الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة يس/(2) من قوله تعالى {واضرب لهم مثلا أصحاب القرية} الآية 13 إلى قوله تعالى {قالوا طائركم معكم} الآية 19

(2) من قوله تعالى {واضرب لهم مثلا أصحاب القرية} الآية 13 إلى قوله تعالى {قالوا طائركم معكم} الآية 19

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة  يس

الدَّرس: الثَّاني

***     ***     ***

 

– القارئ : وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ (14) إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ (15) قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16) وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ (17) قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ [يس:13-19]

– الشيخ : يقول تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً} يعني اضربْ لقومِكَ الذين تقدَّمَ ذكرُ حالـِهم وإصرارِهم على الكفرِ، وأنَّهم لا يَنتفعونَ بالإنذارِ، مَثِّلهم أو اذكرْ أنَّ مَثَلُهُم مَثَلُ أصحابِ القريةِ: {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ} القريةُ لا يترتَّبُ على معرفةِ اسمِها شيءٌ ومكانِها، المهم في قرية من القُرى أَرسلَ اللهُ إليها رسلًا {أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ، إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ، قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ}

هذه القريةُ أَرسلَ اللهُ إليها رسلًا، أولًا أَرسلَ إليها رسولَيْن {فَكَذَّبُوهُمَا} ثم عَزَّزَ الرسولينِ برسولٍ بثالثٍ، وقالوا لهم: {إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ} فردُّوا عليهِم وقالوا: {مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ، قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ، وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ، قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} يقول لهم هؤلاء الكفرة الـمُكذِّبون لرسل الله، يقولون للرسل: {إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} يعني: تَشَاءَمْنَا بكمْ ورأينَا الشَّرَّ بمجيئِكُم، يعني: جاءَنَا الشرُّ.  وهذا كثيرٌ، يعني أعداءُ الرُّسلِ يتشاءَمُون بالرُّسلِ: {فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ} [الأعراف:13] بالرُّسلِ، هكذا قومُ فرعون تطيَّروا بموسى وهارون، وقومُ صالحَ جاءَ في القرآن، وهؤلاء تَطَيَّروا بهؤلاءِ الرُّسُلِ.

ويذكرُ المفسِّرونَ أنه يُسمُّونَ هذه القرية كذا: "أنطاكيّة". ويقولونَ إنَّ هؤلاءِ الرُّسُل ليسوا رسلًا كسائرِ الرُّسُلِ أرسلَهم اللهُ وأوحى إليهم، لا، بل هم رسلٌ من المسيحِ -عليه السلام- الذي هو أحدُ أولي العزمِ مِن الرُّسلِ، المسيح عيسى بن مريم أنه هو الذي أرسلَ هؤلاءِ الرُّسلِ مثل الدُّعاةِ، مثل ما كانَ النَّبي -عليه الصلاة والسلام- يُرسِلُ إلى القبائلِ والبلدانِ من يدعُوهم إلى اللهِ كما أرسَلَ معاذًا وأبا موسى وغيرَهم، فيقولون: إنَّ هؤلاءِ رسلُ المسيحِ.

وظاهرُ القرآن أنَّهم رُسلٌ كسائرٍ الرُّسلِ، وأنَّ اللهَ أوحى إليهمْ، وأرسلَهم إلى هذهِ القريةِ.

وللهِ الحكمةُ البالغةُ، وللهِ الحكمةُ البالغةُ في أنَّه أَرسلَ إليهم عددًا من الرُّسلِ، فلا نقولُ: لماذا أرسلَ إلى هذهِ القريةِ عددًا مِن الرُّسل وهذا شيءٌ عَبَث؟ الله -سبحانه وتعالى- حكيمٌ، وهوَ فعَّالٌ لما يريدُ، وكلُّ ما دَبَّرَهُ وفَعَلَهُ اللهُ ففيهِ الحكمةُ وهو أعلم.

 يقول: {طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم} الرسلُ قالوا لهؤلاءِ: {طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} شَـرُّكــُـم عندَكم ومنكم؛ بسببِ كفرِكم وسوءِ أعمالِكم، الشَّرُّ الذي نزلَ بكمْ هو منكمْ وفيكمْ.

{أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} إذا ذُكِّرْتُم عاندُتم وتجاوزتُمُ الحدودَ بالتكذيبِ وأسرفتُمْ، بلْ أنتمْ قومٌ مسرفونَ إلى آخرِ القصة، وتأتي قصةُ الرجل الذي آمَنَ منهمْ ودعاهُم إلى الاستجابةِ لهؤلاءِ المرسلين.

 

(تفسير الشيخ السعدي):

– القارئ : الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. قالَ الشيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديّ -رحمَه الله تعالى-:

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: الَّذِينَ قَبِلُوا النِّذَارَةَ، وَقَدْ ذَكَرَهُمْ بِقَوْلِهِ: {إِنَّمَا تُنْذِرُ} أَيْ: إِنَّمَا تَنْفَعُ نِذَارَتُكَ، وَيَتَّعِظُ بِنُصْحِكَ {مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ} أَيْ: مَنْ قَصْدُهُ اتِّبَاعُ الْحَقِّ وَمَا ذَكَّرَ بِهِ، {وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ} أَيْ: مَنِ اتَّصَفَ بِهَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ: الْقَصْدِ الْحَسَنِ فِي طَلَبِ الْحَقِّ، وَخَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَهُمُ الَّذِينَ يَنْتَفِعُونَ بِرِسَالَتِكَ، وَيُزَكُّونَ بِتَعْلِيمِكَ، وَهَذَا الَّذِي وُفِّقَ لِهَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ بَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ لِذُنُوبِهِ، وَأَجْرٍ كَرِيمٍ لِأَعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ، وَنِيَّتِهِ الْحَسَنَةِ.

{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى} أَيْ: نَبْعَثُهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ لِنُجَازِيَهُمْ عَلَى الْأَعْمَالِ، {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا} مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَهُوَ أَعْمَالُهُمُ الَّتِي عَمِلُوهَا وَبَاشَرُوهَا فِي حَالِ حَيَاتِهِمْ، {وَآثَارَهُمْ} وَهِيَ آثَارُ الْخَيْرِ وَآثَارُ الشَّرِّ، الَّتِي كَانُوا هُمُ السَّبَبَ فِي إِيجَادِهَا فِي حَالِ حَيَاتِهِمْ وَبَعْدَ وَفَاتِهِمْ، وَتِلْكَ الْأَعْمَالُ الَّتِي نَشَأَتْ مِنْ أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ، فَكُلُّ خَيْرٍ عَمِلَ بِهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ، بِسَبَبِ عِلْمِ الْعَبْدِ وَتَعْلِيمِهِ أَوْ نُصْحِهِ، أَوْ أَمْرِهِ بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ نَهْيِهِ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ عِلْمٍ أَوْدَعَهُ عِنْدَ الْمُتَعَلِّمِينَ، أَوْ فِي كُتُبٍ يُنْتَفَعُ بِهَا فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ، أَوْ عَمِلَ خَيْرًا، مِنْ صَلَاةٍ أَوْ زَكَاةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ إِحْسَانٍ، فَاقْتَدَى بِهِ غَيْرُهُ، أَوْ عَمِلَ مَسْجِدًا، أَوْ مَحَلًّا مِنَ الْمَحَالِّ الَّتِي يَرْتَفِقُ بِهَا النَّاسُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَإِنَّهَا مِنْ آثَارِهِ الَّتِي تُكْتَبُ لَهُ، وَكَذَلِكَ عَمَلُ الشَّرِّ، وَلِهَذَا: (مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ).

وَهَذَا الْمَوْضِعُ يُبَيِّنُ لَكَ عُلُوَّ مَرْتَبَةِ الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ وَالْهِدَايَةِ إِلَى سَبِيلِهِ بِكُلِّ وَسِيلَةٍ وَطَرِيقٍ مُوَصِّلٍ إِلَى ذَلِكَ، وَنُزُولِ دَرَجَةِ الدَّاعِي إِلَى الشَّرِّ الْإِمَامِ فِيهِ، وَأَنَّهُ أَسْفَلَ الْخَلِيقَةِ

– الشيخ : الله المستعان، للخيرِ أئمَّةٌ وهم الرسلُ وأتباعُهم، وللشَّرِّ أئمَّةٌ وهمْ شِرارُ الخلقِ مِن شياطينِ الإنسِ والجنِّ، هؤلاءِ أئمة. الله قال في الصالحينَ مِن بني إسرائيل: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ} [السجدة:24] وقال في فرعون وقومِهِ: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [القصص:41] أئمَّةٌ للشَّرِّ أئمة {يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} (مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا)

الدعوةُ إلى النار بالدعوة إلى أسبابِها: إلى الأسباب: الشِّرك، والكُفر، والمعاصي.

الدعوة إلى النار ما في أحد قالَ: تعالَ إلى النَّار ادخلْها، لا، يدعونَ إلى الأسبابِ، يدعونَ إلى الأسبابِ.

 

– القارئ : وَأَنَّهُ أَسْفَلَ الْخَلِيقَةِ، وَأَشَدُّهُمْ جُرْمًا، وَأَعْظَمُهُمْ إِثْمًا.

{وَكُلَّ شَيْءٍ} مِنَ الْأَعْمَالِ وَالنِّيَّاتِ وَغَيْرِهَا {أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ} أَيْ: كِتَابٍ هُوَ أُمُّ الْكُتُبِ وَإِلَيْهِ مَرْجِعُ الْكُتُبِ، الَّتِي تَكُونُ بِأَيْدِي الْمَلَائِكَةِ، وَهُوَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ.

{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ} إلى آخرِ القصةِ.

أَيْ: {وَاضْرِبْ} لِهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِرِسَالَتِكَ، الرَّادِّينَ لِدَعْوَتِكَ، {مَثَلًا} يَعْتَبِرُونَ بِهِ، وَيَكُونُ لَهُمْ مَوْعِظَةً إِنْ وُفِّقُوا لِلْخَيْرِ، وَذَلِكَ الْمَثَلُ: {أَصْحَابُ الْقَرْيَةِ}، وَمَا جَرَى مِنْهُمْ مَنَ التَّكْذِيبِ لِرُسُلِ اللَّهِ، وَمَا جَرَى عَلَيْهِمْ مِنْ عُقُوبَتِهِ وَنَكَالِهِ.

وَتَعْيِينُ تِلْكَ الْقَرْيَةِ، لَوْ كَانَ فِيهِ فَائِدَةٌ، لَعَيَّنَهَا اللَّهُ، فَالتَّعَرُّضُ لِذَلِكَ وَمَا أَشْبَهِهِ مِنْ بَابِ التَّكَلُّفِ وَالتَّكَلُّمِ بِلَا عِلْمٍ، وَلِهَذَا إِذَا تَكَلَّمَ أَحَدٌ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ تَجِدُ عِنْدَهُ مِنَ الْخَبْطِ وَالْخَلْطِ وَالِاخْتِلَافِ الَّذِي لَا يَسْتَقِرُّ لَهُ قَرَارٌ، مَا تَعْرِفُ بِهِ أَنَّ طَرِيقَ الْعِلْمِ الصَّحِيحِ، الْوُقُوفُ مَعَ الْحَقَائِقِ، وَتَرْكُ التَّعَرُّضِ لِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ.

– الشيخ : الوقوفُ معَ النصوص وعدمِ الخروج عنها، وطلبِ ما لا دليلَ ولا طريقَ إليه.

– القارئ : وَبِذَلِكَ تَزْكُو النَّفْسُ، وَيَزِيدُ الْعِلْمُ، مِنْ حَيْثُ يَظُنُّ الْجَاهِلُ أَنَّ زِيَادَتَهُ بِذِكْرِ الْأَقْوَالِ الَّتِي لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا، وَلَا حُجَّةَ عَلَيْهَا وَلَا يَحْصُلُ مِنْهَا مِنَ الْفَائِدَةِ إِلَّا تَشْوِيشُ الذِّهْنِ وَاعْتِيَادُ الْأُمُورِ الْمَشْكُوكِ فِيهَا. وَالشَّاهِدُ أَنَّ هَذِهِ الْقَرْيَةَ جَعَلَهَا اللَّهُ مَثَلًا لِلْمُخَاطَبِينَ.

{إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ} مِنَ اللَّهِ -تَعَالَى- يَأْمُرُونَهُمْ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ، وَإِخْلَاصِ الدِّينِ لَهُ، وَيَنْهَوْنَهُمْ عَنِ الشِّرْكِ وَالْمَعَاصِي.

– الشيخ : كما هي دعوةُ الرسلِ كلّهم، هؤلاء الرسل دعوتُهم هي دعوة سائرِ الرسل يدعونَ إلى الإيمانِ بالله ورسلِه وعبادةِ اللهِ وحدَه لا شريكَ لَه، فدعوةُ الرُّسلِ واحدةٌ، وكلُّهم إخوة.

 

– القارئ : {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} أَيْ: قَوَّيْنَاهُمَا بِثَالِثٍ، فَصَارُوا ثَلَاثَةَ رُسُلٍ؛ اعْتِنَاءً مِنَ اللَّهِ بِهِمْ، وَإِقَامَةً لِلْحُجَّةِ بِتَوَالِي الرُّسُلِ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا لَهُمْ: {إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ} فَأَجَابُوهُمْ بِالْجَوَابِ الَّذِي مَا زَالَ مَشْهُورًا عِنْدَ مَنْ رَدَّ دَعْوَةَ الرُّسُلِ: قَالُوا: {مَا أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا} أَيْ: فَمَا الَّذِي فَضَّلَكُمْ عَلَيْنَا وَخَصَّكُمْ مِنْ دُونِنَا؟! قَالَتِ الرُّسُلُ لِأُمَمِهِمْ: {إِنْ نَحْنُ إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [إبراهيم:11]

– الشيخ : كانَ جوابُ الرسل كما في سورةِ ابراهيم، هكذا جاءَ في سورةِ ابراهيمَ فقدَ ذكر الله ردَّ الرسلِ عليهم.

 – القارئ : {وَمَا أَنزلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ} يْ: أَنْكَرُوا عُمُومَ الرِّسَالَةِ، ثُمَّ أَنْكَرُوا أَيْضًا الْمُخَاطَبِينَ لَهُمْ، فَقَالُوا: {إِنْ أَنْتُمْ إِلا تَكْذِبُونَ}

فَقَالَتْ هَؤُلَاءِ الرُّسُلُ الثَّلَاثَةُ: {رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} فَلَوْ كُنَّا كَاذِبِينَ، لَأَظْهَرَ اللَّهُ خِزْيَنَا، وَلَبَادَرَنَا بِالْعُقُوبَةِ.

{وَمَا عَلَيْنَا إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} أي: الْبَلَاغُ الْمُبِينُ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ تَوْضِيحُ الْأُمُورِ الْمَطْلُوبِ بَيَانُهَا، وَمَا عَدَا هَذَا مِنْ آيَاتِ الِاقْتِرَاحِ، أَوْ مِنْ سُرْعَةِ الْعَذَابِ، فَلَيْسَ إِلَيْنَا، وَإِنَّمَا وَظِيفَتُنَا -الَّتِي هِيَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ- قُمْنَا بِهَا، وَبَيَّنَّاهَا لَكُمْ، فَإِنِ اهْتَدَيْتُمْ، فَهُوَ حَظُّكُمْ وَتَوْفِيقُكُمْ، وَإِنْ ضَلَلْتُمْ فَلَيْسَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ.

فَقَالَ أَصْحَابُ الْقَرْيَةِ لِرُسُلِهِمْ: {إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} أَيْ: لَمْ نَرَ عَلَى قُدُومِكُمْ عَلَيْنَا وَاتِّصَالِكُمْ بِنَا إِلَّا الشَّرَّ، وَهَذَا مِنْ أَعْجَبِ الْعَجَائِبِ، أَنْ يُجْعَلَ مَنْ قَدِمَ عَلَيْهِمْ بِأَجَلِّ نِعْمَةٍ يُنْعِمُ اللَّهُ بِهَا عَلَى الْعِبَادِ، وَأَجَلِّ كَرَامَةٍ يُكْرِمُهُمْ بِهَا، وَضَرُورَتِهِمْ إِلَيْهَا فَوْقَ كُلِّ ضَرُورَةٍ، قَدْ قَدِمَ بِحَالَةِ شَرٍّ، زَادَتْ عَلَى الشَّرِّ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ، وَاسْتَشْأَمُوا بِهَا، وَلَكِنَّ الْخِذْلَانَ وَعَدَمَ التَّوْفِيقِ يَصْنَعُ بِصَاحِبِهِ أَعْظَمَ مِمَّا يَصْنَعُ بِهِ عَدُوَّهُ.

ثُمَّ تَوَعَّدُوهُمْ فَقَالُوا: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ} أَيْ: لنَقْتُلُنَّكُمْ رَجْمًا بِالْحِجَارَةِ أَشْنَعَ الْقِتْلَاتِ {وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ}

فَقَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ: {طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} وَهُوَ مَا مَعَهُمْ مِنَ الشِّرْكِ وَالشَّرِّ، الْمُقْتَضِي لِوُقُوعِ الْمَكْرُوهِ وَالنِّقْمَةِ، وَارْتِفَاعِ الْمَحْبُوبِ وَالنِّعْمَةِ. {أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ} أَيْ: بِسَبَبِ أَنَّا ذَكَّرْنَاكُمْ مَا فِيهِ صَلَاحُكُمْ وَحَظُّكُمْ، قُلْتُمْ لَنَا مَا قُلْتُمْ.

{بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} مُتَجَاوِزُونَ لِلْحَدِّ، مُتَجَرْهِمُونَ فِي قَوْلِكُمْ، فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَاؤُهُمْ إِلَّا نُفُورًا وَاسْتِكْبَارًا. {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ}

– الشيخ : إلى آخر القصة.