الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة يس/(10) من قوله تعالى {وامتازوا اليوم أيها المجرمون} الآية 59 إلى قوله تعالى {اليوم نختم على أفواههم} الآية 65
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(10) من قوله تعالى {وامتازوا اليوم أيها المجرمون} الآية 59 إلى قوله تعالى {اليوم نختم على أفواههم} الآية 65

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة  يس

الدَّرس: العاشر

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ*أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَــعْـبُدُوا الشَّيْـطَـانَ إِنَّهُ لَـكُـمْ عَـدُوٌّ مُبِينٌ*وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ*وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ*هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُون اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ*الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يس:59-65]

– الشيخ : لا إله إلا الله، الحمدُ لله، يَذكرُ -تعالى- في هذه الآياتِ ما يَقولُهُ للمجرمين بعدَ أنْ ذكرَ مَآلَ أهلِ الجنة، نَعِيْمَهُم، أَتْبَعَ ذلكَ بذكرِ ما يُقالُ للمجرمين، المجرمين: الكفَّارُ من المشركين واليهودِ والنَّصارى، هؤلاء هم المجرمون، الآن الـمُجْرِمُ عند الناس هو اللي يَعتدي على الناس، الظالم، الحراميّ، القتَّال، هذا لا شكَّ أنه عاصي ومرتكبٌ لذنوبٍ وجرائمَ، لكن أحقُّ الناسِ بوصفِ "الإجرامِ"، بوصفِ "الـمُجْرِمِ" هو الكافرُ. فهؤلاء الكفار طواغيتُ الأممِ، هؤلاء هُمُ المجرمون، هُمْ.

يعني نقولٌ: لرؤساءِ تلكَ الدولِ مجرمون، همُ المجرمونَ حَقَّاً؛ لأنَّهم مِن كلِّ النَّواحي مِن ناحيةِ الكفر، ومِنْ ناحيةِ أيضاً المعنى الآخَر مِنْ ظلمِ الخَلقِ والاعتداءِ عليهِم والعَملِ على إفسادِ دينِهم ودنياهُم، أيُّ إجرام.

يجب أن نعرفَ أنَّ مفهومَ الإجرامِ ليسَ هو، بل من يُوصَفُ بِه والذين يُوصَفونَ بِه همْ أقلُّ إجرامًا مِنْ أولئكَ الكَفَرَة.

{وَامْتَازُوا} يُقالُ للمجرمين يومَ القيامة: {امْتَازُوا} يعني: تـَمَيَّزُوا، وانْحازُوا عَن غيرِكم تـَمَيَّزُوا {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} {امْتَازُوا} يـَمْتَازُون عَن غيرِهم؛ لأنَّهم سَيُسَاقُونَ إلى نارِ جَهنَّم.

{وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ*أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ} خطابٌ مِن الله، اللهُ يقولُ لأولئك: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ} يعني على لسانِ الرُّسلِ، اللهُ عَهِدَ إلى الناسِ بواسطةِ رسلِهِ أنْ لا يَعبدُوا إلا الله.

{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} والله أعلم أنَّهُ ذَكَرَ نِسْبَتَهُم إلى آدمَ كأنَّهُ -والله أعلم- تذكيرٌ بقصةِ إبليسَ معَ آدم الذي امتنعَ عن السجودِ ثمَّ تَوَعَّدَ الذريَّةَ بِإغْوَائِهِم: {فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص:82]، فأنتم بنو آدم أطَعْتُم عَدَوَّكُم، عدوَّ أبيكُم الأول: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}

{وَأَنِ اعْبُدُونِي}: فاللهُ نهى بني آدم عن عبادةِ الشيطانِ، وأمرَهُم بعبادتِه -سبحانه- المستحقُّ لِأَنْ يُعْبَدَ دونَ ما سواه {وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}

التوحيدُ: عبادةُ اللهِ وحدَه لا شريكَ لَه وتَرْكُ عبادةِ مَنْ سِواهُ، هذا هو الصراطُ المستقيمُ، مَنْ سَلَكَهُ انتهى به إلى مغفرةِ اللهِ ورحمتِهِ ورضوانِهِ وكرامَتِهِ، {هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} فإذا قلنا: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة:6] فنحنُ نسألُهُ أنْ يَدُلَّنَا ويُعَلِّمَنَا ويَسْلُكَ بنا هذا الصراط {هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}

{وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ} يقول الله لأولئك: {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ} أَيْ: الشيطانُ {أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كثيراً} يعني: خَلْقاً كثيراً {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا}

{أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ} الأكثرونَ أطاعُوا الشيطانَ، الأكثرونَ عبَدُوا الشيطانَ، الأكثرون غَرَّهُمُ الشيطانُ، أضلَّهُمُ الشيطانُ، {جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ}

{هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} هذه هي المصيرُ، وهي نتيجةُ الكفرِ والشِّركِ، هذه عاقبةُ المجرمين {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} مُشَاهَدَةٌ {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} كانوا يُوعَدُونَ بها في الدنيا وتُخْبِرُهُم بها الرُّسلُ وتُحَذِّرَهُم مِن سلوكِ طريقِها والآنَ أصبحتْ معاينةً.

{اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ*الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} فَيُنْطِقُ اللهُ الجوارحَ يُنْطِقُ اللهُ الجوارحَ فتشهدُ على أصحابِها كما قالَ -سبحانه-: {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [فصلت:20]

{وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ*حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ} [فصلت:19-20]

 

(تفسيرُ السعدي)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين. قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السَّعديّ -رحمه الله تعالى- في تفسير قول الله تعالى: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} الآيات:

لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى جَزَاءَ الْمُتَّقِينَ، ذَكَرَ جَزَاءَ الْمُجْرِمِينَ وَأَنَّهُمْ يُقَالُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: {امْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} أَيْ: تَمَيَّزُوا عَنِ الْمُؤْمِنِينَ، وَكُونُوا عَلَى حِدَةٍ؛ لِيُوَبِّخَهُمْ وَيُقَرِّعَهُمْ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمُ النَّارَ، فَيَقُولُ لَهُمْ:

{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ} أَيْ: آمُرُكُمْ وَأُوصِيكُمْ، عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِي، وَأَقُولُ لَكُمْ: {يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} أَيْ: لَا تُطِيعُوهُ؟ وَهَذَا التَّوْبِيخُ يَدْخُلُ فِيهِ التَّوْبِيخُ عَنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي؛ لِأَنَّهَا كُلَّهَا طَاعَةٌ لِلشَّيْطَانِ وَعِبَادَةٌ لَهُ، {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} فَحَذَّرْتُكُمْ مِنْهُ غَايَةَ التَّحْذِيرِ، وَأَنْذَرْتُكُمْ عَنْ طَاعَتِهِ، وَأَخْبَرْتُكُمْ بِمَا يَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ.

وَأَمَرْتُكُمْ {أَنْ اعْبُدُونِي} بِامْتِثَالِ أَوَامِرِي وَتَرْكِ زَوَاجِرِي، {هَذَا} أَيْ: عِبَادَتِي وَطَاعَتِي، وَمَعْصِيَةِ الشَّيْطَانِ {صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} فَعُلُومُ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَأَعْمَالُهُ تَرْجِعُ إِلَى هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ، أَيْ: فَلَمْ تَحْفَظُوا عَهْدِي، وَلَمْ تَعْمَلُوا بِوَصِيَّتِي، ولقد وَلَّيْتُمْ عَدَّوَكُم وهوَ الشيطانُ الذي أضل

– الشيخ : أيش؟ قل، قل: "ولقدْ ولَّيتم" ولا "تَوَلَّيْتُم"؟

– طالب: وَاْلَيْتُم

الشيخ : وَاْلَيْتُم، تمام.

القارئ : "وَلَّيْتُمْ" عندي.

الشيخ : لا، وَاْلَيْتُم.

القارئ : أحسنَ الله إليك، ولقد توَاْلَيْتُم

الشيخ : لا، لا، توَاْلَيْتُم؟

– طالب: فَوَاْلَيْتُمْ.

الشيخ : فَوَاْلَيْتُم، بالفاء، فَوَاْلَيْتُم.

القارئ : بالفاءِ -أحسنَ الله إليك- ولقدْ فَوَاْلَيْتُم.

الشيخ : لا، بس بدون، "ولقدْ"، الظاهر بدون. تجي تجي [تأتي] بعد.

القارئ : وَلَمْ تَعْمَلُوا بِوَصِيَّتِي، فَوَاْلَيْتُمْ عَدَّوَكُم وهوَ الشيطانُ الذي {أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلا كَثِيرًا}: أَيْ: خَلْقًا كَثِيرًا. {أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ} أَيْ: أَفَلَا كَانَ لَكُمْ عَقْلٌ يَأْمُرُكُمْ بِمُوَالَاةِ رَبِّكُمْ وَوَلِيِّكُمُ الْحَقِّ، وَيَزْجُرُكُمْ عَنِ اتِّخَاذِ أَعْدَى الْأَعْدَاءِ لَكُمْ وَلِيًّا؟ فَلَوْ كَانَ لَكُمْ عَقْلٌ صَحِيحٌ لَمَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ.

فَإِذَا أَطَعْتُمُ الشَّيْطَانَ، وَعَادَيْتُمُ الرَّحْمَنَ، وَكَذَّبْتُمْ بِلِقَائِهِ، وَوَرَدْتُمُ الْقِيَامَةَ دَارَ الْجَزَاءِ، وَحَقَّ عَلَيْكُمُ الْقَوْلُ بِالْعَذَابِ فـَ {هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} وَتُكَذِّبُونَ بِهَا، فَانْظُرُوا إِلَيْهَا عِيَانًا، فَهُنَاكَ تَنْزَعِجُ مِنْهُمُ الْقُلُوبُ، وَتَزُوغُ الْأَبْصَارُ، وَيَحْصُلُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ.

ثُمَّ يُكْمِلُ ذَلِكَ، بِأَنْ يُؤْمَرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، وَيُقَالَ لَهُمُ: {اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} أَيِ: ادْخُلُوهَا عَلَى وَجْهٍ تَصْلَاكُمْ، وَيُحِيطُ بِكُمْ حَرُّهَا، وَيَبْلُغُ مِنْكُمْ كُلَّ مَبْلَغٍ

الشيخ : أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار.

القارئ : بِسَبَبِ كُفْرِكُمْ بِآيَاتِ اللَّهِ، وَتَكْذِيبِكُمْ لِرُسُلِ اللَّهِ.

قَالَ تَعَالَى فِي بَيَانِ وَصْفِهِمُ الْفَظِيعِ فِي دَارِ الشَّقَاءِ: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ} بِأَنْ نَجْعَلَهُمْ خُرْسًا فَلَا يَتَكَلَّمُونَ، فَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى إِنْكَارِ مَا عَمِلُوهُ مِنَ الْكُفْرِ وَالتَّكْذِيبِ.

{وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} أَيْ: تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَعْضَاؤُهُمْ بِمَا عَمِلُوهُ، وَيُنْطِقُهَا الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ

{وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ}

الشيخ : إلى هنا بس [يكفي].