الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة الزمر/(14) من قوله تعالى {ونفخ في الصور} الآية 68 إلى قوله تعالى {ووفيت كل نفس ما عملت} الآية 70
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(14) من قوله تعالى {ونفخ في الصور} الآية 68 إلى قوله تعالى {ووفيت كل نفس ما عملت} الآية 70

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة الزُّمَر

الدَّرس: الرَّابع عشر

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ:

وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ [الزمر:68-70]

– الشيخ : إلى هنا، سبحان الله العظيم، لا إله إلا الله.

{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} يقولُ العلماء: {نُفِخَ} خَبَرٌ عن المستقبلِ بصيغةِ الماضي {نُفِخَ}؛ لأنَّهُ أمرٌ مُحقَّقٌ، كالأمرِ الذي قد وقعَ، و"الصُّور" مخلوقٌ عظيمٌ يُسمَّى: "بالقَرْنِ" مُوكَّلٌ بِه مَلَكٌ، المعروفُ أنه إسرافيلُ، مُوكَّلٌ بِه ينفخُ فيهِ نَفَخَاتٍ أو نَفْخَتَين، لا إله إلا الله، وجاءَ ذِكْرُ الصُّورِ في آياتٍ عديدةٍ.

 ففي هذه الآية ذَكَرَ اللهُ نَفْخَتَين: نفخةَ الصَّعْقِ النفخةُ التي يَصعقُ بها أهلُ السمواتِ والأرضِ {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} معنى هذا: أنه كلُّ هذهِ العَوالـِمِ يَصْعَقُونَ، يَصْعَقُونَ يُغْشَى عليهم، يُغْشَى عليهِم أو يموتونَ، وفي آيةٍ أخرى: {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ} [النمل:87] ولهذا بعضُ أهلِ العلمِ يقولونَ: أنَّ النَّفَخاتِ ثلاثٌ: نفخةُ الفَزَعِ، ونفخةُ الصَّعْقِ، ونفخةُ البَعْثِ.

وهنا قال تعالى: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} هذا يُشعِرُ بأنَّ هذا الصَّعقَ موتٌ، أنَّهم يموتون {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ} هذه نفخةُ البعثِ، يُبعثُ الناسُ مِن قبورِهم ويقومونَ {فَإِذَا هُمْ} {إِذَا} هذه "إذا" الفُجَائية، يعني: فورَ ما يَنفخُ في الصُّورِ النفخةَ الثانيةَ يَقومُ الناسُ مِن قبورِهم {أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:4-6] تتشقَّقُ الأرضُ عنهم فيخرجونَ مِن قبورِهم التي مَكَثُوا فيها ما شاءَ اللهُ مِن القرونِ، {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} يقومونَ؛ لِيَتِمَّ ما أرادَهُ اللهُ فيُحشرُونَ، ويموجُ بعضُهم في بعضٍ، ويُحشَرُون، ويُجمَعون، ويُحاسَبون، ويحصلُ ما يحصلُ مِن أحوالِ وأهوالِ القيامةِ، لا إله إلا الله.

ومما يكونُ أنَّ اللهَ تعالى يأتي للفصلِ بينَ العبادِ {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر:22] {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ} [البقرة:210] فتُشْرِقُ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا، {وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا}.

ثمَّ يُوضَعُ الكتابُ –كتابَ الأعمالِ- تُوضَعُ وتُنشَرُ الصحفُ، ويُؤتَى الناسُ، كلٌّ يُؤتَى كتابَهُ: فَآخِذٌ كتابَهُ بيمينِهِ، وآخِذٌ كتابَهُ بشمالِهِ ومِن وراءِ ظهرِهِ. وهذا مُفَصَّلٌ {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا} [الكهف:49] هذا الكتابُ الذي يُؤتَاهُ كلُّ أحدٍ {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء:14،13] الله أكبر سبحان الله! أمور عظيمة! هذا الكتابُ يجدُ فيه الإنسانُ كلَّ عملٍ، كلَّ ما قدَّمَ، كلَّ ما عملِ، {لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا}

{وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ} جِيءَ بهم؛ لِيَشهَدُوا {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا} [النساء:41] لَمَّا قرأَ ابنُ مسعودٍ على النبي صلى الله عليه وسلم سورةَ النساءِ مِن أولِّها؛ لأنه قال: (اقرأْ عَليَّ القرآنَ)، قالَ: أقرأُهُ، وعليكَ أُنزلَ! قالَ: (أحبُّ أنْ أسمعَهُ مِن غَيرِي) فقرأَ عليهِ سورةَ النساءِ حتى أتى هذه الآية: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا} قالَ: (حَسْبُكَ) قال: فالتفتُ فإذا عيناهُ تَذْرِفَانِ، صلى الله عليه وسلم.

اللهُ أكبرُ، الله أكبر، الله أكبر {وَوُفِّيَتْ} آخرُ الآياتِ هذه النهاية {وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ} هذه نهايةُ البشريةِ: {وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ}.

 

 (تفسيرُ السَّعدي)

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، قالَ الشيخُ عبدُ الرحمن السعدي رحمَه الله تعالى في تفسيرِ قولِ الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} الآية.

يَقُولُ تَعَالَى: وَمَا قَدَرَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ رَبَّهُمْ حَقَّ قَدْرِهِ، وَلَا عَظَّمُوهُ حَقَّ تَعْظِيمِهِ، بَلْ فَعَلُوا مَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ مِنْ إِشْرَاكِهِمْ بِهِ مَنْ هُوَ نَاقِصٌ فِي أَوْصَافِهِ وَأَفْعَالِهِ، فَأَوْصَافُهُ نَاقِصَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَأَفْعَالُهُ لَيْسَ عِنْدَهُ نَفْعٌ وَلَا ضَرٌّ، وَلَا عَطَاءٌ وَلَا مَنْعٌ، وَلَا يَمْلِكُ مِنَ الْأَمْرِ شَيْئًا.

فَسَوُّوا هَذَا الْمَخْلُوقَ النَّاقِصَ بِالْخَالِقِ الرَّبِّ الْعَظِيمِ، الَّذِي مِنْ عَظَمَتِهِ الْبَاهِرَةِ وَقُدْرَتِهِ الْقَاهِرَةِ أَنَّ جَمِيعَ الْأَرْضِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَبْضَةٌ لِلرَّحْمَنِ، وَأَنَّ السَّمَاوَاتِ -عَلَى سَعَتِهَا وَعِظَمِهَا- مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ فَلَا عَظَّمَهُ حَقَّ عَظَمَتِهِ مَنْ سَوَّى بِهِ غَيْرَهُ، وَهلْ أَظْلَمُ ممن فهلْ ذلك.

قال تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ} الآيات.

{سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} أَيْ: تَنَزَّهَ وَتَعَاظَمَ عَنْ شِرْكِهِمْ بِهِ.

لَمَّا خَوَّفَهُمْ تَعَالَى مِنْ عَظَمَتِهِ خَوَّفَهُمْ بِأَحْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَرَغَّبَهُمْ وَرَهَّبَهُمْ فَقَالَ: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} وَهُوَ قَرْنٌ عَظِيمٌ لَا يَعْلَمُ عَظَمَتَهُ إِلَّا خَالِقُهُ، وَمَنْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمِهِ مِنْ خَلْقِهِ، فَيَنْفُخُ فِيهِ إِسْرَافِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَحَدُ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَأَحَدُ حَمَلَةِ عَرْشِ الرَّحْمَنِ.

{فَصَعِقَ} أَيْ: غُشِيَ أَوْ مَاتَ -عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ- {مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ} أَيْ: كُلُّهُمْ، لَمَّا سَمِعُوا نَفْخَةَ الصُّوَرِ أَزْعَجَتْهُمْ مِنْ شَدَّتِهَا وَعِظَمِهَا، وَمَا يَعْلَمُونَ أَنَّهَا مُقَدِّمَةٌ لَهُ. {إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} مِمَّنْ ثَبَّتَهُ اللَّهُ عِنْدَ النَّفْخَةِ، فَلَمْ يُصْعَقْ كَالشُّهَدَاءِ أَوْ بَعْضِهِمْ، وَغَيْرِهِمْ. وَهَذِهِ النَّفْخَةُ الْأُولَى نَفْخَةُ الصَّعْقِ، وَنَفْخَةُ الْفَزَعِ.

{ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ} النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ نَفْخَةُ الْبَعْثِ {فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ} أَيْ: قَدْ قَامُوا مِنْ قُبُورِهِمْ لِبَعْثِهِمْ وَحِسَابِهِمْ، قَدْ تَمَّتْ مِنْهُمُ الْخِلْقَةُ الْجَسَدِيَّةُ وَالْأَرْوَاحُ، وَشَخَصَتْ أَبْصَارُهُمْ {يَنْظُرُونَ} مَاذَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِهِمْ.

{وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} عُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْأَنْوَارَ الْمَوْجُودَةَ تَذْهَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتَضْمَحِلُّ، وَهُوَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّ الشَّمْسَ تُكَوَّرُ، وَالْقَمَرَ يُخْسَفُ، وَالنُّجُومَ تُنْدَثَرُ، وَيَكُونُ

– الشيخ : تَنْتَثِرُ، تَنْتَثِرُ

– القارئ : عندي: "تُنْدَثَرُ"

– الشيخ : لا، كما الآية: إذا النجومُ انْتَثَرَتْ، أو تَنْكَدِر يمكن

– القارئ : والنُّجومُ تَنْتَثِرُ، وَيَكُونُ النَّاسُ فِي ظُلْمَةٍ فَتُشْرِقُ عِنْدَ ذَلِكَ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا عِنْدَمَا يَتَجَلَّى وَيَنْزِلُ لِلْفَصْلِ بَيْنَهُمْ، وَذَلِكَ الْيَوْمُ يَجْعَلُ اللَّهُ لِلْخَلْقِ قُوَّةً، وَيُنَشِئُهُمْ نَشْأَةً يَقْوُونَ عَلَى أَنْ لَا يُحْرِقَهُمْ نُورُهُ، وَيَتَمَكَّنُونَ أَيْضًا مِنْ رُؤْيَتِهِ، وَإِلَّا فَنُورُهُ تَعَالَى عَظِيمٌ لَوْ كَشَفَهُ لَأُحْرِقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ.

{وَوُضِعَ الْكِتَابُ} أَيْ: كِتَابُ الْأَعْمَالِ وَدِيوَانُهُ، وُضِعَ وَنُشِرَ؛ لِيُقْرَأَ مَا فِيهِ مِنَ الْحَسَنَاتِ

– الشيخ : يعني ما هو بلازم، ما هو بكتاب واحد، كلُّ واحدٍ لَه كتابٌ.

– القارئ : لِيُقْرَأَ مَا فِيهِ مِنَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، كما قال تعالى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف:49] وَيُقَالُ لِلْعَامِلِ مِنْ تَمَامِ الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء:14]

{وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ} لِيُسْأَلُوا عَنِ التَّبْلِيغِ، وَعَنْ أُمَمِهِمْ، وَيَشْهَدُوا عَلَيْهِمْ. {وَالشُّهَدَاءِ} مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَأَعْضَاءِ الإنسانِ وَالْأَرْضِ. {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ} أَيِ: الْعَدْلِ التَّامِّ وَالْقِسْطِ الْعَظِيمِ؛ لِأَنَّهُ حِسَابٌ صَادِرٌ مِمَّنْ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، وَمَنْ هُوَ مُحِيطٌ بِكُلِّ شَيْءٍ، وَكِتَابُهُ الَّذِي هُوَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ مُحِيطٌ بِكُلِّ مَا عَمِلُوهُ، وَالْحَفَظَةُ الْكِرَامُ الَّذِينَ لَا يَعْصُونَ رَبَّهُمْ قَدْ كَتَبَتْ عَلَيْهِمْ مَا عَمِلُوهُ، وَأَعْدَلُ الشُّهَدَاءِ قَدْ شَهِدُوا عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ، فَحَكَمَ بِذَلِكَ مَنْ يَعْلَمُ مَقَادِيرَ الْأَعْمَالِ وَمَقَادِيرَ اسْتِحْقَاقِهَا لِلثَّوَابِ وَالْعِقَابِ.

فَيَحْصُلُ حُكْمٌ يُقِرُّ بِهِ الْخَلْقُ، وَيَعْتَرِفُونَ لِلَّهِ بِالْحَمْدِ وَالْعَدْلِ، وَيَعْرِفُونَ بِهِ مِنْ عَظَمَتِهِ وَعِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ وَرَحْمَتِهِ مَا لَمْ يَخْطُرْ بِقُلُوبِهِمْ، وَلَا تُعَبِّرُ عَنْهُ أَلْسِنَتُهُمْ، وَلِهَذَا قَالَ: {وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ}.