بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة غافر
الدَّرس: السَّادس
*** *** ***
– القارئ : أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ:
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ * وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ * وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ [غافر:23-27]
– الشيخ : إلى هنا بس، لا إله إلا الله.
لَمَّا ذكرَ سبحانه وتعالى في الآياتِ السابقةِ ما جرى على الأممِ الـمُكَذِّبةِ لرسلِ الله، وما أحلَّ اللهُ بهمْ مِن العقوباتِ، ذكرَ قصةً مِن ذلكَ القصصِ: قصةُ موسى وفرعونَ، وكثيراً ما يَذكر اللهُ هذه القصةَ مُجملةً ومُفصلةً.
وقد فَصَّلَ سبحانه وتعالى في هذه السورةِ، فَصَّلَ في قصةِ موسى وفرعون، وذكرَ في هذه السورةِ أشياءَ لمْ تُذكَرْ في السُّورِ الأخرى، فالقَصَصُ، ليسَ في هذه القَصَصِ تَكْرَارٌ بمعنى أنَّها قصةٌ مُعَادةٌ بكلِّ ما اشتملَتْ عليهِ، لا، قصةُ موسى ذكرَ فيها هُنا ما لمْ يذكرْهُ في السُّورِ أخرى مِن أقوالٍ وأفعالٍ.
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى} موسى بن عِمرانَ عليه السلام، الكليمُ -كليمُ الله- الذي اصطفاهُ اللهُ برسالاتِهِ وبكلامِهِ، أحدُ أُوْلي العزمِ، موسى بن عِمرانَ عليه السلام وعلى سائرِ النبيينَ والمرسلينَ وعلى نبيِّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم.
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ} أرسلَهُ اللهُ بآياتٍ جَرَتْ على يدِهِ، وبحجةٍ قاطعةٍ مُفْحِمَةٍ للخصمِ {وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ} بَيِّنٍ، سلطانٌ ظاهرٌ.
إلى مَن؟ {إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ}، رؤوسٌ مِن رؤوسِ الكفرِ والطغيانِ، هؤلاء رؤوسُ: رؤساء في الشَّرِّ والكفرِ والطغيانِ والظلمِ والكِبْرِ.
فِرْعَوْنَ {إِلَى فِرْعَوْنَ} مَلِكُ مصرَ، ويقولُ العلماءُ: إنَّ "فِرعونَ" هذا لقبٌ لكلِّ مَن مَلَكَ مِصرَ، لكنه صارَ بعدَ ما جرى مِن فرعونَ الذي أرسلَ اللهُ إليهِ موسى، صار "فِرعونُ" لقباً مَقْبُوحَاً، صارَ مَقْبُوح "فِرعون"، {فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ} وهَامَان وزيرُهُ، ولهذا -كما سيأتي- أمَرَهُ أنْ يَبْنِي لَهُ صَرْحَاً عظيماً رفيعاً يقولُ: {لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ} [غافر:36]
{وَقَارُونَ} أيضاً طاغوتٌ مِن طواغيتِ ذلكَ الوقتِ، وهو ليسَ مِن شِيْعَةِ فرعونَ، لكن يجمعُهم الكفرُ، يَجمعُهم التكذيبُ لرسلِ اللهِ، وإلّا هو مِن بني إسرائيلَ، قارونُ مِن بني إسرائيل، كما في سورة القَصص: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى} [القصص:76] {مِن قَوْمِ مُوسَى} إذاً هو مِن بني إسرائيلَ، لكنه قدْ ابتُلِيَ بالثراءِ الكثيرِ، آتاهُ اللهُ أموالاً عظيمةً فأوجبَتْ لَه الكِبْرَ والطغيانَ والزُّهُو والغرورَ {إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} هذا يعنونَ موسى ساحرٌ كذابٌ.
{فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ} الواضحِ {قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ} صارَتْ، وهذا يظهرُ أنه كانَ مِن قبلِ أنْ يأتيَ موسى وهمْ يفعلونَ ذلكَ في بني إسرائيلَ، وبعدَ ما جاءَ موسى {قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} يعنون: بني إسرائيلَ، اقْتُلُوهُم {اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ} أبناءَهم، اقتلُوا الذكورَ، {وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ} استبقُوا النساءَ؛ لأنَّ النساءَ ضَعِيفَاتٍ ليسَ في قُدْرِتِهِنَّ مقاومةُ العدو، وللخدمةِ أيضاً، فصاروا يقتلونَ الذكورَ ويستبقونَ النساءَ، {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ} [القصص:4] هذا المعنى ذكرَهُ اللهُ في آياتٍ كثيرةٍ، جريمةٌ شنعاءُ، فبَنُو إسرائيلَ ابتُلُوا بلاءً عظيماً، كما قالَ سبحانه وتعالى {وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ} [البقرة:49] {اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ}.
ثمَّ إنَّ فرعونَ يقولُ لـِمَلَأِهِ: اتركُوني، اتركُوني، هذه كلمةٌ يقولُها مَن يريدُ التهديدَ يقولُ: {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى} أَقْتُلْ مُوسَى، ومعَ قوتِهِ ومع قدرتِهِ الهائلةِ وجنودِهِ لمْ يستطعْ قتلَ موسى، سبحان الله! لمْ يكنْ معَ موسى قواتٌ يحارِبُ بها ويُدافِعُ بها، لا، ليسَ معَه إلا أخوهُ هارونُ، هما اثنانِ فقط.
{ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} يعني: هذا نوعُ سخريةٍ، يَسخرُ به، يُهدِّدُهُ وهو الكذابُ العاجزُ الحقيرُ {وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} ثمَّ اعجبُوا واسمعُوا! يقول: {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ} ما دينُهم؟ دينُهم: عبادةُ فرعونَ، دينُهم هو" عبادةُ فرعونَ، وعملُ كلِّ ما يريدُ منهم، ويطلبُه منهمْ، ويأمرُهم، {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ} إنَّهُ لَعَجَبٌ!
{أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} يعني: جعلَ دعوةَ موسى وما يدعو إليهِ فساد، إي، الفساد؛ لأن صَرْفَ الناسِ عن عبادتِهِ وعَن طاعتِهِ: هذا فسادٌ، الصلاةُ عندَه أنْ يُطيعوهُ وأن يَتَّبِعُوهُ وأنْ يَرُدُّوا دعوةَ موسى، يقولُ: {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} وهكذا الكفرةُ وورثةُ فرعونَ يَقلِبُونَ المعاني والحقائقَ، فالصلاحُ عندَهم والإصلاحُ فسادٌ، والفسادُ هو الإصلاحُ هكذا.
إلى اليومِ هذه اللُّغةُ ماشية، إنَّهم يُسمُّونَ الفسادَ إصلاحاً، والإصلاحُ والدعوةُ إلى اللهِ والدعوةُ إلى التوحيدِ والدعوةُ إلى التقوى والدعوةُ إلى إقامةِ أمرِ اللهِ هذا فسادٌ، إلى الآنَ هكذا تُقْلَبُ الحقائقُ وتُسمَّى بغيرِ اسمِها.
يقولُ الطاغيةُ الملعونُ فرعونُ اللعينُ: {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ} يعني: شفقةً عليهم، هذا مِن التَّضليلِ مِن معنى قولِهِ: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ} {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [الزخرف:54] {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ}.
{وَقَالَ مُوسَى} عليه السلام {إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ} لجأَ إلى اللهِ، يَعوذُ بربهِ، ويحتمي بِهِ، ويعتصمُ به، {إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ} ورأسُهم فرعونُ، وأشياعُهم كلُّهم، كلُّهم مِن هذا الصنفِ لا يؤمنونَ {إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ} كلُّهم متكبرونَ {وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ} [القصص:39] كلُّهم مستكبرونَ، كلُّهم، فرعونُ وجنودُهُ.
(تفسيرُ السعدي):
– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِه أجمعين. قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السَّعديُّ رحمَه اللهُ تعالى في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا} الآيات.
أَيْ: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا} إِلَى جِنْسِ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ {مُوسَى} ابْنَ عِمْرَانَ، {بِآيَاتِنَا} الْعَظِيمَةِ الدَّالَّةِ دَلَالَةً قَطْعِيَّةً عَلَى حَقِيقةِ مَا أُرْسِلَ بِهِ، وَبُطْلَانِ مَا عَلَيْهِ مَنْ أُرْسَلَ إِلَيْهِمْ مِنَ الشِّرْكِ وَمَا يَتَّبِعُهُ. {وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ} أَيْ: حُجَّةٌ بَيِّنَةٌ تَتَسَلَّطُ عَلَى الْقُلُوبِ فَتُذْعِنُ لَهَا، كَالْحَيَّةِ وَالْعَصَا وَنَحْوِهُمَا مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ، الَّتِي أَيَّدَ اللَّهُ بِهَا مُوسَى، وَمَكَّنَهُ مِمَّا دَعَا إِلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ.
وَالْمَبْعُوثُ إِلَيْهِمْ {فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ} وَزِيرَهُ {وَقَارُونَ} الَّذِي كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى، فَبَغَى عَلَيْهِمْ بِمَالِهِ، وَكُلُّهُمْ رَدُّوا عَلَيْهِ أَشَدَّ الرَّدِّ {فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ}
فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا وَأَيَّدَهُ اللَّهُ بِالْمُعْجِزَاتِ الْبَاهِرَةِ، الْمُوجِبَةِ لِتَمَامِ الْإِذْعَانِ، لَمْ يُقَابِلُوهَا بِذَلِكَ، وَلَمْ يَكْفِهِمْ مُجَرَّدُ التَّرْكِ وَالْإِعْرَاضِ، بَلْ وَلَا إِنْكَارُهَا وَمُعَارَضُتَهَا بِبَاطِلِهِمْ، بَلْ وَصَلَتْ بِهِمِ الْحَالُ الشَّنِيعَةُ إِلَى أَنْ {قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ} حَيْثُ كَادُوا هَذِهِ الْمَكِيدَةَ، وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ إِذَا قَتَلُوا أَبْنَاءَهُمْ، لَمْ يَقْوَوْا، وَبَقُوا فِي رِقِّهِمْ وَتَحْتَ عُبُودِيَّتِهِمْ.
– الشيخ : هذا بلاءٌ عظيم!
– القارئ : {ومَا كَيْدُهُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ}، حَيْثُ لَمْ يَتِمَّ لَهُمْ مَا قَصَدُوا، بَلْ أَصَابَهُمْ ضِدُّ مَا قَصَدُوا، أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ وَأَبَادَهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ.
وَتَدَبَّرْ هَذِهِ النُّكْتَةَ الَّتِي يَكْثُرُ مُرُورُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: إِذَا كَانَ السِّيَاقُ فِي قِصَّةٍ مُعِينَةٍ أَوْ عَلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، وَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ بِحُكْمٍ، لَا يَخْتَصُّ بِهِ ذَكَرَ الْحُكْمَ وَعَلَّقَهُ عَلَى الْوَصْفِ الْعَامِّ؛ لِيَكُونَ أَعَمَّ، وَتَنْدَرِجَ فِيهِ الصُّورَةُ الَّتِي سِيقَ الْكَلَامُ لِأَجْلِهَا، وَلِيَنْدَفِعَ الْإِيهَامُ بِاخْتِصَاصِ الْحُكْمِ بِذَلِكَ الْمُعَيَّنِ.
فَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ: "وَمَا كَيْدُهُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ: بَلْ قَالَ: {وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ}.
– الشيخ : وهذا شأنُ جميعِ الكافرينَ، كيدُهم كلُّهُ باطلٌ ومردودٌ ومُنقلِبٌ عليهِم قل: {وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ}.
– القارئ : {وقَالَ فِرْعَوْنُ} مُتَكَبِّرًا مُتَجَبِّرًا مُغَرِّرًا لِقَوْمِهِ السُّفَهَاءِ: {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} أَيْ: زَعَمَ -قَبَّحَهُ اللَّهُ- أَنَّهُ لَوْلَا مُرَاعَاةُ خَوَاطِرِ قَوْمِهِ لِقَتَلَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ دُعَاءِ رَبِّهِ، ثُمَّ ذَكَرَ
– الشيخ : كأنَّ {وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} يعني: مِن نوعِ التَّهَكُّمِ به، {وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} ليسَ بشيءٍ، ولا أُبَالي بِه، ولا يُهُمُّنِي، ولا أخافُ.
– القارئ : ثُمَّ ذَكَرَ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى إِرَادَةِ قَتْلِهِ، وَأَنَّهُ نُصْحٌ لِقَوْمِهِ، وَإِزَالَةٌ لِلشَّرِّ فِي الْأَرْضِ فَقَالَ: {إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ} الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ {أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ} وَهَذَا مِنْ أَعْجَبِ مَا يَكُونُ، أَنَّ يَكُونَ شَرُّ الْخَلْقِ يَنْصَحُ النَّاسَ عَنِ اتِّبَاعِ خَيْرِ الْخَلْقِ، هَذَا مِنَ التَّمْوِيهِ وَالتَّرْوِيجِ الَّذِي لَا يَدْخُلُ إِلَّا عَقْلَ مَنْ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ} [الزخرف:54]
وَقَالَ مُوسَى حِينَ قَالَ فِرْعَوْنُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ الشَّنِيعَةَ الَّتِي أَوْجَبَهَا لَهُ طُغْيَانُهُ، وَاسْتَعَانَ فِيهَا بِقُوَّتِهِ وَاقْتِدَارِهِ، مُسْتَعِينًا موسى بِرَبِّهِ: {إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ} أَيِ: امْتَنَعَتْ بِرُبُوبِيَّتِهِ الَّتِي دَبَّرَ بِهَا جَمِيعَ الْأُمُورِ {مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ} أَيْ: يَحْمِلُهُ تَكَبُّرُهُ وَعَدَمُ إِيمَانِهِ بِيَوْمِ الْحِسَابِ عَلَى الشَّرِّ وَالْفَسَادِ، يَدْخُلُ فِيهِ فِرْعَوْنُ وَغَيْرُهُ، كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي الْقَاعِدَةِ، فَمَنَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِلُطْفِهِ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ، وَقَيَّضَ لَهُ مِنَ الْأَسْبَابِ مَا انْدَفَعَ بِهِ عَنْهُ شَرُّ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ.
وَمِنْ جُمْلَةِ الْأَسْبَابِ، هَذَا الرَّجُلُ الْمُؤْمِنُ
– الشيخ : إلى آخرِه.
– القارئ : أحسنَ اللهُ إليك.