الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الصافات/(8) من قوله تعالى {ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون} الآية 75 إلى قوله تعالى {ثم أغرقنا الاخرين} الآية 82

(8) من قوله تعالى {ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون} الآية 75 إلى قوله تعالى {ثم أغرقنا الاخرين} الآية 82

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الصَّافات

الدَّرس: الثَّامن

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ

وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (78) سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ [الصافات:75-82]

– الشيخ : إلى هنا سبحان الله! اللَّهمَّ صلِّ وسلِّم عليه، لا إله إلَّا الله.

لما أخبرَ تعالى عن إرسالِ المنذرين إجمالًا في قولِه تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ} [الصافات:72] في الأممِ الخاليةِ {أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} [الصافات:72-74] فصَّلَ بعدَ هذا أو ذكرَ بعدَ هذا شيئًا أو بعضَ الرسلِ بعض من أرسلَهم منذرين كنوحٍ وإبراهيم وموسى وهارون وإلياسَ ولوط، هؤلاء ذُكِرُوا في هذه الآيات، الآياتُ التاليةُ فقالَ سبحانه: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} نوحٌ -عليه السلامُ- هو أوَّلُ الرُّسلِ وهو الأبُ الثاني للبشريَّةِ لقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} {وَلَقَدْ نَادَانَا} هذا ضميرُ الجمعِ، اللهُ تعالى يخبرُ بأنَّ عبدَه ورسولَه نوحًا يدعوه ويستنصرُه {أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} [القمر:10] {إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ (117) فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء:117-118]

ناداه داعيًا ومستنصرًا {وَلَقَدْ نَادَانَا} واللهُ تعالى يذكرُ نفسَه تارةً بصيغة الإفرادِ الدالَّة على التوحيدِ؛ لأنَّه واحدٌ لا شريكَ له، ويذكرُ نفسَه كقوله تعالى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي} [طه:14] {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ} [الحجر:9] {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ} فصيغةُ الجمعِ تدلُّ على العظمةِ، فهو واحدٌ لا شريكَ له، وهو العظيمُ لما له من الأسماءِ والصفاتِ والأفعالِ {فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} ثناءٌ من الله على نفسِه، اللهُ يمدح نفسَه لا أحدَ أحبُّ إليه المدح من اللهِ من أجلِ ذلك أثنى على نفسِه سبحانه وتعالى، وهو أهلُ الحمدِ، وهو المُستحقُّ للحمدِ كلِّه، سبحان الله! 

{وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} وفي هذا دلالةٌ على أنَّ اللهَ استجابَ دعاءَه ونصرَه {وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ} لما أرسلَ اللهُ الطوفانَ على قومِ نوحٍ فجَّرَ الأرضَ عيونًا وفتحَ أبوابَ السماءِ بماءٍ منهمرٍ، أرشدَ اللهُ نوحًا قبل ذلك أن يصنعَ سفينةً فصنعَها {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} ويصنعُ الفلكَ المقصودُ أنَّ اللهَ نجَّاه ومن معَه في السفينة وأهله، ونجَّى أهلَه، وأهلُهُ هم أولادُه بعض أولادِه، أمَّا زوجتُه وأحدُ أبنائه فهما كافران هلكَا مع المُهلَكين امرأته وله أولادٌ آخرون، يقولُ المؤرِّخونَ: إنَّهم ثلاثةٌ ومنهم انتشرَت البشريَّةُ بعدَ نوحٍ {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} [الحديد:26] يقولُ تعالى: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ *ونَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} كربٌ عظيمٌ، أيُّ كربٍ؟ الكربُ العظيمُ عندما فُتِحَتْ أبوابُ السماء بالماء وفُجِّرَت الأرضُ، أصبحَ لا مهربَ إلَّا من عصمَه الله، ولهذا قالَ نوحٌ لابنه الكافرِ لما قال: {قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ} [هود:43] اللهُ أكبرُ {ونَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} في الآيةِ الأخرى يقولُ: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنبياء:77]

{ونَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ *وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ} ذريَّةُ نوحٍ -عليه السلامُ- هم الَّذين انتشروا بعد ذلك، فكلُّ البشريَّةِ الآن من ذريَّةِ نوحٍ، كلُّ البشريَّةِ من ذريَّة نوحٍ.

{وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ *وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ*سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ} جعلَ له لسانَ صدقٍ جعلَ له الذكرَ الجميلَ وسلَّمَ عليه السلامَ {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ} فنحن إذا ذكرْناه نقولُ: عليه السلامُ، نعم عليه السلام {سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ} هذا هو الَّذي تركَه اللهُ له وجعلَه له في الآخرينَ نعم.

{سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ*إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} هذا وعدٌ أنَّ الله يجعلُ للمُحسنين، كلُّ من كان مُحسنًا جعلَ له لسانَ صدقٍ وجعلَه يُذكَرُ بالخير ويُسلَّمُ عليه بحسبِ درجةِ إحسانِه وإيمانِه، لا إله إلَّا الله.

{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} الأنبياءُ كلُّهم من المؤمنين الأنبياءُ كلُّهم {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} وبعدَ أن أخبرَ عن نجاة نوحٍ وأهله وما أكرمَه اللهُ به قال: {ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ} الآخرين من خرجَ عن السفينةِ كان هالكًا مع الهالكين {ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ} نجَّى اللهُ نوحًا وأهلَه ومن معَه من ذريَّته، ومن سواهم أغرقوا {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا} [نوح:25] نعم يا محمَّد

– طالب: والداه ممَّن أنجاهم اللهُ يا شيخ؟

– الشيخ : ما ندري ما ندري عنهم.

 

(تفسيرُ السَّعديِّ)

– القارئ : أحسنَ اللهُ إليكَ، بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السَّعديّ -رحمَه اللهُ تعالى-:

ولقد ذكرَ نموذجًا مِن عواقبِ الأممِ المُكذِّبينَ فقالَ: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} الآياتَ.

 يخبرُ تعالى عن عبدِهِ ورسولِهِ نوحٍ -عليهِ السَّلامُ-، أوَّلُ الرُّسلِ، أنَّهُ لما دعا قومَهُ إلى اللّهِ، تلكَ المدَّةَ الطَّويلةَ فلم يزدْهم دعاؤُهُ، إلَّا فراراً، أنَّهُ نادى ربَّهُ فقالَ: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح:26] الآيةَ.

وقالَ: {رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ} فاستجابَ اللّهُ لهُ، ومدحَ تعالى نفسَهُ فقالَ: {فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} لدعاءِ الدَّاعينَ، وسماعِ تبتُّلِهم وتضرُّعِهم، أجابَهُ إجابةً طابقَتْ ما سألَ، نجَّاهُ وأهلُهُ مِن الكربِ العظيمِ.

وأغرقَ جميعَ الكافرينَ، وأبقى نسلَهُ وذريَّتَهُ متسلسلِينَ، فجميعُ النَّاسِ مِن ذريَّةِ نوحٍ -عليهِ السَّلامُ-، وجعلَ لهُ ثناءً حسناً مستمرَّاً إلى وقتِ الآخرينَ، وذلكَ لأنَّهُ مُحسِنٌ في عبادةِ الخالقِ، محسنٌ إلى الخلقِ، وهذهِ سنَّتُهُ تعالى في المُحسنينَ، أنْ ينشرَ لهم مِن الثَّناءِ على حسبِ إحسانِهم.

ودلَّ قولُهُ: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} أنَّ الإيمانَ أرفعُ منازلِ العبادِ وأنَّهُ مشتملٌ على جميعِ شرائعِ الدِّينِ وأصولِهِ وفروعِهِ؛ لأنَّ اللّهَ مدحَ بهِ خواصَّ خلقِهِ.

{وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإٍبْرَاهِيمَ}

– الشيخ : ما قالَ { ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ} ؟

– القارئ : لا ما تكلَّم عليها بشيءٍ

– الشيخ : اللهُ المستعانُ بعدَكَ .