بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الصَّافات
الدَّرس: الخامس
*** *** ***
– القارئ : أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ:
بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ * إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ * وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ * أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ * فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ * لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ * وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ * كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ [الصافات:37-49]
– الشيخ : إلى هنا بس. لا إله إلا الله، هذا منهجُ القرآنِ وسُنَّةُ القرآنِ من ذِكْرُ الوعدِ والوعيدِ. فلمَّا ذكرَ اللهُ عاقبةَ الظالمين المشركين الكافرين ذَكَرَ عاقبةَ عبادِه المُخلَصين {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} وفي قراءة: المخلِّصِين، المخلصين للهِ، المخلصون دينَهم لله {وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ} [النساء:146] والله اختارَهم سبحانه وتعالى واصطفاهُم، {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ * أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ * فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} فُسِّرَ الكأسُ بالخمرِ {بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} {لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ} [الواقعة:19] {لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ * وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ * كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} فذكرَ في هذه الآياتِ ما أعدَّ الله لأوليائه وعبادِه الـمُخلَصين من مآكلٍ ومشاربٍ وخَدَمٍ وأزواج زوجاتٍ، ومجالسِ، سُرُرٍ {عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ * يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ * بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ * لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ * وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ} لا إله إلا الله سبحان الله العظيم.
يُقالُ في الحكمة أو الأثر: (عَجِبْتُ للجَنَّةِ كيفَ نامَ طالِبُهَا؟) سبحان الله! هذا النعيمُ العظيمُ العظيمُ الذي لا يدورُ في الخيالِ، قالَ اللهُ في الحديثِ القدسيِّ: (أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ، مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ) يعني: عقولُنا لا تتخيلُ نعيمَ الجنةِ، يعني نعيم الجنة لا يخطرُ بالبالِ ولا يدورُ في الخيالِ، سبحان الله! نعوذ بالله مِن القواطعِ دونَ هذا الخيرِ العظيمِ.
ولهذا يُعَقِّبُ اللهُ في كثيرٍ من الآيات يقول: {ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:72، يونس:64، الدخان:57، الحديد:12] {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} [آل عمران:185] فوز أيُّ فوزٍ!؟ فوزٌ عظيمٌ، فوزٌ مبينٌ، فوزٌ كبيرٌ، نسألُ الله من فضلِه إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
فينبغي للعبدِ أنْ يكثرَ من سؤالِ اللهِ الجنةَ، ويستعيذَ به من النارِ، مَطْلَبان، فالجنَّةُ والنَّارُ هما العظيمتانِ، إنهما العظيمتانِ، مُعَدَّتَانِ جزاءً لأولياءِ الله، أعدَّ لأوليائِهِ الجنةَ {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133] وأعدَّ لأعدائِه النارَ، قال الله: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [آل عمران:131]
(تفسيرُ السَّعدي)
– القارئ : الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين
– الشيخ : بأبي وأُمّي صلى الله عليه وسلم.
– القارئ : قالَ الشيخُ السعدي -رحمَه الله تعالى- في تفسيرِ قولِ الله تعالى: {إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ * أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ} الآيات:
يقول تعالى: {إِلا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} فَإِنَّهُمْ غَيْرُ ذَائِقِي الْعَذَابِ الْأَلِيمِ؛ لِأَنَّهُمْ أَخْلَصُوا لِلَّهِ الْأَعْمَالَ، فَأَخْلَصَهُمْ، وَاخْتَصَّهُمْ بِرَحْمَتِهِ، وَجَادَ عَلَيْهِمْ بِلُطْفِهِ.
{أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ} أَيْ: غَيْرُ مَجْهُولٍ، وَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ عَظِيمٌ جَلِيلٌ، لَا يُجْهَلُ أَمْرُهُ، ولا يُبْلَغُ كُنْهُهُ فَسَّرَهُ بِقَوْلِهِ: {فَوَاكِهُ} مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْفَوَاكِهِ الَّتِي تَتَفَكَّهُ بِهَا النَّفْسُ، لِلَذَّتِهَا فِي لَوْنِهَا وَطَعْمِهَا. {وَهُمْ مُكْرَمُونَ} لَا مُهَانُونَ مُحْتَقَرُونَ، بَلْ مُعَظَّمُونَ مُبَجَّلُونَ مُوَقَّرُونَ. قَدْ أَكْرَمَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَأَكْرَمَتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ الْكِرَامُ، وَصَارُوا يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ، وَيُهَنِّئُونَهُمْ بِبُلُوغِ أَهْنَأِ الثَّوَابِ، وَأَكْرَمَهُمْ أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ، وَجَادَ عَلَيْهِمْ بِأَنْوَاعِ الْكَرَامَاتِ، مِنْ نَعِيمِ الْقُلُوبِ وَالْأَرْوَاحِ وَالْأَبْدَانِ.
– الشيخ : لا إله إلا الله.
– القارئ : {فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} أَيِ: الْجَنَّاتِ الَّتِي النَّعِيمُ وَصْفُهَا، وَالسُّرُورُ نَعْتُهَا، وَذَلِكَ لِمَا جَمَعَتْهُ مِمَّا لَا عَيْنٌ رَأَتٌ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، وَسَلِمَتْ مِنْ كُلِّ مُخِلٍّ بِنَعِيمِهَا، مِنْ جَمِيعِ الْمُكَدِّرَاتِ وَالْمُنَغِّصَاتِ.
– الشيخ : الله أكبر، لا موتٌ، ولا مرضٌ، ولا خوفٌ مِن عدوٍّ، ولا خوفٌ مِن انقطاعِ النعيمِ، كلُّ ما يُخافُ في الدنيا مُنْتَفٍ يومَ القيامةِ، {لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس:62] آمِنُونَ {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ … يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ} [الدخان:51-55] لا إله إلا الله.
– القارئ : وَمِنْ كَرَامَتِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ، وَإِكْرَامِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، أَنَّهُمْ {عَلَى سُرُرٍ} وَهِيَ الْمَجَالِسُ الْمُرْتَفِعَةُ، الْمُزَيَّنَةُ بِأَنْوَاعِ الْأَكْسِيَةِ الْفَاخِرَةِ، الْمُزَخْرَفَةِ الْمُجَمَّلَةِ، فَهُمْ مُتَّكِئُونَ عَلَيْهَا، عَلَى وَجْهِ الرَّاحَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ، وَالْفَرَحِ.
{مُتَقَابِلِينَ} فِيمَا بَيْنَهُمْ، قَدْ صَفَتْ قُلُوبُهُمْ وَمَحَبَّتُهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَنَعِمُوا بِاجْتِمَاعِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ
– الشيخ : هذا يدلُّ على أنَّهم يجتمِعون، ويلتقُون، ويتحدَّثون، كما سيأتي {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} [الصافات:50] لكن هذا على سبيلِ الإجمالِ لا نُفصِّلُ، يلتقون بمَنْ؟ يلتقي الأقاربُ؟ أو الأصدقاءُ؟ أو مَن؟ أو؟ لكنَّهم يتذكَّرون حالَهم في الدنيا {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور:25-27] وهم يتحدَّثون ويَتَسَاءَلُونَ عَن أهل النار {إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ} [المدثر:39-41] وأيش اللي صار عليهم؟ ما حالُهم؟ فيُكشَفُ لهم فيسألونَ، أهلَ الجنة يسألونَ أهلَ النارِ: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ} [الأعراف:44]
– القارئ : فَإِنَّ مُقَابَلَةَ وُجُوهِهِمْ، تَدُلُّ عَلَى تَقَابُلِ قُلُوبِهِمْ، وَتَأَدُّبِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ فَلَمْ يَسْتَدْبِرْهُ، أَوْ يَجْعَلْهُ إِلَى جَانِبِهِ، بَلْ مِنْ كَمَالِ السُّرُورِ وَالْأَدَبِ، مَا دَلَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ التَّقَابُلُ.
{يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ}
– الشيخ : لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، سبحان الله.
– القارئ : {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} أَيْ: يَتَرَدَّدُ الْوِلْدَانُ الْمُسْتَعِدُّونَ لِخِدْمَتِهِمْ بِالْأَشْرِبَةِ اللَّذِيذَةِ، بِالْكَاسَاتِ الْجَمِيلَةِ الْمَنْظَرِ، الْمُتْرَعَةِ مِنَ الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ بِالْمِسْكِ، وَهِيَ كَاسَاتُ الْخَمْرِ، وَتِلْكَ الْخَمْرُ تُخَالِفُ خَمْرَ الدُّنْيَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَإِنَّهَا فِي لَوْنِهَا بَيْضَاءَ مِنْ أَحْسَنِ الْأَلْوَانِ، وَفِي طَعْمِهَا لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ يَتَلَذَّذُ شَارِبُهَا بِهَا وَقْتَ شُرْبِهَا وَبَعْدَهُ، وَأَنَّهَا سَالِمَةٌ مِنْ غَوْلِ الْعَقْلِ وَذَهَابِهِ،
– الشيخ : {لَاْ فِيْهَا غَوْلٌ} ما تَغتالُ العقلَ كخمرِ الدنيا، خمرُ الدنيا تُذْهِبُ العقلَ، تُهْلِكُ العقلَ، يصبحُ صاحبُهَا كمجنونٍ.
– القارئ : وَأَنَّهَا سَالِمَةٌ مِنْ غَوْلِ الْعَقْلِ وَذَهَابِهِ، وَنَزْفِهِ، وَنَزْفِ مَالِ صَاحِبِهَا، وَلَيْسَ فِيهَا صُدَاعٌ وَلَا كَدَرٌ.
فَلَمَّا ذَكَرَ طَعَامَهُمْ وَشَرَابَهُمْ وَمَجَالِسَهُمْ، وَعُمُومَ النَّعِيمِ وَتَفَاصِيلَهُ دَاخِلَةً فِي قَوْلِهِ: {جَنَّاتِ النَّعِيمِ}
لَكِنْ فَصَّلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ؛ لِتُعْلَمَ فَتَشْتَاقَ النُّفُوسُ إِلَيْهَا
– الشيخ : لا إله إلا الله، يا الله
– القارئ : لَكِنْ فَصَّلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ؛ ذَكَرَ أَزْوَاجَهُمْ فَقَالَ: {وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ} أَيْ: وَعِنْدَ أَهْلِ دَارِ النَّعِيمِ، فِي مَحَلَّاتِهِمُ الْقَرِيبَةِ، حُورٌ حِسَانٌ، كَامِلَاتُ الْأَوْصَافِ، قَاصِرَاتُ الأطَّرافِ، إِمَّا أَنَّهَا قَصَرَتْ طَرْفَهَا عَلَى زَوْجِهَا، لِعِفَّتِهَا وَعَدَمِ مُجَاوَزَتِهِ لِغَيْرِهِ، وَلِجَمَالِ زَوْجِهَا وَكَمَالِهِ، بِحَيْثُ لَا تَطْلُبُ فِي الْجَنَّةِ سِوَاهُ، وَلَا تَرْغَبُ إِلَّا بِهِ، وَإِمَّا لِأَنَّهَا قَصَرَتْ طَرْفَ زَوْجِهَا عَلَيْهَا، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى كَمَالِهَا وَجَمَالِهَا الْفَائِقِ، الَّذِي أَوْجَبَ لِزَوْجِهَا، أَنْ يَقْصُرَ طَرْفَهُ عَلَيْهَا، وَقَصْرُ الطَّرْفِ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى قَصْرِ النَّفْسِ وَالْمَحَبَّةِ عَلَيْهَا، وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ مُحْتَمَلٌ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ.
– الشيخ : الأظهرُ هو الأول أنَّهنَّ قاصراتٌ طرفَهنَّ على أزواجِهنَّ.
– القارئ : وَكُلُّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى جَمَالِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الْجَنَّةِ، وَمَحَبَّةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، مَحَبَّةً لَا يَطْمَحُ إِلَى غَيْرِهِ، وَشِدَّةِ عِفَّتِهِمْ كُلِّهِمْ، وَأَنَّهُ لَا حَسَدَ فِيهَا وَلَا تَبَاغُضَ، وَلَا تَشَاحُنَ، وَذَلِكَ لِانْتِفَاءِ أَسْبَابِهِ.
– الشيخ : لا إله إلا الله، سبحان الله! لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، انتهى؟
– القارئ : بقي. {عِينٌ} أَيْ: حِسَانُ الْأَعْيُنِ جَمِيلَاتُهَا، مِلَاحُ الْحَدَقِ.
{كَأَنَّهُنَّ} أَيِ: الْحَوَرَ {بَيْضٌ مَكْنُونٌ} أَيْ: مَسْتُورٌ، وَذَلِكَ مِنْ حُسْنِهِنَّ وَصَفَائِهِنَّ وَكَوْنِ أَلْوَانِهِنَّ أَحْسَنَ الْأَلْوَانِ وَأَبْهَاهَا، لَيْسَ فِيهِ كَدَرٌ وَلَا شَيْنٌ.
– الشيخ : في الآيةِ الأخرى {كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقعة:23] انتهى؟
– القارئ : انتهى.
– الشيخ : شوف ابن كثير {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ} {بَيْضٌ}. {بَيْضٌ} مين يطلعها أول يقرأها، {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ}
– طالب: يا شيخ صحَّ عن ابنِ القيمِ -رحمه الله- أنه قال: لولا أنَّ اللهَ رَبَطَ على قلوبِ أهلِ الجنةِ لماتوا مِن شدةِ الفرحِ، صحيح العبارة ذي؟
– الشيخ : يمكن، أحوالُ الجنةِ والأنوار أيضاً والجمالِ أقول: ممكن يعني.
– طالب: صحيح العبارة يا شيخ؟ لأنَّ الموتَ يُذبَحُ بينَ الجنةِ والنارِ.
– الشيخ : يُذبَحُ ولا ما يذبَح، هذا تعبيرٌ عَن كمالِ الفرحِ وشدةِ الفرحِ بس، ما هو المراد منه.
– القارئ : قَوْلُهُ: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ}
– الشيخ : شوي شوي لا تستعجل
– القارئ : وقد تقدَّمَ في سورةِ الرحمنِ وصفَهُنَّ أيضاً
– الشيخ : أيش؟ أنتَ تقرأ في موضعٍ آخر، لأنكَ استعملتَ الجوالَ وتيَّهَك.
عندك ابنُ كثير سورة الصافات؟
– طالب: نعم.
– الشيخ : اقرأ شوي شوي.
– طالب: قَوْلُهُ: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} وَصَفَهُنَّ بِتَرَافَةِ الْأَبْدَانِ وبِأَحْسَنِ الْأَلْوَانِ.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} يَقُولُ: اللُّؤْلُؤُ الْمَكْنُونُ.
– الشيخ : يعني هذا هو اللي أنا أريد، لُؤْلُؤُ، ويشهد له قوله: {كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ}
– طالب: وَيُنْشَدُ هَاهُنَا بَيْتُ أَبِي دَهْبَلَ الشَّاعِرِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ:
وهيَ زهراءُ مثلَ لؤلؤةِ الغوَّاصِ … مِيزَتْ مِنْ جَوْهَرٍ مَكْنُونِ
– الشيخ : طيب أحسنتَ، بس الشاهد على أنَّه تفسيرُ البَيْضِ باللُّؤْلُؤُ {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} لأنَّ اللؤلؤَ يُشبهُ البيضَ في الشكلِ، في الحجمِ والشَّكلِ {كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ}، ومَثَّلَ الغِلمان كذلك {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ} [الطور:24] كلّه جمالٌ في جمالٍ في جمالٍ كله.