بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة يس
الدَّرس: التَّاسع
*** *** ***
– القارئ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ*هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ*سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس:55-58]
– الشيخ : إلى هُنا. آياتُ الترغيبِ، لا إلهَ إلا الله، لا إلهَ إلا الله.
يُخبِرُ تعالى عن أوليائِه أصحابِ الجنة في ذلكَ اليومِ، في يومِ القيامةِ، وقد ذُهِبَ بأهلِ النارِ إلى النارِ، فأصحابُ الجنة في ذلكَ اليومِ في نعيمٍ وفي مُتْعَةٍ: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ} أصحابُ الجنةِ هم الذينَ
آمنوا وعملُوا الصالحات، الذينَ آمنوا وعملُوا الصالحاتِ هم أصحابُ الجنةِ، وشواهِدُ هذا في القرآنِ كثيرةٌ،
يقولُ: {إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ} ذلكَ اليومُ {فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ} في شُغُلٍ مَعَ أزواجِهِم يَتَمَتَّعُونَ بِهِنَّ {في شُغُلٍ فَاكِهُونَ}، مَسرورُون ناعِمُون مُتَنَعِّمُون.
{هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ} لا إله إلا الله، {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ}
{لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ} في الجنَّة، فاكهةٌ، وهذهِ الفاكهةُ أنواعٌ {فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} [الرحمن:52]
{لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} لهمْ كلُّ ما يطلُبونَه ويشتهونَه فهو حاضرٌ مِن طعامٍ وشرابٍ وأنواعِ المأكولات {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة:21] {وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ}
{سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} وهذا أعظمُ مما تَقدَّم وهو أنَّ اللهَ يُسَلِّم عليهم {سَلَامٌ قَوْلًا} {قَوْلًا} يعني سلامٌ هو كلامٌ، وليس معناهُ، لأنه السلام يأتي بمعنى التسليمِ، ويأتي بمعنى السلامةِ، لا، هذا قولٌ، كلامٌ، اللهِ يُسلِّمُ عليهم.
{مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} {مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} وهذا من أجلِّ نعيمِ أهلِ الجنة، مِن أجَلِّ نعيمِهم، وفوقَه النعيمُ برؤيتِه-سبحانه وتعالى-، فاللهُ يُسلِّمُ عليهمْ والملائكةُ تُسلِّمُ عليهِمْ {وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:23-24]
(تفسير السعدي)
– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين. قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السَّعديّ -رحمه الله تعالى- في تفسيرِ قولِهِ تعالى:
{إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ} الآيات.
لَمَّا ذَكَرَ-تَعَالَى-أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ لَا يُجَازَى إِلَّا مَا عَمِلَهُ، ذَكَرَ جَزَاءَ الْفَرِيقَيْنِ، فَبَدَأَ بِجَزَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ {فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ} أَيْ: فِي شُغُلٍ مُفْكِهٍ لِلنَّفْسِ، مُلِذٍّ لَهَا، مِنْ كُلِّ مَا تَهْوَاهُ النُّفُوسُ، وَتَلَذُّهُ الْعُيُونُ، وَيَتَمَنَّاهُ الْمُتَمَنُّونَ.
وَمِنْ ذَلِكَ افْتِضَاضُ الْعَذَارَى الْجَمِيلَاتِ، كَمَا قَالَ: {هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ} مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، اللَّاتِي قَدْ جَمَعْنَ
– الشيخ : الكلامُ مُجملٌ {فِي شُغُلٍ} هذا فيه إبهامٌ، ويَدلُّ على أنه أمْرٌ عظيمٌ، والشيخ ذَكَرَ ما قالَهُ المفسِّرون، وأنه التَّمتُّعُ بأزواجِهم وبافْتضاضِ الأبكارِ؛ لأنَّ أزواجَهم أبكارٌ {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} [الرحمن:56-74] {أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا} [الواقعة:36-37] فقولُه {شُغُلٍ}: فيه طَوِي وإبهامٌ فَسَّرَهُ كثيرٌ من السَّلفِ بما ذكرَهُ الشيخ.
– القارئ : مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، اللَّاتِي قَدْ جَمَعْنَ حُسْنَ الْوُجُوهِ وَالْأَبْدَانِ وَحُسْنَ الْأَخْلَاقِ.
{فِي ظِلالٍ عَلَى الأَرَائِكِ} أَيْ: السُّرُرِ الْمُزَيَّنَةِ بِاللِّبَاسِ الْمُزَخْرَفِ الْحَسَنِ. {مُتَّكِئُونَ} عَلَيْهَا، اتِّكَاءً دالَّاً عَلَى كَمَالِ الرَّاحَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ وَاللَّذَّةِ.
{لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ} كَثِيرَةٌ، مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الثِّمَارِ اللَّذِيذَةِ، مِنْ عِنَبٍ وَتِينٍ وَرُمَّانٍ، وَغَيْرِهَا، {وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} أَيْ: يَطْلُبُونَ، فَمَهْمَا طَلَبُوهُ وَتَمَنَّوْهُ أَدْرَكُوهُ.
وَلَهُمْ أَيْضًا {سَلامٌ} حَاصِلٌ لَهُمْ {قولاُ} مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ فَفِي هَذَا كَلَامُ الرَّبِّ-تَعَالَى-لِأَهْلِ الْجَنَّةِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ، وَأَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ: {قَوْلا} وَإِذَا سَلَّمَ عَلَيْهِمُ الرَّبُّ الرَّحِيمُ حَصَلَتْ لَهُمُ السَّلَامَةُ التَّامَّةُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، وَحَصَلَتْ لَهُمُ التَّحِيَّةُ، الَّتِي لَا تَحِيَّةَ أَعْلَى مِنْهَا، وَلَا نَعِيمَ مِثْلَهَا، فَمَا ظَنُّكَ بِتَحِيَّةِ مَلِكِ الْمُلُوكِ، الرَّبِّ الْعَظِيمِ، الرؤوفِ الرَّحِيمِ، لِأَهْلِ دَارِ كَرَامَتِهِ، الَّذِي أَحَلَّ عَلَيْهِمْ رِضْوَانَهُ، فَلَا يَسْخَطُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا، فَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ-تَعَالَى-قَدَّرَ أَنْ لَا يَمُوتُوا، أَوْ تَزُولَ قُلُوبُهُمْ عَنْ أَمَاكِنِهَا مِنَ الْفَرَحِ وَالْبَهْجَةِ وَالسُّرُورِ، لَحَصَلَ ذَلِكَ، فَنَرْجُو رَبَّنَا أَنْ لَا يَحْرِمَنَا ذَلِكَ النَّعِيمَ، وَأَنْ يُمَتِّعَنَا بِالنَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ الْكَرِيمِ.
– الشيخ : أحسنت إلى هنا.