الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الزمر/(1) من قوله تعالى {تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم} الآية 1 إلى قوله تعالى {خلق السماوات والأرض} الآية 5
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(1) من قوله تعالى {تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم} الآية 1 إلى قوله تعالى {خلق السماوات والأرض} الآية 5

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الزُّمَر

الدَّرس: الأوَّل

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ مِنَ الشيطانِ الرجيمِ، بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ:

تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ الله الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ الله مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لله الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى الله زُلْفَى إِنَّ الله يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ الله لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ * لَوْ أَرَادَ الله أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ الله الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ [الزمر:1-5]

– الشيخ : إلى هنا. سبحان الله!

بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، هذهِ السورةُ -سورةُ الزُّمَرِ-؛ لأنَّ فيها ذِكْرُ الزُّمَرِ، {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا} [الزمر:71] {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا} [الزمر:73] فسُمِّيَتْ بهذه اللفظة "سورةُ الزُّمَرِ"، والزُّمْرةُ: الجماعة، والزُّمَرُ: الجماعاتٌ.

فافتُتِحَت هذه السورةُ بالخَبرِ عَن تنزيلِ القرآنِ {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ الله} {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ} الكتابُ هو القرآن، هو الكتابُ، وهو القرآنُ، وهو الفُرقانُ.

{تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ} {مِنَ اللهِ}، نزولُهُ من اللهِ، وابتداءُ نزولِهِ مِن اللهِ؛ لأنَّه كلامُه، لأنَّه كلامُ الله، فابْتدأَ نزولُهُ منه {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ الله}

{الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} فهذانِ الاسمانِ يُذكرَانِ كثيرًا في فواتحِ السُّوَرِ، مثل هذه السورةِ، وسورةِ المؤمِنِ، وسُورٍ أخرى، وسورةِ الجاثيةِ {تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ الله الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الجاثية:2]، وهو الذي له العِزَّةُ -سبحانه وتعالى- والقوةُ والغَلَبَةُ، وهو الحكيمُ الذي لا مُعَقِّبَ لحكمِهِ، ولَه الحِكْمةُ البالغةُ في شَرْعِهِ وقَدَرِهِ، لا إله إلا الله.

ثمَّ قالَ تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} يُذَكِّرُ اللهُ عبدَهُ ورسولَهُ بهذه النعمةِ: إنزالُ القرآنِ عليهِ {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ} لأنَّهُ مُتَضَمِّنٌ للحَقِّ في أخبارِهِ وفي أحكامِهِ صِدْقًا وعَدْلًا، فأخبارُهُ كلُّها حَقٌّ وصِدْقٌ، وأحكامُهُ كلُّها عَدْلٌ وحِكمةٌ.

{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ} اعْبُدِ اللهَ {مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} اعْبُدِ اللهَ {مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ}، يعني: مخلِصًا لَه العبادةَ والطاعةَ؛ لأنه الإِلهُ الحَقُّ المستحقُّ للعبادةِ {فَاعْبُدِ الله مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ}

{أَلَا لله الدِّينُ الْخَالِصُ} هو الـمُسْتَحِقُّ للعبادةِ الخالصةِ التي لا يَشْرَكَهُ فيها أحدٌ {أَلَا لله الدِّينُ الْخَالِصُ} الخالي عَن الشِّركِ كلِّهِ، الشِّركِ كلِّهِ قليلِهِ وكثيرِهِ صغيرِهِ وكبيرِهِ، وهو دينُ الإسلامِ، الدينُ الخالِصُ هو دينُ الإسلامِ، دينُ الإسلامِ الذي يقومُ على الاستسلامِ، الاستسلامِ للهِ في العبادةِ والطاعةِ التامةِ {أَلَا لله الدِّينُ الْخَالِصُ} {فَاعْبُدِ الله مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لله الدِّينُ الْخَالِصُ}

{وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا} الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دونِ اللهِ شُرَكَاءَ يَتَوَلَّونَهُم ويُؤَلِهُونَهُم ويَعبدونَهُم يقولونَ: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى} يقولون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا} على وجهِ الوساطةِ {لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ} فاتَّخَذُّوا هذه المعبوداتِ وجعلُوها وسائطَ بينَهُم وبينَ اللهِ في العبادةِ.

واللهُ تعالى يجبُ التوجُّهَ إليهِ بالعبادةِ، يجبُ التوجُّهُ بالعبادةِ إليهِ دونَ مَنْ سِوَاهُ، ولا يُتَخَذُ مِنْ دونِهِ مَعْبُودًا يكونُ وَاسطةً ووسيلةً، الرُّسُلُ هُم الواسطةُ في تبليغِ الدِّينِ، في تبليغِ الشَّرعِ {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى الله زُلْفَى} فَيَتَقَرَّبُونَ إليهِم ويَعْبُدُونَهُم؛ لِيُقَرِّبُوهُم.

{إِنَّ الله يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} إِنَّ الله يَحْكُمُ بينَ العِبادِ، بينَ أوليائِهِ وأعدائِهِ، بينَ الرُّسُلِ وأُمَمِهِم، بينَ الأُمَمِ المختلفةِ، {اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الحج:17] فَيَتَبَيَّنُ الـمُحِقُّ مِن الـمُبْطِلِ في ذلكَ اليوم.

{إِنَّ الله لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} فالكِذبُ والكُفرُ سببٌ للحرمانِ مِن الهدايةِ، إِنَّ الله لَا يَهْدِي الكاذبَ الكَفَّار محرومٌ مِن الهدايةِ {إِنَّ الله لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}

{لَوْ أَرَادَ الله أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} اللهُ تعالى لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، ويمتنعُ أنْ يكونَ لَه ولدٌ، يعني بطريقِ الوِلادةِ -تعالى اللهُ- {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص:3] وأُمَمُ الكُفْرِ والإلحادِ نسبُوا إليهِ الولدَ:

فالمشركون قالوا: الملائكةُ بناتُ اللهِ {أَلَا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الصافات:151-152] والنَّصارى قالوا: المسيح، واليهودُ قالوا: {عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة:30]

فأكذبَ اللهُ الجميعَ، {سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء:171]، {سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ}.

يقول تعالى: {لَوْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ} يعني: لَوْ أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لكانَ على وجهِ الاصطفاءِ، لا يكونُ بطريقِ أو على وجهِ الولادةِ، فهو تعالى الأحدُ الصمدُ الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ.

{لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ الله الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} {سُبْحَانَهُ} هذه تَنْزِيهٌ، تَنْزِيْهَاً له تعالى عَمَّا يظنُّهُ الكافرونَ ويزعمُهُ الكاذبون.

{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ} بمشيئتِهِ وقدرتِهِ ولِحْكمةٍ بالغةٍ.

{يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ} يتعاقبانِ فيَخْلُفُ كلٌّ منهما الآخرَ {وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ} [يس:37] {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} [الأعراف:54] {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل:2،1] {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ} {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ}

{وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} {سَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ} آيتانِ من آياتِ اللهِ دائبانِ {وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} {وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} [إبراهيم:33]

{كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} هذا الليلُ والنهار، والشمسُ والقمرُ يجريانِ دائمًا وأبدًا إلى الأجلِ الـمٌقدَّرِ لأمرِ هذه الحياة وهذه الدنيا، {كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ}

 

(تفسيرُ السعدي)

– القارئ : أحسنَ الله إليك، بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين. قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السَّعديّ -رحمه الله تعالى-: تفسيرُ سورةُ الزُّمَرِ، وهِيَ مكيَّةٌ.

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: قالَ اللهُ تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ الله الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} الآياتُ.

يُخبِرُ تعالى عَنْ عظمَةِ القرآنِ، وجلالَةِ مَنْ تَكلَّمَ بِهِ ونَزَلَ منهُ، وأنَّهُ نَزَلَ مِن اللهِ العزيزِ الحكيمِ، أيْ: الذي وصفُهُ الألوهيةُ للخَلقِ؛ وذلكَ لعظمتِهِ وكمالِهِ والعِزَّةِ التي قهرَ بها كلَّ مخلوقٍ، وذلَّ لَهُ كلُّ شيءٍ، والحكمةُ في خلقِهِ وأمرِهِ.

فالقرآنُ نازلٌ ممَّنْ هذا وصفُهُ والكلامُ وَصْفٌ للمُتكلِّمِ، والوصْفُ يتبعُ الموصوفَ، فكمَا أنَّ اللهَ تعالى الكاملُ مِن كلِّ وجهٍ، الذي لا مثيلَ لَهُ، فكذلكَ كلامُهُ كاملٌ مِنْ كلِّ وجهٍ

– الشيخ : فكمَا أنَّه أفضلُ مِن كلِّ شيءٍ، وأشرفُ مِن كلِّ شيءٍ، ففضلُ كلامِهِ على سائرِ الكلامِ كفضلِ اللهِ على خلقِهِ.

 

– القارئ : فكذلكَ كلامُهُ كاملٌ مِنْ كلِّ وجهٍ لا مثيلَ لَهُ، فهذا وحدَهُ كَافٍ في وَصفِ القرآنِ، دالٍّ على مرتبتِهِ.

ولكنَّهُ -مع هذا- زادَ بياناً لكمالِهِ بمنْ نَزَلَ عليهِ، وهو محمدٌ صلى الله عليه وسلم، الذي هو أشرفُ الخَلْقِ، فعُلِمَ أنَّه أشرفُ الكُتُبِ، وبما نزلَ بِه وهو الحقُّ، فنزلَ بالحقِّ الذي لا مِرْيَةَ فيه، لإخراجِ الخلقِ مِن الظلماتِ إلى النورِ، ونزلَ مشتملاً على الحقِّ في أخبارِهِ الصادقةِ، وأحكامِهِ العادلةِ، فكلُّ ما دلَّ عليهِ فهو أعظمُ أنواعِ الحَقِّ، مِن جميعِ المطالبِ العِلْميةِ، وما بعدَ الحقِّ إلا الضلالُ.

ولما كانَ نازلاً مِن الحقِّ، مشتملاً على الحقِّ؛ لهدايةِ الخلقِ، على أشرفِ الخلقِ، عَظُمَتْ فيهِ النعمةُ وجلَّتْ، ووجبَ القيامُ بشكرِهَا، وذلكَ بإخلاصِ الدينِ للهِ، فلهذا قالَ: {فَاعْبُدِ الله مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} أي: أخْلِصْ للهِ تعالى جميعَ دضينِكَ، مِن الشرائعِ الظاهرةِ والشرائعِ الباطنةِ: الإسلامُ والإيمانُ والإحسانُ، بأنْ تُفْرِدَ اللهَ وحدَهُ بها، وتقصدَ بِه وجهَهُ لا غيرَ ذلكَ مِن المقاصدِ.

{أَلا لله الدِّينُ الْخَالِصُ} هذا تقريرٌ للأمرِ بالإخلاصِ، وبيانٌ أنَّه تعالى كما أنَّه لَه الكمالُ كلُّهُ، ولَهُ التفضُّلُ على عبادِهِ مِنْ جميعِ الوجوهِ، فكذلكَ لَهُ الدِّينُ الخالصُ الصَّافي مِن جميعِ الشوائبِ، فهو الدِّينُ الذي ارتَضَاهُ لنفسِهِ، وارتضاهُ لِصَفوةِ خلقِهِ وأمرَهُمْ بِهِ؛ لأنَّهُ مُتضمِّنٌ للتألُّهِ للهِ

– الشيخ : ارتضاهُ لنفسِهِ {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران:19] واختارَهُ لعبادِهِ {وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة:3]

 

– القارئ : لأنَّهُ مُتضمِّنٌ للتَّألُّهِ للهِ في حُبِّهِ، وخَوفِهِ ورجائِهِ، والإنابةِ إليهِ في عبوديتِهِ، والإنابةِ إليهِ في تحصيلِ مطالبِ عبادِهِ.

وذلكَ الذي يُصلِحُ القلوبَ ويُزكِّيهَا ويُطهرُها، دونَ الشِّركِ بِه في شيءٍ مِن العبادةِ، فإنَّ اللهَ بريءٌ منْهُ، وليسَ للهِ فيهِ شيءٌ، فهو أغنى الشُّركاءِ عَن الشِّركِ، وهو مُفْسِدٌ للقلوبِ والأرواحِ، والدنيا والآخرةِ، مُشْقٍ للنفوسِ غايةَ الشَّقاءِ

– الشيخ : أعوذ بالله

– القارئ : فلذلكَ لَمَّا أمرَ بالتوحيدِ والإخلاصِ، نَهَى عَنِ الشِّركِ بِه، وأخبرَ بِذَمِّ مَنْ أشركَ بِهِ فقالَ: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} أيْ: يَتَوَلَّونَهُم بعبادتِهِم ودعائِهِم، مُعْتَذِرينَ عَنْ أنفسِهِم وقائلينَ: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى الله زُلْفَى} أيْ: لِتُرْفَعَ حَوائِجُنَا للهِ وتَشفَعَ لنَا عندَهُ، وإلَّا فنحنُ نعلمُ أنَّها لا تخلقُ ولا ترزقُ ولا تملكُ مِن الأمرِ شيئاً.

أيْ: فهؤلاءِ قدْ تركُوا ما أمرَ اللهُ بِهِ مِن الإخلاصِ، وتجرَّأُوا على أعظمِ المحرماتِ، وهو الشِّركُ، وقاسوا الذي ليسَ كمثلِهِ شيءٌ الـمَلِكُ العظيمُ، بالملوكِ، وزعمُوا بعقولِهم الفاسدةِ ورأيهِم السقيمِ أنَّ الملوكَ كما أنَّه لا يُوصَلُ إليهِم إلا بوُجَهاءَ وشفعاءَ ووزراءَ يَرفعونَ إليهِمْ حوائجَ رَعَاياهُم، ويَسْتَعطفونَهم عليهِم، ويُمَهِّدُونَ لهمُ الأمرَ في ذلكَ، أنَّ الله تعالى كذلكَ.

وهذا القياسُ مِن أفسدِ الأقيسةِ، وهو يتضمَّنُ التسويةَ بينَ الخالقِ والمخلوقِ، معَ ثبوتِ الفرقِ العظيمِ، عقلاً ونقلاً وفطرةً، فإنَّ الملوكَ، إنَّما احتاجُوا للوَسَاطةِ بينَهم وبينَ رعاياهُم؛ لأنَّهم لا يعلمونَ أحوالَهم، فيحتاجُ مَنْ يُعْلِمُهُم بأحوالِهمْ، وربَّما لا يكونُ في قلوبِهم رحمةٌ لصاحبِ الحاجةِ، فيحتاجُ مَنْ يُعطفُهم عليهِ ويسترحمُهم لَه، ويحتاجونَ إلى الشُّفعاءِ والوزراءِ، ويخافونَ منْهم، فيقضونَ حوائجَ مَن توسَّطُوا لهم؛ مراعاةً ومداراةً لخواطرِهم، وهمْ أيضاً فقراءُ، قدْ يَمنعونَ لِمَا يخشونَ مِن الفقرِ.

وأمَّا الربُّ تعالى، فهو الذي أحاطَ عِلمُهُ بظواهرِ الأمورِ وببواطنِها، الذي لا يحتاجُ مَنْ يخبرُهُ بأحوالِ رعيتِهِ وعبادِهِ، وهو تعالى أرحمُ الراحمينَ، وأجودُ الأجودينَ

– الشيخ : لا إله إلا الله، آمنتُ باللهِ ورُسُلِه.

– القارئ : لا يحتاجُ إلى أحدٍ مِنْ خلقِهِ يجعلُهُ راحماً لعبادِهِ، بلْ هو أرحمُ بهمْ مِن أنفسِهم ووالديهِم، وهو الذي يَحُثُّهُم ويَدعوهُم إلى الأسبابِ التي يَنالونَ بها رحمتَهُ، وهو يُريدُ مِن مصالِحهِم ما لا يريدونَهُ لأنفسِهم، وهو الغنيُّ الذي لَهُ الغِنَى التامُّ الـمُطلقُ، الذي لو اجتمعَ الخلقُ مِن أولِهم وآخرِهِم في صعيدٍ واحدٍ فسألوهُ، فأعطَى كُلاً منهمْ ما سألَ وتمنَّى، لمْ يُنْقِصُوا مِنْ غِنَاهُ شيئاً، ولم يُنْقِصُوا ممَّا عندَه إلَّا كما يَنقصُ البحرُ إذا غُمِسَ فيه الـمِخْيَطِ.

وجميعُ الشفعاءِ يخافونَهُ، فلا يشفعُ منهُم أحدٌ إلا بإذنِهِ، ولَهُ الشفاعةُ كلُّها.

فبهذهِ الفروقِ يُعلمُ جهلُ المشركينَ بِه، وسَفَهُهُم العظيمُ، وشدةُ جَرَاءتِهمْ عليهِ.

ويُعلَمُ أيضاً الحكمةُ في كونِ الشِّركِ لا يغفرُهُ اللهُ تعالى؛ لأنَّهُ يتضمَّنُ القَدْحَ في اللهِ تعالى، ولهذا قالَ حاكماً بينَ الفريقينِ: المخلصينَ والمشركينَ، وفي ضمنِهِ التهديدُ للمشركينَ: {إِنَّ الله يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}

وَقَدْ عُلِمَ أنَّ حكمَهُ أنَّ المؤمنينَ المُخلَصين في جناتِ النعيمِ، و {مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} [المائدة:72]

{إِنَّ الله لا يَهْدِي} أي: لا يُوَفَّقُ للهدايةِ إلى الصراطِ المستقيمِ {مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} أيْ: وَصفُهُ الكذبُ أو الكفرُ، بحيثُ تأتيهِ المواعظُ والآياتُ

– الشيخ : أو الكفر؟!

– القارئ : نعم

– الشيخ : والكفر، والكفر

– القارئ : بدون أو؟

– الشيخ : والكفر

– القارئ : عندي: "أو"

الشيخ : أو؟

– طالب: إي نعم، زي [مثل] ما قال محمد.

– الشيخ : {إِنَّ الله لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}

– القارئ : أي: وصفُهُ الكذبُ أو الكفرُ، بحيثُ تأتيهِ المواعظُ والآياتُ ولا يَزُولُ عنْهُ ما اتصفَ بِهِ، ويُريهِ اللهُ الآياتِ فيجحدُهَا ويكفرُ بها ويُكذِّبُ، فهذا أنَّى لَهُ الهُدى وقدْ سَدَّ على نفسِهِ البابَ؟ وعُوقِبَ بأنْ طبعَ اللهُ على قلبِهِ فهو لا يُؤمِنُ.

انتهى. {لَوْ أَرَادَ الله أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا}

– الشيخ : لا إله إلا الله، طيّب خلّك عندَ الآية ذي، نعم يا عبد الرزاق.