بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الصَّافات
الدَّرس: الحادي عشر
*** *** ***
– القارئ : أعوذُ بالله من الشيطانِ الرجيمِ:
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ * وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ * وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ * وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ * وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ * إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ [الصافات:114-122]
– الشيخ : لا إلهَ إلا الله، وهذه قصةٌ ثالثةٌ في هذه السورةِ، أولاً قصةُ نوحٍ، ثمَّ إبراهيمَ، ثمَّ موسى وهارون.
الله تعالى يُخبِرُ عَن مِنَّتِهِ على موسى وهارون {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ} مَنَّ عليهِما أولاً بفضيلةِ النُّبوةِ والرسالةِ {وَلَكِنَّ الله يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [إبراهيم:11] وممن مَنَّ عليهم: موسى وهارون عليهما السلام {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ} منَّ على موسى أولاً، ثمَّ هارونَ عندما رَغِبَ موسى إلى ربِّه أنْ يرسلَ معَه أخاهُ {وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا} [مريم:53]
{وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ * وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} نَجَّاهُمَا مِن ظلمِ فرعونَ أولاً {وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ} [الأعراف:141] وَنَجَّاهُمَا -ثانياً- مِن البحرِ فَلَقَ البحرَ لهم فساروا فيه {وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ} [الشعراء:64-66] {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ * وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ}
{وَنَصَرْنَاهُمْ} على عدوِّهم فرعون {وَنَصَرْنَاهُم فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِين} القومُ الذين كانوا مُسْتَعْبَدِين يَسُومُهُم فرعون سوءَ العذابِ يُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ نصرَهم الله عليه، فأذلَّ عدوَّهم وأخزاهُ وأهلكَه وأغرقَه حتى قالَ: {آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ} [يونس:90]
{وَنَصَرْنَاهُم فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِين * وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ} آتى اللهُ موسى وهارونَ الكتابَ: وهو التوراةُ، التوراةُ أعطاهُ الله لموسى، وهارونُ تَبَعٌ لَهُ في ذلكَ {وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ} البَيِّن، التوراةُ هي قرينةُ القرآنِ في الذِّكْرِ بالقرآنِ، وكثيراً ما يَذكرُ اللهُ موسى -قصةَ موسى- ويذكرُ كتابَه، يَقْرِنُ بينَ ذكرِ التوراةِ والقرآنِ، والآياتُ في هذا كثيرة {وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ}
{وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} هداهُما الله الصراطَ المستقيمَ، فأعطاهُما مِن العلمِ النافعِ والعملِ الصالحِ ما فَضُلا بِه على غيرِهما، {وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} هذهِ كلُّها فضائل لموسى وهارون.
{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ} يعني: تركَ عليهِما لسانَ صِدْقٍ وذِكْرٍ حَسَنٍ، {سَلَامٌ} {سَلَامٌ} مثل ما قال في نوح: {سَلَامٌ عَلَى نوح} [الصافات:79] وقالَ في ابراهيم: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى ابراهيم} [الصافات:108-109] وقالَ مِثلَ ذلكَ في موسى وهارون {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ} فكلَّما جاءَ ذِكرهما يُسلِّمُ عليهِما، موسى عليه السلام، هارون عليه السلام {سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ}
{إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} وهذا المعنى ثُنِّيَ في هذه السورةِ وفي غيرِها، وأنَّ الله أكرمَهُمَا وَمَنَّ عليهِما؛ جزاءً على إحسانِهما قالَ الله: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى} موسى {وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [القصص:14] فالإحسانُ يشملُ نوعينِ: الإحسانُ في عبادةِ الله بتحقيقِ الإخلاصِ وتحقيقِ الطاعةِ والاتباعِ، وبالإحسانِ إلى الخلقِ. وموسى وهارون مِن خِيارِ الـمـُحْسِنينَ مِن أنبياءِ الله عليهم الصلاة والسلام.
{إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} موسى وهارون مِن جملةِ المؤمنين بالله، الـمُخلِصِين له، الـمـُخلِصِين له الدين، عليهما مِنْ ربِّهمِا السلامُ {إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}
ونلاحظ أنَّ ما ذُكِرَ في هذه السورةِ مِن القَصَصِ سِيْقَ بطريقِ الإجمالِ والاختصارِ، وقصةُ موسى وهارون معَ فرعون مُفَصَّلَةٌ في سُوَرٍ مِن القرآنِ عديدةٍ.
(تفسيرُ السعدي)
– القارئ : بسمِ الله الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، قالَ الشيخُ عبدُ الرحمن السعدي -رحمَه الله تعالى- في تفسيرِ قولِ الله تعالى:
{وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ} الآيات.
يذكرُ تعالى مِنَّتَهُ على عَبْدَيْهِ وَرَسُوْلَيْهِ: موسى وهارونَ ابنَيْ عِمرانَ، بالنبوةِ والرسالةِ، والدعوةِ إلى الله تعالى، وَنَجَاتَهُمَا وقومَهُما مِن عدوِّهما فرعونَ، ونصرَهُما عليه، حتى أغرقَهُ الله وهمْ ينظرونَ، وإنزالَ اللهِ عليهِما الكتابَ المستبين: وهو التوراةُ التي فيها الأحكامُ والمواعظُ وتفصيلُ كلِّ شيءٍ، وأنَّ اللهَ هداهُما الصراطَ المستقيمَ، بأنْ شرعَ لهُمَا دِينًا ذا أحكامٍ وشرائعَ مستقيمةٍ مُوصِلَةٍ إلى اللهِ، ومَنَّ عليهِما بسلوكِهِ.
{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الآخِرِينَ سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ} أي: أبقى عليهِما ثناءً حسناً، وتحيةً في الآخِرين، ومِنْ بابِ أولى وأحرى في الأولينَ {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}
قال الله تعالى: {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ}
– الشيخ : إلى هنا.
– طالب: أحسن الله إليك {وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ} السينُ والتاءِ في وصفِ الكتابِ ماذا تعني؟
– الشيخ : يقولون: أن زيادةَ الحروفِ في الكلمةِ تدلُّ على زيادة المعنى، "مُسْتَبِينَ": كأنَّها أَدَلُّ على المقصودِ مِن "مُبِين".