الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الصافات/(3) من قوله تعالى {وقالوا ياويلنا هذا يوم الدين} الآية 20 إلى قوله تعالى {بل هم اليوم مستسلمون} الآية 26
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(3) من قوله تعالى {وقالوا ياويلنا هذا يوم الدين} الآية 20 إلى قوله تعالى {بل هم اليوم مستسلمون} الآية 26

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الصَّافات

الدَّرس: الثَّالث

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ * هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ * احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ * وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ [الصافات:20-26]

– الشيخ : الحمد لله، {وَقَالُوا} يعني الكفارُ يومَ القيامةِ إذا قامُوا {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ} [الصافات:19] {زَجْرَةٌ} التي هي النفخةٌ في الصورِ، النفخةُ الثانيةُ -كما تقدم- التي هي نفخةُ البَعثِ قبلَ نفخةِ الصَّعْقِ، نفخةِ الصَّعْقِ وهي التي قال الله فيها: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:68] {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ} [الصافات:19]

{وَقَالُوا} مُتَحَسِّرين {وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ} هذا يومُ الجزاءِ، الآن عرفوا، عرفوا الحقيقةَ وتذكَّروا سوءَ حالِهم، سبحان الله! نسأل الله العافية {يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ}

{هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ} يعني هذا رَدٌّ، رَدٌّ، يعني قالوا كذا ويُقالُ لهم كذا، {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} كما يُقال لهم إذا عُرِضُوا على النَّار: {هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ} [سبأ:42] {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ} الفَصْلُ والحكمُ بينَ الخَلْقِ.

مِن أسماء يومِ القيامةِ: يومُ الفصلِ، ويومُ البعثِ، ويومُ النُّشورِ، ويومُ الفصل.

ثمَّ يُقالُ:{احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} احْشُرُوهُم اجْمَعُوهُم وسُوْقُوهُم {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} يعني: وأشْبَاهُهُم وأمثالُهُم كما قالَ -سبحانه-: {وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} [التكوير:7] فَيُقْرَنُ الكفرةُ بالشياطين، وكلٌّ يُحشَرُ معَ شكلِهِ كما جاءَ أنَّهم يُسَاقُون زُمَرًا {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ} وهذا يَشهَدُ لَه ما جاءَ في الحديثِ: أنَّه يُقالُ لطوائفِ الكفارِ إذا ذُهِبَ بهمْ إلى النارِ: (لِتَتْبَعْ كلُّ أمةٍ ما كانتْ تَعبدُ)، فيَتبعُ مَنْ يَعبدُ الشمسَ الشمسَ، والقمرَ القمرَ، ومَنْ يَعبدُ نبيًا كالنصارى يعبدون المسيح يُمثَّلُ لهمْ، وإلا فأنبياءُ اللهِ وعِبادُهُ الصالحون محفوظون. {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء:101] نعم {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ *مِنْ دُونِ اللَّهِ}

{فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} سُوْقُوهُم إلى الطريقِ، الصراطِ: الطريق {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} يُساقُونَ إلى طريقِ جهنمِ والقرآنُ يُفسِّر بَعْضُهُ بعضًا {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ} [النساء:167-169]

وهما طريقانِ: طريقٌ في الدنيا بالكفرِ والفجورِ وأنواعِ الآثامِ والمعاصي، وطريقٌ حِسيٌّ يومَ القيامة {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ}

ثم يُقالُ: {قِفُوهُمْ} كل هذا تقريرٌ، يُقال لهم: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} لا إله إلا الله {مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ} يعني: كانوا في الدنيا يَتَنَاصرون، ويَعْتَدُّون بقوتِهم، ويَظنُّون أنهم سَيَدْفعون عَن أنفسِهم {مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ} ما لكم في هذا اليوم لا يَنْصرُ بعضُكم بعضًا، كلٌّ يتبرأُ مِن الآخر {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} [البقرة:166] {مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ}

{بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} {مُسْتَسْلِمُونَ} يعني يدِينُون خَاضِعون ليسَ عندَهم قوةٌ ولا اعتدادٌ بأنفسِهم ولا اعتدادٌ بقوةٍ يعني شَعَروا بالذِّلَّةِ والضَّعْفِ {مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ}

وتأتي الآياتُ: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات:27] يُقْبِلُ الكفارُ بعضُهم على بعضٍ يتساءلونَ الـمـُستضعفون والـمُسْتكبِرون، كما جاء في الآيات الاخرى التي فيها ذِكْرُ التحاور الذي يجري بين الأتباعِ والمتبوعين.

 

(تفسيرُ السعدي)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين. قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السَّعديّ -رحمه الله تعالى-:

وَفِي تِلْكَ الْحَالِ يُظْهِرُونَ النَّدَمَ وَالْخِزْيَ وَالْخَسَارَ، وَيَدْعُونَ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ. {وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ} فَقَدْ أَقَرُّوا بِمَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا بِهِ يهزؤون.

فَيُقَالُ لَهُمْ: {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ} بَيْنَ الْعِبَادِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّهِمْ مِنَ الْحُقُوقِ، وَفِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ مِنَ الْخَلْقِ {الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ}

قال الله تعالى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} الآيات:

أَيْ: إِذَا حَضِرُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَعَايَنُوا مَا بِهِ يُكَذِّبُونَ، وَرَأَوْا مَا بِهِ يَسْتَسْخِرُونَ، يُؤْمَرُ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، الَّتِي بِهَا كَانُوا يَكْذِبُونَ، فَيُقَالُ: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا}: أَنْفُسَهُمْ بِالْكُفْرِ وَالشِّرْكِ وَالْمَعَاصِي وَأَزْوَاجَهُمْ الَّذِينَ مِنْ جِنْسِ عَمَلِهِمْ، كُلٌّ يُضَمُّ إِلَى مَنْ يُجَانِسُهُ فِي الْعَمَلِ.

{وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْدَادِ الَّتِي زَعَمُوهَا، اجْمَعُوهُمْ جَمِيعًا {وَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} أَيْ: سُوقُوهُمْ سَوْقًا عَنِيفًا إِلَى جَهَنَّمَ.

وَبَعْدَ مَا يَتَعَيَّنُ أَمْرُهُمْ إِلَى النَّارِ، وَيَعْرِفُونَ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْبَوَارِ،

– الشيخ : أسألُ اللهَ العافية، أعوذ بالله، مواقفُ عصيبةٌ! مواقفُ خِزْيٍ وندمٍ وحسرةٍ، وقدْ فاتَ الفَوْتُ، فاتَ أيامُ السَّعَةِ، وأيامُ الاستدراكِ، وأيامُ العملِ، لا إله إلا الله.

– القارئ : يُقَالُ: {قِفُوهُمْ} قَبْلَ أَنْ تُوصِلُوهُمْ إِلَى جَهَنَّمَ {إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ} عَمَّا كَانُوا

– الشيخ : يعني: يُوقَفُون في أثناءِ الطريقِ، في أثناءِ الصراطِ -صراطِ الجحيم-.

– القارئ : {إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ} عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَهُ فِي الدُّنْيَا، لِيَظْهَرَ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ كَذِبُهُمْ وَفَضِيحَتُهُمْ.

فَيُقَالُ لَهُمْ: {مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ} أَيْ: مَا الَّذِي جَرَى عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ؟ وَمَا الَّذِي طَرَقَكُمْ لَا يَنْصُرُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلَا يُغِيثُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، بَعْدَمَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ فِي الدُّنْيَا، أَنَّ آلِهَتَكُمْ سَتَدْفَعُ عَنْكُمُ الْعَذَابَ، وَتُغِيثُكُمْ أَوْ تَشْفَعُ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ؟!

فَكَأَنَّهُمْ لَا يُجِيبُونَ هَذَا السُّؤَالَ؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ عَلَاهُمُ الذُّلُّ وَالصَّغَارُ، وَاسْتَسْلَمُوا لِعَذَابِ النَّارِ، وَخَشَعُوا وَخَضَعُوا وَأُبْلِسُوا، فَلَمْ يَنْطِقُوا وَلِهَذَا قَالَ: {بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ}

{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ}

– الشيخ : إلى هنا.