بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الصَّافات
الدَّرس: التَّاسع
*** *** ***
– القارئ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:
وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ * أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ * فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ * فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ * فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ * فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ * فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ * قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ * قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ * فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ [الصافات: 83-98]
– الشيخ : إلى هنا، لا إله إلا الله، يقولُ تعالى: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ} يعني: مِن شِيعةِ نوحٍ، مِن شِيعةِ نوحٍ عليه السلام {مِنْ شِيعَتِهِ} يعني: مِن أتباعِه، إبراهيمُ مِن أتباعِ نوحٍ، نوحٌ هو أولُ الرسلِ، واللهُ يَقْرِنُ بينَ نوحٍ وإبراهيمَ في القرآنِ {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ} [الحديد:26] وكلُّ نبيٍ جاءَ مِن بعدِ نوحٍ فهو مِن ذريَّتِه، وكلُّ نبيٍّ جاءَ بعدَ ابراهيمَ فهو من ذريةِ ابراهيمَ.
{وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} ثناءٌ عظيمٌ على إبراهيمَ بسلامةِ القلبِ، وقد جاء في قولِ إبراهيم وكلامِه عليه السلام: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء:82] يقول: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:88-89] هذا جاءَ على لسانِه ومِن كلامِه، وأخبرَ الله هنا بأنَّ إبراهيمَ قلبُهُ سليمٌ، وأنَّه جاءَ ربَّهَ بقلبٍ سليمٍ سالمٍ مِن جميعِ أمراضِ القلوبِ: أمراضِ الشهواتِ وأمراضِ الشبهاتِ، فالقلبُ السليمُ: هو السَّالمُ من الأمراضِ، أمراض القلوبِ، للقلوبِ أمراضٌ، فالقلوب ثلاثة: سليمٌ: وهو أفضلُ القلوبِ، ومريضٌ: وهو بَيْنَ بَيْنَ، ومَيِّتٌ: وهو قلبُ الكافرِ.
{إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ} استفهامُ إنكارٍ، {مَاذَا تَعْبُدُونَ}؟! {أَئِفْكًا} أيْ: كَذِبَاً {أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ * فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} كأنَّهُ تَظَاهَرَ بأنَّهُ لـمَّا ذهبُوا، يذكرُ المفسِّرون: لما ذهبوا إلى أصنامِهم وآلهتِهم الباطلةِ تَظَاهَرَ بأنَّه سقيمٌ، يعني لأنَّهُ لَنْ يذهبَ معَهم، فلمَّا أنَّهم ذهبُوا ثم انصرفُوا وتركُوا آلهتَهم، تَوَجَّهَ إليها -عليه السلام- تَوَجَّهَ إلى آلهتِهِمْ:
{فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ * فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ} يعني: ذهبَ إلى آلهتِهم بسرعةٍ بسرعةٍ وخفيةٍ، مُتَسَلِّل {فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ}؟ يَسخرُ بها {أَلَا تَأْكُلُونَ}؟ ما يأكلونَ، أصنام هي، ثمَّ يقولُ: {مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ}؟ {فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ * فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ} {ضَرْبًا بِالْيَمِينِ} تَحْطِيماً يُحَطِمُهُم {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا} في الآية الأخرى: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا} كِسَر {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ} [الأنبياء:58] تَركَ واحداً، أكبرُ هذه الأصنام تركَها حتى يقولَ لقومِه لـمَّا قالوا له: {قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [الأنبياء:62-63] كبيرُهم هذا هو اللي فعلَ، تحطيم يعني
– طالب: جُذَاذَاً؟
– الشيخ : الله أعلمُ يعني مُكَسَّرَة، والله أعلم، سبحان الله! سبحان الله! سبحان الله!
{فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ * فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ * فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ * قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ}؟ لـمَّا جاؤُوا وشافوا الآلهةَ، هم كأنَّهم شافوها قبلُ، شافوها قالوا: {قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا} {مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ} يدلُّ على أنَّ ابراهيمَ حَطَّمَهَا وانصرفَ، فلمَّا جاءَ بعضُهم إلى الأصنامِ وَجَدَهَا مُكَسَّرَةً، {مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ} [الأنبياء:59-61] سيعمَلونَ معَه تحقيقاً، {فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ * قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ} [الأنبياء:61-63] تَهَكُّمَاً واستخِفافاً وسُخريةً بهمْ فَشَعُرُوا بالخِزْيِ {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ * فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ} [الأنبياء:63-64] يعني: صارَ عندَهم اعترافٌ، اعترفوا بفسادِ عقولِهم {ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ} رجعُوا قالوا: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ} [الأنبياء:65] يعني: أولاً أحسُّوا بفسادِ عقولِهم، ثمَّ زَيَّنَ لهم الشيطانُ ورجعُوا قالوا: لا، لا، أنتَ تعلمُ {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ * قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ * قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ} [الأنبياء:65-68] هذا تفصيلٌ في سورة الأنبياء.
أمَّا هنا قال تعالى: {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ * قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ * قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ * فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ} وفي الآيةِ الأُخرى {وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} [الأنبياء:70] {وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} هذه قصةِ إبراهيمَ في هذهِ السُّورة، ذكَرَهَا الله على إثرِ قصةِ نوحٍ، وأجملَ في قصةِ نوحٍ، وَفَصَّلَ بعضَ التفصيلِ في قصةِ إبراهيمَ عليهما الصلاة والسلام.
(تفسيرُ السَّعدي)
– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين. قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السَّعديّ -رحمه الله تعالى- في تفسير قول الله تعالى:
{وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لإبْرَاهِيمَ} الآيات.
أَيْ: وَإِنَّ مِنْ شِيعَةِ نُوحٍ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَمَنْ هُوَ عَلَى طَرِيقَتِهِ فِي النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ وَدَعْوَةِ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ وَإِجَابَةِ الدُّعَاءِ: إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ.
{إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} مِنَ الشِّرْكِ وَالشُّبَهِ، وَالشَّهَوَاتِ الْمَانِعَةِ مِنْ تَصَوُّرِ الْحَقِّ، وَالْعَمَلِ بِهِ، وَإِذَا كَانَ قَلْبُ الْعَبْدِ سَلِيمًا، سَلِمَ مَنْ كُلِّ شَرٍّ، وَحَصَلَ لَهُ كُلُّ خَيْرٍ.
– الشيخ : أسألُ اللهَ العافيةَ، أسألُ اللهَ العافيةَ، القلبُ مَلِكُ البَدَنِ (إذا صَلَحَ صَلَحَ الجَسدُ كلُّه، وإذا فَسَدَ فَسَدَ الجسدُ كُلُّهُ) هذا بخبرِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم، فانحرافُ وفسادُ الأعمالِ يدلُّ على فسادِ القلبِ، نَقْصُ الإيمانِ، أو عدمُ الإيمانِ قد يكون هذا أو هذا، صلاحُ الجوارحِ والاستقامةُ على الدِّينِ والعملُ الصالح إنَّما يكونُ عن صلاحِ القلبِ، إلا إذا كانَ نفاقًا فالنفاقُ ليسَ صَلاحاً، فالمنافقُ فاسدُ القلبِ، وفاسدُ العملِ، وإنْ كانَتْ صورتُهُ عَمَلاً صالحاً، لكنَّهُ ليسَ بصالحٍ بلْ هو فاسدٌ، فالمنافقُ فاسدُ القلبِ فاسدُ العملِ، ولكنَّ الصورةَ ليسَتْ على حقيقتِها وليسَ بحسَبِ الظاهرِ.
– القارئ : وَحَصَلَ لَهُ كُلُّ خَيْرٍ.
وَمِنْ سَلَامَتِهِ أَنَّهُ سَلِيمٌ مِنْ غِشِّ الْخَلْقِ وَحَسَدِهِمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَسَاوِئِ الْأَخْلَاقِ،
– الشيخ : أعوذُ باللهِ، أعوذُ باللهِ، للقلبِ أمراضٌ: الكِبْرُ -أعوذُ باللهِ مِن الكِبْرِ- والعُجْبُ، والرياءُ، والغِلُّ، والحِقدُ، والحسدُ، وسوءُ الظَنِّ: كلُّها مِن أمراضِ القلوبِ، سوءُ الظنِّ باللهِ هذا مِن أعظمِ، وبغضُ أولياءِ اللهِ وحُبُّ أعداءِ الله.
– القارئ : وَلِهَذَا نَصَحَ الْخَلْقَ فِي اللَّهِ، وَبَدَأَ بِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ فَقَالَ: {إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ} هَذَا اسْتِفْهَامٌ عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ، وَإِلْزَامٌ لَهُمْ بِالْحُجَّةِ.
{أَإِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ} أَيْ: أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً كَذِبًا، لَيْسَتْ بِآلِهَةٍ، وَلَا تَصْلُحُ لِلْعِبَادَةِ، {فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ}؟ أَنْ يَفْعَلَ بِكُمْ وَقَدْ عَبَدْتُمْ مَعَهُ غَيْرَهُ؟ وَهَذَا تَرْهِيبٌ لَهُمْ بِالْجَزَاءِ بِالْعِقَابِ عَلَى الْإِقَامَةِ عَلَى شِرْكِهِمْ، وَمَا الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ مِنَ النَّقْصِ حَتَّى جَعَلْتُمْ لَهُ أَنْدَادًا وَشُرَكَاءَ؟!
فَأَرَادَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَكْسِرَ أَصْنَامَهُمْ وَيَتَمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ، فَانْتَهَزَ الْفُرْصَةَ فِي حِينِ غَفْلَةٍ مِنْهُمْ لَمَّا ذَهَبُوا إِلَى عِيدٍ مِنْ أَعْيَادِهِمْ فَخَرَجَ مَعَهُمْ، {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: (لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَّا ثَلَاثَ كِذْبَاتٍ: قَوْلُهُ: {إِنِّي سَقِيمٌ}، وَقَوْلُهُ: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} وَقَوْلُهُ عَنْ زَوْجَتِهِ: إِنَّهَا أُخْتِي) وَالْقَصْدُ أَنَّهُ تَخَلَّفَ عَنْهُمْ، لِيَتِمَّ لَهُ الْكَيْدُ بِآلِهَتِهِمْ.
وَلِهَذَا {تَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ} فَوَجَدَ الْفُرْصَةَ؛ {فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ} أَيْ: أَسْرَعَ إِلَيْهَا عَلَى وَجْهِ الْخُفْيَةِ وَالْمُرَاوَغَةِ {فَقَالَ} مُتَهَكِّمًا بِهَا: {أَلَا تَأْكُلُونَ}
– الشيخ : عندَها طعامٌ الظاهرُ، موضوعٌ عندَ الأصنامِ طعامٌ، هو ما جاب طعام [لم يأتِ بطعام]، لكن هي موضوعٌ عندَها طعام، لكن الشياطين تأكلُهُ ثمَّ إذا جاءَ المشركون وجدُوهُ قد أُكِلَ.
– طالب: تأكلُها للشياطينِ؟
– الشيخ : إي، تأكلُ
– القارئ : {مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ} أَيْ: فَكَيْفَ يَلِيقُ أَنْ تُعْبَدَ، وَهِيَ أَنْقَصُ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ،
– الشيخ : آمنتُ باللهِ، واللهِ يا إخوان إنَّ الإنسانَ يتعجَّبُ! يتعجَّبُ سبحان الله! ناس تراهُم ناس المشركون هؤلاء ناسٌ، لهمْ عقولٌ ولهم، ما همْ بسفهاء سفاهة يعني نقصَ عقلٍ يجعلُهم، لا، يبيعونَ ويشترونَ وأذكياء، لكن، سبحان الله! سبحان الله! أصنامٌ منحوتةٌ هم يَنْحِتُونها بأيديهِم! يَنْحِتُونها [….]! نسأل الله العافية. ولهذا فِعْلُهُم هذا أَسْفَهُ السَّفَهِ، أَسْفَهُ السَّفَهِ أنِ اتخذوا أشياء جماداتٍ يتخذونها آلهةً يعبدونَها ويُعظِّمُونَها بأنواعِ التعظيماتِ.
– القارئ : أي: فَكَيْفَ يَلِيقُ أَنْ تُعْبَدَ، وَهِيَ أَنْقَصُ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ، الَّتِي تَأْكُلُ وَتَكَلَّمُ؟
– الشيخ : إي يعني: الحيواناتُ ما هي بِتُكَلِّمُ، هي تتكلَّمُ، تتكلَّمُ فيما بينها، لها كلامٌ، قالَ سليمانُ: {عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ} [النمل:16]
– القارئ : وَهَذِهِ جَمَادٌ لَا تَأْكُلُ وَلَا تُكَلِّمُ؟!
– الشيخ : لَا تَأْكُلُ ولا تَكَلَّمُ.
– القارئ : لَا تَأْكُلُ ولا تَكلَّم.
{فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ}
– الشيخ : "ولا تَكَلَّمُ "، فيه على تقديرِ "لا تأكلُ ولا تتكلَّمُ" أقول: أن هذا يعني: الأصل إذا قلتَ: هذا تكلَّمَ أو هذه الأشياء تكلَّمُ، أصلُها: تتكلَّمُ، وهذه الجماداتُ لا تأكلُ ولا تتكلَّمُ.
– القارئ : {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ} أَيْ: جَعَلَ يَضْرِبُهَا بِقُوَّتِهِ وَنَشَاطِهِ، حَتَّى جَعَلَهَا جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ؛ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ.
{فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ} أَيْ: يُسْرِعُونَ وَيُهْرَعُونَ
– الشيخ : إي، بمعنى يُسْرِعُون.
– القارئ : يُرِيدُونَ أَنْ يُوقِعُوا بِهِ، بَعْدَمَا بَحَثُوا وَقَالُوا: {مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ}
وَقِيلَ لَهُمْ {سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} يَقُولُ: {وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ} فَوَبَّخُوهُ وَلَاْمُوهُ، فَقَالَ: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ * فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ} الْآيَات.
وَقَالَ هُنَا: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} أَيْ: تَنْحِتُونَهُ بِأَيْدِيكُمْ وَتَصْنَعُونَهُ؟ فَكَيْفَ تَعْبُدُونَهُمْ وَأَنْتُمُ الَّذِينَ صَنَعْتُمُوهُمْ وَتَتْرُكُونَ الْإِخْلَاصَ لِلَّهِ؟
{واللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ * قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا} أَيْ: عَالِيًا مُرْتَفِعًا، وَأَوْقَدُوا فِيهِ النَّارَ فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ جَزَاءً عَلَى مَا فَعَلَ مِنْ تَكْسِيرِ آلِهَتِهِمْ.
{فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا} لِيَقْتُلُوهُ أَشْنَعَ قِتْلَةٍ
– الشيخ : القِتْلَة: الهيئةُ يعني: الكيفيَّةُ، والقَتْلَةُ: الـمَرَّة.
– القارئ : {فَجَعَلْنَاهُمُ الأسْفَلِينَ} رَدَّ اللَّهُ كَيْدَهُمْ فِي نُحُورِهِمْ، وَجَعَلَ النَّارَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ بَرْدًا وَسَلَامًا.
ولَمَّا فَعَلُوا فِيهِ هَذَا الْفِعْلَ، وَأَقَامَ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةَ، وَأَعْذَرَ مِنْهُمْ، {قَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي} أَيْ: مُهَاجِرٌ إِلَيْهِ، قَاصِدٌ إِلَى الْأَرْضِ الْمُبَارَكَةِ
– الشيخ : إلى آخرِه. هذه {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} هذا موقف.