الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة يس/(4) من قوله تعالى {وما أنزلنا على قومه من بعده} الآية 28 إلى قوله تعالى {وإن كل لما جميع لدينا محضرون} الآية 32
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(4) من قوله تعالى {وما أنزلنا على قومه من بعده} الآية 28 إلى قوله تعالى {وإن كل لما جميع لدينا محضرون} الآية 32

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة  يس

الدَّرس: الرَّابع

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم:

وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ * إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ * يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ * وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ * وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا [يس:28-33]

– الشيخ : قف على هذا، {وآيَةٌ لهُمْ}

يقول تعالى: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ} يعني: على قومِ الرجل المؤمنِ الذي جاءَ من أقصى المدينة، وقُتل ودخلَ الجنة، وقال: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} [يس:26-27]

قال الله: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ}، ما هي إلا صيحةٌ واحدة هلكوا بها، {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ} إذا هم: يعني فورًا، ما هي إلا، إن كانت: يعني ما هيَ إلا صيحةٌ واحدة، فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ.

{يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ}: هذا فيه أن حالَ العباد الذين كذَّبوا الرسل، أنَّهم أهلٌ لأن يُتحسَّرَ عليهم، لأنهم قد خسروا خسرانًا مُبينًا، وحلَّت بهم أعظمُ المصائب، فيُقال يا حسرةً عليهم، {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ}: هذا سببُ أنَّهم أهلٌ للتحسُّرِ عليهم، يتحسَّرُ عليهم كل من يُهمُّهُم أمرهم {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} يا له من مُصاب، مُصابُ عظيم، {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} هذه حالُ أكثر الأمم، أعوذُ بالله من عذابِ الله، من الخُذلان.

{إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ*أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ}: يعني ألمْ يعلموا أنَّا أهلكْنا قرونًا كثيرة، وكم تدلُّ على التكثير، كم للتكثيرِ: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ} قد أهلكَ الله أممًا كثيرة {كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ} هلكوا ولا رجوعَ لهم إلا يوم القيامة، الذين هلكُوا لا يرجعون إلى الدنيا إلا في اليومِ الموعود -يومِ القيامة، قيامِ الساعة- الذي يجمعُ الله فيه الأوَّلين والآخرين من الأمم.

{وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} كلُّ هذه القرونِ والأمم التي هلكَت، سيأتي يومٌ يجمعهم الله فيه ويُحضرهم، {قُلْ إِنَّ الأوَّلِينَ وَالآخِرِينَ*لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} [الواقعة:49-50] الأولين والآخرين، سبحان الله! {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ}. وتنتهي قصةُ المؤمنِ وما تلاها من تهديدِ المُكذِّبين، وتحذيرِهم مما وقعَ في القرون قبلَهم.

 

(تفسيرُ السعدي):

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، قالَ الشيخُ عبدُ الرحمن السعدي -رحمه الله تعالى-:

قَالَ اللَّهُ فِي عُقُوبَةِ قَوْمِه: {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ} أَيْ: مَا احْتَجْنَا أَنْ نَتَكَلَّفَ فِي عُقُوبَتِهِمْ، فَنُنْزِلَ جُنْدًا مِنَ السَّمَاءِ لِإِتْلَافِهِمْ.

– الشيخ : ما احتجْنا، لا إله إلا الله.

– القارئ : {وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ}: لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ، وَعَظْمَةِ اقْتِدَارِ اللَّهِ تَعَالَى، وَشِدَّةِ ضَعْفِ بَنِي آدَمَ، وَأَنَّهُمْ أَدْنَى شَيْءٍ يُصِيبُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ يَكْفِيهِمْ.

{إِنْ كَانَتْ} أَيْ: مَا كَانَتْ عُقُوبَتُهُمْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً 

– الشيخ : لا إلَهَ إلا الله، لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، كأنه والله أعلم -لو كان التعبير- أنَّ قومَ ذلك المؤمن ما احتاجوا إلى جندٍ -يُنزلُ عليهم ملائكةً يُهلكونَهم وجنودًا كثيرة- بل يكفِيهم صيحةً واحدة، وذلك راجعٌ إلى ضعفهم، وقد يُناسِبُ الأمرين لو قالَ: اللهُ لا يحتاج إلى أن يُرسِلَ جنودًا كثيرين، لكمالِ قوته وشدة بطشِه، وهم كذلك لا يحتاجون إلى كثيرٍ من الجنودِ لإهلاكِهم لضعفِهم، فالله لا يحتاجُ لقوَّتِه وكمال قدرته، وهم لا يحتاجون إلى إنزالِ جنود كثيرين لضعفِهم، فما هي إلا صيحةٌ واحدة هلكُوا بها.

 

– القارئ : {وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ}: لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ، وَعَظْمَةِ اقْتِدَارِ اللَّهِ تَعَالَى، وَشِدَّةِ ضَعْفِ بَنِي آدَمَ، وَأَنَّهُمْ أَدْنَى شَيْءٍ يُصِيبُهُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ يَكْفِيهِمْ.

{إِنْ كَانَتْ} أَيْ: مَا كَانَتْ عُقُوبَتُهُمْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً أَيْ: صَوْتًا وَاحِدًا، تَكَلَّمَ بِهِ بَعْضُ مَلَائِكَةِ اللَّهِ، فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ قَدْ تَقَطَّعَتْ قُلُوبُهُمْ فِي أَجْوَافِهِمْ، وَانْزَعَجُوا لِتِلْكَ الصَّيْحَةِ، فَأَصْبَحُوا خَامِدِينَ، لَا صَوْتَ وَلَا حَرَكَةَ، وَلَا حَيَاةَ بَعْدَ ذَلِكَ الْعُتُوِّ وَالِاسْتِكْبَارِ، وَمُقَابَلَةِ أَشْرَفِ الْخَلْقِ بِذَلِكَ الْكَلَامِ الْقَبِيحِ، وَتَجَبُّرِهِمْ عَلَيْهِمْ

قَالَ اللَّهُ مُتَوَجِّعًا لِلْعِبَاد: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} أَيْ: مَا أَعْظَمَ شَقَاءَهُمْ، وَأَطْوَلَ عَنَاءَهُمْ، وَأَشَدَّ جَهْلَهُمْ، حَيْثُ كَانُوا بِهَذِهِ الصِّفَةِ الْقَبِيحَةِ، الَّتِي هِيَ سَبَبٌ

– الشيخ : يعني قوله: "مُتوجِّعًا" كأنَّها غير مناسبة، يعني إضافة التوجُّعِ إلى الله، بل هذا كما قلتُ أنَّ حالتَهم يُقال فيها: يا حسرةً عليهم، يُقال فيها: لعِظَمِ ما أصابَهم وعِظَمِ ما فاتَهم، فهؤلاء صاروا بهذه الحالِ ممَّن يُقال فيهم أو ممن يُتحسَّرُ عليهم، الله تعالى لا يُضاف إليه التحسُّرُ ولا التوجُّعُ.

 

– القارئ : {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ} الآيات

يَقُولُ تَعَالَى: أَلَمْ يَرَ هَؤُلَاءِ وَيَعْتَبِرُوا بِمَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ الْمُكَذِّبَةِ، الَّتِي أَهْلَكَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَأَوْقَعَ بِهَا عِقَابَهَا، وَأَنَّ جَمِيعَهُمْ قَدْ بَادَ وَهَلَكَ، فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَى الدُّنْيَا، وَلَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهَا، وَسَيُعِيدُ اللَّهُ الْجَمِيعَ خَلْقًا جَدِيدًا، وَيَبْعَثُهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ، وَيُحْضِرُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ تَعَالَى، لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ الْعَدْلِ الَّذِي {لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:40] قال الله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ الأرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا} الآيات

– الشيخ : إلى آخرِه، نعم.