الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الزمر/(7) من قوله تعالى {فمن أظلم ممن كذب على الله} الآية 32 إلى قوله تعالى {ومن يهد الله فما له من مضل} الآية 37

(7) من قوله تعالى {فمن أظلم ممن كذب على الله} الآية 32 إلى قوله تعالى {ومن يهد الله فما له من مضل} الآية 37

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الزُّمَر

الدَّرس: السَّابع

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ * وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ * لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ * أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ [الزمر:32-37]

– الشيخ : إلى هنا. سبحان الله العظيم، لا إله إلا الله، الحمدُ لله، لـمَّا ذكرَ اللهُ القرآنَ الذي جاءَ به الرسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أصدقُ الناسِ، وما تضمَّنَهُ القرآنُ من ضربِ الأمثالِ: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ  لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الزمر:27-28] {لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} وهذا مَثَلٌ مِن جملة الأمثال القرآنيةِ: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلًا فِيهِ شُرَكَاء مُتَشَاكِسُونَ} [الزمر: 29] هذا مثل المشرك {وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ} -كما تقدَّمَ- مثل المُوحد، {وَرَجُلًا سَلَمًا لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا}؟ [الزمر: 29] هذا بَدَهِيٌّ في الفِطَرِ والعقولِ أنهما لا يستويانِ، والـمُوحِّدُ والـمـُشرِكُ ضِدَّان ونقيضانِ وخصمانِ، وسيموتُ الجميعُ ثمَّ يَبْعَثُهمُ الله فيجمعُهم ويُبيِّنُ حقائقَ الأمورِ ويُبيِّنُ الـمُحقَّ من الـمُبطل {لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ} [النحل:39]

{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [الزمر: 31،30] ولما ذكرَ شأنَ الصادقِ محمد صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وما جاءِ به مِن الحقِ من هذا القرآنِ ذكرَ نقيضَه وضِدَّهُ: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ} هذا يشملُ الـمُفترين كلَّهم، ومنهم مَن يدَّعِي النبوةَ كاذباً، ومنهمْ مَن يقولُ على الله ما لا يعلمُ، كلُّهم كاذبون على الله، {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ} يعني: لا أحدَ أظلمَ منه، مِن الكاذبين، لا أحدَ أظلمَ منهم مِن الكاذبين، فأكذبُ الكاذبين مَنْ كذبَ على الله، أكذبُ الكاذبين مَنْ كذبَ على الله، وافترى على اللهِ الكَذِبَ.

{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ} {كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِـــ…} افترى الكذب على الله وكذَّبَ الصادقين، فجاءَ بالكَذِبِ وكذَّبَ، فجمعَ بينَ الكذبِ والتكذيبِ.

ثمَّ قال تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} على خلافِهِ، جاءَ بالحقِّ، جاء بالصِّدْقِ، جاءَ بالخبرِ الصادقِ، وصدَّقَ بِهِ {أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} فهذا شأنُ أولياءِ الله وأنبياءِ الله، أولياءُ اللهِ وأنبياءُ اللهِ همْ صادِقونَ، ومُصَدِّقون، بالصِّدقِ ومَصْدُوقُونَ، فهم صادقونَ، مُصدَّقًون، ومَصْدُوقُونَ.

{وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} في دارِ النعيمِ، في دارِ النعيمِ {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:35] كما أخبرَ سبحانه، {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ}

{ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ * لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} يجزيهِم بأحسنِ أعمالِهم، ويُكفِّرُ عنهم سيئاتِهِم، {لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا} فإذا كان يُكفِّرُ عنهم أسوأَ الذي عملوهُ، فكيف بما دونَ ذلكَ مِن صغائرِ الذنوبِ؟ وهذا يتضمَّنُ أنَّ اللهَ يُكفِّرُ عنهم جميعَ سيئاتِهِم {لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ}

ثم قال تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} فاللهُ كافٍ عبادَهُ الصادقين الـمُصدِّقين الهادينَ الـمُهتدين، اللهُ يَكْفِيهِم وينصرُهُم على أعدائِهم ويؤيدُهم؛ لأنَّهم مؤمنونَ صادقونَ مُتوكِّلون عليهِ، {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:3]

{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} الـمُشركون يُخوِّفُونَ الموحدين مِن آلهتِهم {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ} [آل عمران:175] يعني: يُخَوِّفُكُم أيُّها المؤمنون، يُخَوِّفُكُم أَوْلِيَاءهُ.

بينما يجري على ألسنةِ الجاهلينَ هُؤلاء الكفارِ عندهم كذا، وعندهم كذا، وعندهم كذا مِن القوة، فلو توكَّلَ المؤمنون على ربِّهم ووثقُوا به وصَدقُوا الإيمانَ لمْ تقفْ في وجوهِهم هذه القُوى، لكن المسلمون إنما أُتُوا مِن جهةِ أنفسِهم، من تقصيرِهم فيما أوجبَ اللهُ عليهِم، وجهلهِم {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}

{وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ} فاللهُ هو الذي يُضِلُّ مَنْ يشاءُ، ويَهْدِي مَن يشاءُ، فمَنْ أضلَّه الله فلا هاديَ له، ومَنْ هداه الله فلا مُضِلَّ له، هذا معنى: مَن يهدِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هاديَ له،

هذا مِن جنسِ {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ} [فاطر:2] ومِن معنى: (لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لَمَا مَنَعْتَ)، فهو الذي يُعطي ويمنعُ، ويَهدِي ويُضِلُّ، ويُعِزُّ ويُذِلُّ، فبيدِه الـمُلْكُ، وبيدِهِ الخيرُ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ.

 

 (تفسيرُ السعدي)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين. قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السَّعديّ -رحمه الله تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} الآياتُ.

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ ضَرَبَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ جَمِيعِ الْأَمْثَالِ، أَمْثَالِ أَهْلِ الْخَيْرِ وَأَمْثَالِ أَهْلِ الشَّرِّ، وَأَمْثَالِ التَّوْحِيدِ وَالشِّرْكِ، وَكُلُّ مَثَلٍ يُقَرِّبُ حَقَائِقَ الْأَشْيَاءِ، وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} عِنْدَمَا نُوَضِّحُ لَهُمُ الْحَقَّ فَيَعْلَمُونَ وَيَعْمَلُونَ.

{قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} أَيْ: جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا، وَاضِحَ الْأَلْفَاظِ، سَهْلَ الْمَعَانِي، خُصُوصًا عَلَى الْعَرَبِ. {غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} أَيْ..

– الشيخ : العربُ هذا لسانُهم، ومِن حكمةِ اللهِ أن يُرسلَ كلَّ نبيٍّ بلسانِ قومِه، وبما أنَّ رسالةَ نبينا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عامٌّةٌ، فمَنْ سِوى العَربِ يجبُ على العَربِ أنْ يُبلِّغُوا دينَ الله ويُبلِّغُوا القرآن ويُترجمُوهُ باللغةِ التي يحصلُ بها البلاغُ، يحصلُ بها التبليغُ، الواجبُ على الرسولِ وأتباعِه أن يُبلِّغوا.

وهذا يُعلَمُ بِه أنَّ حجةَ اللهِ على العربِ أعظمُ، حُجَّتُهُ على العربِ أعظمُ مِن حجتِهِ وأقوى مِن حُجتِهِ على غيرِهم، كما أنَّ -مثلاً- حُجَّتَهُ تعالى على قريشٍ -الذين عرفُوا الرسولَ ونشأَ بينَهم عرفُوا حقيقتَهُ وصِدقَهُ وأمانتَهُ- حُجَّتُهُ عليهِم أعظم، وحينئذٍ يكون كفرُهم، كفرٌ مَنْ كَفَرَ منهم أغلظَ وأشدَّ، وكذلك عذابُهم، فإنَّ اللهَ حكيمٌ يضعُ الأشياءَ في مواضِعِها، وهو عادلٌ في حكمِه.

ولهذا نقولُ: أنَّ -مثلاً- نصارى العربِ همْ أكفرُ مِن نصارى غيرِهم -وهم كفارٌ كلُّهم، النصارى كلُّهم كفارٌ- لكن نصارى العربِ أكفرُ مِن نصارى غيرِهم، مِن جهةِ عَيْشِهِم بينَ المسلمين، ومعرفتِهِم لهذا الدينَ؛ لأنَّهُ بلسانِهم، وهمْ في أرضِه.

 

– القارئ : أَيْ: لَيْسَ فِيهِ خَلَلٌ وَلَا نَقْصٌ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، لَا فِي أَلْفَاظِهِ وَلَا فِي مَعَانِيهِ، وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ كَمَالَ اعْتِدَالِهِ وَاسْتِقَامَتِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا قَيِّمًا}

{لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} اللهَ تعالى..

– الشيخ : {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} الله، صِلْها.

– القارئ : نعم، {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}

– الشيخ : صِلْها

– القارئ : لا، هو حاط [واضع] أنَّ الله تعالى تفسيرية.

– الشيخ : اقرأها سوا

– القارئ : {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} اللَّهَ تَعَالَى، حَيْثُ سَهَّلْنَا عَلَيْهِمْ طُرُقَ التَّقْوَى الْعِلْمِيَّةَ وَالْعَمَلِيَّةَ، بِهَذَا الْقُرْآنِ الْعَرَبِيِّ الْمُسْتَقِيمِ، الَّذِي ضَرَبَ اللَّهُ فِيهِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ.

ثُمَّ ضَرَبَ مَثَلًا لِلشِّرْكِ وَالتَّوْحِيدِ فقال: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلا} أي: عَبْداً {فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ}

– الشيخ : يعني: مثلاً للمشرك والمُوحِّد، هذا مَثَلٌ -صياغة الكلام أنه- مَثَلٌ للمشرك والمُوحد

– القارئ : فَهُمْ كَثِيرُونَ وَلَيْسُوا مُتَّفِقِينَ عَلَى أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ وَحَالَةٍ مِنَ الْحَالَاتِ حَتَّى تُمْكِنَ رَاحَتَهُ، بَلْ هُمْ مُتَشَاكِسُونَ مُتَنَازِعُونَ فِيهِ، كُلٌّ لَهُ مَطْلَبٌ يُرِيدُ تَنْفِيذَهُ وَيُرِيدُ الْآخَرُ غَيْرَهُ، فَمَا تَظُنُّ حَالَ هَذَا الرَّجُلِ مَعَ هَؤُلَاءِ الشُّرَكَاءِ الْمُتَشَاكِسِينَ؟

{وَرَجُلا سَلَمًا لِرَجُلٍ} أَيْ: خَالِصًا لَهُ، قَدْ عَرَفَ مَقْصُودَ سَيِّدِهِ، وَحَصَلَتْ لَهُ الرَّاحَةُ التَّامَّةُ. {هَلْ يَسْتَوِيَانِ}؟ أَيْ: هَذَانَ الرَّجُلَانِ {مَثَلا}؟ لَا يَسْتَوِيَانِ.

كَذَلِكَ الْمُشْرِكُ، فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ، يَدْعُو هَذَا، ثُمَّ يَدْعُو هَذَا، فَتَرَاهُ لَا يَسْتَقِرُّ لَهُ قَرَارٌ، وَلَا يَطْمَئِنُّ قَلْبُهُ فِي مَوْضِعٍ، وَالْمُوَحِّدُ مُخْلِصٌ لِرَبِّهِ، قَدْ خَلَّصَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّرِكَةِ لِغَيْرِهِ، فَهُوَ فِي أَتَمِّ رَاحَةٍ وَأَكْمَلِ طُمَأْنِينَةٍ، فَـ {هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا الْحَمْدُ لِلَّهِ} عَلَى تَبْيِينِ الْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَإِرْشَادِ الْجُهَّالِ. {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ}

{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} أَيْ: كُلُّكُمْ لَا بُدَّ أَنْ يَمُوتَ {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [الأنبياء:34]

{ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} فِيمَا تَنَازَعْتُمْ فِيهِ، فَيَفْصِلُ بَيْنَكُمْ بِحُكْمِهِ الْعَادِلِ، وَيُجَازِي كُلًّا مَا عَمِلَهُ {أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} [المجادلة:6]

قال الله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ} الآيات.

يَقُولُ تَعَالَى مُحَذِّرًا وَمُخْبِرًا: أَنَّهُ لَا أَظْلَمَ وَأَشَدَّ ظُلْمًا مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ إِمَّا بِنِسْبَتِهِ إِلَى مَا لَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ، أَوْ بِادِّعَاءِ النُّبُوَّةِ، أَوِ الْإِخْبَارِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ كَذَا، أَوْ أَخْبَرَ بِكَذَا، أَوْ حَكَمَ بِكَذَا وَهُوَ كَاذِبٌ، فَهَذَا دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33] إِنْ كَانَ جَاهِلًا وَإِلَّا فَهُوَ أَشْنَعُ وَأَشْنَعُ.

{وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ} أَيْ: مَا أَظْلَمَ مِمَّنْ جَاءَهُ الْحَقُّ الْمُؤَيَّدُ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَذَّبَهُ، فَتَكْذِيبُهُ ظُلْمٌ عَظِيمٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ رَدَّ الْحَقَّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ لَهُ، فَإِنْ كَانَ جَامِعًا بَيْنَ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ وَالتَّكْذِيبِ بِالْحَقِّ، كَانَ ظُلْمًا عَلَى ظُلْمٍ.

{أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ} يَحْصُلُ بِهَا الِاشْتِفَاءُ مِنْهُمْ، وَأَخْذُ حَقِّ اللَّهِ مِنْ كُلِّ ظَالِمٍ وَكَافِرٍ. {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}

وَلَمَّا ذَكَرَ الْكَاذِبَ الْمُكَذِّبَ وَجِنَايَتَهُ وَعُقُوبَتَهُ، ذَكَرَ الصَّادِقَ الْمُصَدِّقَ وَثَوَابَهُ، فَقَالَ: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ} فِي قَوْلِهِ وَعَمَلِهِ، فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ وَمَنْ قَامَ مَقَامَهُمْ مِمَّنْ صَدَقَ فِيمَا قَالَهُ عَنْ خَبَرِ اللَّهِ وَأَحْكَامِهِ، وَفِيمَا فَعَلَهُ مِنْ خِصَالِ الصِّدْقِ.

{وَصَدَّقَ بِهِ} أَيْ: بِالصِّدْقِ لِأَنَّهُ قَدْ يَجِيءُ الْإِنْسَانُ بِالصِّدْقِ وَلَكِنْ قَدْ لَا يُصَدِّقُ بِهِ بِسَبَبِ اسْتِكْبَارِهِ أَوِ احْتِقَارِهِ لِمَنْ قَالَهُ وَأَتَى بِهِ، فَلَا بُدَّ فِي الْمَدْحِ مِنَ الصِّدْقِ وَالتَّصْدِيقِ،

– الشيخ : يظهرُ -والله أعلم- أنَّهما مُتَلَازِمَانِ، صفتانِ مُتَلَازِمَتَانِ: مَنْ جاءَ بالصِّدْقِ يعني: مِن النبيين والتابعين لهمْ، ومَنْ صدَّق بالحقِّ، فمَن جاءَ بالصِّدقِ لا بدَّ أنْ يُصدِّقَ، الأنبياءُ كلٌّ منهُم صادقٌ ومُصدِّقٌ لِمَن سِواهُ مِن الرسلِ والأنبياءِ، فنبينا -مثلاً- هو صادقٌ فيما أخبرَ بِه عَن رَبِّهِ، ومُصدِّقٌ لِمَنْ سَبَقَهُ مِن رسلِ الله، مُصدِّقٌ لهمْ.

 

– القارئ : فَصِدْقُهُ يَدُلُّ عَلَى عِلْمِهِ وَعَدْلِهِ، وَتَصْدِيقُهُ يَدُلُّ عَلَى تَوَاضُعِهِ وَعَدَمِ اسْتِكْبَارِهِ.

{أُولَئِكَ} أَيِ: الَّذِينَ وُفِّقُوا لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ {هُمُ الْمُتَّقُونَ} فَإِنَّ جَمِيعَ خِصَالِ التَّقْوَى تَرْجِعُ إِلَى الصِّدْقِ بِالْحَقِّ وَالتَّصْدِيقِ بِهِ.

{لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ} مِنَ الثَّوَابِ مِمَّا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. فَكُلُّ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ إِرَادَتُهُمْ وَمَشِيئَتُهُمْ مِنْ أَصْنَافِ اللَّذَّاتِ وَالْمُشْتَهِيَاتِ، فَإِنَّهُ حَاصِلٌ لَهُمْ، مُعَدٌّ مُهَيَّأٌ، {ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ} الَّذِينَ يَعْبُدُونَ اللَّهَ كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهُ فَإِنَّهُ يَرَاهُمُ، الْمُحْسِنِينَ إِلَى عِبَادِ اللَّهِ.

– الشيخ : الشيخ يُشيرُ يُنَبِّهُ إلى أنَّ الإحسانَ المذكور في القرآنِ نوعينِ: إحسانُ العبادةِ أو الإحسانُ في عبادةِ اللهِ سبحانه تعالى، والإحسانُ إلى عبادِ الله. الإحسانُ في عبادةِ الله، والإحسانُ إلى عبادِ الله، فهُمَا نوعان. فكلُّ ما وردَ مِن ذكرِ الثناءِ على الـمُحسنينَ فإنَّهُ يَشمَلُ المحسنينَ في هذا وهذا، وكذلكَ ما أمرَ اللهُ به مِن الإحسان يشملُ هذا وهذا.

 

– القارئ : {لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} عَمَلُ الْإِنْسَانِ لَهُ ثَلَاثُ حَالَاتٍ: إِمَّا أَسْوَأُ، أَوْ أَحْسَنُ، أَوْ لَا أَسْوَأَ، وَلَا أَحْسَنَ.

وَالْقِسْمُ الْأَخِيرُ قِسْمُ الْمُبَاحَاتِ وَمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ثَوَابٌ وَلَا عِقَابٌ، وَالْأَسْوَأُ الْمَعَاصِي كُلُّهَا، وَالْأَحْسَنُ الطَّاعَاتُ كُلُّهَا، فَبِهَذَا التَّفْصِيلِ يَتَبَيَّنُ مَعْنَى الْآيَةِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ: {لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا} أَيْ: ذُنُوبَهُمُ الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ، بِسَبَبِ إِحْسَانِهِمْ وَتَقْوَاهُمْ

– طالب: ذنوبَّهم الصغار

– الشيخ : أيش؟ ما أدري أيش يقول؟

– طالب: أقول: عندي مكتوب أي ذنوبَّهم الصغار، فقط؟

– الشيخ : لا، والكبار، قال في الأول أنه شامل، شامل لكل السيئات

– القارئ : {وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} أيْ: بحسناتِهِم كلِّها {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:40]

انتهى.