الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة غافر/(4) من قوله تعالى {رفيع الدرجات ذو العرش} الآية 15 إلى قوله تعالى {والله يقضي بالحق} الآية 20
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(4) من قوله تعالى {رفيع الدرجات ذو العرش} الآية 15 إلى قوله تعالى {والله يقضي بالحق} الآية 20

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة غافر

الدَّرس: الرَّابع

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ:

رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ * يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ * يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ * وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ  [غافر:15-20]

– الشيخ : لا إلهَ إلَّا الله، لا إلهَ إلَّا الله.

يقولُ سبحانه وتعالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} لـمَّا أمرَ اللهُ تعالى بعبادتِه وحدَه لا شريكَ له، أخبرَ عَن صفاتِ كمالِهِ وأنَّهُ العليُّ العظيمُ {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ} قَدْراً وقَهْراً، وهو بذاتِهِ فوقَ كلِّ شيءٍ {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ}.

{ذُو الْعَرْشِ} العَرشُ: هو سَقْفُ المخلوقاتِ وأعْلاهَا وأكبرُ المخلوقاتِ، واللهُ يمدحُ نفسَهُ بأنَّهُ صاحبُ العَرْشِ -العَرْشِ العظيمِ- وصفَهُ الله تعالى بالعِظَمِ، {فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة:129] هذا العرشُ له شأنُهُ، وصفَهُ اللهُ بأنه عظيمٌ وكريمٌ ومجيدٌ، الله أكبر. {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ}.

{يُلْقِي الرُّوحَ} يعني: الوحي {عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ} وهم الذين يُرسلُهُم بالشرائعِ إلى العباد، رسلُ الله، {يُلْقِي الرُّوحَ .. عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ}

{لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ} يُلْقِي الوحيَ عَلَى مَنْ يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ؛ لدعوةِ الخلقِ إلى عبادتِهِ وحدَهُ لا شريكَ له، وإنذارِهم اليومَ العظيمَ -يومَ القيامةِ- {لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ} يَتَلاقَى الناسِ -الأولين والآخرين- يَتَلَاقُونَ، يجمعُ اللهُ الأولينَ والآخرين في صعيدٍ واحدٍ.

{يَوْمَ هُم بَارِزُونَ} بَارِزُونَ ظاهرونَ مَكْشُوفُونَ {لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ} والخلق دائماً {لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ} {يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ}.

{لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} الْمُلْكُ في ذلكَ اليومِ للهِ وحدَهُ، في الدنيا فيه [يوجد] ملوك فيه [يوجد] ملوكٌ، وهم ملوكٌ ضعفاءُ عاجزونَ، ومُلْكُهُم ما هو إلا مِن عطائِهِ سبحانه هو الذي يُؤتي الملكَ مَن يشاءُ وينزعُ الملكَ ممَّنْ يشاء، أمَّا يومَ القيامةِ فيتفرَّدُ الربُّ بالـمُلْكِ، والملوكُ الذين في الدنيا مُلكُهم هبةٌ مِن الله تعالى، هو الذي يُمَلِّكُ، الملكُ لله دائماً، ولكنه خَصَّ ذلك اليومَ؛ لِتفرُّدِهِ بالملكِ حين لا يكون هناكَ ملوكٌ، (أَيْنَ مُلُوكُ الْأَرْضِ؟) ذهبُوا، ولهذا قالَ في سورةِ الفاتحةِ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:4] وفي قراءةِ الجمهورِ: {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ}، {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}

{الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} هذا يومُ الجزاءِ، يومُ القيامةِ هو يومُ الجزاءِ، له أسماءِ عديدة: يومُ الجزاءِ، ويومُ النُّشُورِ، ويومُ الحَشرِ، ويومُ القيامةِ، ويومُ الحسابِ، {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} كذا الآية؟ {إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}.

{وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ} أنْذِرِ الناسَ، هذا أمرٌ مِن اللهِ لنبيِّهِ أنْ ينذرَ الناسَ ذلكَ اليومَ، يذكرُهم به ويُحذرِّهُم، فإنَّهُ يومٌ آتٍ، {وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ} [إبراهيم:44] {لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ} يومُ القيامةِ مِن أسمائها: الآزِفَة {أَزِفَتْ الآزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} [النجم:58،57]

{وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ} مِن شِدةِ الهَوْلِ القلوبُ تَسُدُّ الْحَنَاجِرَ، إذا اشتدَّ الخوفُ تكادُ القلوبُ ترتفعُ كأنَّها تطلبُ الخروجَ {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ}.

{مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} الظالمون: الكفرة، لا شافعَ لهم، ولا دافعَ عنهم، {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} أصلاً لا أحدَ يَشفعُ لهم، لكن لو قُدِّرَ، لو قُدِّرَ، لو فُرِضَ أنْ يشفعَ شافعٌ لمْ يُطَعْ، لمْ يُطَعْ ولمْ يُشفَّعْ، {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ}

{يَعْلمُ} يَعْلمُ ربُّك، يَعلمُ اللهُ تعالى {خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} خيانةُ الأَعْيُنِ: أنْ ينظرَ الانسانُ خِلْسَةً وبطريقةٍ خفيةٍ إلى ما لا يَحِلُّ له {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ} قد ينظرُ الإنسانُ إلى ما يَحِلُّ له ويُظهِرُ، أو يُظهِرُ أنه لا ينظرُ، كأنه ما يَنظرُ، مَنْ لا يَنْتبهُ له ولا يكونُ نَبِيهَاً لا يُدرِكُ نظرَ العين، يعني كما يُقالُ: يُسارِقُ النظرَ، يَسرقُ النظرَ سَرْقاً، سَرْقاً {يعلمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}.

{وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ} اللهُ يحكمُ بالحقِّ بينَ العبادِ {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ} لأنَّهُ ليسَ لهم ملكٌ ولا سلطانٌ ولا اقتدارٌ {وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ}.

{إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} سامعٌ لجميعِ الأصواتِ، بصيرٌ بالعباد، مُبصِرٌ لجميعِ المخلوقاتِ.

 

(تفسير السعدي):

– القارئ : بسمِ الله الرحمنِ الرحيم، الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبه أجمعين. قالَ الشيخُ عبد الرحمن السَّعدي رحمه الله تعالى:

ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ جَلَالِهِ وَكَمَالِهِ مَا يَقْتَضِي إِخْلَاصَ الْعِبَادَةِ لَهُ فَقَالَ: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ} أَيِ: الْعَلِيُّ الْأَعْلَى، الَّذِي اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَاخْتَصَّ بِهِ، وَارْتَفَعَتْ دَرَجَاتُهُ ارْتِفَاعًا بَايَنَ بِهِ مَخْلُوقَاتِهِ، وَارْتَفَعَ بِهِ قَدْرُهُ، وَجَلَّتْ أَوْصَافُهُ، وَتَعَالَتْ ذَاتُهُ، أَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَيْهِ

– الشيخ : أشارَ الشيخُ إلى أنواعِ العلو الثلاثِ: علوُّ القَدْرِ بكمالِ الصفاتِ، وعلوُّ القَهرِ بكمالِ القُدرةِ، وعلوُّ الذاتِ؛ لأنَّهُ تعالى استوى وعلا على العَرشِ الذي هو أعلى المخلوقاتِ.

 

– القارئ : وَتَعَالَتْ ذَاتُهُ، أَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَيْهِ إِلَّا بِالْعَمَلِ الزَّكِيِّ الطَّاهِرِ الْمُطَهَّرِ، وَهُوَ الْإِخْلَاصُ الَّذِي يَرْفَعُ دَرَجَاتِ أَصْحَابِهِ وَيُقَرِّبُهُمْ إِلَيْهِ وَيَجْعَلُهُمْ فَوْقَ خَلْقِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ نِعْمَتَهُ عَلَى عِبَادِهِ بِالرِّسَالَةِ وَالْوَحْيِ، فَقَالَ: {يُلْقِي الرُّوحَ} أَيِ: الْوَحْيَ الَّذِي لِلْأَرْوَاحِ وَالْقُلُوبِ بِمَنْزِلَةِ الْأَرْوَاحِ لِلْأَجْسَادِ، فَكَمَا أَنَّ الْجَسَدَ بِدُونِ الرُّوحِ لَا يَحْيَا وَلَا يَعِيشُ، فَالرُّوحُ وَالْقَلْبُ بِدُونِ رُوحِ الْوَحْيِ لَا يَصْلُحُ وَلَا يُفْلِحُ، فَهُوَ تَعَالَى يُلْقِي الرُّوحَ {مِنْ أَمْرِهِ} الَّذِي فِيهِ نَفْعُ الْعِبَادِ وَمَصْلَحَتُهُمْ.

{عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} وَهُمُ الرُّسُلُ الَّذِينَ فَضَّلَهُمُ اللَّهُ وَاخْتَصَّهُمُ اللَّهُ لِوَحْيِهِ وَدَعْوَةِ عِبَادِهِ.

وَالْفَائِدَةُ فِي إِرْسَالِ الرُّسُلِ هُوَ: تَحْصِيلُ سَعَادَةِ الْعِبَادِ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ وَآخِرَتِهِمْ، وَإِزَالَةُ الشَّقَاوَةِ عَنْهُمْ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ وَآخِرَتِهِمْ، وَلِهَذَا قَالَ: {لِيُنْذِرَ} مَنْ أَلْقَى اللَّهُ إِلَيْهِ الْوَحْيَ {يَوْمَ التَّلاقِ} أَيْ: يُخَوِّفُ الْعِبَادَ بِذَلِكَ، وَيَحُثُّهُمْ عَلَى الِاسْتِعْدَادِ لَهُ بِالْأَسْبَابِ الْمُنْجِيَةِ

– الشيخ : يا سلام، يا الله

– القارئ : مِمَّا يَكُونُ فِيهِ.

وَسَمَّاهُ يَوْمَ التَّلاقِ؛ لِأَنَّهُ يَلْتَقِي فِيهِ الْخَالِقُ وَالْمَخْلُوقُ، وَالْمَخْلُوقُونَ بَعْضَهَمْ مَعَ بَعْضٍ، وَالْعَامِلُونَ وَأَعْمَالُهُمْ وَجَزَاؤُهُمْ.

{يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ} أَيْ: ظَاهِرُونَ عَلَى الْأَرْضِ وقَدِ اجْتَمَعُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ لَا عِوَجَ وَلَا أَمَتَ فِيهِ، يُسْمَعُهُمُ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ.

{لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ} لَا مِنْ ذَوَاتِهِمْ وَلَا مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَلَا مِنْ جَزَاءِ تِلْكَ الْأَعْمَالِ.

{لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} أَيْ: مَنْ هُوَ الْمَالِكُ لِذَلِكَ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ الْجَامِعِ لِلْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ؟ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَأَهْلُ الْأَرْضِ الَّذِي انْقَطَعَتْ فِيهِ الشَّرِكَةُ فِي الْمُلْكِ، وَتَقَطَّعَتِ الْأَسْبَابُ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ أَوِ السَّيِّئَةُ؟ الْمُلْكُ {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} أَيِ: الْمُنْفَرِدُ فِي ذَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، فَلَا شَرِيكَ لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ. الْقَهَّارِ لِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ، الَّذِي دَانَتْ لَهُ الْمَخْلُوقَاتُ وَذَلَّتْ وَخَضَعَتْ،

– الشيخ : لا إله إلا الله، لا إله إلا الله

– القارئ : خُصُوصًا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي عَنَتْ فِيهِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ، يَوْمَئِذٍ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ.

{الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} فِي الدُّنْيَا، مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ. {لا ظُلْمَ الْيَوْمَ} عَلَى أَحَدٍ، بِزِيَادَةٍ فِي سَيِّئَاتِهِ، أَوْ نَقْصٍ مِنْ حَسَنَاتِهِ. {إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} أَيْ: لَا تَسْتَبْطِئُوا ذَلِكَ الْيَوْمَ فَإِنَّهُ آتٍ، وَكُلُّ آتٍ قَرِيبٌ. وَهُوَ أَيْضًا

– الشيخ : {سَرِيعُ الْحِسَابِ} {لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} لا إله إلا الله.

– القارئ : أَيْ: لَا تَسْتَبْطِئُوا ذَلِكَ الْيَوْمَ فَإِنَّهُ آتٍ، وَكُلُّ آتٍ قَرِيبٌ. وَهُوَ أَيْضًا سَرِيعُ الْمُحَاسَبَةِ لِعِبَادِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ لِإِحَاطَةِ عِلْمِهِ وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ.

قال الله تعالى: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ} الآيات.

يَقُولُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ} أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّتِي قَدْ أَزِفَتْ وَقَرُبَتْ، وَآنَ الْوُصُولُ إِلَى أَهْوَالِهَا وَقَلَاقِلِهَا وَزَلَازِلِهَا، {إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ} أَيْ: قَدْ ارْتَفَعَتْ وَبَقِيَتْ أَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءً، وَوَصَلَتِ الْقُلُوبُ مِنَ الرَّوْعِ وَالْكَرْبِ إِلَى الْحَنَاجِرِ، شَاخِصَةً أَبْصَارُهُمْ. {كَاظِمِينَ} لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا، وَكَاظِمِينَ عَلَى مَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الرَّوْعِ الشَّدِيدِ وَالْمُزْعِجَاتِ الْهَائِلَةِ.

{مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ} أَيْ: قَرِيبٍ وَلَا صَاحِبٍ، {وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ} لِأَنَّ الشُّفَعَاءَ لَا يَشْفَعُونَ فِي الظَّالِمِ نَفْسُهُ بِالشِّرْكِ، وَلَوْ قُدِّرَتْ شَفَاعَتُهُمْ، فَاللَّهُ تَعَالَى لَا يَرْضَى شَفَاعَتَهُمْ، فَلَا يَقْبَلُهَا.

{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ} وَهُوَ النَّظَرُ الَّذِي يُخْفِيهِ الْعَبْدُ مِنْ جَلِيسِهِ وَمُقَارِنِهِ، وَهُوَ نَظَرُ الْمُسَارَقَةِ، {وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} مِمَّا لَمْ يَبَنِيهِ الْعَبْدُ لِغَيْرِهِ،

– الشيخ : "يُبَيِّنْهُ"، "يُبَيِّنْهُ"

القارئ : "يَبْنِيهِ" عندي

الشيخ : لا، لا، "يُبَيِّنْهُ"

القارئ : مِمَّا لَمْ يُبَيِّنْهُ الْعَبْدُ لِغَيْرِهِ، فَاللَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ ذَلِكَ الْخَفِيَّ، فَغَيْرُهُ مِنَ الْأُمُورِ الظَّاهِرَةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَأَحْرَى.

{وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ} لِأَنَّ قَوْلَهُ حَقٌّ، وَحُكْمَهُ الشَّرْعِيَّ حَقٌّ، وَحُكْمَهُ الْجَزَائِيَّ حَقٌّ وَهُوَ الْمُحِيطُ عِلْمًا وَكِتَابَةً وَحِفْظًا بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ، وَهُوَ الْمُنَزَّهُ عَنِ الظُّلْمِ وَالنَّقْصِ وَسَائِرِ الْعُيُوبِ، وَهُوَ الَّذِي يَقْضِي قَضَاءَهُ الْقَدَرِيَّ، الَّذِي إِذَا شَاءَ شَيْئًا كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَهُوَ الَّذِي يَقْضِي بَيْنَ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي الدُّنْيَا، وَيَفْصِلُ بَيْنَهُمْ بِفَتْحٍ يَنْصُرُ بِهِ أَوْلِيَاءَهُ وَأَحْبَابَهُ.

{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ} وَهَذَا شَامِلٌ لِكُلِّ مَا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ {لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ} لِعَجْزِهِمْ وَعَدَمِ إِرَادَتِهِمْ لِلْخَيْرِ وَاسْتِطَاعَتِهِمْ لِفِعْلِهِ. {إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ} لِجَمِيعِ الْأَصْوَاتِ بِاخْتِلَافِ اللُّغَاتِ عَلَى تَفَنُّنِ الْحَاجَاتِ. {الْبَصِيرُ} بِمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ، وَمَا يُبْصَرُ وَمَا لَا يُبْصَرُ، وَمَا يَعْلَمُ الْعِبَادُ وَمَا لَا يَعْلَمُونَ.

قَالَ فِي أَوَّلِ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ: {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الآزِفَةِ} ثُمَّ وَصَفَهَا بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلِاسْتِعْدَادِ لِذَلِكَ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ؛ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ.

انتهى