الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة يس/(1) من قوله تعالى {يس} الآية 1 إلى قوله تعالى {إنا نحن نحيي الموتى} الآية 12
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(1) من قوله تعالى {يس} الآية 1 إلى قوله تعالى {إنا نحن نحيي الموتى} الآية 12

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة يس

الدَّرس: الأوَّل

***     ***     ***

  

– القارئ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم:

يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ * لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ * وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ * وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ * إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ [يس:1-12]

الشيخ: نعم، لا إله إلا الله، هذه سورة {يس} سُمَّيَت بفاتحتها من الحروف المقطعة، {يس} مثل: {طه} [طه:1]، مثل: {الر} [يونس، هود، يوسف، إبراهيم، الحِجر: 1]

{يس} حرفان من الحروف الـمُقطَّعة، وتقدَّمَ التنبيه على اختلاف المفسرين في دلالتها {يس}.

وبعض الغالطين يقولون: أنَّ هذا اسم للرسولِ مثل {طه} ويجعلون من أسماء الرسول {طه} و{يس} وليسَ كذلك، الصواب: أنَّ هذه كلها من الحروفِ الـمُقطعة، "طه" مثل: "طس"، مثل: "كهيعص"، سبحان الله!

{وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} هذا قَسَمٌ من الله في القرآن، وقد أقسمَ بالقرآن في مواضعَ، مثل: {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ} [الزخرف:2] {وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} [ق:1] {وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} [ص:1]

أقسمَ بالقرآن مرات، والقرآنِ الحكيم، والقرآنُ معروف هو هذا الكتاب، فالقرآن اسمٌ من أسمائه، والكتاب اسم ذلك الكتاب، فهو الكتابُ وهو القرآن، وله أسماءٌ كثيرة وصفات، {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء:9]

{يس*وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ}: وصفَه بالحكمة، فهو مُشتملٌ على الحكمة، على العقائدِ الصحيحة والأحكام العادلة، فهو مُشتمِلٌ على كل حقٍّ وصواب في الاعتقادات والأعمال، يهدي للتي هي أقوم، وهو أيضًا حاكم، القرآن هو حاكم، لأنه مُشتمِلٌ على الأحكام التي تفصلُ بين المُشتبهات {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود: 1]

{إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ}: هذا جوابُ القَسَم، {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ}: أي محمد -عليه الصلاة والسلام- من المُرسلين، بل هو سيدُ المرسلين، وهو خاتمُ النبيين، وهو سيِّدُ ولد آدم -صلى الله عليه وسلم- {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} الله أكبر! ولهذا يُخاطبه الله: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ} [المائدة:41] {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ} [الأحزاب:28] يُخاطبه الله بصفةِ الرسالة والنبوَّةِ.

{إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ*عَلَى صِرَاطٍ}: على هدىً وبينة، على صراطٍ، على صراط واضح بيٍّن مُوصل إلى الغايات الحميدة، على صراط، هو على صراطٍ، وهو يهدي إلى الصراط، {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:52]

{تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ}: هذا القرآن أو هذا الصراط تنزيل، {تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} الله أنزلهَ رحمةً بعباده، فإنزال القرآن هو من رحمتِه وعزّته، وعزّته -سبحانه وتعالى-.

ثم ذكر الغاية من هذا الإرسال وهذا التنزيل: {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ}: وهم قريش ومن معهم من العرب، {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ}: ما جاءَهم نذيرٌ {لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ} [القصص:46] شواهد هذا كثيرة، لتنذر قومًا ما أتاهم من نذير من قبلك، وهنا قال: {مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ*لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ}.

ثم يخبر تعالى أنَّ هؤلاء قد حقَّ القول على أكثرِهم بالشقاء والهلاك -أعوذ بالله- وهذا بسبب أنَّهم لم يُوفَّقوا وأنهم أصرُّوا على، يعني عُوقِبوا بالختمِ على القلوب والأغلالِ والسد {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ} يُشبه: ختمَ الله على قلوبهم، ولهذا جاء في نفسِ الآيات: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ، سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} الذين سبقَت لهم الشقوة وحق القول عليهم لا يهتدون بالنذارة.

{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ*إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ} الإنذارُ إنَّما ينفعُ الذين آمنوا {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ} فالذين آمنوا بالرسولِ واتَّبَعوه هم الذين انتفعوا بالنذارة {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ}.

ثم قالَ تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} فاللهُ -تعالى- يُحيي ويُميت، وهو يُحيي الموتى ويبعث من في القبور، وهو يُحصي على العباد أعمالَهم، {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} [المجادلة:6] نعم يا محمد.

 

(تفسير السعدي)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم، الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على نبينا محمدٍ وعلى آلِه وصحبه أجمعين، قال الشيخُ عبدُ الرحمن السعدي -رحمه الله تعالى-:

تفسيرُ سورة "يس" وهي: مكية.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) الآيات، هذا قَسَمٌ من اللهِ تعالى بالقرآنِ الحكيمِ، الذي..

الشيخ: تركَ الكلامَ على الحروف الـمُقطَّعة لأنه قد تقدَّمَ مرات، ولهذا الشيخُ أعرضَ عن التعليق على "يس"

– القارئ : هَذَا قَسَمٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ الَّذِي وَصْفُهُ الْحِكْمَةُ، وَهِيَ وَضْعُ كلِّ شَيْءٍ مَوْضِعَهُ، وَضْعُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي الْمَحَلِّ اللَّائِقِ بِهِمَا، وَوَضْعُ الْجَزَاءِ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ فِي مَحَلِّهِمَا اللَّائِقِ بِهِمَا، فَأَحْكَامُهُ الشَّرْعِيَّةُ وَالْجَزَائِيَّةُ كُلُّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى غَايَةِ الْحِكْمَةِ.

 وَمِنْ حِكْمَةِ هَذَا الْقُرْآنِ، أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ ذِكْرِ الْحُكْمِ وَحِكْمَتِهِ، فَيُنَبِّهُ الْعُقُولَ عَلَى الْمُنَاسَبَاتِ وَالْأَوْصَافِ الْمُقْتَضِيَةِ لِتَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهَا  

{إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ}هَذَا الْمُقْسَمُ عَلَيْهِ، وَهُوَ رِسَالَةُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- وَأَنَّكَ يَا مُحَمَّدُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُرْسَلِينَ، فَلَسْتَ بِبِدْعٍ مِنَ الرُّسُلِ، وَأَيْضًا فَجِئْتَ بِمَا جَاءَ بِهِ الرُّسُلُ مِنَ الْأُصُولِ الدِّينِيَّةِ، وَأَيْضًا فَمَنْ تَأَمَّلَ أَحْوَالَ الْمُرْسَلِينَ وَأَوْصَافَهُمْ، وَعَرَفَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ، عَرَفَ أَنَّكَ مِنْ خِيَارِ الْمُرْسَلِينَ، بِمَا فِيكَ مِنَ الصِّفَاتِ الْكَامِلَةِ، وَالْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ. وَلَا يَخْفَى مَا بَيْنَ الْمُقْسَمِ بِهِ، وَهُوَ الْقُرْآنُ الْحَكِيمُ، وَبَيْنَ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ، وَهُوَ رِسَالَةُ الرَّسُولِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الِاتِّصَالِ، وَأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِرِسَالَتِهِ دَلِيلٌ وَلَا شَاهِدٌ إِلَّا هَذَا الْقُرْآنُ الْحَكِيمُ، لَكَفَى بِهِ دَلِيلًا وَشَاهِدًا عَلَى رِسَالَةِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- بَلِ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ الْمُتَّصِلَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ عَلَى رِسَالَةِ الرَّسُولِ، فَأَدِلَّةُ الْقُرْآنِ كُلُّهَا أَدِلَّةٌ لِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-. 
ثُمَّ أَخْبَرَ بِأَعْظَمِ أَوْصَافِ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم-، الدَّالَّةِ عَلَى رِسَالَتِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ {
عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} مُعْتَدِلٍ، مُوَصِّلٍ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى دَارِ كَرَامَتِهِ.

الشيخ: يا الله يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اهدِنا الصِّراطَ المُستقيم، اهدنا الصراط المستقيم، الله المستعان، لا حول ولا..، {اهدنا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:6- 7].

 

– القارئ : وَذَلِكَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، مُشْتَمِلٌ عَلَى أَعْمَالٍ، وَهِيَ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ، الْمُصْلِحَةُ لِلْقَلْبِ وَالْبَدَنِ، وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْأَخْلَاقِ الْفَاضِلَةِ الْمُزَكِّيَةِ لِلنَّفْسِ، الْمُطَهِّرَةِ لِلْقَلْبِ، الْمُنَمِّيَةِ لِلْأَجْرِ، فَهَذَا الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، الَّذِي هُوَ وَصْفُ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَوَصْفُ دِينِهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ، فَتَأَمَّلْ جَلَالَةَ هَذَا الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، كَيْفَ جَمَعَ بَيْنَ الْقَسَمِ بِأَشْرَفِ الْأَقْسَامِ

الشيخ: بأشرفِ؟

– القارئ : نعم

الشيخ: لأنَّ القرآن كلامُ الله، واللهُ –تعالى- يُقسم تارةً بنفسِه: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر:92]، وتارة يُقسم ببعضِ صفاته: كالقرآن وهو "كلامُه".

– القارئ : بأشرفِ الأقسامِ، على أجلِّ مُقسَمٍ عليه، وخبرُ اللهِ وحدَه كافٍ.

– الشيخ: على أجلِّ مُقسَمٍ عليه؟

– القارئ : نعم.

– الشيخ: فيه يعني على رسالةِ الرسول، ورسالةُ الرسول مُتضمِّنةٌ للتوحيد، فيها الإقسامُ من الله على التوحيد، {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا*فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا*فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا*إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ} [الصافات:1-4]، يعني واضح أنَّه أجلُّ مُقسَمٌ عليه وهو التوحيدُ، وهو وحدانيته تعالى.

– القارئ : وَخَبَرُ اللَّهِ وَحْدَهُ كَافٍ، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى أَقَامَ مِنَ الْأَدِلَّةِ الْوَاضِحَةِ وَالْبَرَاهِينِ السَّاطِعَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى صِحَّةِ مَا أَقْسَمَ عَلَيْهِ، مِنْ رِسَالَةِ رَسُولِهِ مَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ، وَأَشَرْنَا إِشَارَةً لَطِيفَةً لِسُلُوكِ طَرِيقِهِ.

– الشيخ: كأنه أشار بس. ما في أشرْنا، وأشارَ إشارةً لعلها.

– القارئ : وأشَارَ إِشَارَةً لَطِيفَةً لِسُلُوكِ طَرِيقِهِ

وَهَذَا الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ فَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ بِهِ كِتَابَهُ، وَأَنْزَلَهُ طَرِيقًا لِعِبَادِهِ مُوَصِّلًا لَهُمْ إِلَيْهِ، فَحَمَاهُ بِعِزَّتِهِ عَنِ التَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ، وَرَحِمَ بِهِ عِبَادَهُ رَحْمَةً اتَّصَلَتْ بِهِمْ، حَتَّى أَوْصَلَتْهُمْ إِلَى دَارِ رَحْمَتِهِ، وَلِهَذَا خَتَمَ الْآيَةَ بِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ الْكَرِيمَيْنِ: {الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ}. 
فَلَمَّا أَقْسَمَ تَعَالَى عَلَى رِسَالَتِهِ وَأَقَامَ الْأَدِلَّةَ عَلَيْهَا، ذَكَرَ شِدَّةَ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا وَاقْتِضَاءَ الضَّرُورَةِ لَهَا فَقَالَ:  {
لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ} وَهُمُ الْعَرَبُ الْأُمِّيُّونَ، الَّذِينَ لَمْ يَزَالُوا خَالِينَ مِنَ الْكُتُبِ، عَادِمِينَ الرُّسُلَ، قَدْ عَمَّتْهُمُ الْجَهَالَةُ، وَغَمَرَتْهُمُ الضَّلَالَةُ، وَأَضْحَكُوا عَلَيْهِمْ وَعَلَى سَفَهِهِمْ عُقُولَ الْعَالَمِينَ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ، يُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ.

{وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} فَيُنْذِرُ الْعَرَبَ الْأُمِّيِّينَ، وَمَنْ لَحِقَ بِهِمْ مَنْ كُلِّ أُمِّيٍّ، وَيُذَكِّرُ أَهْلَ الْكُتُبِ بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْكُتُبِ

– طالب: في زيادة يا شيخ.

– الشيخ: وش عندك؟

– طالب: وأَضحكُوا عليهم وعلى سفهِهِم عقولَ العالَمين

– الشيخ: وين في؟

– طالب: اللي بعد: وغمرَتْهم الضلالة. وأضحَكوا عليهم وعلى سفهِهِم عقولَ العالمين، فأرسلَ الله إليهم رسولًا من أنفسِهم.

– الشيخ: طيب، يعني يمكن في بعض النسخ، أقول: كلام صحيح جيد، ينبغي أنُ يُقال: في نسخةِ كذا.

– القارئ : وَيُذَكِّرُ أَهْلَ الْكُتُبِ بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْكُتُبِ، فنعمةُ الله

– الشيخ: المحقق ما قال شيء؟

– طالب: لا

– الشيخ: ما قال هذه زيادة من نسخة كذا؟

– طالب: لا

– طالب: من الجوال هذا

– الشيخ: [الشيخ يضحك بلطف] الجوال يسقط بعض …

– القارئ : فَنِعْمَةُ اللَّهِ بِهِ عَلَى الْعَرَبِ خُصُوصًا، وَعَلَى غَيْرِهِمْ عُمُومًا.

وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ بُعِثْتَ فِيهِمْ لِإِنْذَارِهِمْ بَعْدَمَا أَنْذَرْتَهُمُ، انْقَسَمُوا قِسْمَيْنِ: قِسْمٌ رَدَّ لِمَا جِئْتَ بِهِ، وَلَمْ يَقْبَلِ النِّذَارَةَ، وَهُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِم: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} أيْ: نَفَذَ فِيهِمُ الْقَضَاءُ وَالْمَشِيئَةُ

الشيخ: لا إلهَ إلا الله، لا حولَ ولا.. نعوذُ باللهِ من الضلالة.

– القارئ : أَنَّهُمْ لَا يَزَالُونَ فِي كُفْرِهِمْ وَشِرْكِهِمْ، وَإِنَّمَا حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ بَعْدَ أَنْ عُرِضَ عَلَيْهِمُ الْحَقُّ فَرَفَضُوهُ، فَحِينَئِذٍ عُوقِبُوا بِالطَّبْعِ عَلَى قُلُوبِهِمْ.

وَذَكَرَ الْمَوَانِعَ مِنْ وُصُولِ الْإِيمَانِ لِقُلُوبِهِمْ، فَقَال: {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالًا} وَهِيَ جَمْعُ "غُلٍّ" وَ "الْغُلُّ"

الشيخ: جمع "غُل"، الغِلُّ في الصدرِ، والغُلُّ في اليدِ والعنقِ.

– القارئ : وهي جمع "غُل" وَ"الْغُلُّ" مَا يُغَلُّ بِهِ الْعُنُقُ، فَهُوَ لِلْعُنُقِ بِمَنْزِلَةِ الْقَيْدِ لِلرِّجْلِ، وَهَذِهِ الْأَغْلَالُ الَّتِي فِي الْأَذْقَانِ عَظِيمَةٌ قَدْ وَصَلَتْ إِلَى أَذْقَانِهِمْ وَرَفَعَتْ رُءُوسَهُمْ إِلَى فَوْقُ، {فَهُمْ مُقْمَحُونَ} أَيْ: رَافِعُو رُءُوسِهِمْ مِنْ شِدَّةِ الْغُلِّ الَّذِي في أعناقِهم

– الشيخ: هذا تعبيرٌ وتصويرٌ لإصرارِهم على الكفرِ واستمرارهم وبُعدِهم والعياذُ بالله، فهم لا يُطيقون سماعَ الحقِّ -نسألُ الله العافية- فهم في صدودٍ، وبينهم وبين الحقِّ سُدودٌ: {بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا}.

 

– القارئ : فَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُخْفِضُوهَا.

{وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} أَيْ: حَاجِزًا يَحْجِزُهُمْ عَنِ الْإِيمَانِ، فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ قَدْ غَمَرَهُمُ الْجَهْلُ وَالشَّقَاءُ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهِمْ، فَلَمْ تُفِدْ فِيهِمُ النِّذَارَةُ.

{وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} وَكَيْفَ يُؤْمِنُ مَنْ طُبِعَ عَلَى قَلْبِهِ، وَرَأَى الْحَقَّ بَاطِلًا وَالْبَاطِلَ حَقًّا؟! 

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: الَّذِينَ قَبِلُوا النِّذَارَةَ، وَقَدْ ذَكَرَهُمْ بِقَوْلِه: {إِنَّمَا تُنْذِرُ} أَيْ: إِنَّمَا تَنْفَعُ نِذَارَتُكَ

– الشيخ: وذكرَ القسم؟

– القارئ : والقسمُ الثاني

– الشيخ: قِفْ على القسمِ الثاني بس، نعم يا شيخ عبد الرحمن.