الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الزمر/(4) من قوله تعالى {قل إني أمرت أن أعبد الله} الآية 11 إلى قوله تعالى {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه} الآية 18

(4) من قوله تعالى {قل إني أمرت أن أعبد الله} الآية 11 إلى قوله تعالى {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه} الآية 18

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الزُّمَر

الدَّرس: الرَّابع

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي * فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ * وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ [الزمر:11-18]

– الشيخ : إلى هنا بس، لا إله إلا الله.

الحمدُ لله، يأمرُ اللهُ نبيَهُ أنْ يقولَ: {إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ}، {قل إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ}، هذا أمرٌ مِن اللهِ لنبيهِ بعبادتِهِ، والإخلاصِ لَه في عبادتِهِ.

{وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ}، نعم، وهو أولُ المسلمينَ مِن هذهِ الأُمَّة، هو أولُ المسلمين مِن هذه الأُمَّة {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:162-163] {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ}.

{قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}، أَخْوَفُ الناسِ للهِ، أَخْوَفُ الناسِ لربِّهم الأنبياءُ، {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} [الأنبياء:90]، {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ … وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [الإسراء:57]، {إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}.

{قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ} أيْ: لا أعبدُ إلا اللهَ، لأنَّ أهلَ البلاغةِ يقولون: تقديمُ المفعولِ يدلُّ على الحصرِ، مثل: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة:5] أي لا نعبدُ غيرَكَ، {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} أي: لا نعبدُ إلا أنتَ.

{قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي * فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ}، أنا لا أعبدُ إلا الله، وأنتمْ اعبدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ، وهذا ليسَ إذناً لهمْ بالشِّركِ، بلْ هذا تهديدٌ، مثل: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت:40]، {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:29]، {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ}، وهنا يقول: {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ}. {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}، الخاسرونَ، الخاسرونَ الخُسرانَ العظيمَ المبينَ همُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، خَسِرُوا أنفسَهُم، كلُّ مَن استحقَّ دخولَ النارِ والخلودَ فيها فهو خاسرٌ، فقد خَسِرَ نفسَه وخَسِرَ أهلَهُ، هؤلاء همُ الخاسرونَ، {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}

{أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} هذا هو الْخُسْرَانُ البَيِّنُ.

{لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ}، يعني: النارُ تَغْشَاهُم مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ، {يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [العنكبوت:55] {لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [الأعراف:41]، لا إله إلا الله، فالنارُ محيطةٌ بهِمْ، {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ}

{ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ}، اللهُ يَذكرُ ما يَذكرُ مِن وعيدِه للكافرين؛ تحذيراً للعِبادِ مِن الوقوعِ في أسبابِ هذا العذابِ، تحذيراً للعبادِ مِن الوقوعِ في أسبابِ هذا العذابِ وهذا الخُسرانِ، {يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} دعوةٌ مِن اللهِ لِعبادِهِ {يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ}، أيش بعدَها؟

– القارئ : وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا

– الشيخ : {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا} اجْتَنَبُوهَا {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ}، رجَعُوا إليهِ وانقادُوا لأمرِهِ واستقامُوا على طاعتِهِ، {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ} اجْتَنَبُوا الشِّرْكَ؛ لأنَّ كلَّ مَنْ أشركَ فقدْ عَبَدَ الطاغوتَ، {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36]، {اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}، والطَّاغوتُ الـمُطْلَقُ هو: الشَّيطانُ، كلُّ مَنْ عَبَدَ غيرَ اللهِ فهو عَابِدٌ للشيطانِ، {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يس:60]، {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى}، نعم؟

– القارئ : فَبَشِّرْ عِبَادِ

– الشيخ : {فَبَشِّرْ عِبَادِ}، {لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ}، بَشِّرْ أيُّها النَّبي بَشِّرْ عبادِي، {لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ}، الذي هو القرآنُ، {يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ} وهو القرآنُ، {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} [المؤمنون:68] يعني: القرآن، {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ}.

 

(تفسير السعدي)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين، قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السَّعديّ رحمَه اللهُ تعالى في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} الآيات:

أيْ: {قُلْ} يا أيُّها الرسولُ للنَّاسِ: {إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} في قولِهِ في أولِ السورةِ: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} [الزمر:2]

{وَأُمِرْتُ لأنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} لأنَّي الدَّاعِي الهادِي للخَلقِ إلى ربِّهم، فيقتضي أنَّي أولُ مَنْ أَئْتمرُ بِما أمرَ به، وأولُ مَن أسلمَ، وهذا الأمرُ لا بُدَّ مِن إيقاعِهِ مِنْ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم

– الشيخ : نعم، يعني: مِن فعلِهِ، لابُدَّ مِن فعلِهِ، لابُدَّ مَنْ أنْ يفعلَ النبي ما أُمِرَ بِهِ.

 

– القارئ : ومـِمَّنْ زعمَ أنَّهُ مِن أتباعِهِ، فلا بُدَّ مِن الإسلامِ في الأعمالِ الظاهرةِ، والإخلاصِ للهِ في الأعمالِ الظاهرةِ والباطنةِ.

{قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي} في مَا أمَرَني بِهِ مِن الإخلاصِ والإسلامِ {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} يُخلَّدُ فيهِ مَنْ أشركَ، ويُعاقَبُ فيهِ مَنْ عَصَى.

{قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} كمَا قالَ تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:1-6]

{قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ} حقيقةً هم {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} حيثُ حَرَمُوهَا الثوابَ، واستحقَتْ بسببِهم وخَيَّمَ العقابُ {وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أيْ: فُرِّقَ بينَهم وبينَهم واشتدَّ عليهِم الحزنُ وعَظُمَ الخُسْرانَ

– الشيخ : نسألُ الله العافية، نعوذُ باللهِ مِن الشِقْوةِ، أعوذُ بالله مِن الشِقْوة، أيُّ خُسْران! لا إله إلا الله، فاتَهُم كلَّ محبوبٍ، وحَلَّ بهم كلَّ مكروهٍ، إنَّهُ الخُسران المبين، إنَّه الخُسران المبين، الخُسران البَيِّن، ما بعدَهُ ولا فوقَهُ خُسران.

 

– القارئ : {أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} الذي ليسَ مثلَهُ خُسْرَانٌ وهو خسرانٌ مستمرٌّ لا ربحَ فيهِ بلْ ولا سلامةَ.

ثمَّ ذكرَ شِدَّةَ ما يحصلُ لهمْ مِنَ الشَّقَاءِ فقالَ: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ} أي: قِطَعُ عذابٍ كالسحابِ العظيمِ {وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ}

{ذَلِكَ} الوصفُ الذي وصفْنَا بِهِ عذابَ أهلِ النارِ سَوْطٌ يَسوقُ اللهُ به عبادَهُ إلى رحمتِهِ {يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} أيْ: جعلَ ما أعدَّهُ لأهلِ الشَّقَاءِ مِن العذابِ داعٍ يدعو عبادَهُ إلى التقوى، وزاجراً عمَّا يُوجِبُ العذابَ، فسبحانَ مَن رَحِم عبادَهُ في كلِّ شيءٍ! وسَهَّلَ لهمُ الطُرُقَ الـمُوصلةَ إليهِ، وحَثَّهُم على سُلوكِهَا، ورَغَّبَهُم بكلِّ مُرَغَّبٍ تشتاقُ لَهُ النفوسُ، وتطمئنُّ لَهُ القلوبُ، وحذَّرَهُم مِنَ العملِ لغيرِ ذلكَ غايةَ التحذيرِ، وذَكَرَ لهمُ الأسبابَ الزاجرةَ عَنْ تركِهِ.

قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا} الآيات:

لَمَّا ذكرَ حالَ المجرمين ذكرَ حالَ الـمُنيبينَ وثوابَهم، فقالَ: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا} والمرادُ بالطَّاغوتِ في هذا الموضعِ: عبادةُ غيرِ اللهِ، فاجْتَنِبُوهَا في عبادتِها، وهذا مِن أحسنِ الاحترازِ منِ الحكيمِ العليمِ؛ لأنَّ الـمدحَ إنَّما يتناولُ الـمُجْتَنِبَ لها في عبادتِها.

{وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ} بعبادتِهِ وإخلاصِ الدينِ لَهُ، فانصرفَتْ دواعيهِم مِن عبادةِ الأصنامِ إلى عبادةِ الملِكِ العلَّامِ، ومِن الشِّركِ والمعاصِي إلى التوحيدِ والطاعاتِ، {لَهُمُ الْبُشْرَى} التي لا يُقادرُ قدْرَها ولا يعلمُ وصفَها إلا مَنْ أكرمَهُم بها، وهذا شاملٌ للبُشرى في الحياةِ الدنيا بالثناءِ الحَسَنِ، والرؤيا الصالحةِ، والعنايةِ الربانيةِ مِن اللهِ التي يرونَ في خلالِها أنَّهُ مُريدٌ لإكرامِهم في الدنيا والآخرة، ولهمُ البُشرى في الآخرةِ عندَ الموتِ، وفي القبرِ، وفي القيامةِ

– الشيخ : لا إله إلا الله، نسألُ اللهَ من فضلِه، لا إله إلا الله، نعم قلْ: لهمُ البُشرى، مِن أولِ.

 

– القارئ : ولهمُ البُشرى في الآخرةِ عندَ الموتِ، وفي القبرِ، وفي القيامةِ، وخاتمةُ البُشرى ما يُبَشِّرُهُم بِهِ الربُّ الكريمِ، مِن دوامِ رضوانِهِ وبِرِّهِ وإحسانِهِ وحلولِ أمانِهِ في الجَنَّةِ.

ولَمَّا أخبرَ أنَّ لهمُ البُشرى أمرَهُ اللهُ ببشارتِهم، وذكرَ الوصفَ الذي استحقُّوا بِهِ البِشَارةَ فقالَ: {فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ}.

وهذا جنسٌ يشملُ كلَّ قولٍ، فهم يستمعونَ جنسَ القولِ؛ لِيُمَيِّزُوا بينَ ما ينبغِي إيثارُهُ، مما ينبغِي اجتنابُهُ، فلهذا كانَ مِن حَزْمِهم وعقلِهم أنَّهم يتبعونَ أحسنَهُ، وأحسنُهُ على الإطلاقِ كلامُ اللهِ وكلامُ رسولِهِ، كمَا قالَ في هذهِ السورةِ: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} الآية [الزمر:23]

وفي هذهِ الآيةِ نكتةٌ وهِيَ: أنَّه لَمَّا أخبرَ عَن هؤلاءِ الـمَمْدوحينَ أنَّهم يستمعونَ القولَ فيتبعونَ أحسنَهُ، كأنَّهُ قيلَ: هلْ مِن طريقٍ إلى معرفةِ أحسنِهِ حتى نتصِفَ بصفاتِ أولي الألبابِ، وحتَّى نعرفَ أنَّ مَن آثرَهُ عَلِمْنَا أنَّهُ مِن أولي الألبابِ؟

قيل: نعمْ، أحسنَهُ ما نَصَّ اللهُ عليهِ: {اللَّهُ نزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} الآية.

أولئكَ {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ} لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ {وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألْبَابِ} أيْ: العقولُ الزاكيةُ.

ومِنْ لُبِّهِمْ وحزمِهِم أنَّهم عَرَفُوا الحَسَنَ وغيرَهُ، وآثرُوا ما يَنبغِي إيثارُه على ما سِواهُ، وهذا علامةُ العقلِ، بلْ لا علامةَ للعقلِ سَوَى ذلكَ، فإنَّ الذي لا يميِّزُ بينَ الأقوالِ حَسَنِهَا وقَبيحِهَا ليسَ مِن أهلِ العقولِ الصحيحةِ، أو الذي يُميِّزُ لكن غلبَتْ شهوتُهُ على عقلِهِ، فَبَقِي عقلُهُ تابعَاً لشهوتِهِ فلمْ يُؤْثِرِ الأحسنَ، كانَ ناقصَ العقلِ.

– الشيخ : الله المستعان، انتهى؟

– القارئ : نعم، {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ}

– الشيخ : حسبُكْ.