الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الصافات/(1) من قوله تعالى {والصافات صفا} الآية 1 إلى قوله تعالى {إلا من خطف الخطفة} الآية 10
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(1) من قوله تعالى {والصافات صفا} الآية 1 إلى قوله تعالى {إلا من خطف الخطفة} الآية 10

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الصَّافات

الدَّرس: الأوَّل

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

وَالصَّافَّاتِ صَفًّا * فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا * فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا * إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ * رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ * إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ [الصافات:1-10]

– الشيخ : إلى هنا، سبحان الله! الله أكبر.

هذه سورةُ "الصَّافَّات" وهي من السُّور المكيةِ، وقد افتُتحت بأَقْسَامٍ يعني: جمعُ قَسَمٍ، جمعُ قَسَمٍ، والله يُقْسِمُ بما شاءَ مْن خَلْقِهِ كما في آياتٍ كثيرةٍ وسورٍ كثيرة، الله أكبر.

وفي هذه السورة أَقْسَمَ بالصَّافَّاتِ والزَّاجِرَاتِ والتَّالِيَاتِ. كلُّ هؤلاء أصنافٌ مِن الملائكةِ {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} والملائكةُ يَصُفُّونَ في صلاتِهم؛ ولهذا قال -عليه الصلاة والسلام-: (أَلَا تَصُفُّوْنَ كَمَا تَصُفُّ الملائكةُ عندَ رَبِّهَا) يَصْطَفُّونَ ويُتِمُّونَ الصفَّ الأولَ فالأولَ، سبحان الله، لا إله إلا الله.

{وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} {صَفًّا} تأكيدٌ {وَالصَّافَّاتِ} جمع صَافَّة، يعني الطائفةُ الجماعةُ الصَّافَّةُ أو الـمُصْطَفَّةُ.

{فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا} تَزْجُرُ ما أُمِرَتْ بزجرِه أو تَزْجُرُ بتلاوة {فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا}

{فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا} الملائكةُ التي تَنزلُ بالوحي تَتْلو ذِكْرَها لربِّها، تَتْلو أنواعَ الذكرِ التي تَعَبَّدَهَا اللهُ بها.

فالملائكةُ في عبادةٍ دائمةٍ: في ذِكرٍ، وصلاةٍ، وتسبيحٍ وتمجيدٍ لربِّها. {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء:20] {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف:206]

ثمَّ الـمُقْسَمُ عليه، القَسَمُ يَحتاجُ إلى جوابٍ وهو الـمُقْسَمُ عليه مثل: {وَالْعَصْرِ} [العصر:1] هذا قَسَمٌ {إِنَّ الْإِنْسَانَ} جوابٌ {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:2] هذا جوابُ القَسَمِ، وهو الـمُقْسَمُ عليه، وهو الـمُقْسَمُ عليه.

يعني: إذا حَلَفَ الإنسانُ يقول: "والله لَأَفْعَلَنَّ كذا"، قولُهُ: "واللهِ" قَسَمٌ، قولُهُ: "لَأَفْعَلَنَّ" هذا هو الـمُقْسَمُ عليه.

وهنا الـمُقْسَمُ عليه: {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ}. فاللهُ أقْسَم بالصافَّاتِ والزَّاجراتِ والتَّالياتِ على توحيدِهِ، على التوحيدِ، {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ}.{إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ}. خبرٌ مُؤكَّدٌ، مُؤكَّدٌ، وهذا داخلٌ في قوله: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [آل عمران:18] فاللهُ يَشهدُ لنفسِه بتفرُّدِّهِ بالألوهيةِ، ويُقسِمُ، ويُقسِمُ على ذلك، سبحان الله! فيجبُ على العبادِ الإيمانُ بما أخبرَ الله به، الإيمانُ بما شَهِدَ اللهُ به لنفسِه.

 {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ} هو المعبودُ وحدَهُ، هو المستحقُّ للعبادةِ، هو المعبودُ بحقٍّ، وهو ربُّ السمواتِ والأرضِ، هو ربُّها، خالقُها، مالكُها، مُدبِّرها {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} {ورَبُّ الْمَشَارِقِ} يعني: وَالْمَغَارِبِ، ربُّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ربُّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ، {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} [الرحمن:17] {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ}.

ثم يخبر -تعالى- عن آياتٍ مِن الآياتِ السماويةِ، الآيات السماوية: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} هذهِ الكواكبُ خَلَقَهَا اللهُ زينةً للسماء {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} [الملك:5] ففي الليالي الـمُظلمة تَنظرُ إلى السماءِ فتجدُ هذه الكواكبُ تتلألأ بأضواءٍ عجيبةٍ جمَّلتْ السماءَ! كيف لو كانتِ السماءُ مُظلمةً دائمًا؟ ففي الليلِ تكون هذه النجومُ تُزيِّنُهَا وتشرحُ صَدرَ مَن ينظرُ إليها، لكن الشأنُ في إدراكِ ما وراءَ ذلكَ، وهو ما تدلُّ عليه هذه المخلوقات مِن قدرةِ الله، مِن حكمةِ الله، مِن ربوبيتِه -سبحانه- {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} هذه واحدة من الحِكَم.

{وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ} أيضاً جعلَ اللهُ النجومَ حراسةً للسماء، إذا اقتربتْ منها الشياطينُ انطلقتْ منها شُهُبٌ تُحرِقُ هؤلاء الشياطين، وكذلك شياطينُ الإنس الذين زعمَوا أنَّهم زعمُوا أنهم يَصِلُونَ إلى كذا وكذا لو اقْتَرَبُوا إلى السماءِ احْتَرَقُوا {وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ}

{لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ} يُقْذَفُونَ بالشُهُبِ من كلِّ جانبٍ.

{دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَة} يعني: قدْ يحصلُ للشيطانِ أنَّه يختطفُ شيئًا من كلامٍ مما سَمِعَهُ في السماء، خَطْفَةً، ثمَّ يُلقِيها الشيطانُ البعيدُ إلى مَنْ تحتَه ويُلقيها الآخَرُ -كما جاء في الحديث- ويُلقيها الآخَرُ إلى مَن تحتَهُ حتى تصلَ إلى الكاهن فيُروِّجَها ويَكذِبَ معها مائةَ كِذْبةٍ، كما ثبتَ في الصحيح، فربَّما أدركَهُ الشِّهاب قبلَ أنْ يُلقِيَ الكلمةَ، وربَّما ألقاها قبلَ أن يُدركَهُ.

{وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} إلى هنا.

 

(تفسيرُ السعدي)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، قالَ الشيخُ عبدُ الرحمن السعدي -رحمَه الله تعالى-:

تفسيرُ سورةُ الصافاتِ، وهي مكيَّة: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا * فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا} الآيات:

هَذَا قَسَمٌ مِنْهُ تَعَالَى بِالْمَلَائِكَةِ الْكِرَامِ، فِي حَالِ عِبَادَاتِهَا وَتَدْبِيرِهَا مَا تُدَبِّرُهُ بِإِذْنِ رَبِّهَا، عَلَى أُلُوهِيَّتِهِ تَعَالَى

– الشيخ : عَلَى أُلُوهِيَّتِهِ يعني: يُقْسِمُ بما ذكرَ على إلاهيّتِهِ. يعني أقسمَ بالصافاتِ والزاجراتِ على وحدانيتِه إلاهيتِه تفضُّلِهِ.

– القارئ : عَلَى أُلُوهِيَّتِهِ تَعَالَى وَرُبُوبِيَّتِهِ، فَقَالَ: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} أَيْ: صُفُوفًا فِي خِدْمَةِ رَبِّهِمْ

– الشيخ : صفوفاً في عبادةِ ربِّهم هذا أدقُّ وأظهرُ معنىً، في عبادةِ ربِّهم.

– القارئ : وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ

{فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا} وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَزْجُرُونَ السَّحَابَ وَغَيْرَهُ بِأَمْرِ اللَّهِ.

– الشيخ : يَزْجُرُونَ السَّحَابَ وَغَيْرَهُ مما يُؤمرُون بِزجرِهِ وسَوْقِهِ.

– القارئ : {فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا} وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ يَتْلُونَ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى.

فَلَمَّا كَانُوا مُتَأَلِّهِينَ لِرَبِّهِمْ، وَمُتَعَبِّدِينَ فِي خِدْمَتِهِ، وَلَا يَعْصُونَهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ، أَقْسَمَ بِهِمْ عَلَى أُلُوهِيَّتِهِ فَقَالَ: {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ} لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْإِلَهِيَّةِ، فَأَخْلَصُوا لَهُ الْحُبَّ وَالْخَوْفَ وَالرَّجَاءَ، وَسَائِرَ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ.

{رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ} أَيْ: هُوَ الْخَالِقُ لِهَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ، الرَّازِقُ لَهَا، الْمُدَبِّرُ لَهَا، فَكَمَا أَنَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي رُبُوبِيَّتِهِ إِيَّاهَا، فَكَذَلِكَ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي أُلُوهِيَّتِهِ، وَكَثِيرًا مَا يُقَرِّرُ تَعَالَى تَوْحِيدَ الْإِلَهِيَّةِ بِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ دَالٌّ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَقَرَّ بِهِ أَيْضًا الْمُشْرِكُونَ فِي الْعِبَادَةِ

– الشيخ : لا، لا، ما يستقيم، "وَقَدْ أَقَرَّ بِهِ الْمُشْرِكُونَ". بس، أيش عندك؟

– طالب: الْمُشْرِكُونَ فِي الْعِبَادَةِ، الشرك في العبادة.

– القارئ : وَقَدْ أَقَرَّ بِهِ أَيْضًا الْمُشْرِكُونَ فِي الْعِبَادَةِ

– الشيخ : ما هو، بعدَه.

– القارئ : فَيُلْزِمُهُمْ بِمَا أَقَرُّوا بِهِ عَلَى مَا أَنْكَرُوهُ.

– الشيخ : لا، "وَقَدْ أَقَرَّ بِهِ الْمُشْرِكُونَ" بس، اتركِ "فِي الْعِبَادَةِ" أعد شوي أعد.

– القارئ : وَكَثِيرًا مَا يُقَرِّرُ تَعَالَى تَوْحِيدَ الْإِلَهِيَّةِ بِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ دَالٌّ عَلَيْهِ، وَقَدْ أَقَرَّ بِهِ أَيْضًا الْمُشْرِكُونَ

– الشيخ : بس، وَقَدْ أَقَرَّ بِهِ أَيْضًا الْمُشْرِكُونَ، بس، وَقَدْ أَقَرَّ بِهِ أَيْضًا الْمُشْرِكُونَ، بس.

– القارئ : وَقَدْ أَقَرَّ بِهِ أَيْضًا الْمُشْرِكُونَ فَيُلْزِمُهُمْ بِمَا أَقَرُّوا بِهِ عَلَى

– الشيخ : في العبادة حُطْ عليها إشارة أنَّها كلمة كأنَّها غيرُ مناسبةٍ في الـمَقامِ.

– القارئ : فَيُلْزِمُهُمْ بِمَا أَقَرُّوا بِهِ عَلَى مَا أَنْكَرُوهُ.

– الشيخ : يعني: همْ أَقَرُّوا بتوحيدِ الربوبيةِ وأنكرُوا توحيدَ العبادةِ.

– القارئ : وَخَصَّ اللَّهُ الْمَشَارِقَ بِالذِّكْرِ؛ لِدَلَالَتِهَا عَلَى الْمَغَارِبِ، أَوْ لِأَنَّهَا مَشَارِقُ النُّجُومِ الَّتِي سَيَذْكُرُهَا، فَلِهَذَا قَالَ: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} الآيات

ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْكَوَاكِبِ هَاتَيْنِ الْفَائِدَتَيْنِ الْعَظِيمَتَيْنِ:

إِحْدَاهُمَا: كَوْنُهَا زِينَةً لِلسَّمَاءِ، إِذْ لَوْلَاهَا لَكَانَتِ السَّمَاءُ مُظْلِمةً لَا ضَوْءَ فِيهَ، وَلَكِنْ زَيَّنَهَا فِيهَا

– الشيخ : الله أكبر، لا إله إلا الله! سبحان الخَلَّاق! سبحان الخَلَّاق هذهِ العوالـِمُ.

ويخوض الـمُتَكلِّفون فيما لا يَنْفَعُهُمْ، وبغيرِ براهينَ تدلُّهم، يخوضون في الكواكبِ في الأجرام العلويةِ ويتكلَّمون عنها كلامًا ليسَ لهم عليه دليلٌ إلا الدعاوى، يتكلَّمون عَن مقاديرِ هذه النجوم، وأجرامِها، ويتكلَّمون عن أبعادِها بأشياء في غايةِ مِن البُعدِ، وكأنَّهم -هؤلاءِ الكفرة- أنا أعني الكفرة الذين يتكلَّمون ومن قلَّدَهم مِن المسلمين، ويتكلَّمون عَن الأجرام وأبعادِها بأشياءَ تتجاوزُ الخيالَ، وهي تخالِفُ ظواهرُ الأدلَّة من الكتابِ والسُّنةِ، ومَآلُ كلامِهم أنه ليس هناكَ في الفِضاءِ إلا هذه الكواكبُ ما في سَمَاء، فلاسفةُ الكفار والغربِ المعاصرون ما يذكرونَ السَّماء أبدًا، ما يذكرونَ إلا الكواكب وكذا وكذا وكذا.

ويتكلَّمون عَن أعدادِ هذه الكواكب، كما يذكرون المجموعةَ الشمسيّةَ، والمجرَّاتِ، يذكرون أشياءً هائلةً، بعيدةً عن ظواهرِ نصوصِ القرآن والسُّنة، يقولون الكوكبُ الفلانيّ بينَنا وبينَه كذا سنةً ضوئية، أيش سنة ضوئية؟ يعني: مدةُ سنةٍ في سَيْرِ الضوءِ، ويذكرون أنَّ الضوءَ يقطعُ كذا مِن الأميالِ، وهذه أشياء تُدرَّسُ للنَّاشِئةِ، تُدرَّسُ للأطفال، للنَّاشِئين الذين، تُدرَّسُ، ويذكرون لهم الأبعادَ، بُعْدَ الشمسَ عَنَّا بكذا وكذا، وهذه علومٌ، العِبرةُ حاصلةٌ بمشاهدةِ هذه المخلوقاتِ، وأما الأمورُ التي لا برهانَ عليها فالمسلِمُ في غِنىً عنها.

يتكلَّمون كثيراً كثيرًا عَن الأجرامِ وعَن الشمسِ والقمرِ، ويقولونَ: هناك شموس، هناك شموسٌ غير هالشمس، فينبغي عدمُ التشاغلِ بها وعدمُ الخوضِ فيها. الله أكبر، الله أكبر.

تَفَكَّرْ فيما أنْتَ مُدرِكٌ لَه بِحِسِّكَ، تَفَكَّرْ في هذه النجوم والشمس والقمر وسيرِهِما وتعاقُبِهِما وفي منافعِهِما، تَفَكَّرْ فيها، تَفَكَّرْ وتَذَكَّرْ دلالتَهما على خالقِهما ومُدَبِّرهما ومُسَيِّرِهِمَا {وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ} [إبراهيم:33] {وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ} [الأعراف:54، النحل:12]

 

– القارئ : لِتَسْتَنِيرَ أَرْجَاؤُهَا، وَتَحْسُنَ صُورَتُهَا، وَيُهْتَدَى بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَيَحْصُلُ فِيهَا مِنَ الْمَصَالِحِ مَا يَحْصُلُ.

وَالثَّانِيَةُ: حِرَاسَةُ السَّمَاءِ عَنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ، يَصِلُ بِتَمَرُّدِهِ إِلَى اسْتِمَاعِ الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ، فإِذَا اسْتَمَعُوا يُقذفونَ بِالشُّهُبِ الثَّوَاقِبِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ؛ طَرْدًا لَهُمْ وَإِبْعَادًا عَنِ اسْتِمَاعِ مَا يَقُولُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى.

{وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ} أَيْ: دَائِمٌ مُعَدٌّ لَهُمْ؛ لِتَمَرُّدِهِمْ عَنْ طَاعَةِ رَبِّهِمْ.

وَلَوْلَا أَنَّهُ -تَعَالَى- اسْتَثْنَى، لَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَسْتَمِعُونَ شَيْئًا أَصْلًا وَلَكِنْ قَالَ: {إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ} أَيْ: إِلَّا مَنْ تَلَقَّفَ مِنَ الشَّيَاطِينِ الْمَرَدَةِ، الْكَلِمَةَ الْوَاحِدَةَ عَلَى وَجْهِ الْخُفْيَةِ وَالسَّرِقَةِ {فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} تَارَةً يُدْرِكُهُ قَبْلَ أَنْ يُوصِلَهَا إِلَى أَوْلِيَائِهِ، فَيَنْقَطِعُ خَبَرُ السَّمَاءِ، وَتَارَةً يُخْبِرُ بِهَا قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ الشِّهَابُ، فَيَكْذِبُونَ مَعَهَا مِائَةَ كِذْبَةٍ يُرَوِّجُونَهَا بِسَبَبِ الْكَلِمَةِ الَّتِي سُمِعَتْ مِنَ السَّمَاءِ.

وَلَمَّا بَيَّنَ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ الْعَظِيمَةَ قَالَ: {فَاسْتَفْتِهِمْ} أَيِ: اسْأَلْ مُنْكِرِي

– الشيخ : إلى آخره، هذا موقف، هذا هو الموقفُ.

– طالب: شيخنا -أحسنَ الله إليكم- ما هو وجْهُ معارضةِ هذه النظرياتِ العلميةِ للنصوصِ الشرعيَّةِ؟

– الشيخ : الله أعلم، الله أعلم، مثل ما يتكلَّمون عن الماضي يقول لك: الأرضُ مخلوقةٌ قبلَ أربعةِ آلافِ مليونِ سنةٍ! ها؟ أربعةِ آلافِ مليونِ سنةٍ! مِن أينَ أتى هذا الخَرْص؟ أربعة آلاف مليون سنة!

يعني الذي يظهر ماذا بيننا وبينَ آدم؟ الرسولُ -عليه الصلاة والسلام- قال: (كَتَبَ اللهُ المقاديرَ قبلَ أنْ يخلقَ السمواتِ بخمسينَ ألفَ سنةٍ) خمسينَ ألفَ سنةٍ يعني هذه مَعْقولةٌ للمُخاطَبين، وهؤلاءِ يقولونَ: خُلقتْ بــ أربعةِ آلافِ مليونِ سنةٍ، وخمسمائة لا تنسى. خمسمائة أيش؟ خمسمائة سنة؟ خمسمائة مليون سنة، كلام! هكذا في الزمنِ الماضي ما عندَهم مبدأ، يعني هذا العالم ما له، وهكذا في قضيةِ المسافاتِ يذكرون أرقامًا خياليةً، أنا حفظتُ مِن أفواهِ الطلابِ، كم بينَكم وبينَ الشمسِ؟ يزعمون -هذه أمرُها أسهلُ- ثلاث وتسعينَ مليون ميل بينَك وبينَ الشمس، هذه أمرُها أسهل عندي، والمدةُ بيننا وبينَ الشمس في السَّيرِ الضوئي ثمانِ دقائق، بسَيْرِ الضوءِ ثمانِ دقائق، حفظتُم هذه المعلومات؟ دَرَستوها؟ مَرَّتْ عليكم؟

– طالب: إي نعم

– الشيخ : ثمانِ دقائق؟ يقول لكَ: مسافة ثلاثة وتسعينَ مليون بسَيْرِ الضوءِ ثمانِ دقائق، ثلاثة وتسعين مليون ميل، ميل ما هو بكيلو. نعم.

يعني اللي شوي عندَهم ثقة بهؤلاء يُصدِّقون، قد زعمُوا أنَّهم وصلوا للقمرِ فصدَّقَهُم الجمهور، صدَّقُوهُم، وبعدَ ذلكَ طفأتْ دعواهُم الوصولَ إلى القمرِ، طَفِئُوا سَكَتُوا صَمَتُوا سَكَتُوا، له ذِكر الحين؟ هل له ذِكر عندهم؟ الوصولُ للقمر؟ ضحِكوا على النَّاسِ في ذلكَ التاريخِ؟ فصدَّقَهم الجمهور المقلِّدون الذين يَتَقَبَّلون كلَّ ما يقول هؤلاء الكفرة. وصلوا إلى القمر، طيِّب، حتى كان بعضُ الناس يعلِّقون يقولونَ: سيكون هناك رحلات يعني: تحجيز تروح.

أهم شيء أنَّك لا تصدقْ بس، أمَّا كونُك تَشُكُّ أو تظنُّ أنه احتمالٌ أمرُها أسهلُ، لكن لا تصدِّق تسلِّم عقلك يضعون فيهِ ما يشاؤون.

– طالب: شيخ -أحسن الله إليكم- سبب السؤال: خشية أنَّ تصديقَ مثل هذه الأمور يكونُ فيها نقيضُ الأمر الشرعيّ؟

– الشيخ : والله هذا عندي أنه، لكني ما أقوله اللي صدَّق، لأنَّه ما تصوَّر أو ما صار عنده الأمر، أنا عندي لا تصدِّق، ولكن كونُك تقول: جائز، جائز، ممكن.