الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة يس/(6) من قوله تعالى {وآية لهم الليل} الآية 37 إلى قوله تعالى {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر} الآية 40
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(6) من قوله تعالى {وآية لهم الليل} الآية 37 إلى قوله تعالى {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر} الآية 40

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة  يس

الدَّرس: السَّادس

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ:

وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ [يس:37-40]

– الشيخ : إلى هُنا، لا إلهَ إلا الله، لا إله إلا الله، الحمدُ لله، هذهِ آيةٌ أخرى، {وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ} [يس:33]، ثم قال: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ} الليلُ والنهارُ آيتان، {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ} [فصلت:37]

ولكن الآية فيها آيات، {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} لعلَّ المعنى -واللهُ أعلم- نسلخُ عنه النهارَ، وذلك بغروبِ الشمس، بغروبِ الشمسِ ينسلخُ النهار.

يقول تعالى: {فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ}: بعد الضياءِ الذي يملأُ الفضاءَ، بعد هذا الانتشارِ في شؤونِ الحياة، انتشارِ الناس والحيوانِ، {إِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ}: ليسكن الجميع، {فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ} {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ*قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ} [القصص:71-72] الله المستعان، {فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ}.

ثم يقول تعالى: وهذهِ آيةٌ دالَّةٌ على قدرتِه -سبحانه وتعالى- وحِكمتِه ورحمتِه، تدلُّ على قدرتِه، من الذي يأتي بالليلِ فيذهبُ بالنهار، ويأتي بالشمسِ ويذهبُ بها، إلا الذي خلقَها، وجعلَ لها هذا النظامَ المُحكَمَ؟ سبحان الله! {وَالشَّمْسُ تَجْرِي}: الشمسُ تجري ليسَت واقفةً كما يقول علماءُ الهيئةِ في هذا العصر، لا. تجري، يقولون بدورانِ الأرض، أنَّ الأرضَ هي التي تدورُ والشمس واقفة، هذا مضمونُ قولِهم، واحتالَ بعض الإسلامِيِّين وقالوا: لا، إنَّ الشمس تجري والأرضَ تدورُ كذلك، لأنَّهم إذا قالوا: إنَّ الشمس واقفةٌ صادَموا صريحَ القرآن: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا}.

{لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا}: يومَ يأتي اليومُ الذي تقفُ فيه هذه الأفلاكُ الدائرة، كما قالَ –تعالى-: كلٌّ يجري، الليلُ والنهارُ والشمسُ والقمرُ يقول فيها –تعالى-: {كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [لقمان:29]، منذُ خلقَها الله وهي هكذا تجري وتتعاقبُ، الشمسُ تطلع وتغيبُ ويأتي الليلُ ويذهبُ النهار وهكذا، فإذا جاءَ ذلك اليومُ الآجلُ توقَّفَت هذه الأفلاكُ، وتوقفَت الشمسُ، وتغير أمرُ العالمِ، وقامت القيامةُ، {لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}: العزيزِ القوي، العليمِ بكل شيء، وهذه المخلوقاتُ من آثار قوَّتِه وعِزَّتِه وعلمه مُحيطٌ بها وبكلِّ شيءٍ.

{وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ}: يعني قدَّرْنا القمرَ –قدَّرْناه- قدَّرنا القمرَ منازلَ، لتعلموا عددَ السنين والحساب، فبسيرِ القمرِ نعرفُ الشهرَ، لو لم يكن لنا هذه الآيةُ لما درينا عن الأيامِ كم راح؟ لكن لا. الآن نعرفُ. ولهذا الأسبوعُ ليس له آيةٌ كونِيَّةٌ، ولهذا لا يُعرَفُ إلا بالعدِّ، لا يُعرف إلا بالعددِ، اليوم كذا باكر كذا خلاص، لكن الشهر له آيةٌ والسنة لها آية، الشمسُ، ثم بعددِ الشهور التي تمضي: اثنا عشرَ شهرًا تمرُ السنةُ: {لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} [يونس:5]

{وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ} يتنقَّلُ في منازلِه حتى يعودَ كما بدأَ، يعودُ هلالًا، يعني قوسًا صغيرًا كأنه قطعةُ سوارٍ، وهو الهلالُ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة:189] {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ}: والعرجونُ هو قِنْوُ النخلِ، إذا يبسَ يكون مُقوَّسًا، {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ}.

{لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}: كل هذه … تجري في فلكٍ دوَّارٍ، فلكٌ يدورُ فتدور به هذه الأجرامُ وهذه المخلوقَات، {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}.

–  طالب: أحسنَ الله إليك يا شيخ، هل الآياتُ تدلُّ على كرويَّةِ الأرض؟ {والشَّمْسُ تَجْرِي}؟ هل يُؤخذ؟

– الشيخ : ما أدري، كُرويَّةُ الأرض ما فيها خلافٌ بين أهل السنة، بين أهل العلم، نعم: {الشَّمْسُ تَجْرِي} فتذهب: يعني تنتقل من أرض إلى أرض، فإذا غابت عنَّا فإنَّها تطلُع على أناسٍ آخرين، هذا مُتفقٌ عليه عند علماءِ الإسلام، نعم. والكُروية ما فيها مُشكلةٌ، الشأنُ في الدوران.

 

(تفسيرُ السَّعدي):

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمَين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ. قالَ الشيخُ عبدُ الرحمن السعدي -رحمَه الله تعالى- في تفسير قول الله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ} [يس:37] الآيات:

أَيْ: وَآيَةٌ لَهُمُ عَلَى نُفُوذِ مَشِيئَةِ اللَّهِ

– الشيخ : أي: على نفوذِ مشيئتِه وقدرتِه وحكمته.

– القارئ : وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ، وَإِحْيَائِهِ الْمَوْتَى بَعْدَ مَوْتِهِم {اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ} أَيْ: نُزِيلُ الضِّيَاءَ الْعَظِيمَ الَّذِي طَبَّقَ الْأَرْضَ، فَنُبَدِّلُهُ بِالظُّلْمَةِ، ونُحِلُّهُا محلَّهُ

– الشيخ : ونُحِلُّها محلَّه، نعم، يُولجُ الليلَ في النهارِ، يُحِلُّ الليلَ مكان النهار، كما يُحِلُّ النهارَ مكانَ الليل في دورتِه.

– القارئ : {فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ}، وَكَذَلِكَ نُزِيلُ هَذِهِ الظُّلْمَةَ، الَّتِي عَمَّتْهُمْ وَشَمَلَتْهُمْ، فَنُطْلِعُ الشَّمْسَ، فَتُضِيءُ الْأَقْطَارَ، وَيَنْتَشِرُ الْخَلْقُ لِمَعَاشِهِمْ وَمَصَالِحِهِمْ، وَلِهَذَا قَالَ:َالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} أَيْ: دَائِمًا تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا قَدَّرَهُ اللَّهُ لَها، لَا تَتَعَدَّاهُ وَلَا تَقْصُرُ عَنْهُ، وَلَيْسَ

– الشيخ : نعم، قدَّرَه اللهُ لهَا، لا تتعدَّاه، صح ماشي.

– القارئ : ولا تقْصُرُ قدْرَه

– الشيخ : لا، "ولا تقصرُ عنه" بس، "لا تتعدَّاه ولا تقصرُ عنه" بس امشِ.

– القارئ : بدون "قدْرَه"؟

– الشيخ : إي

– القارئ : وَلَيْسَ لَهَا تَصَرُّفٌ فِي نَفْسِهَا، وَلَا اسْتِعْصَاءٌ عَلَى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَىذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الَّذِي بِعِزَّتِهِ دَبَّرَ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ الْعَظِيمَةَ، بِأَكْمَلِ تَدْبِيرٍ، وَأَحْسَنِ نِظَامٍ

– الشيخ : الله أكبر، لا إله إلا الله، {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ} [يوسف:105] هذا في وصفِ الكفار وأكثرِ الناس، يمرُّون عليها وينظرونَ لها وهم عنها غافلون، آياتٌ في الأرض، وآياتٌ في السماء.

 

– القارئ : {الْعَلِيم}ِ الَّذِي بِعِلْمِهِ جَعَلَهَا مَصَالِحَ لِعِبَادِهِ، وَمَنَافِعَ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ. {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ}: يَنْزِلُهَا، كُلَّ لَيْلَةٍ يَنْزِلُ مِنْهَا وَاحِدَةً، حَتَّى صَغُرَ جَدًّا

– الشيخ : "حتى صَغُرَ" أم "حتى يصْغُرَ جدًا"؟

– طالب: حتى يصغُر

– القارئ : عندي "صَغُرَ"

الشيخ : لا؛ حتى يصغرَ

القارئ : أحسن الله إليك، حَتَّى يَصْغُرَ جَدًّا، وَعَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ 

– الشيخ : أيش يقول؟  فيعودَ، حتى يصغرَ جدًا فيعودَ نعم اقرأ كذا بس. امشِ.

– القارئ : عندي مُوصِّلها بالآية و{عاد كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ}، مخليها آية بين قوسين

الشيخ : لا ما هي آية. الآية {حتى عادَ}، مشِّ مشِّ بس، الكتابة لا تُعوِّلْ عليها.

– القارئ : ويعود {كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} أي: عُرْجُونُ النخلةِ، الذي منْ قِدَمِه نشَّ وصغُرَ حجمُه وانحنَى، ثمَّ بعدَ ذلك، ما زالَ يزيدُ

– الشيخ : من قدمه إذا صارَ قديمًا، أما إذا صار جديدًا يصيرُ فيه اعتدالٌ، لكن إذا يبسَ يتقوَّسُ أكثر.

– القارئ : نشَّ وصغرَ حجمُه وانحنَى، ثم بعدَ

– الشيخ : أي نشَّ بمعنى: يبسَ وجفَّ

– القارئ : ثمَّ بعدَ ذلكَ، ما زالَ يزيدُ شيئًا فشيئًا، حتى يَتِمَّ نورُه ويتَّسقَ

– الشيخ : القمرُ يعود مرة أخرى، الدورةُ الثانية في الشهرِ الآخرِ يبدأُ من جديد، ولهذا قالَ: {حَتَّى عَادَ}: بمعنى أنَّه كان هكذا ثمَّ تطوَّرَ ونوَّرَ واستدارَ وكبرَ، وبمروره على منازلِه يعودُ.

– القارئ : حتى يَتِمَّ نورُه ويتَّسقَ ضياؤُه.

{وَكُلٌّ}: مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، قَدَّرَهُ اللَّهُ تَقْدِيرًا لَا يَتَعَدَّاهُ، وَكُلٌّ لَهُ سُلْطَانٌ وَوَقْتٌ، إِذَا وُجِدَ عُدِمَ الْآخَرُ، وَلِهَذَا قَال: {لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} أَيْ: فِي سُلْطَانِهِ الَّذِي هُوَ اللَّيْلُ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تُوجَدَ الشَّمْسُ فِي اللَّيْلِ، {وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَار}: فَيَدْخُلُ عَلَيْهِ قَبْلَ انْقِضَاءِ سُلْطَانِهِ، وَكُلٌّ مِنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ أَيْ: يَتَرَدَّدُونَ عَلَى الدَّوَامِ، فَكُلُّ هَذَا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ

– الشيخ : لا إلهَ إلا الله، لا إله إلا الله، لا إلهَ إلا الله، لا إله إلا الله.

– القارئ : وَبُرْهَانٌ بَاهِرٌ، عَلَى عَظَمَةِ الْخَالِقِ، وَعَظَمَةِ أَوْصَافِهِ، خُصُوصًا وَصْفَ الْقُدْرَةِ وَالْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.

قال الله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}

– الشيخ : إلى هنا، لا إله إلا الله، سبحان الله! لمَّا حاجَّ إبراهيمُ الكافرَ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ} {قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ} [البقرة:258]، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله.