الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الصافات/(4) من قوله تعالى {وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون} الآية 27 إلى قوله تعالى {كأنهن بيض مكنون} الآية 49
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(4) من قوله تعالى {وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون} الآية 27 إلى قوله تعالى {كأنهن بيض مكنون} الآية 49

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الصَّافات

الدَّرس: الرَّابع

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ بالله من الشيطانِ الرجيمِ:

وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ * قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ * فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ * فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ * فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ * إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ * وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ * بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ * إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ * وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ * أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ * فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ * لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ * كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ [الصافات:27-49]

– الشيخ : إلى هنا، سبحان الله، لا إله إلا الله يقول تعالى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} الحديثُ عن الظالمينِ {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} [الصافات:23،22] ثم قالَ: {وَقِفُوهُمْ} فالكلامُ عن الظالمين الكَفَرَة المشركين.

{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ}: سبحان الله! أقبلَ الكُبَرَاءُ والـمُسْتَضَّعَفُونَ بعضُهم على بعضٍ يَتَحاورونَ ويتجادَلون، ويلومُ بعضُهم بعضًا، مثل ما جاءَ تفسيرُ هذا في آياتٍ أخرى {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} [سبأ:31] وهنا يقول: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ}  

{قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} هذا كلامُ الـمُسْتَضَّعَفُينَ الأتباعُ يقولونَ للكُبَراءِ: {كنتمْ تأتونَنَا عن اليمينِ} مِن جهةِ الإيمانِ والعملِ الصالحِ تَصدونَنَا، فَرَدُّوا عليهِمْ قالوا: لا أنتم لَمْ تَكُونُوا {بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}: أنتمُ الذين لمْ تَسْتَجِيْبُوا ولمْ تؤمنوا {قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ * قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ * فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ} يعني: حَقٌّ علينا قولُ ربِّنَا جميعاً وإنَّا لذائقون العذابَ جميعاً إلى قوله: {فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ * فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} المستكبرونَ والـمُسْتَضَّعَفُونَ، وكما تَحَاوروا في بعضِ مواقفِ القيامةِ هكذا أيضاً في جهنَّم {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ} [غافر:47] يتخاصَمُونَ ويَتَجَادَلُون ويُلْقِي بعضُهم اللَّومَ على بعضٍ {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} [غافر:47] لا إله إلا الله

{فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ} {إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ} فكلُّهم مُجرمُون، الكفرة كلُّهم مُجرمُون: الأتباعُ والمتبوعين ِ{إنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ}

{إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} كلُّهم، كلُّهم كانوا يَستكبرُون ويأبُون أنْ يقولوا لا إله إلا الله {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [الزمر:45] {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ}

{وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} يقولون هذا لا يُعقَل نتركُ آلهتِنا مِن أجلِ شاعرٍ مجنونٍ فإنَّهم يَصِمُونَ الرسولَ ويَصفُونَه بأنه شاعرٌ ومجنونٌ، هذه من كلمات السَّبِّ والتَّنَقُّصِ {أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ}. اقرأ الآية بعدَها.

– القارئ : {بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ}

– الشيخ : {بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} هذ جوابٌ مِن اللهِ -تعالى- لـِمَا قالَ الكفرةُ {أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ}. قالَ الله: {بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} الرسولُ -عليه الصلاة والسلام- جاءَ بالحقِّ المبين، والهدى المستقيم، وصَدَّقَ مَنْ قبلَه مِن المرسلينَ؛ لأنَّ رسالتَهم واحدةٌ ودعوتَهم واحدةٌ، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- إنَّما جاءَ بمثلِ ما جاءَ به إخوانُه مِن قبلُ {وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ}

قالَ اللهُ خطاباً للمجرمين: {إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ} {إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ} وفي هذا توبيخٌ، توبيخٌ لهمْ وإذلالٌ، فيجتمع لهم العذابانِ: عذابُ الروحِ وعذابُ البَدَنِ.

{لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ * وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}: هذا جزاءُ أعمالِكم على كفرِكُم وتكذيبِكُم وظلمِكُم {وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} فأولئكَ لهمْ شأنٌ آخرُ، ويأتي الكلام إن شاء الله في الآيات التي بعدَها.

 

(تفسير السَّعدي):

– القارئ : بسمِ الله الرحمنِ الرحيم، الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبه أجمعين. قالَ الشيخُ عبدُ الرحمن السَّعدي -رحمه الله تعالى- في تفسيرِ قول الله تعالى: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} الآيات.

لَمَّا جُمِعُوا هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ وَآلِهَتُهُمْ، وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ، وَوُقِفُوا فَسُئِلُوا، فَلَمْ يُجِيبُوا،

– الشيخ : {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} [الصافات:24-26]

– القارئ : أَقْبَلُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ، يَلُومُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عَلَى إِضْلَالِهِمْ وَضَلَالِهِمْ، فَقَالَ الْأَتْبَاعُ لِلْمَتْبُوعِينَ الرُّؤَسَاءِ: {إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} أَيْ: بِالْقُوَّةِ وَالْغَلَبَةِ، فَتُضِلُّونَا، وَلَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ.

{قَالُوا} لَهُمْ {بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} أَيْ: مَا زِلْتُمْ مُشْرِكِينَ، كَمَا نَحْنُ مُشْرِكُونَ، فَأَيُّ شَيْءٍ فَضَّلَكُمْ عَلَيْنَا؟ وَأَيُّ شَيْءٍ يُوجِبُ لَوْمَنَا؟

{وَ} الْحَالُ أَنَّهُ {مَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} أَيْ: قَهْرٍ لَكُمْ عَلَى اخْتِيَارِ الْكَفْرِ

– الشيخ : شوف: {إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} ابن كثير.

– القارئ : {بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ} مُتَجَاوِزِينَ لِلْحَدِّ، {فَحَقَّ عَلَيْنَا} نَحْنُ وَإِيَّاكُمْ {قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ} الْعَذَابَ، أَيْ: حَقَّ عَلَيْنَا قَدَرُ رَبِّنَا وَقَضَاؤُهُ، إِنَّا وَإِيَّاكُمْ سَنَذُوقُ الْعَذَابَ، وَنَشْتَرِكُ فِي الْعِقَابِ.

{فَـ} لِذَلِكَ {أَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ} أَيْ: دَعَوْنَاكُمْ إِلَى طَرِيقَتِنَا الَّتِي نَحْنُ عَلَيْهَا، وَهِيَ الْغَوَايَةُ، فَاسْتَجَبْتُمْ لَنَا، فَلَا تَلُومُونَا وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ.

– الشيخ : هذا مِن جنسِ قولِ الشيطانِ لهم: {وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ … فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} [إبراهيم:22] وكذلكَ كما يَتَبَرَّأُ المتبوعونَ مِن الأتباعِ، كذلكَ الشيطانُ الذي هو إمامُ كلِّ الكافرين.

 

– القارئ : قَالَ تَعَالَى: {فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ} أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ {فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} وَإِنْ تَفَاوَتَتْ مَقَادِيرُ عَذَابِهِمْ بِحَسَبِ جُرْمِهِمْ، كَمَا اشْتَرَكُوا فِي الدُّنْيَا عَلَى الْكُفْرِ، اشْتَرَكُوا فِي الْآخِرَةِ بِجَزَائِهِ، وَلِهَذَا قَالَ: {إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ}

ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ إِجْرَامَهُمْ، قَدْ بَلَغَ الْغَايَةَ وَجَاوَزَ النِّهَايَةَ فَقَالَ: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ} فَدُعُوا إِلَيْهَا، وَأُمِرُوا بِتَرْكِ إِلَهِيَّةِ مَا سِوَاهُ {يَسْتَكْبِرُونَ} عَنْهَا وَعَلَى مَنْ جَاءَ بِهَا.

وَيَقُولُونَ مُعَارَضَةً لَهَا {أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا} الَّتِي لَمْ نَزَلْ نَعْبُدُهَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا {لــ} قَوْلِ {شَاعِرٍ مَجْنُونٍ} يَعْنُونَ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

– الشيخ : كما في الآية الأخرى: {وَانْطَلَقَ الْمَلأ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} [ص:6] {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:5]

– القارئ : فَلَمْ يَكْفِهِمْ -قَبَّحَهُمُ اللَّهُ- الْإِعْرَاضُ عَنْهُ، وَلَا مُجَرَّدُ تَكْذِيبِهِ، حَتَّى حَكَمُوا عَلَيْهِ بِأَظْلَمِ الْأَحْكَامِ، وَجَعَلُوهُ شَاعِرًا مَجْنُونًا، وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ الشِّعْرَ وَالشُّعَرَاءَ، وَلَا وَصْفُهُ وَصْفُهُمْ، وَأَنَّهُ أَعْقَلُ خَلْقِ اللَّهِ، وَأَعْظَمُهُمْ رَأْيًا.

وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى، نَاقِضًا لِقَوْلِهِمْ: {بَلْ جَاءَ} مُحَمَّدٌ {بِالْحَقِّ} أَيْ: مَجِيئُهُ حَقٌّ، وَمَا جَاءَ بِهِ مِنَ الشَّرْعِ وَالْكِتَابِ حَقٌّ. {وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} أَيْ: وَمَجِيئُهُ صَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ، فَلَوْلَا مَجِيئُهُ وَإِرْسَالُهُ لَمْ يَكُنِ الرُّسُلُ صَادِقِينَ، فَهُوَ آيَةٌ وَمُعْجِزَةٌ لِكُلِّ رَسُولٍ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهُمْ أَخْبَرُوا بِهِ وَبَشَّرُوا، وَأَخَذَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ لَئِنْ جَاءَهُمْ لِيُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلِيَنْصُرُنَّهُ، وَأَخَذُوا ذَلِكَ عَلَى أُمَمِهِمْ، فَلَمَّا جَاءَ ظَهَرَ صِدْقُ الرُّسُلِ الَّذِينَ قَبْلَهُ، وَتَبَيَّنَ كَذِبُ مَنْ خَالَفَهُمْ، فَلَوْ قُدِّرَ عَدَمُ مَجِيئِهِ وَهُمْ قَدْ أَخْبَرُوا بِهِ لَكَانَ ذَلِكَ قَادِحًا فِي صِدْقِهِمْ وَصدقِ أَيْضًا الْمُرْسَلِينَ، بِأَنْ جَاءَ بِمَا جَاءُوا بِهِ، وَدَعَا إِلَى مَا دَعَوْا إِلَيْهِ، وَآمَنَ بِهِمْ، وَأَخْبَرَ بِصِحَّةِ رِسَالَتِهِمْ وَنُبُوَّتِهِمْ وَشَرْعِهِمْ.

وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُمُ السَّابِقُ: {إِنَّا لَذَائِقُونَ} قَوْلًا صَادِرًا مِنْهُمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صِدْقًا أَوْ غَيْرَهُ، أَخْبَرَ تَعَالَى بِالْقَوْلِ الْفَصْلِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الصِّدْقِ وَالْيَقِينِ، وَهُوَ الْخَبَرُ الصَّادِرُ مِنْهُ تَعَالَى، فَقَالَ: {إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الأَلِيمِ} أَيِ: الْمُؤْلِمِ الْمُوجِعِ. {وَمَا تُجْزَوْنَ} فِي إِذَاقَةِ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ {إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} فَلَمْ نَظْلِمْكُمْ، وَإِنَّمَا عَدَلْنَا فِيكُمْ.

وَلَمَّا كَانَ هَذَا

– الشيخ : إلى هنا إلى هنا. نعم يا أبو أيوب، {عَنِ الْيَمِينِ} أيش قال؟ {كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ}

– طالب: {إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} قالَ الضَّحَّاك، عَنِ ابنِ عباسٍ: يقولون: كنتمْ تَقْهَرُونَنَا بالقُدرةِ منكمْ علينا؛ لأنَّا كنَّا أَذِلَّاء وكنتمْ أَعَزَّاء.

وقال مجاهدُ: يعني: عَنِ الحقِّ، الكفارُ تقولُهُ للشياطينِ.

– الشيخ : {كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} يعني: عَن الحَقِّ.

– طالب: وقال قتادة: قالتِ الإنسُ للجِنِّ: {إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} قال: مِنْ قِبَلِ الخَير.

– الشيخ : هذا مِن جنسِ قول الشيطانِ {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهم} [الأعراف:17] قيلَ في التفسيرِ: أنَّهم يأتونَهم مِن جهةِ أبوابِ الخيرِ يَصُدُّونَهم عنها.

– طالب: قال: من قِبَلِ الخير، فَتَنْهَونَا عنهُ وتُبْطِئُونَا عنه.

وقالَ السُّدي: {تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} مِن قِبَلِ الحقِّ، تُزَيِّنُونَ لنَا الباطلَ، وَتَصُدُّونَا عَنِ الحقِّ.

وقالَ الحسنُ في قولِه: {إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} إيْ واللهِ، يأتيهِ عندَ كلِّ خيرٍ يريدُه فيَصدُّهُ عنه.

وقالَ ابنُ زيدٍ: معناهُ: تحولونَ بينَنَا وبينَ الخيرِ، وَرَدَدْتُمُوْنَا عن الإسلامِ والإيمانِ والعملِ بالخيرِ الذي أمَرَنَا به.

وقالَ زيدُ الرَّشْك: مِن قِبَلِ "لا إله إلا الله". وقالَ خَصيف

– الشيخ : خُصيف

– طالب: وقالَ خُصَيف: يَعنونَ مِنْ قِبَلِ مَيَامِنِهِمْ. وقالَ عِكرمةُ: {إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} ، قال: مِن حيثُ نَأْمَنُكُمْ.

– الشيخ : انتهى.