بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة غافر
الدَّرس: الأوَّل
*** *** ***
– القارئ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: بسم الله الرحمن الرحيم:
حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ * مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ * كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ * وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ [غافر:1-6]
– الشيخ : إلى هنا بس، اللهم صلِّ وسلم، لا إله إلا الله. هذهِ سورةُ غافر، أو سورةُ الـمُؤمِن، سورةُ غافرِ؛ لقوله تعالى: {غَافِرِ الذَّنبِ}، وسورةُ الـمُؤمِن؛ لذكرِ مُؤمِنِ آلِ فرعونَ الذي يَكْتُمُ إيمانَهُ. أقول: عندكم في المصحف، الـمُؤمِن ولَّا غافر؟
– القارئ : سورة غافر
– طالب: لا، مكتوبٌ: تفسيرُ سورةِ المؤمِن
– الشيخ : يعني لها اسمانِ، الذي معكُم مصحفُ المدينةِ؟ مُجَمَّع المدينة المصحف؟
– طالب: إي، مطبعة الملك فهد.
– الشيخ : إي هذا هو. يقولُ سبحانه وتعالى، والسورةُ مكيةٌ، والـمَكِّيُّ -على أرجحِ الأقوالِ-: هو ما نزلَ قبلَ الهجرةِ.
{حم} وقدْ افْتُتِحَتْ بهذينِ الحرفينِ سبعُ سورٍ، سبعُ سورٍ افْتُتِحَتْ بهذينِ الحرفينِ، ولهذا يُقالُ لهذهِ السُّورِ: "الحاميم" "الحاميم"، حم غافر، وحم السجدة، والشورى، والزخرف، والدخان، والجاثية، والأحقاف، سبعُ سورٍ.
{حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} الكتابُ هو القرآنُ يُخبِرُ تعالى أنه تنزيلٌ منه، مُنَزَّلٌ، وهذا مِن أدلةِ أهلِ السنةِ أنَّ القرآنَ كلامُ اللهِ مُنَزَّلٌ مِن اللهِ غيرُ مخلوقٍ، مُنَزَّلٌ، وهذا يَدُلُّ على عُلُوِّهِ سبحانه.
{تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} فهو القويُّ، وهو الغالبُ الذي لا يَغْلِبُهُ شيءٌ، {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف:21] وهو العليمُ وعِلْمُهُ محيطٌ بكلِّ شيءٍ.
ومِن أسمائِه وصفاتِه أنه "غافرُ الذَّنبِ"، ومِن أسمائِهِ: "الغفورُ"، ومِن أسمائِهِ: "الغَفَّار"، {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ} [الكهف:58] {إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء:23] وهكذا {غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ} هذا كلُّها مِن أسمائِه: العزيزُ، العليمُ، غَافِرِ الذَّنبِ، وَقَابِلِ التَّوْبِ، شديدُ العقابِ، وهذا مِن جنسِ {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ} [الحجر:50،49] شديدُ العقابِ، وفي هذا ترغيبٌ وترهيبٌ، ترغيبٌ بطلبِ مغفرتِهِ، ولمغفرتِهِ أسبابٌ، وترهيبٌ مِن عقابِهِ، وللعقابِ أسبابٌ، فيجبُ الأخذُ بأسبابِ المغفرةِ والرحمةِ، والحذرِ مِن أسبابِ العقابِ.
{شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} {ذِي الطَّوْلِ} يعني: صاحبُ الطَّوْلِ والغِنَى والكَرَم. {لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} هذا فيهِ وصفُهُ بالإلهيةِ، بلْ فيهِ الدَّلالةُ على تفرُّدِهِ بالإلهيةِ فلا إلهَ غيرِه، وهذا أصلُ دينِ الإسلامِ الذي بَعَثَ اللهُ به رُسُلَهُ مِن أولِهِم إلى آخرِهم، كلُّهم بعثَهم اللهُ بمضمونِ هذهِ الكلمة: {لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ}
{إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} إليهِ المرجعُ والمآبُ، فالخلقُ راجعونَ إليه، فتضمَّنَتْ هذه الجملةُ مِن أسمائِهِ وصفاتِهِ أنواعَ التوحيدِ الثلاثةُ والدلالةَ على اليومِ الآخرِ {إِلَيْهِ الْمَصِيرُ}، {غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:285] إليكَ المرجِعُ والمآبُ.
{مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} يُجادلونُ في آياتِ الله جدالَ معارضةٍ، يُعارِضُونَها يَجْحَدُونَها، يُجادلونَ فيها؛ لأنهم يُكَذِّبُونَ بها؛ يُجادلونَ فيها؛ لدفعِ الحقِّ {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا}.
{فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ} هؤلاء الكفار يَتَقَلَّبُونَ ويَتَنَقَّلونَ ويَتَصَرَّفُون، فلا يجوزُ الاغترارُ بذلكَ بحسنِ الظنِّ فيهم، أو بأنَّ هذا لكرمِهم على ربِّهم مَكَّنَ لهم، والمسلمون في أحوجِ ما يكونونَ إلى تَعَقُّلِ هذه الآية وأشباهِها {لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ} في الآيةِ الأُخرى: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران:196-197] {فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ} فاللهُ آخذُهم ومعاقبُهم، فلا يغرُّكَ {لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}
{فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ * كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} وهذا الذمُّ والوعيدُ للكفار، لكفارِ قريشٍ ومَنْ تَبِعَهُم، ومَنْ سارَ على طريقِهم، فاللهُ يُحَذِّرُهُم بما جرى على مَنْ قَبْلَهُم، ويُذكِّرُ سبحانه وتعالى بأخذِهِ للأممِ الـمـُكذِّبَة لرسلِ الله {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ} الأممُ والجماعاتُ الذين جاؤُوا مِن بعدِهم، والقرون {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ * وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى} [الحج:42-44]
{وَالأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ} نعم، أيش الآية؟
– القارئ : {وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ}
– الشيخ : {وَهَمَّتْ كُلُّ} كلُّ هذه الأمم أرسلَ اللهُ إليهم رسلاً، وكلُّ هذه الأمم كلُّهم هَمُّوا بِرُسُلِهِم، يعني: أنْ يقتلُوهُم، أنْ يُؤْذُوهُم، أنْ يُخْرِجُوهُم. {وَالأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ} يَأْخُذُوهُ ويَقْتُلُوهُ، أو يُخرجُوهُ، أو يَسْجُنُوهُ، كما قال سبحانه في شأنِ محمدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ} [الأنفال:30] فهذا سبيلُ أعداءِ الرسلِ، هذا سبيلُ أعداءِ الرسلِ، الكيدُ لرسلِ اللهِ، وهكذا مَن اقْتَفَى أثرَ الرسلِ، فوَرَثَةُ أعداءِ الرسلِ يفعلونَ بوَرَثَةِ الرسلِ ما فعلَهُ أعداءُ الرسلِ وأممِ الرسلِ بهم، مِيْرَاثَانِ، مِيْرَاثَانِ، مِيْرَاثَانِ، هناك وَرَثَةُ الرسلِ هم الدُّعاةُ إلى الله، العلماءُ العاملونَ المجاهدونَ الدَّاعونَ هؤلاء وَرَثَةِ الرسلِ {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108] فوَرَثَةُ أعداءِ الرسلِ كذلكَ يفعلونَ بوَرَثَةِ الرسلِ. {وَالأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ}
{وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ} جادَلُوا بالباطلِ بالشبهاتِ الباطلةِ وبالحججِ الباطلةِ {لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} ليَدْفَعُوا بِه الحقَّ ويَرُدُّوا بِه الحقَّ، ولكن الحقَّ باقٍ ومحفوظٌ {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ} {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة:32]
{وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ} {فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} أخذَ اللهُ أولئكَ الكافرين وانتقمَ منهم {فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا} [العنكبوت:40] {فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ} هكذا، فالقرآنُ يُفَسِّرُ بعضَهُ بعضاً، هذا الإجمالُ في هذه الآيةِ هو مُفَصَّلٌ في السُّوَرِ التي قَصَّ اللهُ علينا فيها أخبارَ الرسلِ وأممِهم مِن قومِ نوحٍ وعادٍ وثمودَ إلى آخره. {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ}
{فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} كانَ أمراً عظيماً، كيفَ كان؟ هذا استفهامُ تهويلٍ، كيفَ كانَ عِقَابي؟ هذا هو، {فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ * وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ}.
(تفسيرُ السعدي)
– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، قالَ الشيخُ عبدُ الرحمن السعدي -رحمَه الله تعالى- تَفْسِيرُ سُورَةِ الْمُؤْمِنِ، وهِيَ مَكِّيَّةٌ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:
{حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} الآيات.
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ كِتَابِهِ الْعَظِيمِ وَبِأَنَّهُ صَادِرٌ وَمُنَزَّلٌ مِنَ اللَّهِ الْمَأْلُوهِ الْمَعْبُودِ؛ لِكَمَالِهِ وَانْفِرَادِهِ بِأَفْعَالِهِ، الْعَزِيزِ الَّذِي قَهَرَ بِعِزَّتِهِ كُلَّ مَخْلُوقٍ، الْعَلِيمِ بِكُلِّ شَيْءٍ.
{غَافِرِ الذَّنْبِ} لِلْمُذْنِبِينَ {وَقَابِلِ التَّوْبِ} مِنَ التَّائِبِينَ، {شَدِيدِ الْعِقَابِ} عَلَى مَنْ تَجَرَّأَ عَلَى الذُّنُوبِ وَلَمْ يَتُبْ مِنْهَا، {ذِي الطَّوْلِ} أَيِ: التَّفَضُّلِ وَالْإِحْسَانِ الشَّامِلِ.
فَلَمَّا قَرَّرَ مَا قَرَّرَ مِنْ كَمَالِهِ وَكَانَ ذَلِكَ مُوجِبًا لِأَنْ يَكُونَ وَحْدَهُ الْمَأْلُوهُ الَّذِي تُخْلَصُ لَهُ الْأَعْمَالُ
– الشيخ : هذه الأسماءُ والصفاتُ تَقْتَضِي أنْ يكونَ هو الإلهُ الحقُّ، العزيزُ، العليمُ، غافرُ الذنبِ، وشديدُ العقابِ، وذِي الطَّوْلِ ذِيْ الكَرَمِ والإحسانِ، هو الذي يستحق، ولهذا جاءَت الجملةُ وكأنَّها نتيجةٌ {لا إِلَهَ إِلا هُوَ}.
– القارئ : قال: {لا إِلَهَ إِلا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ}
وَوَجْهُ الْمُنَاسِبَةِ بِذِكْرِ نُزُولِ الْقُرْآنِ مِنَ اللَّهِ الْمَوْصُوفِ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ أَنَّ هَذِهِ الْأَوْصَافَ مُسْتَلْزِمَةٌ لِجَمِيعِ مَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنَ الْمَعَانِي.
فَإِنَّ الْقُرْآنَ: إِمَّا إِخْبَارٌ عَنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ، وَصِفَاتِهِ، وَأَفْعَالِهِ، وَهَذِهِ أَسْمَاءٌ، وَأَوْصَافٌ، وَأَفْعَالٌ.
وَإِمَّا إِخْبَارٌ عَنِ الْغُيُوبِ الْمَاضِيَةِ وَالْمُسْتَقْبَلَةِ، فَهِيَ مِنْ تَعْلِيمِ الْعَلِيمِ لِعِبَادِهِ.
وَإِمَّا إِخْبَارٌ عَنْ نِعَمِهِ الْعَظِيمَةِ، وَآلَائِهِ الْجَسِيمَةِ، وَمَا يُوَصِّلُ إِلَى ذَلِكَ مِنَ الْأَوَامِرِ، فَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: {ذِي الطَّوْلِ}.
وَإِمَّا إِخْبَارٌ عَنْ نِقَمِهِ الشَّدِيدَةِ، وَعَمَّا يُوجِبُهَا وَيَقْتَضِيهَا مِنَ الْمَعَاصِي، فَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: {شَدِيدِ الْعِقَابِ}.
وَإِمَّا دَعْوَةٌ لِلْمُذْنِبِينَ إِلَى التَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ، فَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ}
وَإِمَّا إِخْبَارٌ بِأَنَّهُ وَحْدَهُ الْمَأْلُوهُ الْمَعْبُودُ، وَإِقَامَةُ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَالنَّقْلِيَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَالْحَثُّ عَلَيْهِ، وَالنَّهْيُ عَنْ عِبَادَةِ مَا سِوَى اللَّهِ، وَإِقَامَةُ الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَالنَّقْلِيَّةِ عَلَى فَسَادِهَا وَالتَّرْهِيبِ مِنْهَا، فَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لا إِلَهَ إِلا هُوَ}.
وَإِمَّا إِخْبَارٌ عَنْ حُكْمِهِ الْجَزَائِيِّ الْعَدْلِ، وَثَوَابِ الْمُحْسِنِينَ، وَعِقَابِ الْعَاصِينَ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: {إِلَيْهِ الْمَصِيرُ}.
فَهَذَا جَمِيعُ مَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنَ الْمَطَالِبِ الْعَالِيَاتِ.
– الشيخ : يريد الشيخُ أن يقولَ: أنَّ مطلعَ هذه السورةِ المتضمِّن لهذه الأسماءِ أو صفاتِ اللهِ كلُّ ما في القرآنِ مداره، كلُّ ما في القرآنِ مِن الأخبارِ والأحكامِ راجعٌ إليها، كما فصَّلَ الشيخُ ذلكَ.
– القارئ : قالَ اللهُ تعالى: {مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلا الَّذِينَ كَفَرُوا} الآيات.
يُخْبِرُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا، وَالْمُرَادُ بِالْمُجَادَلَةِ هُنَا الْمُجَادَلَةُ لِرَدِّ آيَاتِ اللَّهِ وَمُقَابَلَتِهَا بِالْبَاطِلِ، فَهَذَا مِنْ صَنِيعِ الْكُفَّارِ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُونَ فَيَخْضَعُونَ للْحَقِّ لِيَدْحِضُوا بِهِ الْبَاطِلَ، وَلَا يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَغْتَرَّ بِحَالَةِ الْإِنْسَانِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَيَظُنَّ أَنَّ إِعْطَاءَ اللَّهِ إِيَّاهُ فِي الدُّنْيَا دَلِيلٌ عَلَى مَحَبَّتِهِ لَهُ وَأَنَّهُ عَلَى الْحَقِّ، وَلِهَذَا قَالَ: {فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ} أَيْ: تَرَدُّدُهُمْ فِيهَا بِأَنْوَاعِ التِّجَارَاتِ وَالْمَكَاسِبِ، بَلِ الْوَاجِبُ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَعْتَبِرَ النَّاسَ بِالْحَقِّ وَيَنْظُرَ إِلَى الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ وَيَزِنَ بِهَا النَّاسَ، وَلَا يَزِنُ الْحَقَّ بِالنَّاسِ، كَمَا عَلَيْهِ مَنْ لَا عِلْمَ وَلَا عَقْلَ لَهُ.
ثُمَّ هَدَّدَ مَنْ جَادَلَ بِآيَاتِ اللَّهِ لِيُبْطِلَهَا، كَمَا فَعَلَ مَنْ قَبْلَهُ مِنَ الْأُمَمِ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَالْأَحْزَابِ مِنْ بَعْدِهِمُ، الَّذِينَ تَحَزَّبُوا وَتَجَمَّعُوا عَلَى الْحَقِّ لِيُبْطِلُوهُ، وَعَلَى الْبَاطِلِ لِيَنْصُرُوهُ، {و} أَنَّهُ بَلَغَتْ بِهِمِ الْحَالُ، وَآلَ بِهِمِ التَّحَزُّبُ إِلَى أَنَّهُ {هَمَّتْ كُلُ أُمَّةٍ} مِنَ الْأُمَمِ {بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ} أَيْ: يَقْتُلُوهُ. وَهَذَا أَبْلَغُ مَا يَكُونُ للرُّسُلِ الَّذِينَ هُمْ قَادَةُ أَهْلِ الْخَيْرِ، الَّذِينَ مَعَهُمُ الْحَقُّ الصِّرْفُ، الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا اشْتِبَاهَ، هَمُّوا بِقَتْلِهِمْ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْبَغْيِ وَالضَّلَالِ وَالشَّقَاءِ إِلَّا الْعَذَابُ الْعَظِيمُ الَّذِي لَا يَخْرُجُونَ مِنْهُ؟ وَلِهَذَا قَالَ فِي عُقُوبَتِهِمُ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ: {فَأَخَذْتُهُمْ} أَيْ: بِسَبَبِ تَكْذِيبِهِمْ وَتَحَزُّبِهِمْ {فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} كَانَ أَشَدَّ الْعِقَابِ وَأَفْظَعَهُ، إنْ هُوَ إِلَّا صَيْحَةٌ أَوْ حَاصِبٌ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ أَوْ يَأْمُرُ الْأَرْضَ أَنْ تَأْخُذَهُمْ، أَوِ الْبَحْرُ أَنْ يُغْرِقَهُمْ فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ.
{وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} أَيْ: كَمَا حَقَّتْ عَلَى أُولَئِكَ، حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ الضَّلَالِ الَّتِي نَشَأَتْ عَنْهَا كَلِمَةُ الْعَذَابِ، وَلِهَذَا قَالَ: {أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ}.
– الشيخ : انتهى
– القارئ : نعم، {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ}
– الشيخ : نعم بعدك.