الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة يس/(8) من قوله تعالى {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} الآية 48 إلى قوله تعالى {فاليوم لا تظلم نفس شيئا} الآية 54
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(8) من قوله تعالى {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} الآية 48 إلى قوله تعالى {فاليوم لا تظلم نفس شيئا} الآية 54

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة  يس

الدَّرس: الثَّامن

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ*مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ*فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ*وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ*قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ*إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ*فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [يس:48-54]

– الشيخ : إلى هنا يا اخي، لا إله إلا الله.

يُخبر تعالى عن أقوالِ الكفَّار المتضمِّنَةِ للعِنادِ والتكذيبِ، ومن ذلك أنَّهم يقولون: {مَتَى هَذَا الْوَعْدُ} {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ} يعني: وعدَ البعثِ والقيامةِ {مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} {مَتَى هَذَا الْفَتْحُ} [السجدة:28] استفهامُ استبعادٌ.

يقولُ تعالى: {مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً} {يَنظُرُونَ} أي: ما ينتظرون، الآن في هذه الحياة هم ينتظرون ذلكَ اليومَ العظيم الذين يَسمَعون فيه الصيحة، صيحة، وهي النَّفخُ في الصُّور: {مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ} يَصْعَقون. {وَهُمْ يَخِصِّمُونَ} وهم يَتخَاصَمون ويَتشاجَرون في أمرِ دنياهُم فَعِندَ هذه الصيحة يَفزعُون ولا يَقدِرون أنْ يفعلوا شيئًا ولا أنْ يُوصُوا بوصيةٍ لأهلِهم {فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} بلْ يُصعقون ويُهلكون.

{مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ*فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} ولعلَّ هذهِ النَّفخة: الصيحةُ الاولى.

ثم جاء ذكرُ الصيحة الثانية {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} -هذه لعلَّها هي النفخة الثانية- {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ} {الأَجْدَاثِ} القبور. {يَنسِلُونَ} منها: يَخرجُون، كأنَّك تنظرُ إليهم، هذه الأرض ماذا فيها مِن كَثرةِ القبورِ، تتشققُ، في الآية الأخرى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا … يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ} [ق:43-44] تتشقَّقُ الأرضُ فيخرجونَ منها. لا إله إلا الله ما أكثرهم! كثير! كثيرون! مثل: {ثم نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ} [الزمر:68] يَخرجون مِن القبورِ ويَنظرون.

{فَإِذَا هُم مِّنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ*قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا} كأنَّه في هذه اللَّحْظةِ التي قبلَ خروجهِم كانوا في لحظةِ راحةٍ ربَّما حصلَ لهم {مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا} أو أنهم سَمُّوا القبور مراقدَ، وسَمُّوا وجودَهم فيها رُقاد: {مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا} فيقولونَ، أو يُقال لهم: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} هذا ما وُعدتُّمْ به {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ}.

{إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ} يخرجونَ مِن القبورِ فَيَنْتَشِرُونَ ويَمُوجُ بعضُهم في بعضٍ {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} [القمر:7] {كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ} [القارعة:4]

ثم يُحشَرون يُجمَعون، هذه البشريةُ الهائلةُ ماذا يُظنُّ بعددِهم منذُ أولِ نَسْمَةٍ، مِن آدمَ، مِن آدمَ، ابتداءً بآدم إلى آخرِ نَفْسٍ يخلقُها الله، كلهم: {قُلْ إِنَّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ*لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} [الواقعة:49-50] جمع. مِن هذا يُسمى يومُ القيامةِ يومَ الفَصْلِ، ويومَ الجَمْعِ، ويومَ البَعثِ، لَه أسماء عديدة.

{إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ} يعني: للحساب.

{فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} في الآية الأخرى: {لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ} [غافر:17] {لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ}

{لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}

 

(تفسير السعدي)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السَّعدي –رحمَه اللهُ تعالى- في تفسيرِ قول اللهِ تعالى:

{وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} الآيات

– الشيخ : بعده، بعده، بعده، قرأناها هذه.

– القارئ : نعم، صح. إي، أنا أخطأتُ في موضع

{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}

{وَيَقُولُونَ} عَلَى وَجْهِ التَّكْذِيبِ وَالِاسْتِعْجَالِ

– الشيخ : الِاسْتِعْجَالِ والاسْتبعاد

– القارئ : {مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} قال اللّه تعالى: لَا يَسْتَبْعِدُوا ذَلِكَ، فَإِنَّهُ عَنْ قَرِيبٍ مَا يَنْظُرُونَ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً وَهِيَ نَفْخَةُ الصُّورِ تَأْخُذُهُمْ أَيْ: تُصِيبُهُمْ {وَهُمْ يَخِصِّمُونَ} أَيْ: وَهُمْ لَاهُونَ عَنْهَا، لَمْ تَخْطِرْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فِي حَالِ خُصُومَتِهِمْ، وَتَشَاجُرِهِمْ بَيْنَهُمُ، الَّذِي لَا يُوجَدُ فِي الْغَالِبِ إِلَّا وَقْتَ الْغَفْلَةِ.

{وَإِذَا أَخَذَتْهُمْ} وَقْتَ غَفْلَتِهِمْ، فَإِنَّهُمْ لَا يُنْظَرُونَ وَلَا يُمْهَلُونَ {فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً} أَيْ: لَا قَلِيلَةً وَلَا كَثِيرَةً {وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ}.

قال اللهُ تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأجْدَاثِ} الآيات.

– الشيخ : الأصلُ الـمُعتاد إذا جاءَ حَدَثٌ رهيبٌ ومُفْزِعٌ يَهتَمُّ الإنسانُ بالرجوعِ إلى أهلِهِ يَرجِعُ لعلَّهُ يكون هناكَ في أَمْنٍ يرجعُ إلى أهله، أو أَقلَّ شيءٍ يُوصِّي يَكتبُ الوصيةَ أو يَعهَدُ إلى شخصٍ يُبلِغُ أهلَه يقول: صارَ علينا كذا أو صار علينا كذا، بَلَّغَهُم فهم {لا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} لا هذا، ولا هذا. الله أكبر! لِعِظَمِ الأمرِ وعِظَمِ الهَوْلِ وعِظَمِ الخَوف، الله أكبر!

 

– القارئ : قال اللهُ تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأجْدَاثِ} الآيات.

النَّفْخَةُ الْأُولَى هِيَ: نَفْخَةُ الْفَزَعِ وَالْمَوْتِ، وَهَذِهِ نَفْخَةُ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ، خَرَجُوا مِنَ الأَجْدَاثِ وَالْقُبُورِ

– الشيخ : والقُبورِ! المناسبُ: وهِيَ القبورُ. ما عندَكم وهِيَ؟ ما في والقبورُ؟ امشِ بعدَها.

القارئ : {يَنْسِلُونَ} إِلَى رَبِّهِمْ، أَيْ: يُسْرَعُونَ لِلْحُضُورِ بَيْنَ يَدَيْهِ، لَا يَتَمَكَّنُونَ مِنَ التَّأَنِّي وَالتَّأَخُّرِ.

وَفِي تِلْكَ الْحَالِ، يَحْزَنُ الْمُكَذِّبُونَ، وَيُظْهِرُونَ الْحَسْرَةَ وَالنَّدَمَ، وَيَقُولُونَ: {يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} أَيْ: مِنْ رَقْدَتِنَا فِي الْقُبُورِ، لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ، أَنَّ لِأَهْلِ الْقُبُورِ رَقْدَةً قُبَيْلَ النَّفْخِ فِي الصُّوَرِ، فَيُجَابُونَ، وَيُقَالُ لَهُمْ: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} أَيْ: هَذَا الَّذِي وَعَدَكُمُ اللَّهُ بِهِ، وَوَعَدَتْكُمْ بِهِ الرُّسُلُ، فَظَهَرَ صِدْقُهُمْ رَأْيَ عَيْنٍ.

وَلَا تَحْسَبْوا أَنَّ ذِكْرَ الرَّحْمَنِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ

– الشيخ : تَحْسَبُوا؟

– القارئ : نعم

– الشيخ : عجيب!

– القارئ : وَلَا تَحْسَبْ أَنَّ ذِكْرَ الرَّحْمَنِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، لِمُجَرَّدِ الْخَبَرِ عَنْ وَعْدِهِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِلْإِخْبَارِ بِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ، سَيَرَوْنَ مِنْ رَحْمَتِهِ مَا لَا يَخْطِرُ عَلَى الظُّنُونِ، وَلَا حَسَبَ بِهِ الْحَاسِبُونَ، كَقَوْلِهِ: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} [الفرقان:26] {وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ} [طه:108] وَنَحْوَ ذَلِكَ، مِمَّا يُذْكَرُ اسْمُهُ الرَّحْمَنُ، فِي هَذَا.

{إِنْ كَانَتْ} الْبَعْثَةُ مِنَ الْقُبُورِ {إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً} يَنْفُخُ فِيهَا إِسْرَافِيلُ فِي الصُّورِ، فَتَحْيَا الْأَجْسَادُ، {فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ} الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ وَالْإِنْسُ وَالْجِنُّ، لِيُحَاسَبُوا عَلَى أَعْمَالِهِمْ.

{فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} لَا يُنْقَصُ مِنْ حَسَنَاتِهَا، وَلَا يُزَادُ فِي سَيِّئَاتِهَا، {وَلا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَلَى ذَلِكَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومُنَّ إِلَّا نَفْسَهُ.

قال الله تعالى: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ} الآيات.

الشيخ : إلى آخره، انتهى.

القارئ : أحسن الله إليك.