بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة غافر
الدَّرس: السَّابع
*** *** ***
– القارئ : أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم
وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ * يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ [غافر:29،28]
– الشيخ : إلى هنا، سبحانَ الله وبحمدِهِ.
يُخبِرُ تعالى عن ذلكَ الرجلُ، الرجلُ الذي أَمْرُهُ عَجَبٌ، مِن آلِ فِرعون، مِن قومِ فِرعون، لا ليسَ مِن بني إسرائيلَ هو مِن آلِ فِرعون، وهو مِن بينِهم آمَنَ، آمَنَ بموسى وما جاءَ به، ولا بدَّ أنْ يكتمَ إيمانَهُ، يكتمَ إيمانَهُ، مؤمنٌ في الباطنِ ولا يَعلمُ بِه فرعونُ أنه مؤمنٌ، ثمَّ جاءَ مُنَاصِحَاً على أنه مِن آلِ فرعونَ.
{وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ} {رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ} {يَكْتُمُ إِيمَانَهُ} {وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ} فكأنَّ هذا رَدٌّ على فرعونَ في قوله: {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} [غافر:26] {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ}
{وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ} كَذِبُهُ عليهِ ويَلقى جزاءَهُ {وَإِن يَكُ صَادِقًا} هذا أخطرُ عليكم {وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ}
{يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} كأنه يخاطبُ فرعونَ ومَلَائِهِ {يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ} هذا يدلُّ على أنه يُخاطِبُ فرعونَ؛ لأنَّهُ جاءَ الردُّ مِن فرعونَ -سبحان الله- {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى} يعني: ما أقولُ لكمْ وأدعوكُم إليهِ لَمَا أراهُ لكم رشداً، {مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ} سبحان الله! منطقٌ معكوسٌ، وهذا مناسِبٌ لقولِهِ: {إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر:26]
{قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ} هذا أولُ الحوارِ الذي بينَ هذا الرجلِ المؤمنِ الذي هو مِن آلِ فِرعونَ وهو يَكْتُمُ إيمانَهُ، والآياتُ الـمُشتَمِلَةُ على ذلك الحوارِ عديدةٌ، فقصتُهُ باقيةٌ، ودعوتُهُ في الآياتِ الآتيةِ: {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ} [غافر:30] {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ} [غافر:38] {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ} سبحان الله! ولم يُذْكَر لَهُ اسمٌ، المهم أنَّنا علمْنَا أنَّ مِن آلِ فرعونَ رجلٌ مؤمنٌ ناصحٌ لمْ يكنْ مؤمناً فقط ويكتمُ إيمانَهُ، لا، قامَ داعياً إلى اللهِ مُحَذِّرَاً مِن فرعونَ وقومِهِ، مُحذِّراً لهم، إلى آخرِ ما جاءَ في الآياتِ التاليةِ. سبحان الله.
(تفسيرُ السعدي)
– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، قالَ الشيخُ عبدُ الرحمن السعدي -رحمَه الله تعالى-:
وَمِنْ جُمْلَةِ الْأَسْبَابِ، هَذَا الرَّجُلُ الْمُؤْمِنُ
– الشيخ : اصبر "وَمِنْ جُمْلَةِ"؟
– القارئ : "الأسباب"؟
– الشيخ : لا، قبل بشوي.. نسينا
– القارئ : قالَ في الكلامِ الذي قبلِهِ قالَ:
{مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ} أَيْ: يَحْمِلُهُ تَكَبُّرُهُ وَعَدَمُ إِيمَانِهِ بِيَوْمِ الْحِسَابِ عَلَى الشَّرِّ وَالْفَسَادِ، يَدْخُلُ فِيهِ فِرْعَوْنُ وَغَيْرُهُ، كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي الْقَاعِدَةِ، فَمَنَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِلُطْفِهِ {مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ}
– الشيخ : فمنعَ اللهُ موسى يعني: حَمَاهُ اللهُ وعصمَهُ وكفاهُ شَرَّ فِرعونَ وتهديدَهُ، "فمنعَهُ": منعَهُ يعني: عصمَهُ وكَفَّ شرَّ فرعونَ عَن أنْ يصلَ إليهِ وأنْ يقتلَهُ، سبحان الله! آيةٌ مِن آياتِ اللهِ، كونه بهذا الطغيانِ وبهذا الجَبَرُوتِ والكِبْرِ، كفَّهُ اللهُ ومنعَهُ مِن أنْ يفعلَ ما ذكرَ مِن قتلِهِ أو مِن إرادتِهِ لقتلِ موسى، {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر:26] وقال موسى: {وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي} لجأ إلى اللهِ احتمَى به {إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِّن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَّا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ} [غافر:27]
– القارئ : فَمَنَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِلُطْفِهِ مِنْ {كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ}، وَقَيَّضَ لَهُ مِنَ الْأَسْبَابِ مَا انْدَفَعَ بِهِ عَنْهُ شَرَّ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ.
وَمِنْ جُمْلَةِ الْأَسْبَابِ: هَذَا الرَّجُلُ الْمُؤْمِنُ الَّذِي مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ مِنْ بَيْتِ الْمَمْلَكَةِ، لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ كَلِمَةٌ مَسْمُوعَةٌ، وَخُصُوصًا إِذَا كَانَ يُظْهِرُ مُوَافَقَتَهُمْ وَيَكْتُمُ إِيمَانَهُ، فَإِنَّهُمْ يُرَاعُونَهُ فِي الْغَالِبِ مَا لَا يُرَاعُونَهُ
– الشيخ : منهم، منهم، هذا لَهُ منزلةٌ؛ ولهذا حاورَ فرعون، أبَد كأنَّهُ مِن البطانةِ، وهذا بطانةٌ صالحةٌ، سبحان الله!
– القارئ : فَإِنَّهُمْ يُرَاعُونَهُ فِي الْغَالِبِ مَا لَا يُرَاعُونَهُ لَوْ خَالَفَهُمْ فِي الظَّاهِرِ
– الشيخ : إي "لَوْ خَالَفَهُمْ فِي الظَّاهِرِ" لا بد، لو أظهرَ أنه يُؤيِّدُ موسى، لكن جاءَ بطريقةِ منطقٍ، ناحية عقلية، {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ} يعني: صارَ في احتمال عندَه، ما قال: أنه صادقٌ، وأنه كذا، ويجبُ أن تَتْبَعُوهُ، لا، {إِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ} الأمر خَلُّوه مُحتمَل.
– القارئ : كَمَا مَنَعَ اللَّهُ رَسُولَهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ قُرَيْشٍ،
– الشيخ : لكن معَ الفرقِ، معَ الفرقِ، هذا مُؤمِنٌ، وهذا كافرٌ.
– القارئ : حَيْثُ كَانَ أَبُو طَالِبٍ كَبِيرًا عِنْدَهُمْ، مُوَافِقًا لَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ
– الشيخ : موافقًا لهمْ على دينِهم، ظاهراً وباطناً.
– القارئ : وَلَوْ كَانَ مُسْلِمًا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ ذَلِكَ الْمَنْعُ.
فَقَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الْمُؤْمِنُ الْمُوَفَّقُ الْعَاقِلُ الْحَازِمُ، مُقَبِّحًا فِعْلَ قَوْمِهِ، وَشَنَاعَةَ مَا عَزَمُوا عَلَيْهِ: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} أَيْ: كَيْفَ تَسْتَحِلُّونَ قَتْلَهُ وَهَذَا ذَنْبُهُ وَجُرْمُهُ أَنَّهُ يَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ، وَلَمْ يَكُنْ أَيْضًا قَوْلًا مُجَرَّدًا عَنِ الْبَيِّنَاتِ؟ وَلِهَذَا قَالَ: {وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ}؛ لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ اشْتُهِرَتْ عِنْدَهُمُ اشْتِهَارًا عَلِمَ بِهِ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ، أَيْ: فَهَذَا لَا يُوجِبُ قَتْلَهُ، فَهَلَّا أَبْطَلْتُمْ
– الشيخ : قد يكونُ أنه استطاعَ أن يتكلَّمُ بهذا الكلامِ؛ لأنَّهُ يَعرفُ أنَّ فرعونَ هو يَعْلمُ صدقَ موسى، فهو جاء بطريقِ أنَّ الأمرَ مُحْتَمَلٌ وكذا..، لأنه تَكلَّمَ بكلماتٍ فيها الإيمانُ، {وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ} {جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ}، فهذا يمكن يصير يمشي ويتوجَّهُ إذا عرفْنَا أنَّ فرعونَ يَعلمُ صدقَ موسى كما قال الله عن موسى أنه قالَ لفرعون: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ} [الإسراء:102] {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [النمل:14]
– القارئ : فَهَذَا لَا يُوجِبُ قَتْلَهُ، فَهَلَّا أَبْطَلْتُمْ قَبْلَ ذَلِكَ مَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْحَقِّ، وَقَابَلْتُمُ الْبُرْهَانَ بِبُرْهَانٍ يَرُدُّهُ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ نَظَرْتُمْ: هَلْ يَحِلُّ قَتْلُهُ إِذَا ظَهَرْتُمْ عَلَيْهِ بِالْحُجَّةِ أَمْ لَا؟ فَأَمَّا وَقَدْ ظَهَرَتْ حُجَّتُهُ، وَاسْتَعْلَى بُرْهَانُهُ، فَبَيْنَكُمْ وَبَيْنَ حِلِّ قَتْلِهِ مَفَاوِزُ تَنْقَطِعُ بِهَا أَعْنَاقُ الْمَطِيِّ.
ثُمَّ قَالَ لَهُمْ مَقَالَةً عَقْلِيَّةً تُقْنِعُ كُلَّ عَاقِلٍ بِأَيِّ حَالَةٍ قُدِّرَتْ، فَقَالَ: {وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ}
أَيْ: مُوسَى بَيْنَ أَمْرَيْنِ: إِمَّا كَاذِبٌ فِي دَعْوَاهُ أَوْ صَادِقٌ فِيهَا، فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَكَذِبُهُ عَلَيْهِ، وَضَرَرُهُ مُخْتَصٌّ بِهِ، وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ حَيْثُ امْتَنَعْتُمْ مِنْ إِجَابَتِهِ وَتَصْدِيقِهِ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ، وَأَخْبَرَكُمْ أَنَّكُمْ إِنْ لَمْ تُجِيبُوهُ عَذَّبَكُمُ اللَّهُ عَذَابًا فِي الدُّنْيَا وَعَذَابًا فِي الْآخِرَةِ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُصِيبَكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ، وَهُوَ عَذَابُ الدُّنْيَا.
وَهَذَا مِنْ حُسْنِ عَقْلِهِ، وَلُطْفِ دَفْعِهِ عَنْ مُوسَى، حَيْثُ أَتَى بِهَذَا الْجَوَابِ الَّذِي لَا تَشْوِيشَ فِيهِ عَلَيْهِمْ، وَجَعَلَ الْأَمْرَ دَائِرًا بَيْنَ
– الشيخ : يعني مناقشةٌ عقليةٌ، ما جزم وقال: "هذا صادق، إنه صادقٌ جاءَكُم بالبيناتِ مِن ربِّكم، إذاً هو صادقٌ فلا بدَّ أنْ تؤمنوا به" لا، جَعَلَ الأمرَ مُحتمَلاً، على كلِّ تقديرٍ لا مُبَرِّرَ لقتلِهِ.
– القارئ : وَجَعَلَ الْأَمْرَ دَائِرًا بَيْنَ تَيْنِكِ الْحَالَتَيْنِ
– الشيخ : بين؟ تِلْكَ
– القارئ : بين تَيْنِكِ
– الشيخ : " تَيْنِكِ " تثنيةٌ، "تِي" المؤنث، اسمُ إشارة، مثل: "ذَيْنِكَ" و" تَيْنِك ". "ذَيْنِكَ" للمذَكَّرِ، تُقالُ: "ذا" و"ذِي" و"تِي". "تِي" اسمُ إشارةٍ، الشيخ يقول: " تَيْنِكِ " أي: "ذَيْنِكَ" يعني: اسمُ إشارةٍ للمؤنَّثِ، "ذا" و"ذِي" و"تِي"، وجعلَ الأمر دائرًا بين تَيْنِكَ، تَيْنِكَ الحالتين.
– القارئ : وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَقَتْلُهُ سَفَهٌ وَجَهْلٌ مِنْكُمْ.
ثُمَّ انْتَقَلَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ وَغَفَرَ لَهُ وَرَحِمَهُ إِلَى أَمْرٍ أَعْلَى مِنْ ذَلِكَ، وَبَيَانِ قُرْبِ مُوسَى مِنَ الْحَقِّ فَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ} أَيْ: مُتَجَاوِزُ الْحَدِّ بِتَرْكِ الْحَقِّ وَالْإِقْبَالِ عَلَى الْبَاطِلِ. {كَذَّابٌ} بِنِسْبَتِهِ مَا أَسْرَفَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ، فَهَذَا لَا يَهْدِيهِ اللَّهُ إِلَى طَرِيقِ الصَّوَابِ، لَا فِي مَدْلُولِهِ وَلَا فِي دَلِيلِهِ، وَلَا يُوَفَّقُ لِلصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، أَيْ: وَقَدْ رَأَيْتُمْ مَا دَعَا مُوسَى إِلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ، وَمَا هَدَاهُ اللَّهُ إِلَى بَيَانِهِ مِنَ الْبَرَاهِينِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْخَوَارِقِ السَّمَاوِيَّةِ، فَالَّذِي اهْتَدَى هَذَا الْهُدَى لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُسْرِفًا وَلَا كَاذِبًا، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى كَمَالِ عِلْمِهِ وَعَقْلِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِرَبِّهِ.
ثُمَّ حَذَّرَ قَوْمَهُ وَنَصَحَهُمْ، وَخَوَّفَهُمْ عَذَابَ الْآخِرَةِ، وَنَهَاهُمْ عَنِ الِاغْتِرَارِ بِالْمُلْكِ الظَّاهِرِ، فَقَالَ: {يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} أَيْ: فِي الدُّنْيَا {ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ} عَلَى رَعِيَّتِكُمْ، تُنَفِّذُونَ فِيهِمْ مَا شِئْتُمْ مِنَ التَّدْبِيرِ، فَهَبْكُمْ حَصَلَ لَكُمْ ذَلِكَ وَتَمَّ -وَلَنْ يَتِمَّ- {فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ} أَيْ: عَذَابُهُ {إِنْ جَاءَنَا}؟ وَهَذَا مِنْ حُسْنِ دَعْوَتِهِ حَيْثُ جَعَلَ الْأَمْرَ مُشْتَرِكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ بِقَوْلِهِ: {فَمَنْ يَنْصُرُنَا} وَقَوْلُهُ: {إِنْ جَاءَنَا} لِيُفْهِمَهُمْ أَنَّهُ يَنْصَحُ لَهُمْ كَمَا يَنْصَحُ لِنَفْسِهِ، وَيَرْضَى لَهُمْ مَا يَرْضَى لِنَفْسِهِ.
فَـ {قَالَ فِرْعَوْنُ} مُعَارِضًا لَهُ فِي ذَلِكَ، وَمُغَرِّرًا لِقَوْمِهِ أَنْ يَتَّبِعُوا مُوسَى: {مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ} وَصَدَقَ فِي قَوْلِهِ: مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَلَكِنْ مَا الَّذِي رَأَى؟
رَأَى أَنْ يَسْتَخِفَّ قَوْمَهُ فَيُتَابِعُوهُ، لِيُقِيمَ بِهِمْ رِيَاسَتَهُ، وَلَمْ يَرَ الْحَقَّ مَعَهُ، بَلْ رَأَى الْحَقَّ مَعَ مُوسَى وَجَحَدَ بِهِ مُسْتَيْقِنًا لَهُ.
وَكَذِبَ فِي قَوْلِهِ: {وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ} فَإِنَّ هَذَا قَلْبٌ لِلْحَقِّ، فَلَوْ أَمَرَهُمْ بِاتِّبَاعِهِ اتِّبَاعًا مُجَرَّدًا عَلَى كُفْرِهِ وَضَلَالِهِ، لَكَانَ الشَّرُّ أَهْوَنَ، وَلَكِنَّهُ أَمَرَهُمْ بِاتِّبَاعِهِ، وَزَعَمَ أَنَّ فِي اتِّبَاعِهِ اتِّبَاعَ الْحَقِّ، وَفِي اتِّبَاعِ الْحَقِّ اتِّبَاعَ الضَّلَالِ.
– الشيخ : يعني: اتِّبَاعَ موسى.
– القارئ : {وَقَالَ الَّذِي آمَنَ} مُكَرِّرًا دَعْوَةَ قَوْمِهِ غَيْرَ
– الشيخ : إلى هنا، نعم حَسْبُكَ.
– طالب: في قولِ مؤمنِ آلِ فرعونَ: {وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} هل هذا إيمان يقيني؟
– الشيخ : لا، هو يتظاهرُ، ما هو بإيمان، هو مُؤمِنٌ يقين، هو مؤمن يقينٌ لكنه يكتمُ إيمانَهُ، والآن هذا خطابُ مَن لمْ يُظهِر إيمانَه، هو الآن يتظاهرُ أنه ما هو بمؤمن، هو يتظاهر، يتظاهر أنه..، لأنَّهُ لو أعلنَ إيمانَه لمْ يتهيأْ لَه، لو أظهرَ اتِّبَاعُهُ لموسى، خلاص يصبح خَصماً مخاصماً، لكن هو منهم ومُقَرَّبٌ، ومُقَرَّبٌ مِن فرعونَ، مِن الأسرةِ، سبحان الله!