الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الصافات/(6) من قوله تعالى {فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون} الآية 50 إلى قوله تعالى {لمثل هذا فليعمل العاملون} الآية 61

(6) من قوله تعالى {فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون} الآية 50 إلى قوله تعالى {لمثل هذا فليعمل العاملون} الآية 61

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الصَّافات

الدَّرس: السَّادس

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ

فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ [الصافَّات:50-61]

– الشيخ : إلى هنا، الكلامُ مُتَّصلٌ، لا إله إلَّا الله.

يقولُ اللهُ تعالى: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ} أهلُ الجنَّةِ الَّذينَ {علَى سُررٍ مُتقابِلِين} [الصافات:44] {أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} توجَّهَ بعضُهم لبعضٍ {يَتَسَاءلُونَ} يسألُ بعضُهم بعضًا يتحدَّثون لا كتحدُّثِ المجرمين الَّذي سبقَ {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ (27) قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ} [الصافات:27-28] هناك تحدُّثٌ وتساؤلُ خصومةٍ، أمَّا هنا فهم أحبَّةٌ، الله أكبرُ، يتساءلون عن أمورٍ، عن بعضِ ما جرى لهم في الدُّنيا وغير ذلك ويسألون عن حال أهلِ النَّار ماذا صارَ مصيرُهم؟ وماذا كانَ لهم في جنَّات النعيمِ؟ في جنَّات النعيمِ يتساءلون عن المجرمين، كما في سورة المُدَّثر، {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ*قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ} هذا مثالٌ من حديثِهم وتحدُّثِ بعضِهم معَ بعضٍ، هذا يقصُّ قصَّةً { إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} صاحبٌ في الدُّنيا قرينُ سوءٍ {يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ} أنتَ مُصدِّقٌ أنَّك ستُبعَثُ وتُجازَى، { إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ} يعني: مجزّيون على أعمالنا لأنَّ هذا مُكذِّبٌ بالبعث، وهذا المؤمنُ المُتحدِّثُ في الجنَّةِ، مؤمنٌ مُصدِّقٌ بالبعثِ وهذا يعيبُ عليهم يقولُ: أنتَ مُصدِّقٌ {أَئِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ} اللهُ أكبرُ، {أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ} قالَ يعني: نفسُ المتحدِّثِ الَّذي أخبرَ أنَّ له قرينًا لعلَّه هو أو أحد جلسائِه {قَالَ هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ} يطَّلعونَ على ماذا؟  يطَّلعون على النار. تُكشَفُ لهم ويطَّلعون، {هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ} وهذا من العجبِ العجابِ ومن الآياتِ العظيمةِ، أهلُ النارِ في طبقاتها، وأهلُ الجنَّة في درجاتها سبحان الله! ويطَّلعُ إذا شاءَ اللهُ يطَّلعُ ساكنُ الجنَّةِ إلى ساكن النارِ، يسمعُ بعضُهم بعضاً، {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّار} [الأعراف:44] {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ} [الأعراف:50] فهذا يدلُّ على أنَّه يسمعُ بعضُهم بعضاً إذا أرادوا بمشيئة الله، وهذا فيه حدودٌ لا يلزمُ أنهم يسمعون كلَّ شيءٍ لا، في بعضِ الأحوال وعندما يريدون أمراً بمشيئة الله يسمعونهم بل ويرونهم كما في هذه الآية.

{فَاطَّلَعَ فَرَآهُ} فاطَّلعَ هذا صاحبُ القصَّة، اطَّلعَ من بابٍ من فتحةٍ من نافذةٍ، كيف شاءَ اللهُ تحديداً وتكييفاً، لا ندري لا نعرفُ كيف اطَّلع هذا، غيرُ واردٍ، المهمُّ أنَّه اطَّلعَ بإرادةٍ منه {هَلْ أَنتُم مُّطَّلِعُونَ فَاطَّلَعَ} فرأى صاحبَه صابَه قرينُ السّوءِ {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ} اللهُ أكبرُ، في وسطِ الجحيمِ {فِي سَوَاء الْجَحِيمِ} فصارَ يُخاطبُه {إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِينِ} كدْتَ تُرديني معَك وتُشقيني {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا} [الفرقان:27-28] {إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} لولا توفيقُ الله لي وحفظُه لي لكنْتُ معَك لكنْتُ من المُحضرين معَك في الجحيمِ، لا إله إلَّا الله.

{إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي} اللهُ أكبرُ، يتذكَّرُ ويستحضرُ فضلَ اللهِ عليه ويتذكَّرُ عظيمَ النعمةِ؛ لأنَّه كان بصحبته لهذا الشريرِ كان على خطرٍ، جليسُ السوءِ جليسُ السوءِ يُهلكُ صاحبَه { إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى} ما نحنُ بميتين يعني: الآن يذكرُ أنَّه الآن في الجنَّة وأنَّه في حياةٍ لا موتَ بعدها { أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى} وقد انتهتْ وحصلتْ الحياةُ بعدها { إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} هذا كلُّه اعترافٌ من صاحب الجنَّة من المؤمنِ يذكرُ نعمةَ الله عليه، نعمتُه الأولى بتوفيقِه ونعمته الثانية بالجزاء العظيم بالنعيم المُقيم بالحياة الطيّبة الدائمة الخالدة والنجاة من العذابِ {وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ}

ثمَّ يقولُ: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} حياةٌ دائمةٌ ونعيمٌ مُقيمٌ، {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} يُحتمَلُ أن يكونَ هذه الجملة أنَّها من كلام المؤمنِ، ويُحتمَلُ أنَّ هذا تعقيبٌ عليها من كلام الله سبحانه وتعالى، اللهُ أعلمُ. 

{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} لمثلِ هذا، هذا هو الَّذي يستحقُّ أن يعملَ له العاملون بكلِّ ما يستطيعون، هذا مطلبٌ عظيمٌ وربحٌ عظيمٌ.

أهلُ الدُّنيا يُكابدون المشاقَّ والأخطارَ؛ لينالوا شيئاً من حطامِها، وهذا الَّذي يطلبونه لا يستحقُّ هذا الجهدَ الكبيرَ، أمَّا هذا الجزاءُ العظيمُ، هذا النعيمُ المُقيمُ، والخلودُ في المُقيم، هذا هو الَّذي يستحقُّ العملَ، {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} ثمَّ تأتي الموازنةُ الآيات الآتية مع هذه فيها موازنةٌ بينَ أهلِ النعيمِ وأهلِ الجحيمِ.

– طالب: سواءُ الجحيمِ يعني: وسط النارِ يا شيخ؟

– الشيخ : هذا اللي أذكرهُ، واللهُ أعلمُ

 

(تفسيرُ السَّعديِّ): 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} الآياتَ:

لمَّا ذكرَ تعالى نعيمَهم، وتمامَ سرورَهم، بالمآكلِ والمشاربِ، والأزواجِ الحسانِ، والمجالسِ الحسنةِ، ذكرَ تذاكرَهم فيما بينَهم، ومطارحتَهم للأحاديثِ، عن الأمورِ الماضيةِ، وأنَّهم ما زالُوا في المحادثةِ والتَّساؤلِ

– الشيخ : المطارحةُ أيش معنى المطارحة؟ نعم اقرأْ ليش سكت؟!

– القارئ : ومطارحتَهم للأحاديثِ، عن الأمورِ الماضيةِ

– الشيخ : يعني يتحدَّثون مثل ما في التعبير العامّي يسولفون، يتحدَّثون فيما مرَّ عليهم والآيات الأخرى {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} [الطور:26-27] هذا من نوعِهِ

– القارئ : ومطارحتَهم للأحاديثِ، عن الأمورِ الماضيةِ، وأنَّهم ما زالُوا في المحادثةِ والتَّساؤُلِ

– الشيخ : أيش؟

– القارئ : وأنَّهم ما زالُوا في المُحادثةِ والتَّساؤُلِ، حتَّى أفضى ذلكَ بهم، إلى أنْ قالَ قائلٌ منهم: {إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ} في الدُّنيا، ينكرُ البعثَ، ويلومُني على تصديقي بهِ.

و{يَقُولُ} لي {أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ} أي: مجازونَ بأعمالِنا؟ أي: كيفَ تصدِّقُ بهذا الأمرِ البعيدِ، الَّذي في غايةِ الاستغرابِ، وهوَ أنَّنا إذا تمزَّقْنا، فصرْنا تراباً وعظاماً، أنَّنا نُبعَثُ ونُعادُ، ثمَّ نُحاسَبُ ونُجازَى بأعمالِنا؟

أي: يقولُ صاحبُ الجنَّةِ لإخوانِهِ: هذهِ قصَّتي، وهذا خبري، أنا وقريني، ما زلْتُ أنا مؤمناً مصدِّقاً، وهوَ ما زالَ مكذِّباً منكراً للبعثِ، حتَّى متْنا، ثمَّ بُعِثْنا، فوصلْتُ أنا إلى ما ترونَ، مِن النَّعيمِ، الَّذي أخبرَتْنا بهِ الرُّسلُ، وهوَ لا شكَّ، أنَّهُ قد وصلَ إلى العذابِ.

فـ {هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ} لننظرِ إليهِ، فنزدادُ غبطةً وسروراً بما نحنُ فيهِ، ويكونُ ذلكَ رَأْيَ عينٍ؟ والظَّاهرُ مِن حالِ أهلِ الجنَّةِ، وسرورِ بعضِهم ببعضٍ، وموافقةِ بعضِهم بعضاً، أنَّهم أجابُوهُ لما قالَ، وذهبُوا تبعاً لهُ، للاطِّلاعِ على قرينِهِ

– الشيخ : صريحُ القرآنِ {فَاطَّلَعَ} وحدَهُ أو هم معه، الأحرى أن يكونَ معه بعضُ أصحابه

– القارئ : {فَاطَّلَعَ} فرأى قرينَهُ {فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ} أي: في وسطِ العذابِ وغمراتِهِ، والعذابُ قد أحاطَ بهِ

– الشيخ : أعوذُ باللهِ، أعوذ بالله، يقولُ بعضُ الناس: ما كُشِفَ في هذا العصر من وسائل نقلِ الأصواتِ من الأبعادِ البعيدةِ ونقل الصورِ والمشاهدِ كذلك يقولُ هذا شاهدٌ لما أخبَر اللهُ به، شاهدٌ، يعني: آيةٌ آيةٌ فهذا وقع وحصل بتسبُّبٍ من الناس من بني آدم أنَّهم يسمعون أصواتَ الآخرين من أصحابهم وغيرهم من الأبعاد، ويرون أيضاً مشاهدهم ومجالسهم من الأبعاد والمكان الَّذي هم فيه، فهذا مثالٌ في الدُّنيا شاهدٌ لما أخبرَ اللهُ به في كتابه وهذا حقّ استشهادٌ صحيحٌ.

 

– القارئ : فـ {قَالَ} لهُ لائماً على حالِهِ، وشاكراً للّهِ على نعمتِهِ أنْ نجَّاهُ مِن كيدِهِ: {تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ} أي: تهلكَني بسببِ ما أدخلْتَ عليَّ مِن الشُّبَهِ بزعمِكَ.

{وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي} على أنْ ثبَّتَني على الإسلامِ {لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} في العذابِ معَكَ.

{أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلا مَوْتَتَنَا الأولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} [أي: يقولُهُ المؤمنُ، مبتهجاً بنعمةِ اللّهِ على أهلِ الجنَّةِ بالخلودِ الدَّائمِ فيها والسَّلامةِ مِن العذابِ؛ استفهامٌ بمعنى الإثباتِ والتَّقريرِ] أي: يقولُ لقرينِهِ المعذَّبِ: أفتزعمُ أنَّنا لسْنا نموتُ سوى الموتةَ الأولى، ولا بعثَ بعدَها ولا عذابَ.

وقولُهُ: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} وحذفَ المعمولَ، والمقامُ مقامُ لذَّةٍ وسرورٍ، فدلَّ ذلكَ على أنَّهم يتساءلونَ بكلِّ ما يتلذَّذونَ بالتَّحدُّثِ بهِ، والمسائلُ الَّتي وقعَ فيها النِّزاعُ والإشكالُ.

ومِن المعلومِ أنَّ لذةَ أهلِ العلمِ بالتَّساؤلِ عن العلمِ، والبحثِ عنهُ، فوقَ اللَّذاتِ الجاريةِ في أحاديثِ الدُّنيا، فلهم مِن هذا النَّوعِ النَّصيبُ الوافرُ، ويحصلُ لهم مِن انكشافِ الحقائقِ العلميَّةِ في الجنَّةِ ما لا يمكنُ التَّعبيرُ عنهُ.

فلمَّا ذكرَ تعالى نعيمَ الجنَّةِ، ووصفَهُ بهذهِ الأوصافِ الجميلةِ، مدحَهُ، وشوَّقَ العاملينَ، وحثَّهم على العملِ فقالَ: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} الَّذي حصلَ لهم بهِ كلُّ خيرٍ

– الشيخ : {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}، إمم، {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} يعني: على كلام الشيخ أنَّ هذه الآيةَ مُتَّصلةٌ بالآيات في صفةِ الجنَّة ونعيم أهلها {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [الصافات:49] {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} وجملةُ "وأقبلَ بعضُهم" إلى آخرها من الكلامِ المُعترضِ، الكلامُ المعترضُ، وهذا أسلوبٌ في لغةِ العربِ يأتي في وسط الكلام كلامٌ يُناسِبُ المقامَ، فعلى هذا {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} هذا إشارةٌ إلى ما تقدَّمَ في جنَّات النعيم {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} [الواقعة:17] الآيات، {عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (44) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} [الصافات:44-45] نعم بعده.

 

– القارئ : وكلُّ ما تهوى النُّفوسُ وتشتهي، واندفعَ عنهم بهِ كلُّ محذورٍ ومكروهٍ، فهل فوزٌ يُطلَبُ فوقَهُ؟ أم هو غايةُ الغاياتِ، ونهايةُ النِّهاياتِ، حيثُ حلَّ عليهم رضا ربِّ الأرضِ والسَّمواتِ، وفرحُوا بقربِهِ، وتنعَّمُوا بمعرفتِهِ وسُرُّوا برؤيتِهِ، وطربُوا لكلامِهِ؟

{لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} فهوَ أحقُّ ما أُنفِقَتْ فيهِ نفائسُ الأنفاسِ وأولى ما شمَّرَ إليهِ العارفونَ الأكياسُ، والحسرةُ كلُّ الحسرةِ، أنْ يمضيَ على الحازمِ وقتٌ مِن أوقاتِهِ، وهوَ غيرُ مشتغلٍ بالعملِ، الَّذي يُقرِّبُ لهذهِ الدَّارِ، فكيفَ إذا كانَ يسيرُ بخطاياهِ إلى دارِ البوارِ؟" انتهى

– الشيخ : أعوذُ بالله، إلى هنا، نعم، لا إله إلَّا الله.