الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الصافات/(2) من قوله تعالى {فاستفتهم أهم أشد خلقا} الآية 11 إلى قوله تعالى {وقالوا ياويلنا هذا يوم الدين} الآية 20
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(2) من قوله تعالى {فاستفتهم أهم أشد خلقا} الآية 11 إلى قوله تعالى {وقالوا ياويلنا هذا يوم الدين} الآية 20

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الصَّافات

الدَّرس: الثَّاني

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ * بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ * وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ * وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ * وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ * أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ * قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ * فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ * وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ [الصافات:11-20]

– الشيخ : إلى هنا لعله يطولُ. الآياتُ متصلٌ بعضُها ببعضٍ. لا إله إلا الله

يقول سبحانه: {فَاسْتَفْتِهِمْ}: اسْتَفْتِهِمْ مِن الفتوى اسألْهم {أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا} واللهُ أعلم يعني: أَمْ مَنْ خَلَقْنَا مِن هذهِ المخلوقاتِ العظيمةِ مِن السمواتِ والأرضِ، كقوله تعالى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا} [النازعات:27-29] {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} [يس:81]

{فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا}: وهذا خطابٌ لـِمُنْكِري البعثِ الذين يَستبعدُونَه، {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} {أَمْ مَنْ خَلَقْنَا}

{إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ} وفي هذا إشارة يعني في هذه الدنيا إشارةٌ إلى دليلينِ مِن أدلةِ البعثِ، استدلالٌ بخلقِ هذه العَوالم وبالمبدأِ: {إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ * بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} [الرعد:5] قولُهم هذا عجيبٌ!

{بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ * وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ} يَسخرونَ مِن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ويسخرونَ مما جاءَ بِه وما أخبرَ به مِن أمرِ البعثِ، سبحان الله!

وقُرِئَ {بَلْ عَجْبْتُ} والضمير بعدودُ على الله، وبهذا يُستدلُّ على أنَّ الله تعالى يَعٍجبُ كما يشاءُ، كما يفرحُ ويضحكُ -سبحانه وتعالى- كما يشاءُ {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ}

{وَإِذَا ذُكِّرُوا لَا يَذْكُرُونَ * وَإِذَا رَأَوْا آيَةً} مِن آياتِ اللهِ الكونيةِ {يَسْتَسْخِرُونَ * وَقَالُوا} مِن أقوالِ الكفرةِ: {وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} هذا سِحْرٌ {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا} {أَإِذَا مِتْنَا} هذا سِحْرٌ، هذا خيالٌ، هذا لا حقيقةَ لَه {وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ} الذين هَلَكُوا وماتُوا مِن دُهورٍ {أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ}؟ قالَ الله: {قُلْ نَعَمْ} فإنكم سَتُبعَثُونَ} {وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ} {قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ} ذليلونَ، الدُّخُورُ: هو الصَّغَارُ والذِّلَّةُ، الذِّلَّةُ والصَّغَارُ {قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ} أيش بعدها؟

– القارئ : {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ}

– الشيخ : {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ} {زَجْرَةٌ} صيحةٌ واحدةٌ {فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ} ولعلَّ هذا إشارةٌ إلى نفخةِ الصُّورِ الثانيةِ أيْ: صَعقةُ البَعْثِ، صيحةُ البَعْثِ {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:68] {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ} وتأتي الآياتُ: {وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ * هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ}.

 

(تفسيرُ السَّعديّ):

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السَّعديّ -رحمَه اللهُ تعالى-:

ولـمَّا بَيَّنَ هذهِ المخلوقاتِ العظيمةِ قالَ: {فَاسْتَفْتِهِمْ} أيْ: اسألْ مُنْكِري خَلْقِهِم بعدَ موتِهم: {أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا} أيْ: إيجادَهم بعدَ موتِهم، أشدُّ خلقاً وأشُقُّ؟ {أَمْ مَنْ خَلَقْنَا} مِنْ هذهِ المخلوقاتِ؟ فلا بدَّ أنْ يُقِرُّوا أنَّ خلقَ السماواتِ والأرضِ أكبرُ مِنْ خلقِ الناسِ.

فيلزمُهُم إذاً الإقرارُ بالبعثِ، بلْ لو رجعُوا إلى أنفسِهم وفكَّرُوا فيها، لَعَلِمُوا أنَّ ابتداءَ خلقِهم مِن طينٍ لازبٍ، أصعبُ عندَ الفِكرِ مِن إنشائِهم بعدَ موتِهِم، ولهذا قالَ: {إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ} أيْ: قويٍّ شديدٍ كقولِه تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ} [الحجر:26]

قال الله تعالى: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} الآيات:

{بَلْ عَجِبْتَ} يا أيُّها الرسولُ أو أيُّها الإنسانُ مِن تكذيبِ مَنْ كَذَّبَ بالبعثِ، بعدَ أنْ أَرَيْتَهُم مِن الآياتِ العظيمةِ والأدلةِ المستقيمةِ، وهو حقيقةً محلُّ عَجَبٍ واستغرابٍ؛ لأنَّه مما لا يَقبلُ الإنكارَ، {و} أعجبُ مِن إنكارِهم وأبلغُ منه أنَّهم {يَسْخَرُونَ} ممَّنْ جاءَ بالخبرِ عَن البعثِ، فلمْ يَكِفِّهِمْ مجرَّدُ الإنكارِ، حتى زادُوا السخريةَ بالقولِ الحقِّ.

{و} مِن العجبِ أيضاً أنَّهم {إِذَا ذُكِّرُوا} ما يعرفونَ في فِطَرِهَم وعُقُولِهم وفَطَنُوا لَه، ولفتَ نظرَهم إليهِ {لا يَذْكُرُونَ} ذلكَ، فإنْ كانَ جهلاً فهو مِن أدلِّ الدلائلِ على شِدِّةِ بَلَادَتِهِم العظيمةِ، حيثُ ذُكِّرُوا ما هو مُستقرٌّ في الفِطْرَةِ معلومٌ بالعقلِ، لا يقبلُ الإشكالَ، وإنْ كانَ تجاهلاً وعناداً فهو أعجبُ وأغربُ.

ومِن العجبِ أيضاً أنَّهم إذا أُقيمتْ عليهمُ الأدلةُ، وذَكَرُوا الآياتِ التي يخضعُ لها فحولُ الرجالِ وألبابُ الأَلِبَّاءِ، يسخرونَ منها ويَعجبونَ.

ومِن العَجَبِ أيضاً، قولُهم للحقِّ لـمَّا جاءَهم: {إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ} فجعلُوا أعلى الأشياءِ وأجلِّهَا، وهو الحقُّ، في رتبةِ أَخَسِّ الأشياءِ وأحقرِهَا.

ومِن العَجَبِ أيضاً، قِياسُهُم قُدْرةَ ربِّ الأرضِ والسماواتِ، على قدرةِ الآدمي الناقصِ مِن جميعِ الوجوهِ، فقالوا استبعاداً وإنكاراً: {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ أَوَآبَاؤُنَا الأوَّلُونَ}

ولَمَّا كانَ هذا مُنتهى ما عندَهم، وغايةُ ما لديهِم، أمرَ اللهُ رسولَهُ أنْ يُجيبَهم بجوابٍ مُشتملٍ على ترهيبِهِم فقالَ: {قُلْ نَعَمْ} سُتَبْعَثُونَ أنتمْ وآباؤكُم الأولونَ {وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ} ذَليلونَ صاغِرونَ لَا تَمْتَنِعُونَ، ولا تَسْتَعْصُونَ على قدرةِ اللهِ.

{فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ} يَنفخُ إسرافيلُ فيها في الصُّورِ {فَإِذَا هُمْ} مَبْعوثونَ مِن قبورِهم {يَنْظَرُونَ} كمَا ابتدأَ خلقَهم، بُعِثُوا بجميعِ أجزائِهم، حُفاةً عُراةً غُرلاً وفي تلكَ الحالِ، يُظهرونَ النَّدم والخِزيَ والخَسَارَ، ويَدْعُونَ بالوَيلِ والثُّبورِ.

{وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ}

– الشيخ : إلى هنا بس. نعم.