرة لما تهدَّدَهم فرعون بأن يُقطِّعَ أيديَهم وأرجلَهم من خلافٍ ويُصلِّبَهم قالوا: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} [الأعراف:126].

 

– القارئ : قال الله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ} الآية.

يَقُولُ تَعَالَى مُعَجِّزًا لِآلِهَةِ الْمُشْرِكِينَ، وَمُبَيِّنًا نَقْصَهَا، وَبُطْلَانَ شِرْكِهِمْ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ :قلْ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَهُمْأَرَأَيْتُمْ أَيْ: أَخْبِرُونِي عَنْ شُرَكَائِكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ هُمْ مُسْتَحِقُّونَ لِلدُّعَاءِ وَالْعِبَادَةِ؟! فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ هَلْ خَلَقُوا بَحْرًا أَمْ خَلَقُوا جِبَالًا أَوْ خَلَقُوا حَيَوَانًا، أَوْ خَلَقُوا جَمَادًا؟! سَيُقِرُّونَ أَنَّ الْخَالِقَ لِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ، هُوَ اللَّهُ تَعَالَى، أَمْ لِشُرَكَائِكُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ فِي خَلْقِهَا وَتَدْبِيرِهَا؟ سَيَقُولُونَ: لَيْسَ لَهُمْ شَرِكَةٌ في ذلك!

– الشيخ : {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ} [لقمان:25] سبحان الله العظيم، تناقضٌ وفسادٌ في العقول.

– القارئ : فَإِذَا لَمْ يَخْلُقُوا شَيْئًا وَلَمْ يَشْرِكُوا الْخَالِقَ فِي خَلْقِهِ، فَلِمَ عَبَدْتُمُوهُمْ وَدَعَوْتُمُوهُمْ مَعَ إِقْرَارِكُمْ بِعَجْزِهِمْ؟! فَانْتَفَى الدَّلِيلُ الْعَقْلِيُّ عَلَى صِحَّةِ عِبَادَتِهِمْ، وَدَلَّ عَلَى بُطْلَانِهَا
ثُمَّ ذَكَرَ الدَّلِيلَ السَّمْعِيَّ، وَأَنَّهُ أَيْضًا مُنْتَفٍ، فَلِهَذَا قَالَ:
أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ، يَأْمُرُهُمْ بِالشِّرْكِ وَعِبَادَةِ الْأَوْثَان. فَهُمْ فِي شِرْكِهِمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ ذَلِكَ الْكِتَابِ الَّذِي نَزَلَ عَلَيْهِمْ فِي صِحَّةِ الشِّرْكِ، لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ؛ فَإِنَّهُمْ مَا نَزَلْ عَلَيْهِمْ كِتَابٌ قَبْلَ الْقُرْآنِ، وَلَا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ قَبْلَ رَسُولِ اللَّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ قُدِّرَ نُزُولُ كِتَابٍ إِلَيْهِمْ، وَإِرْسَالُ رَسُولٍ إِلَيْهِمْ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِشِرْكِهِمْ، فَإِنَّا نُجْزِمُ بِكَذِبِهِمْ، لِأَنَّ اللَّهَ قَالَ: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ}[الأنبياء:25] فَالرُّسُلُ وَالْكُتُبُ، كُلُّهَا مُتَّفِقَةٌ عَلَى الْأَمْرِ بِإِخْلَاصِ الدِّينِ لِلَّهِ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}[البينة:5] فَإِنْ قِيلَ: إِذَا كَانَ الدَّلِيلُ الْعَقْلِيُّ، وَالنَّقْلِيُّ قَدْ دَلَّا عَلَى بُطْلَانِ الشِّرْكِ، فَمَا الَّذِي حَمَلَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الشِّرْكِ، وَفِيهِمْ ذَوُو الْعُقُولِ وَالذَّكَاءِ وَالْفِطْنَةِ 

– الشيخ : أسألُ الله العافية، أسألُ الله العافية، طمسٌ على البصائر، سبحانَ الله! سبحان الله! ما لهم إلا أن يقولوا: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف:23] هذه شِنْشِنَتُهم.

 

– القارئ : أجَابَ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا} أَيْ: ذَلِكَ الَّذِي مَشَوْا عَلَيْهِ، لَيْسَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ تَوْصِيَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ بِهِ، وَتَزْيِينُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، وَاقْتِدَاءُ الْمُتَأَخِّرِ بِالْمُتَقَدِّمِ الضَّالِّ، وَأَمَانِيُّ مَنَّاهَا الشَّيْطَانُ، وَزَيَّنَ لَهُمْ سُوءَ أَعْمَالِهِمْ، فَنَشَأَتْ فِي قُلُوبِهِمْ، وَصَارَتْ صِفَةً مِنْ صِفَاتِهَا، فَعَسُرَ زَوَالُهَا، وَتَعَسَّرَ انْفِصَالُهَا، فَحَصَلَ مَا حَصَلَ مِنَ الْإِقَامَةِ عَلَى الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ الْبَاطِلِ الْمُضْمَحِلِّ.

قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ} الآية.

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ كَمَالِ قُدْرَتِهِ، وَتَمَامِ رَحْمَتِهِ، وَسِعَةِ حِلْمِهِ وَمَغْفِرَتِهِ، وَأَنَّهُ تَعَالَى يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ عَنِ الزَّوَالِ، فَإِنَّهُمَا لَوْ زَالَتَا مَا أَمْسَكَهُمَا أَحَدٌ مِنَ الْخَلْقِ، لَعَجَزَتْ قُدَرُهُمْ وَقُوَاهُمْ عَنْهُمَا، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى قَضَى أَنْ يَكُونَا كَمَا وُجِدَا، لِيَحْصُلَ لِلْخَلْقِ الْقَرَارُ، وَالنَّفْعُ، وَالِاعْتِبَارُ، وَلِيَعْلَمُوا مِنْ عَظِيمِ سُلْطَانِهِ وَقُوَّةِ قُدْرَتِهِ، مَا بِهِ تَمْتَلِئُ قُلُوبُهُمْ لَهُ إِجْلَالًا وَتَعْظِيمًا، وَمَحَبَّةً وَتَكْرِيمًا، وَلِيَعْلَمُوا كَمَالَ حِلْمِهِ وَمَغْفِرَتِهِ، بِإِمْهَالِ الْمُذْنِبِينَ، وَعَدَمِ مُعَالَجَتِهِ لِلْعَاصِينَ، مَعَ أَنَّهُ لَوْ أَمَرَ السَّمَاءَ لَحَصَبَتْهُمْ، وَلَوْ أَذِنَ لِلْأَرْضِ لَابْتَلَعَتْهُمْ، وَلَكِنْ وَسِعَتْهُمْ مَغْفِرَتُهُ، وَحِلْمُهُ، وَكَرَمُهُ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا. 

{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ}

– الشيخ : حسبك.