الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الزمر/(11) من قوله تعالى {فإذا مس الإنسان ضر دعانا} الآية 49 إلى قوله تعالى {أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء} الآية 52

(11) من قوله تعالى {فإذا مس الإنسان ضر دعانا} الآية 49 إلى قوله تعالى {أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء} الآية 52

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الزُّمَر

الدَّرس: الحادي عشر

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

فَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ * قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ * فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاء سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ * أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الزمر:49-52]

– الشيخ : إلى هنا، سبحان الله

يذكرُ سبحانه وتعالى في هذهِ الآياتِ حالَ الإنسانِ الجهولِ بربِّهِ وبنفسِهِ، كما ذكرَ هذا المعنى في أولِ السورةِ، {فَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ} مِن فقرٍ أو مرضٍ أو كَرْبٍ {فَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا} في هذهِ الحالِ يتوجَّهُ إلى اللهِ، يدعو الله، {دَعَانَا}.

{ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ} إذا اللهُ أسبغَ عليه النعمةَ مِن مالٍ أو حَظٍّ في هذه الحياة {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ} هذا إنَّما حصلَ لي بعلمِي وقُوَّتي {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ} أو على علمٍ مِن اللهِ بأنَّي له أهلٌ، أنا أهلٌ لهذا، {قال إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ} كمَا قال سَلَفُهُ قارونُ: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً} [القصص:78] {قال إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ}.

ثمَّ يَرُدُّ اللهُ هذا الظَّنَّ من هذا الجَهولِ، قال الله: {بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ} أيْ: ابتلاءٌ، لا الضَّرَاءُ ولا السَّرَاءُ كلُّها فتنةٌ، يُوضِّحُ هذا قوله تعالى: {فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ} [الفجر:15] هذا لِكَرَمِي على اللهِ، ولِفَضْلِي ومَنْزِلَتي، قالَ: {رَبِّي أَكْرَمَنِ} {فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ} [الفجر: 15-16] ضيَّقَ عليه رزقَهُ {فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا} [الفجر: 16-17] ليسَ الأمرُ كما يظنَّ هذا الإنسانُ، فليسَ الإكرامُ لفضلِ وكرامةِ لهذا الإنسانِ على الله، ولا تَضييقُهُ على هذا الرِّزقِ لهوانِهِ، بلْ ذلكَ ابتلاءٌ، هو ابتلاءٌ: السَّرَّاءُ والضَّرَّاءُ.

{بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ * قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} قالوا هذه المقالة مثلَ قارون كما..، {قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ * فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاء سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ * أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ} اللهُ سبحانه وتعالى يُدبِّرُ أمرَ العبادِ وأرزاقَهم، فيبسطُ الرزقَ لهذا، ويَقْدِرُهُ على هذا، وله -تعالى- في ذلك الحكمةُ البالغةُ، وفي ذلكَ آياتٌ لقومٍ يؤمنون.

فعلى الإنسانِ أنْ يتفكَّرَ فيما يَجري في هذهِ الحياةِ، وما يَجري عليهِ هو، ومَا يَجري على غيرِهِ مِن الأحوالِ، اللهُ حكيمٌ عليمٌ، هذا غنيٌّ وهذا فقيرٌ، وهذا محظوظٌ وهذا محرومٌ، وهذا وهذا، ومَرَدُّهُ: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا} [الزخرف:32] لا إله إلا الله، وأحوالُ الدنيا ليسَ مِعْيَارَاً على كرامةٍ ولا هَوَانٍ، وإنَّما الـمُعَوَّلُ على الإيمانِ والعملِ الصالحِ، فمَنْ هداهُ اللهُ للإيمانِ والعملِ الصالحِ فهو الكريمُ {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13]

 

تفسير السعدي:

– القارئ : أحسنَ الله إليك، بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السَّعديّ رحمَه اللهُ تعالى في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى:

{فَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا} الآيات.

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ حَالَةِ الْإِنْسَانِ وَطَبِيعَتِهِ، أَنَّهُ حِينَ يَمَسُّهُ ضُرٌّ مِنْ مَرَضٍ أَوْ شَدَّةٍ أَوْ كَرْبٍ. {دَعَانَا} مُلِحًّا فِي تَفْرِيجٍ مَا نَزَلَ بِهِ {ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا} فَكَشَفْنَا ضُرَّهُ وَأَزَلْنَا مَشَقَّتَهُ، عَادَ بِرَبِّهِ كَافِرًا،

– الشيخ : أعوذ بالله، لا إله إلا الله، {نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ} [الزمر:8] {نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ}.

 

– القارئ : وَلِمَعْرُوفِهِ مُنْكِرًا. و{قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ} أَيْ: عِلْمٌ مِنَ اللَّهِ أَنِّي لَهُ أَهُلُّ، وَأَنِّي مُسْتَحِقٌّ لَهُ؛ لِأَنِّي كَرِيمٌ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى عِلْمٍ مِنِّي بِطُرُقِ تَحْصِيلِهِ.

قَالَ تَعَالَى: {بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ} يَبْتَلِي اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ؛ لِيَنْظُرَ مَنْ يَشْكُرُهُ مِمَّنْ يَكْفُرُهُ. {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} فَلِذَلِكَ يَعُدُّونَ الْفِتْنَةَ مِنْحَةً، وَيَشْتَبِهُ عَلَيْهِمُ الْخَيْرُ الْمَحْضُ بِمَا قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِلْخَيْرِ أَوْ لِلشَّرِّ.

قَالَ تَعَالَى: {قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أَيْ: قَوْلُهُمْ: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ} فَمَا زَالَتْ مُتَوَارَثَةً عِنْدَ الْمُكَذِّبِينَ، لَا يُقِرُّونَ بِنِعْمَةِ رَبِّهِمْ وَلَا يَرَوْنَ لَهُ حَقًّا، فَلَمْ يَزَلْ دَأْبُهُمْ حَتَّى أُهْلِكُوا

– الشيخ : نسألُ اللهَ العافية، هذه حالُ مَن يُقِرُّ بالربِّ، مَن يُقرُّ للهِ بالربوبيةِ ويؤمنُ بوجودِهِ، نعوذُ بالله، فما حالُ الملحدينَ الجاحِدينَ، هؤلاء إنْ كانوا محظوظينَ وفي نِعَمٍ أشِرُوا وبَطِرُوا واستكبرُوا وظلمُوا هذه حالُهم، وإنْ أُصيبوا بما يكرهونَ مِن أنواعِ الضُّرِّ هانُوا وذَلُّوا وانكسُروا وجَزِعُوا وسَخِطُوا، هذا الإنسانُ الذي يُؤمِنُ بوجودِ اللهِ إذا مَسَّتْهُ ضراءُ يدعو يدعو، أمَّا هؤلاءِ الكفرةِ لا يدعونَ اللهَ، الملاحدةُ هؤلاء لا يدعونَ الله.

 

– القارئ : {فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} حِينَ جَاءَهُمُ الْعَذَابُ.

{فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا} وَالسَّيِّئَاتُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْعُقُوبَاتُ،

– الشيخ : السيئاتُ في القرآنِ نوعانِ: سيئاتُ الأعمالِ: وهي المعاصي، {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ… وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ} [الأنعام:160]، {وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ} [هود:78] و{عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ} [الأعراف:153] وسيئاتُ الجزاءِ: وهِي المصائبُ والعقوباتُ مثل: {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ} هذه النِّعَم {وَالسَّيِّئَاتِ} [الأعراف:178] المصائبُ.

فالشيخُ يُنَبِّهُ على أنَّ السيئاتِ في هذهِ الآيةِ أنَّ المرادَ به المصائبُ يعني: العقوباتُ، سيئاتُ الأعمالِ تجلبُ سيئاتِ الجزاءِ وهِي العقوباتُ، فالعقوباتُ ثمرةٌ، العقوباتُ هِي سيئاتُ الجزاءِ ثمرةٌ لسيئاتِ الأعمالِ.

 

– القارئ : {فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا} وَالسَّيِّئَاتُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الْعُقُوبَاتُ؛ لِأَنَّهَا تَسُوءُ الْإِنْسَانَ وَتُحْزِنُهُ.

{وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا} فَلَيْسُوا خَيْرًا مِنْ أُولَئِكَ، وَلَمْ يُكْتَبْ لَهُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ.

وَلَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُمُ اغْتَرُّوا بِالْمَالِ، وَزَعَمُوا -بِجَهْلِهِمْ- أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى حُسْنِ حَالِ صَاحِبِهِ، أَخْبَرَهُمْ تَعَالَى أَنَّ رِزْقَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّ اللهَ {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ}، سَوَاءً كَانَ صَالِحًا أَوْ طَالِحًا وَيَقْدِرُ الرِّزْقَ، أَيْ: يُضَيِّقُهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، صَالِحًا أَوْ طَالِحًا، فَرِزْقُهُ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ الْبَرِّيَّةِ، وَالْإِيمَانُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَخُصُّ بِهِ خَيْرَ الْبَرِيَّةِ.

{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أَيْ: بَسْطُ الرِّزْقِ وَقَبْضُهُ، لِعِلْمِهِمْ أَنَّ مَرْجِعَ ذَلِكَ، عَائِدٌ إِلَى الْحِكْمَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَأَنَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِ عَبِيدِهِ، فَقَدْ يُضَيِّقُ عَلَيْهِمُ الرِّزْقَ؛ لُطْفًا بِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَسَطَهُ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ، فَيَكُونُ تَعَالَى مُرَاعِيًا فِي ذَلِكَ صَلَاحَ دِينِهِمُ الَّذِي هُوَ مَادَّةُ سَعَادَتِهِمْ وَفَلَاحِهِمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

– الشيخ : إلى هنا.

القارئ : أحسنَ الله إليك.